الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تأمين المتاحف وحمايتها قنبلة موقوتة تهدد وزارة الآثار!




  تحقيق - علاء الدين ظاهر
فى ظل الغياب الأمنى غالبا ما تتعرض المنشآت العامة وربما الخاصة أيضا للتعدى بالسلب والنهب من قبل من اعتادوا الإجرام.. ولأنهم مجرمون فهم لا يفرقون بين التراث الوطنى والقومى للأمة كالآثار سواء كانت قطع أثرية أو مبانى ذات قيمة ويصعب تعويضها.. ولعل أبلغ ما يعبر عن هذا هو ما حدث فى أعقاب ثورة 25 يناير واقتحام المتحف المصرى وتمت سرقة نحو 25 قطعة أثرية نادرة لا تقدر بثمن بالإضافة إلى تحطيم عدد آخر من القطع.
وبعد كل حادث ترتفع الأصوات ويعلوا الغضب ويبدى الجميع الحسرة والندامة على سرقة القطع الأثرية أو اتلافها وتكسيرها ثم يهدأ الجميع وكأن شيئا لم يكن.

وقد أعاد مشهد سرقة متحف المنيا إلى الأذهان من جديد ما حدث للمتحف المصرى ولكن ما يدمى القلب إن متحف ملوى الذى كان يحوى بين جدرانه 1048 قطعة أثرية سرقت بالكامل تقريبا وحتى نكون محددين فقد تمت سرقة 1040 قطعة وتبقت القطع الثقيلة التى لم يستطع اللصوص سرقتها نظرا لأوزانها الصخمة أى أنهم تركوها مضطرين أو رغما عنهم.
هل يعقل أن يترك متحف به هذا العدد الضخم بدون تأمين أو حراسة خاصة مع تهديد الجماعة المحظورة وأعوانها بالتخريب والتدمير لكل ما سوف تقع عليه أيديهم.
المأساة تكمن فى أن مصر التى يوجد بها معظم أثار العالم لا تضع خططا وأساليب متطورة لحماية هذه الآثار والمحافظة عليها.
إضافة إلى عدم توفير أفراد أمن مدربين وبشكل كاف لحماية هذه الآثار التى تمثل تراث الأمة المصرية وتاريخها عبر العصور المختلفة أيا ما كانت الأسباب والحجج التى تساق من هنا وهناك فعلى من لا يستطيع حماية تراث المصريين وآثارهم التخلى فورا عن موقعه خيرا من ضياع هذا التراث وهم يتفرجون فى النهاية لن نبكى على اللبن المسكوب ولكن ما هى الخطط الأمنية والتكنولوجيا التى سوف تستخدم فى حماية هذه الثروات والتراث والفريد والمتفرد للمصريين هذا ما سنكشفه فى السطور القادمة:
أهالى المنيا الشرفاء لعبوا دورا كبيرا فى إعادة قطع كثيرة من مسروقات متحف ملوى الفترة الماضية، إلا أن ما تعرض له المتحف فتح الباب وبقوة للحديث عن تأمين الآثار والمتاحف والمواقع بالشكل الكافى الذى يضمن حمايتها، خاصة أن الهجوم الذى تعرض له متحف ملوى نتج عنه مقتل أحد الأثريين العاملين به وشرطى من قوة تأمينه وإصابة مدير المتحف أحمد عبدالصبور، مما جعل عددا كبيرا من الأثاريين يطلقون مناشدات عديدة لشرطة السياحة والآثار والجيش المصرى حماية الأماكن الأثرية والمتاحف.
ولأن واقعة سرقة متحف ملوى كانت فادحة وكارثة بكل المقاييس.. وأيضا الإهمال الجسيم فى تأمينه، فقد أصدر المجلس الدولى للمتاحف (الأيكوم) بيانا شديد اللهجة فى مقدمة توصيات المؤتمر الدولى للمتاحف الثالث والعشرون الذى عقد فى مدينة ريو دى جانيرو بالبرازيل بمشاركة خبراء من كل دول العالم أدان فيه ما تتعرض له المنشآت والمبانى الأثرية فى مصر من تخريب وتدمير وسرقات على أيدى جماعات إرهابية ولصوص، كذلك أدان مدير عام المجلس الدولى للمتاحف ( الايكوم ) د. هانز مارتن العنف والتطرف وهو على اتصال دائم بالجماعات المتطرفة فى مصر وسوريا من سلب ونهب للمتاحف والمناطق الأثرية وتدمير التراث الثقافى.
كما أصدرت إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو قرارا بإيفاد بعثة فنية تضم خبراء متخصصين للتعاون مع خبراء وزارة الآثار لتقييم حجم التدمير الذى لحق بعدد من المبانى ذات الطابع الأثرى فى مصر، وتقييم الأضرار التى أصابت القطع الاثرية الخاصة بمتحف ملوى، ووضع خطة عمل لترميم ما تم تدميره وإعادته إلى صورته الطبيعية، خاصة أنه تجرى حاليا ترتيبات مع د.محمد إبراهيم وزير الآثار لإقامة ورشة عمل باليونسكو خلال الأسابيع القادمة يشارك بها عدد من المسئولين بالوزارة وخبراء اليونسكو وممثلين عن المجتمع المدنى المعنيين بشئون التراث الثقافى المصرى بهدف بحث سبل حماية التراث الثقافى المصرى وترميمه والحفاظ عليه.
المثير أن سرقة متحف ملوى ربما لأنها كانت الأكثر قسوة لهذا العدد الكبير من القطع الأثرية الذى فقد، إلا أن هناك محاولات لسرقات وهجوم على أماكن أخرى ربما لم ينتبه إليها أحد، حيث قال الأثرى أحمد شهاب نائب رئيس جمعية رعاية العاملين بالآثار وحماية آثار مصر أن متحف المنيل تعرض لهجوم فاشل ومهدد الآن بالسرقة خاصة أن أفراد الأمن فى المتحف كباقى المتاحف والمواقع الأخرى غير مسلحين فى حين قالت الأثرية مروة الزينى عضوة الحملة المجتمعية للرقابة على التراث والآثار أن تل الأحمر بالشارونة بالمنيا تعرض لمحاولة سطو من عصابات مسلحة وكادت تسرق الخزائن الخاصة بمتحف المنطقة وهى تحتوى على قطع ذهبية إلا أنه تم التصدى لهم من قبل الأهالى ورجال الشرطة وحالوا بينهم وبين نهب الآثار وسرقتها، كما أن منطقة آثار إسطبل عنتر شمال مقابر بنى حسن الشرقية بالمنيا وتضم بقايا معبد بنت الملكة حتشسبوت تتعرض يوميا لأعمال حفر خلسة وسط عجز حراس الآثار عن حمايتها، ومع تصاعد القلق طالب أثاريون وزير الآثار ومدير الإدارة العاملة لشرطة السياحة والآثار بحماية المخزن المتحفى للآثار بالبهنسا نظرا لعدم وجود قوة كافية للتأمين حيث لا يتجاوز عددهم 5 أفراد أمين شرطة و4 افراد أمن، فى حين أنه يحتوى على كميات كبيرة من الآثار المخزنة به لعرضها فى المتاحف الاقليمية التى تحت الانشاء، وعبروا عن ارتياحهم للاستجابة ووصول تعزيزات أمنية من الجيش لحماية المخزن المتحفى فى البهنسا بالمنيا، خاصة أن د.محمد ابراهيم وزير الآثار قد أجرى اتصالا بوزارتى الدفاع والداخلية بشأن تهديدات باقتحام بعض المواقع الاثرية ومنها التهديد باقتحام المخزن المتحفى بمدينة البهنسا بمحافظة المنيا، ويجرى تطوير خطط التأمين وفقا لمستجدات الأمور على أرض الواقع لتفادى أية ثغرات قد تحدث.
غياب الأمن بالدرجة الكافية أصاب أيضا مشروع تطوير القاهرة الفاطمية الذى بدأ فى عام 2009 بالتعاون بين وزارة الثقافة ومنظمة اليونيسكو لتطوير المنطقة من بوابة الفتوح وحتى تقاطع الأزهر بطول 1400م بتكلفة قدرها 23 مليون جنيه مصرى، بدأ المشروع وتم تطوير شارع المعز الذى يحتوى العديد من الآثار المهمة، والعمل فى المشروع توقف تقريبا بعد ثورة 25يناير ليترك المعاناة لسكان الشارع الذى لم يكتمل العمل به بعد حيث تم وضع مواسير مياه فوق السطح الأرض لتكون خط بديلا للمياه أثناء عملية الحفر وللأسف تم وضعها بشكل يعيق حركة مرور الافراد والسيارات حيث يضطر السكان فى بعض الاماكن للانحناء تحتها للعبور أو الصعود على سقالات قديمة ومتهالكة، كما ان الحفر تسبب فى انخفاض مستوى الشارع عن المنازل مما اضطر السكان لعمل سقالات أمام كل منزل حتى يستطيعون الدخول إلى منازلهم إلى جانب المنحدرات فى مداخل الشوارع والتى تؤثر على الحركة وتؤدى لاصابة العديد من الافراد الذين يفقدون توازنهم أثناء النزول خاصة كبار السن، هذه المعاناة يعيشها سكان شارع الجمالية دون ان يشعر بهم أحد من المسئولين.
ولكن ماذا عن المسئولين عن الآثار؟..هذا السؤال بات محيرا خاصة أن مسألة الأمن والحراسة تمثل صداعا فى رأس كل وزير للآثار ما جعل الكثير منهم يتعاملون معه بطريقة الخطب الرنانة والشو الإعلامى، لابد من إعداد خطة أمنية واضحة المعالم تسمح بتغييرها وتطويرها وفقا لمتطلبات كل مرحلة على فترات متقاربة بحيث يمكن تفادى أية سلبيات قد تطرأ على أرض الواقع، كذلك إعداد برنامج تأهيلى شامل لتدريب الحراس وأفراد الأمن القائمين على حراسة المتاحف والمواقع الأثرية حتى يؤهل كل حارس لتنفيذ الخطط الأمنية المكلف بها وآليات استكمال تسليح حراس الأمن الذين لم يتم تسليحهم بعد حتى يتوافر لكل فرد أمن القدرة على حماية موقع حراسته، كذلك إعداد حملات مخصصة للحراس تهدف الى التعريف والتوعية بقيمة الأثر حتى يدرك كل فرد أمن أهمية ما يقوم بحمايته من تراث مصر.
ولأن التأمين وتشديد الحراسة عامل مهم جدا فى الحفاظ على الآثار، فقد أطلق عدد من مديرى المناطق الأثرية قبل 30يونيو دعوات لحماية الآثار، حيث وجه سامى محمد احمد مدير عام آثار الدقهلية للآثار الإسلامية والقبطية نداء إلى جميع العاملين بالمنطقة بتشديد الحراسة والنوبتجيات الأمنية على المواقع الأثرية الموجودة بالإقليم سواء آثار (فرعونية أو إسلامية وقبطية)، والمتاحف القومية بالمحافظات نظرا للظروف الأمنية التى تمر بها البلاد فى مثل هذا الوقت العصيب، وفى حالة وجود أى تعد أو اقتحام للموقع او الأماكن الأثرية بالمحافظة يجب على القائمين بالحراسة او النوبتجيات الاتصال بالمفتش الأثرى المقيم بالموقع أو إخصائى الأمن المسئول أو مدير الموقع وذلك لعمل الإجراءات القانونية اللازمة.
مشكلة الحراسة والتأمين أبرز التحديات التى تواجه الوزارة، وهو ما جعل د.محمد إبراهيم وزير الآثار يطالب بإعادة توزيع أفراد الأمن والحراس وفقا لاحتياجات كل منطقة مع الحفاظ على الاستقرار العائلى للعاملين، كما أن كل رئيس قطاع مسئول مسئولية كاملة عن تأمين تلك المواقع بالمتابعة الدورية ومعالجة أية قصور قد تتعرض له الخطط التأمينية بالمواقع، ومشروع التأمين للمخزن المتحفى بالقنطرة ومنطقة عرب الحصن بالمطرية سوف ينتهى خلال أيام بتركيب كاميرات المراقبة والبوابات الالكترونية وهى تجربة ستعمل الوزارة على تعميمها الفترة المقبلة.
عادل عبدالستار الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار قال إن موازنة الوزارة خلال عامى 2009/2010 م مليار و300 مليون جنيه، وفى موازنة عامى 2012م /2013م وصلت الى 482 مليون جنيه منها 57 مليون جنيه شهريا للرواتب، حيث تعتمد الوزارة على الدخل من المواقع الأثرية، لذلك الازمة الرئيسية فى الوزارة هى قلة الاعتمادات، أما مشكلة الحراس والمراقبون فنحن لم نبخل بشيء عليهم، ولكن هناك مشكلة اخرى ان معظم من تم تعيينهم على درجات وظيفة مراقب أمن يبدأ فى الحصول على مؤهل عال من خلال التعليم المفتوح ويطالب بالتسوية ليتحول الى كادر الآثاريين العاملين بالوزارة وبالتالى يحدث عجز مباشر فى المراقبين الآمنين وهذه مشكلة حقيقية تواجه الوزارة، واطالب الاهالى الذين يعيشون بالقرب من المواقع الآثرية بالتعاون مع وزارة الآثار فى حماية ممتلكات الدولة من الآثار.
من جانبه قال الأثرى سامح الزهار المتخصص فى الآثار الإسلامية أن المنظومة الآمنية بوزارة الآثار تحتاج لهيكلة كاملة وذلك بأن يتم اعادة توزيع مراقبى الآمن فى المناطق والمتاحف وان يتم عمل منظومة مستقلة للأمن تخضع لرقابة الداخلية وتكون دفاتر الأحوال والحضور والانصراف الخاصة بهم تحت مراقبة شرطية ويتم التوقيع برقم السلاح وتسليم وتسلم السلاح من السلاحلك خلال الخدمات الآمنية وتكوين مجموعات خاصة لمساعدة الآمن وقت حدوث اقتحام على مكان أو التعدى على المناطق الآثرية وتسليح مراقبى الآمن بأسلحة آلية ومنحهم الذخائر الحية التى تكفيهم عند حدوث تعد على اى مكان كما يتم عمل دورات تدريبية للحراس ومراقبى الآمن عن كيفية تأمين مناطق الآثار والمتاحف.