الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

لماذا تخلفنا؟ ولماذا تقدم الآخرون؟




كتبت – تغريد الصبان

يستكمل الكاتب شريف الشوباشى انشغاله بتحليل المجتمع ومتغيراته المجتمعية وما يستجد من سلوكيات تطرا على النسيج المجتمعى لمصر بجميع فئاته، مناقشا لأهم مشكلة تواجهه وهو تعثره فى حصوله على حريته بجميع أشكالها الفكرية والدينية والثقافية والمعرفية، ففى كتابه الصادر مؤخرا عن دار العين « لماذا تخلفنا؟ ولماذا تقدم الآخرون؟ « يصطحب الكاتب قارئه فى التعمق والتأمل فى جذور العقل العربى والإسلامى، بحثا عن منابع التخلف الحضارى الذى نعانى منه اليوم، واكتشاف الأسباب التى تمنع إقامة مجتمعات ديمقراطية، يتاح العيش فيها لجميع طبقات الشعب دون تمييز.
ففى الفصل الأول من الكتاب «إليكم يا حراس الماضى» يتطرق الكاتب إلى أزمة الفجوة والخصام ما بين ثقافتنا وبين الزمن والتطور مما أعاق تطور الحضارة الإسلامية، فيذكر الشوباشى أن العربى لا يدرك جدلية الزمن لأنه مقتنع بأن ما هو صالح فى عصر ما صالح لكل العصور، وهى قناعة تلعب دورا أساسيا فى تيبس العقل العربى والإسلامى، وأبدى الشوباشى اندهاشه من خطب صلاة الجمعة بالمساجد التى تتحدث عن عظمة الحضارة الإسلامية، وأنه لم يكن من الممكن أن تكون أبدع مما كانت عليه، وأن رجالها الأوائل كانوا ملائكة، مشيرا إلى أن هذا الكلام مخالف للواقع، ومناقض للعقل، وبالرغم من دوره الحيوى فى تماسك المجتمعات العربية، ورفع معنويات الشعوب، إلا أنه يزيد من حالة الكسل العقلى والتراخى الفكرى والعزوف عن العمل والارتكال على أمجاد الماضى.
من الفصول الهامة أيضا فصل «الجبْر» الذى يتعرض لعيوب التربية الشائعة فى مصر والعالم العربى، خلال سعى الأهل المستمر لفرض أسلوب حياة وتصرفات معينة على الأولاد، موضحا أن هذه التربية تؤدى إلى قتل روح المبادرة، وسلب الإرادة الحرة من النفس، وإخماد الشعور بالمسئولية، وأكد الشوباشى أن الجبْر قد تجاوز الأمور الشكلية إلى جميع مناحى الحياة، متعجبا من إذعان الإنسان إلى ذلك وهو مقتنع بأنه يختار بمحض إرادته لأن الخضوع لما أمر به هو أمر طبيعى، وأن التمرد على السلطة أمر غير مقبول، وأن الدين والأخلاق تحتم عليه الالتزام، مما أعطى قداسة للسير فى القطيع وأى محاولة للتفكير الحر المستقل بمثابة خروج على صحيح الدين! ... يكشف الشوباشى عن أن منبع نزعة الفرض والإجبار المهيمنة على ثقافتنا جاءت من داخل عقول علماء فهموا النص القرآنى على أنه سلسلة من الأوامر والنواهى لا تسمح للإنسان بالاختيار والتدبر، وأن الإنسان المؤمن مضطر إلى الخضوع لنوعية من الحياة مستنبطة من القواعد التى وضعها القرآن والسنة طبقاً للتفاسير والأحكام التى فرضها هؤلاء العلماء على الناس جيلاً بعد جيل.
عن أسباب سحق المعتزلة تحدث الشوباشى فى « لهذا سُحق المعتزلة» عن أفكار المعتزلة وآرائهم، مؤكدا أن الحقبة التى هيمن فيها فكر المعتزلة كانت أغنى وأعظم حقب الحضارة العربية الإسلامية وأكثرها خصوبة، وأن اختفاء فكرهم ليصبح فى ذمة التاريخ هو دليل قاطع على أن الفكر التقليدى الاتباعى تمكن من فرض سيطرته الكاملة على العقل العربى برغم وجود جيوب للمقاومة، كما يكشف الفصل عن سبب كراهية الفكر النقلى المنغلق وعدائه للمعتزلة، لكنه اكتفى بالتركيز على ثلاثة من أصول الاعتزال التى استثارت غضب المنظومة العقلية المتجمدة، وأول هذه الأصول «العدل» وثانيها قضية «الثواب والعقاب» ثم الأصل المعروف بتسمية «منزلة بين المنزلتين»، شارحا كل أصل من هذه الأصول على حدا، ويعرض سبب رفض الفكر التقليدى لهذه الأصول، فى مقارنة عميقة بين الفكرين.
يختتم الشوباشى كتابه بفصل «الإجــابة» الذى يجيب فيه على سؤاله الأساسى «لماذا تخلفنا ولماذا تقدم الآخرون؟»، مناديا باستثمار ماضينا العظيم واستخدامه كأساس لبناء الحضارة المستقبلية، أى نبنى فوق ما تركه السلف بعد أن نقوم بعملية غربلة لما هو صالح لعصرنا، ونترك ما هو غير صالح، دون أن نخشى من صيحات حراس التقاليد، وعبدة التراث.