الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

لايزال العرب يقرأون عن «عذاب القبر» و«النكاح» ويحاكمون الإبداع




كتب- خالد بيومي
 
سافرت الكاتبة والمترجمة حنان درقاوي من الغرب إلى فرنسا لظروف عائلية بحثا عن حياة أفضل، وبعد عشر سنوات اكتشفت أنها لا ترغب في العودة بعدما وجدت أشياء أخرى تفتقدها في بلادها، فمناخ الحرية الذي عاشته وفتح لها آفاقا كتابية لم تتح لها في المغرب يجعلها لا تقدر على الاستغناء عنها أو التفريط فيها، إنها الحرية التي يبحث عنها كل مبدع، ورغم حديثها المفتون بالحياة الثقافية والحريات في فرنسا ترى أن النجاح لا يتربط بمكان وهناك نماذج كثيرة نجحت وتألقت في بلدانها دون اللجوء للسفر أو الهجرة، عن العمل في الترجمة والإداع الروائي وما تقدمه دور النشر في أوروبا للمبدعين وعن رؤية الغرب وتحديدا فرنسا لثورات الربيع العربي وغيره من الموضوعات، دار هذا الحوار:
 

■ تقيمين في فرنسا منذ عشر سنوات لماذا كانت الهجرة إلى فرنسا؟
هاجرت إلى فرنسا لظروف عائلية، وطمعا في تحسين ظروف عيشي. لكنني الآن وقد أمضيت عشر سنوات دون الرغبة في العودة، أفكر أنني هاجرت أيضا من أجل مناخ الحرية التي تخولها دولة متقدمة مثل فرنسا. كنت أختنق في المغرب، فهامش الحريات كان ضئيلا رغم التطور الذي حصل في هذا المجال، كنت أكتب وأحذف أكثر مما أبقي، وأمارس رقابة داخلية صارمة على ما أكتبه، هاجرت إلى فرنسا لانها بلد العلمانية وحقوق الإنسان وفلسفة الأنوار، البلد التي يحترم فيها الفرد في اختلافه وأفكاره، في المغرب عليك أن تكون في القالب الذي جهزه لك المجتمع وإلا فإنك ضال.

■ هل صحيح أن فرنسا هي بوابة الشهرة للمبدعين المغاربة؟
هناك بالفعل مبدعون مغاربة اشتهروا انطلاقا من فرنسا، مثل: الطاهر بن جلون، لكن هناك أيضا مبدعون مغاربة صنعوا شهرتهم على أرض الوطن كمحمد شكري ومحمد زفزاف وغيرهم، وهؤلاء عاشوا وكتبوا في المغرب، ونالوا رغم ذلك الشهرة واحترام القارئ، وترجمت أعمالهم إلى لغات عديدة.

■ ماذا أعطاك المنفى وماذا أخذ منك؟
المنفى أعطاني الإحساس بالحرية في قول ما أريد قوله، أعطاني وعيا جديدا بقيمة الإنسان، الإنسان عندنا في الوطن العربي لا قيمة له، ولهذا حقوقه مبهمة، يمكن أن يداس عليها في كل حين، في حين أن الإنسان في الغرب غاية وقيمة في ذاته، لهذا تحترم حقوقه وهو واع بها، أعطاني المنفى أيضا ثقافة جديدة رغم أني كنت أعرف الثقافة الفرنسية وأنا أعيش على أرض الوطن، لكننى الآن أتعمق فيها أكثر، اتعمق في ادابها وفلسفتها وفنونها. المنفى أعطاني فوق ذلك حياة آمنة وهادئة كنت بحاجة إليها لأكتب. المنفى أخذ مني روائح الوطن، تلك الروائح التي تزكم الروح، والتي لاتشمها إلا في وطنك. أعترف أن الحنين إلى الوطن قائم ومقيم في كل لحظة.

■ تكتبين القصة والرواية وتمارسين العمل الصحفي والترجمة كيف توفقين بين هذه الاهتمامات؟
في زمن مضى كنت أراوح بين العمل الصحفي والكتابة وتدريس الفلسفة والنضال الحقوقي، وكنت أوفق بينها بالكثير من الصرامة في تنظيم وقتي، حاليا أركز على كتابة الرواية والقصة والترجمة، وأوفق بينها بتنظيم وقتي أيضا  وهي ميادين متقاربة تغتني بعضها من  بعض، فالترجمة إبداع أيضا. أترجم حاليا سلسلة عن الحب وهي أربعة كتب في السنة من مختلف التخصصات حول موضوع الحب من الفسلفة والشعر إلى البيولوجيا وكتب التطوير الذاتي وهي مغامرة لذيذة امتلئ بها قبل أن أعود إلى كتابة الرواية. الترجمة إغناء لعمل الكاتب، وأغلب الكتاب العالميين اشتغلوا بالترجمة في وقت من الاوقات.

■ ترجمت نصوصك إلى لغات مثل الفرنسية والإنجليزية والألمانية والأمازيغية كيف تنظرين إلى كتاباتك وهي تسافر إلى لغات اخرى؟
أنا سعيدة دائما حين تترجم نصوصي، فهذا يمنحها قدرا جديدا، وقدر النصوص الجميلة أن تسافر بين اللغات، أحس أن الترجمة تعطيها حياة جديدة وأمل أن يقرأني الناس في لغات الترجمة، وأن يعيشوا معي ما حكيته. هذه السنة صدرت ترجمة كتابي الأول إلى الفرنسية وكنت سعيدة بهذا الإصدار وأتمنى أن يتعرف القارئ الفرنسي على عوالمي المغربية، وأن يجد فيها ما يشترك فيه من حيث الشرط الإنساني، فنحن مهما اختلفت ثقافاتنا نشترك في وضعيتنا الوجودية ونتقارب وتنبقى الاختلافات في الثقافة ونمط التنشئة الاجتماعية، فيما عدا ذلك الإنسان له نفس الرغبات في الحب والأمان والسعادة واحترام شخصه.

■ ما الفرق بين وضعية الكاتب في الغرب ووضعية الكاتب في العالم العربي؟
الكاتب في الخارج له قراء كثيرون وفي العالم العربي القراءة قليلة تكاد تكون منعدمة في بعض الأوساط، الكاتب في الغرب له دور نشر تسانده وتقرأ مشاريعه وتنشر له ضمن شروط تضمن له العيش الكريم، أما في العالم العربي فدور النشر قليلة وغالبا ما يلزمك أن تكون اسما «وازنا» ليتم نشر أعمالك، ويدخل النشر غالبا في غياهب الرفاقية والمحسوبية والزبونية لأسماء فارغة، في حين هناك كتاب وشعراء حقيقيون لا ينشر لهم ويبقون في الظل. الساحة الثقافية عندنا موبوءة، أما في الغرب فدور النشر تبحث دائما عن الأسماء والأصوات الجديدة والنشر عندهم صناعة حقيقية وتتكفل دور النشر بالإشهار والتسويق والتوزيع فتصنع أسماء حقيقية يخلص لها القارئ، في الغرب يتمكن بعض الكتاب من العيش من كتاباتهم والتفرغ لها فيما هذا لا يحدث في العالم العربي، لأن نسبة المبيعات منخفضة، ولأن القارئ العربي يشتري ويقرأ الكتب الصفراء عن أهوال الموت وعذاب القبر ونكاح المسلمة ولا يعير اهتماما للأدب، بل بالعكس يحاكمه في أغلب الأوقات. الناس في الغرب يقرأأون في المترو وفي الحدائق العامة وفي بيوتهم وفي استراحاتهم من العمل، أما عندنا فليس هناك تقاليد للقراءة فكيف يمكن أن يزدهر الأدب وينتشر؟ في الغرب هناك فضاء للحرية يمكن الكاتب من الكتابة بحرية ويطلق العنان لخياله فيما في العالم العربي غالبا ما نمارس الرقابة على أنفسنا. أنا شخصيا أمارس هذه الرقابة على نفسي ولازلت لم أتحرر كلية من ضغوطات العالم العربي رغم أني أعيش في الغرب منذ عشر سنوات فالقمع الذي تعرضنا اليه في تربيتنا وتنشئتنا الاجتماعية يترك آثارا كبيرة ونحن لا نشفى منه بسرعة.

■ كيف ينظر الغرب إلى ثورات الربيع العربي؟
في فرنسا استقبلت الثورات العربية في البداية بالكثير من الحماس والمفاجأة فلا أحد كان يتوقع أن ينتفض العالم العربي ويقلب أنظمته. فترة حرب ليبيا كانت فترة من اشتعال الحماس والآمال بصدد هذا البلد، وقد خاضت فرنسا الحرب على القذافي بتأييد من الشعب الفرنسي، وبحماس منقطع النظير ومساندة شعبية لقوى الشعب الليبي التواق إلى الحرية. لكن الحماس تحول إلى الكثير من الريبة والإحباط حين أفرزت صناديق الاقتراع حكومات إسلامية. الغرب حاليا خائف على مصالحه في المنطقة أولا وعلى أمن إسرائيل ثانية.