الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

رائحة سبتمبر




لسبتمبر رائحة خاصة عالقة بالذهن منذ الطفولة أسميها رائحة التحولات، رائحة الخريف.. والمدارس.. وثمار البلح .. كان حضوره كل عام يحمل مشاعرمتضاربة بين الحزن على انقضاء اجازة الصيف بكل مافيها من انطلاق وراحة بال وحرية نسبية فى قضاء الوقت، والعودة إلى جرس المدرسة الذى لا يتأخر عن موعده أبدا وطابور الصباح وجدول الحصص والواجبات المنزلية ودرجات التقييم، وبين الحنين للقاء أصدقاء المدرسة الذين إفتقدناهم فى شهور الصيف.. منذ الطفولة وأنا أراه شهرا خاصا يحمل شجنا للنفس، وانقباض للروح والقلب.. ولكنه راوغنا لما كبرنا وعشقنا المسرح واشتغلنا به، فحمل لنا الفرح والبهجة ومنحنا فى مطلعه من كل عام تجمعا مسرحيا تجريبيا دوليا فى القاهرة، لنتنفس مسرحا مختلفا يجئ الينا من كل أنحاء الدنيا.. وفى يومه الحادى عشر من سنة 1996 حصلت على جائزة دولية كبرى عن عرض «الطوق والأسورة» جددت الأمل فى ان يحتل المسرح المصرى مكانة مشهودة فى المشهد المسرحى الدولى.. صار سبتمبر شهرا للمسرح والمسرحيين وأصبحنا ننتظر بلهفة عودته كل عام.

ولأنه شهر التحولات الدراماتيكية بخل علينا بهذه الفرحة.. واختار أن يوغر صدورنا ويحرق قلوبنا فجأة وبلا مقدمات، فى يومه الخامس من السنة الكئيبة 2005.. بانتزاع أحبابنا وأصدقائنا وزملائنا من بيننا.. أفضل من فينا رحلوا.. ولم يتبق لنا إلى جانب الحزن المقيم سوى تلك الرغبة الطفولية القديمة فى ألا يعود شهر سبتمبر أبدا.

أتمنى أن أتمكن من الكتابة عمن عملت معهم من الراحلين، ليس فقط من باب التوثيق لتجارب أتصور انها مهمة فى المسرح المصرى، ولكن لما فى تلك الأعمال من جهد علمى وبحثى كبير.. ففى «مساء الخير يا مصر» مع محسن مصيلحى (أعوام 1996/1997/1998) صنعنا حلقة من حلقات مسرح الكباريه السياسى فى مصر وسط ظروف سياسية غاية فى الصعوبة، استمر العرض لثلاثة مواسم بفعل الإقبال الجماهيرى على جريدة مسرحية معارضة وكاشفة لسلبيات الواقع وفشل النظام السياسى فى إدارة الدولة، وكان مهددا بالإغلاق لأكثر من مرة وتم منع تصويره..

ومع حازم شحاتة دخلنا إلى المساحات المسكوت عنها فيما يتعلق بالنوبة، وذلك فى عرضين الأول «ناس النهر» عن أعمال «حجاج حسن ادول» بمسرح الطليعة (1999/2000).. وقد نصحنا الكثيرون بالابتعاد عن تلك المنطقة الشائكة التى ستجلب لنا المشاكل والمتاعب، ولكن إصرار حازم دفع التجربة إلى الاكتمال، والعرض الثانى هو «نوبة دوت كوم» عن أعمال الراحل «إدريس على « عام (2003/ 2004) بمركز الهناجر للفنون.. وحلمنا معا بتقديم رائعة الراحل «الطيب صالح» «موسم الهجرة للشمال» ولكن القدر لم يمهلنا لتحقيق الحلم.

أما لقائى الفنى مع «مؤمن عبده» فكان ممتعا حيث صاغ ببراعة رحيل النوبى إلى الشمال وجدلية الجذور والتفاعل مع الواقع الجديد فى الإسكندرية وذلك فى عرض «وسط الدايرة» التى ضمنها مؤمن خلاصة تجربته وهو النوبى السكندرى الذى عايش التجربة واستوعب تجارب الأجيال التى سبقته فى الرحيل من نهر الجنوب إلى بحر الشمال.