الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الشاعرة البحرينية وضحى المسجن: أكتب حين أتألم.. والتجارب الشعرية الجاد نادرة فى الوطن العربى




كتب - خالد بيومى
 
الشاعرة البحرينية وضحى المسجن من الأصوات النسائية المبدعة فى الوطن العربى، لجأت للكتابة لمقاومة السقوط فى هاوية الأسئلة المتفجرة التى تبحث عن إجابة، ترى أن الشعر جزيرة جميلة غير أننا لا يمكن أن نوقف الحركة الطبيعية للتمدن والعلم من أجل  هذه الجزيرة، ولا يقلقها انتشار الشعر وسهولة نشره على المواقع الإلكترونية، بل ترى على العكس أن هذه المواقع تسهل عملية النشر وتتيح الفرصة لأصوات جديدة، مؤكدة أن الجيد فقط هو ما يتبقى، وفى حكم قاسى وجرىء قالت: إن التجارب الشعريّة الجادة  والمميزة نادرة جداً فى الوطن العربى، بسبب صعوبة أن تكتب المرأة نفسها جسدياً ونفسياً بشكل جاد فى مجتمع عربى، رؤيتها للشعر فى البحرين والوطن العربى عامة، ورأيها فى ثورات الربيع العربى دار معها هذا الحوار: 
■ متى وكيف بدأتِ كتابة القصيدة؟
- فى سن الحادية عشر انتقلتُ مع أسرتى للعيش فى المدينة، وكان الانتقال للمدينة هو الجانب الأكثر تعقيداً فى حياتى، إذ أن الوحشة العادية التى تشعر بها أى طفلة، انتقلت من حياة ريفية هادئة ومحدّدة وواضحة إلى حياة أكثر تعقيداً كانت مُضاعفة وغريبة للطفلة التى كنتها، لم أتوافق مع المدينة  أبداً  مما جعلنى ميّالة للعزلة التى جعلت كل خوف أو غموض أشعر به يتحوّل إلى سؤال.
بمرور الوقت وتضخم الأسئلة شعرتُ أنى أمضى إلى هاوية فكتبتُ لأتجاهل هذه الهاوية، فى الثالثة عشر من عمرى  بدأت أهرب من الآلم إلى الكتابة وفى هذا العمر كتبتُ أول السطور  دون أن أفكر فى تصنيفها لجنس أدبى محدد إلى أن اكتشفتُ لاحقاً من خلال اطلاعى على بعض الكتب فى المكتبة المدرسيّة  أن ما يصلح للتعبير عن الضجيج المعقد الذى يحيط بروحى يسمونه الشِعر.
■ ما طقوسكِ فى كتابة القصيدة؟
- ليس لدىّ خطة  معيّنة..أكتب حين أتألم؛ لذا فإن كثيراً من قصائدى تحدث لوحدها تقريباً.
■ برأيكِ هل أصبح الإنسان كائناً مهمشاً؟
- التغيّر فى التعاطى مع الإنسان خاضع للتبدّل دائماً بتغير مفردات الحياة، فالتطورات السريعة التى تمر بها المجتمعات وكذلك الكوارث والأزمات تجعل الفرد فى مواجهة جديدة مع الوجود تتغير على إثرها أمور كثيرة من بينها طريقة التعامل مع الإنسان، والقول إن الإنسان صار مهمشاً فى وقتنا الحاضر واقع لا يمكن إنكاره، غير أنه يمكن تقليل الآثار المترتبة على هذا الواقع من خلال إعادة تقويم العلاقات الإنسانية وهذا يتأتى بالإدراك أن قضية الإنسان المهمش قضيّة لها ظروفها الموضوعيّة التى جعلت الناس  يبتعدون عن جوهرهم الإنسانى ولا يقيمون اعتباراً للإنسان.
ولعل الفوارق المعيشية الشاسعة التى تقسّم البشر لصنفين صنف يستمتع بالحياة وصنف يكابد الحياة أهم سبب لهذا التهميش.. ما الذى نتوقعه من البشر حين تتحول حياتهم لمباراة متواصلة لنيل فرصة للعيش الكريم؟!           
■ فى ظل تعملق الآلة وتقزّم الإنسان..هل بقى للشِعر قيمة؟
- أؤمن أن الشعر جزيرة صغيرة فى كيان العالم، وهى جزيرة   جميلة غير أننا لا يمكن أن نوقف الحركة الطبيعية للتمدن والعلم من أجل هذه الجزيرة، فرغم جمالية الشِعر فإن المجتمع كما يقول أوكتافيو باث لا يمكن أن يتحقق على هيئة شِعر، من جهة أخرى أنا مؤمنة أيضاً أن الفنون لا تفقد قيمتها أبداً، لكنها  تصبح نادرة الوجود أحياناً عندما يُساء إلى الخيال، والمفارقة الغريبة أن الإساءة إلى الخيال قد تصدر من الإنسان وهو مبتدع فكرة الخيال أكثر مما تصدر من الآلة.
■ هل ثورة المعلومات ستبقى على الشِعر الحقيقى؟
- فى كل المراحل التى مرّ بها الشِعر العربى بقى من الشِعر أحسنه واندثر الردىء، والتدفق الهائل للقصائد عبر شبكة المعلومات أمر طبيعى لتخفف أصحاب المواقع من الاشتراطات اللازمة لنشر قصيدة ما فى مواقعهم، بعكس النشر الورقى الذى يخضع فى كثير من الأحيان لاشتراطات كثيرة تقف عائقاً حتى أمام انتشار الشِعر الجيد، وهذا الانتشار الهائل للقصائد على شبكة المعلومات لايضر بالشِعر الحقيقى أبداً  طالما هناك  المتذوق والقارئ الحقيقى الذى يميّز الحسن من الردىء.
والشبكة المعلوماتية رغم سهولة النشر فيها ليست مسئولة  دائماً عن الرداءة، فلا نغفل أن ثمّة تجارب شعريّة انتشرت عن طريق وسائل إعلامية أخرى كالصحف مثلاً وما هى إلا رصف  للكلمات لا أكثر، الوقت دائماً كفيل بالغربلة والانتصار للحقيقى على الردىء.
■ كيف تقيمين تجربة المرأة الشاعرة  فى البحرين خاصة أن الشِعر كان محرماً على المرأة قبل فترة قصيرة؟
- فى العموم من الصعب أن تكتب المرأة نفسها جسدياً ونفسياً بشكل جاد فى مجتمع عربى سواء فى البحرين أو أى دولة أخرى، لذا فإن التجارب الشعريّة الجادة  والمميزة نادرة جداً فى الوطن العربى، إذا اعتبرنا أن الشهرة أمر مختلف عن التميّز، وإذا أدركنا أيضاً أن كتابة المرأة نفسها جسدياً ونفسياً أمر مختلف أيضاً عن الكتابة بجرأة مفتعلة هى فى كثير من الأحيان جرأة مفرّغة.
أما بالنسبة لتقييم تجربة المرأة الشاعرة فى البحرين، فهذا شغل أهل النقد.. كل ما أستطيع  قوله إن المشهد الشعرى فى البحرين ينبئ بالجديد دائماً  فإلى جانب الرواد مثل حمدة خميس وإيمان أسيرى هناك جيل شاب بدأ يثبت نفسه.
■ كيف تتأملين ثورات الربيع العربى بعيون مبدعة؟
- كان لابد من هذه  الثورات احتراماً للإنسان الذى لا يزال يأكل من أجل سد الجوع، فى الوقت الذى صار فيه الأكل فناً جعل الناس تتأنق فى اختيار الطعام الذى يوافق أمزجتهم، كان لابد من الثورات احتراماً للإنسان الذى لا يزال يطمع فى مسكن ليأويه فى الوقت الذى تحوّل فيه البيت عند آخرين لمتحف يزخر بأفخر الأثاث والإكسسوارات، ألم يضرم محمد البوعزيزى النار فى جسده احتجاجاً على إهدار كرامة الإنسان وإذلاله من أجل لقمة العيش.