الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

حرب جمال مبارك الثلاثية ضد «سليمان.. شفيق.. طنطاوي»
















كان جمال مبارك يعلم جيدا أن الجيش والمشير غير راضين عن التوريث ولن يقبلوه.. وأيضا غير راضين عن وزرائه ومجموعته في لجنة السياسات.. وربما يسأل البعض ألم يكن في إمكان جمال التخلص من «المشير» والإتيان بآخر يعضده هو ومشروعه التوريثي؟
بالتأكيد حاول مرارا وتكرارا ولكن لم يصل إلي ما يصبو إليه.. حضر احتفالاتهم وتقابل معهم في مناسبات عدة.. ولكن جميع القادة كانوا يضعون مسافة كبيرة بينهم وبينه، فلم يكن يجلس في حفلاتهم التي يقيمونها في الصفوف الأولي ولا يقف أحدهم بالخارج لاستقباله كرئيس منتظر.. وكل هذه المظاهر أعطته مؤشرا بأنه غير مرغوب فيه منهم جميعا.. فكيف يأتي بآخر؟
بالطبع لم يعجب «الوريث» ذلك وأيضا «سوزان» بألا يكون الجيش مع مشروعها هي وابنها، فنصبوا العداء لثلاثة «عمر سليمان ـ المشير طنطاوي ـ أحمد شفيق» ولكل منهم حكايات في هذا إلا أنهم مجتمعون كانوا يعلمون أن شخصية «مبارك» لا تقبل لأي منهم أن يظهر ما يتمتع به من «كاريزما» علي الشعب.. وأنه طالما كل منهم ناجح في عمله دون الإعلان عن ذلك فأهلا به وما عدا ذلك غير مقبول وثلاثتهم كانوا يتابعون الاعلام إلا فيما يسمح به النظام لهم.
كان عمر سليمان بمثابة الرجل الغامض الملتزم مهنيا وأخلاقيا وعمله في جهاز المخابرات العسكرية.. ثم بعد ذلك المخابرات العامة.. يكفل له هذا الغموض الذي يعتبر صفة أساسية يجب أن يتحلي بها أي رجل مخابرات في العالم..  ومنذ خروجه من القوات المسلحة في عام 1991 وهو عام «حسم» بمعني الكلمة لاختيار القيادات العسكرية التي تتمتع بالحرفية ولا تطمح في السلطة.. كان اختيار مبارك مبنيا علي معلومات أكيدة بأن «سليمان» و«طنطاوي» الذي تقلد هو الآخر منصب وزير الدفاع في مايو في نفس العام بأنهم وضعوا تحت الاختبار السري لمعرفة درجة ميولهم للسلطة ونجحوا فكلا الرجلين كان لديه التزام بحب مهنته والعطاء فيها لأقصي درجة دون المطالبة بالمقابل الذي سعي إليه من قبلهم.
هذا الشعور ارتاح له مبارك ووثق في الرجلين بأنهما لن ينافساه وفي الوقت نفسه كان طوال الوقت يراقب الاعلام معهم وكانوا يعلمون هذا وحريصين علي البعد عن الاضواء ونذكر ان المشير لم يقم بأي مقابلات تليفزيونية طوال العشرين عاما إلا مرتين فقط أذكر إحداهما وهي الأخيرة كانت مع الاستاذين «مفيد فوزي ومكرم محمد أحمد» مجتمعين في برنامج واحد تليفزيوني.. وكان بمناسبة احتفالات أكتوبر وكان هذا منذ عشر سنوات تقريبا وقبل الإعلان عن مشروع «التوريث» الذي سعت إليه «سوزان» بأن يكون النجم الأوحد علي الساحة السياسية هو «الابن المدلل» الذي سيضمن لها استمرارية السيدة الأولي حتي الممات.
 
أما «عمر سليمان» فقد كان منصبه يمنحه حق الاختفاء دون أن يسأل أحد أين هو؟ إلا أنه خلال الخمس سنوات الاخيرة من حكم مبارك كانت هناك ملفات عدة تلقي علي عاتقه في غياب مقصود لـ«وزارة الخارجية» التي كان «المخلوع» يجد أنه ليس من حقها أن تعرف كل ما يجول في خاطره.. فهو لا يريد تكرار شخصية «عمرو موسي» الذي سرق منه الاضواء ودعمه الزعماء العرب أكثر مما دعمه هو في منصب أمين عام الجامعة العربية.
كانت وزارة الخارجية عبارة عن «موظف» يقوم بأبسط الاشياء في المحافل الدولية ولكن الملفات الشائكة وضعها علي كاهل سليمان وخاصة بعد حادث اغتياله في إثيوبيا التي أعتقد أن الخارجية اخفقت في تقديرها لحضوره هذا المؤتمر.
المهم أن سليمان حمل العبء وقام بالكثير من الأعمال منها الملف الفلسطيني الشائك بفعل فاعل هو الإخوان وفرعهم الفلسطيني حماس.. وكان هذا مقصودا من الاخوان الذين يعلمون أن سليمان علي دراية كاملة بتحركاتهم في الخارج ولديه الكثير عنهم وهو ما سنكشفه في الحلقات التالية.
لم يقف جمال مع سليمان عند حد معين فقد كان يطارده بالشائعات من وقت لآخر وخاصة بعد رجوع مبارك من رحلة العلاج بألمانيا وفي الاستقبال بالمطار ظهر مبارك يشد علي يد كل من سليمان وطنطاوي والعادلي شاكرا لهم حفاظهم علي البلاد في غيابه والزج بـ«العادلي» كان مقصودا من جمال الذي اعتبر أنه أحد رجاله بل أكثرهم في الاعتماد عليه لتنفيذ مشروع «التوريث» وقد كانت هناك دلالة واضحة وذات أثر علي الجيش في الوقت نفسه وهي «صلاة عيد الاضحي» في 17 نوفمبر 2010 حيث اقنع جمال والده بأن لايذهب إلي مسجد الجيش كما هو متبع ويعتبر عادة من عادات المخلوع كونه القائد الاعلي للقوات المسلحة.. وكان غالبا يتم ذلك في الجيش الثاني الميداني يتناول بعدها الافطار مع الضباط والجنود هناك.. إلا أن جمال أراد أن يقوم بتمهيد «للراجل بتاعه» كما يقولون.. وقد رصدت ذلك وقمت بكتابة مقال نشر يوم 20 نوفمبر في موقع اليوم السابع تحت عنوان «صلاة العيد في مسجد الشرطة.. هل هو تمهيد؟» وذكرت فيه أن جمال يستبدل العادة المتبعة مع الجيش لتصير من نصيب «الشرطة» التي جعل لها ميزانية خاصة وتسليحا فوق العادة لا نعلم أين ذهب؟
 
 
 
المهم أن موضوع المقال هذا كان قبل ثورة يناير بشهرين ولم يكن المناخ يسمح بالافصاح عن دور الشرطة الجديد في خدمة التوريث وإبعاد الجيش عن المشهد السياسي تماما، وعندما أرسلت هذا المقال للزميل «محمود القنواتي» في بوابة اليوم السابع قال لي إنه موضوع صعب نشره وربما يحدث مشاكل وانه لا يقدر علي وضعه علي البوابة إلا بعد عرضه علي الزميل «خالد صلاح» رئيس التحرير وكان خالد في رحلة عمل خارج مصر، ولكن أبلغت «القنواتي» أن المقال إذا تأخر عن النشر في أيام العيد فلن يكون له مبرر، وبالتالي اتصل بـ«خالد» وقال له فحوي المقال فأجازه خالد بعد أن ذكر لـ«القنواتي» بأنه يثق في معلوماتي  وليس هناك خوف من المقال.
قامت حاشية «جمال» بتصوير سليمان علي أنه المنافس الحقيقي له علي الساحة الرئاسية ويجب حرقه بعد أن صارت له شعبية في قضية تبادل الاسري الفلسطينيين والنشاط المتكرر في علاقات مصر مع أمريكا لقد كان «سليمان» وزير الخارجية الحقيقي لـ«مبارك» علاوة علي عمله المخابراتي.
وكلنا نعلم المطبوعات التي تم لصقها قبل ثورة يناير بأشهر قليلة بأن عمر سليمان «رئيس».. ولكن أحبط جهاز المخابرات هذا وانتزعت هذه الملصقات وتحدث سلميان مع مبارك بشأنها.. وسأل المخلوع من هم القائمون عليها والرد كان ثنائية صفوت الشريف وأحمد عز ورغم اختلاف أجيال هذه الثنائية إلا أنهما تعاونا علي سقوط الدولة التي كانا يريدان توارثها مع الوريث.. اقتلع «سليمان» هذا الفتيل بهدوئه المعتاد ومارس  عمله في جهازه وكأن شيئا لم يحدث، إلا أن سوزان وجمال نصبا له العداء وحاولا نزع ثقة مبارك فيه ولكنهما لم يفلحا لأن الشخصية المخابراتية لاتترك وراءها أي ثغرة ينفذ منها الاعداء.
وعندما تم تعيين عمر سليمان في منصب النائب وكان قرار المخلوع منفردا ولم يعرفه أحد من أسرته أو حاشية القصر التي تعمل وتتجسس لحساب الوريث.. وعندما أعلن الخبر كانت النتيجة حادث الاغتيال وهو حقيقي تورطت فيه أسرة المخلوع «الوريث وأمه» وكان ذلك عندما تمت مكالمة تليفونية من الرئاسة تستدعي عمر سليمان من مقر المخابرات تلتها مكالمة أخري من الوريث لمدير مكتب سليمان وهو السيد حسين كمال وسأل الوريث عن السيارة التي سيأتي بها سليمان حيث كان مع النائب سيارة من مقر الرئاسة حتي يرجع فيها للمكتب الذي خصص له في مقر الرئاسة لممارسة عمله كنائب وذهب سليمان لجمع أوراقه واحتياجاته وتسليم جهاز المخابرات إلي الرئيس الجديد «مراد موافي».. وبعد أن جمع عمر أشياءه ونتيجة استعجال طلبه من الرئاسة للحضور غادر مسرعا المخابرات متوجها لقصر العروبة ومن عجلته ركب سيارته المعتادة القديمة ولم يستخدم سيارة الرئاسة وعليه قامت سيارة الرئاسة باللحاق به فكان سيرها خلف سيارة المخابرات وكان هناك من أخذ تعليمات بإطلاق نيران علي سيارة الرئاسة التي كان من المفروض أن يكون بداخلها سليمان فمرت السيارة الأولي والخاصة بجهاز المخابرات ولم يطلق عليها نيران لأن المكلفين كان هدفهم السيارة الأخري واعتقدوا أن السيارة الأمامية هي للحراسة وتعقبت النيران السيارة الثانية عند مدخل كوبري القبة ولم يكن بها سوي السائق والحارس اللذين لقيا حتفهما.
علم المخلوع بالحادثة فكلف الحرس الجمهوري بإجراء تحقيق فوري وقد حدث وقام قائد الحرس الجمهوري بتقديم ملف التحقيقات لـ«المخلوع» الذي اطلع عليه بدوره ولم يعط أي اشارة وأغلق الملف بعد علمه من هم المتورطون.
أما المشير طنطاوي فكما ذكرنا قد اختار لنفسه الحرفية القتالية ولم يرض عنها بديلا وكان نصب عينيه الاحوال المعيشية للشعب المصري من خلال قرارات مجلس الوزراء وخاصة في عهد أحمد نظيف وبداية عصر التوريث وكان يثور لما يقع علي عاتق هذا الشعب المسكين.. ففي كل مرة يزيد عدد المنافذ  التي تتبع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية لبيع اللحوم والدواجن والبيض وغيرها من السلع الغذائية بسعر أرخص  من السوق في تحد كامل للحكومة كما كان يقف بقدر الامكان أمام بيع أراضي الدولة التي كان يقوم بتسقيعها الحاشية وأعوانهم في نظام التوريث.. وكان من أهم ما فعله في هذا هو عدم الاستحواذ علي أراضي في منطقة القاهرة الجديدة الظهير الصحراوي الذي كانت تريد حكومة نظيف وضع يدها عليها من منطلق نقل الوزارات مع أنه كان في السادس من أكتوبر مكان محدد لذلك.. ولكن المنطقة التي كانت امتدادا للتجمع الخامس كان يريدون أخذها واستغلالها.. فأوقفها المشير عندما قال إنها تقع في نطاق أراضي وزارة الدفاع لاقامة مشاريع عسكرية عليها لقربها من المناطق الميدانية العسكرية.. ونصب العداء لـ«طنطاوي» من قبل زبانية النظام.. وزاد علي هذا وقوفه في وجه بيع بنك القاهرة والابقاء عليه واستثمار القوات المسلحة فيه بأسهم للحفاظ علي ملكيته للشعب المصري.. ولكن الفعل الاكثر حساسية لعائلة مبارك وخاصة وريثه وحاشيته هو ذلك الزفاف «الاسطوري» الذي صاحب اغتيال أشرف مروان ولماذا الربط بينهما.
كانت مناسبة هذا الزفاف الاسطوري يعد له علية القوم في مصر فهو زفاف ابنة وزير التجارة رشيد محمد رشيد علي ابن شقيق وزير الاسكان أحمد المغربي كان يعد له منذ عدة شهور قبل اتمامه.. وذهبت سيدات المجتمع ومنهن مني عبدالناصر إلي فرنسا ولبنان لشراء الأزياء المناسبة لهذا العرس الاسطوري وكانت مني قد اختارت لبنان لشراء ثوبها لحضور هذه المناسبة وقد تلقت خبر موت زوجها أشرف وهي بلبنان التي غادرتها ذاهبة إلي لندن لتحضر مع جثمان زوجها.
أما المناسبة الاسطورية فلم تتوقف ولكن جاءت الطائرات من كل صوب وحدب تحمل أشهر المأكولات من الخارج وأيضا تحمل وصيفات الشرف من فرنسا يقدمن الزهور المستوردة للمدعوين عند الباب في مقر المنصورية الذي يمكله رشيد وعلي موائد المدعوين تراصت الهدايا الذهبية بجانب المأكولات.. وكان ضمن المدعوين من الوزراء والمحافظين وعلية القوم المشير طنطاوي الذي بدت علي وجهه علامات ازدراء لهذه المراسم والاحتفالات بالعرس الذي تكلف مليارات الجنهيات.. دخل المشير القاعة وجلس إلي إحدي الموائد والتف حوله بعض المحافظين والوزراء.. وبعد خمس دقائق بالضبط نهض وقال لا أقدر علي الجلوس أكثر من ذلك ولا يمكنني تذوق هذه المأكولات والشعب المصري بالخارج يصيح من الغلاء المعيشي وافتقاد أبسط السلع الاستهلاكية.
غادر المشير القاعة وسط عيون حائرة.. لماذا هذه العجلة بعد دقائق قليلة للغاية.. ولكن وصل للبعض عدم رضائه واستيائه مما حدث وهو ما جعل الوريث يفكر ألف مرة في زفافه بأن يكون بسيطا حتي يقدم نفسه للشعب وللمسئولين الغاضبين منه وعليه نموذجا لبساطة لم تكن موجودة لديه أبدا.
أما الفريق أحمد شفيق وزير الطيران المدني وقتها.. فله هو الآخر حكاية مع «الوريث» بعد أن نمي إلي علم الأخير أن شفيق يعترض علي كل قرارات المجموعة الاقتصادية وعلي رأسها يوسف بطرس غالي.. وسجلت اعتراضاته هذه لدي ديوان الرئاسة الذي كان ينفخ فيها لتصير ضد شفيق الذي نجح في أن يحصل علي قروض ميسرة من بنوك عالمية وردها في موعدها.. ولم يكلف الدولة مليما واحدا في تطوير وإنشاء المطارات بأعلي مستوي تضاهي مثيلاتها العالمية.. وبعد ما ظهر من نجاح شفيق بقدر ما تتردد بشأنه الكثير من الروايات وأهمها أنه يريد أن يصبح رئيسا للوزراء.. كان شفيق يعلم أنه لن يكون في عصر مبارك رئيسا للوزراء.. ولكن الأقدار شاءت وليتها لم تكن لتصب في خانة سلبية في تاريخه لم يسع لها ولكنه كان آخر «مقلب» من الوريث وذلك عندما كلف برئاسة الوزارة ليصير آخر رئيس وزراء في عهد مبارك وقبلها شفيق وقبل الأزمة علي أشدها والثورة في الميدان وحكومة غرقانة لشوشتها ووريث يعربد  في النفس الأخير..  وتبقي قصة غاية في الأهمية ربطت بين الوريث وشفيق..  وذلك عندما كانت «أم الوريث» تبحث عن عروس لابنها.. وقعت عيناها علي إحدي «بنات شفيق» وكانت تعلم أنه ضد التوريث.. فأرادت أن تلوح له بأنه من الممكن أن يكون الصهر والمعضد «للمدلل» ولكن «شفيق» لم يبد أي اهتمام بذلك والأكثر أنه قال كل شيء قسمة ونصيب ولم يمر وقت وجيز حتي كانت «الابنة» قد تقدم لها «عريس» ووافق شفيق واعتبره «سوزان» أن هذا رد عنيف منه علي أنه لن يقبل الوريث لا صهرا ولا حكما.
عمر سليمان

أحمد شفيق