الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إبداع




شعراؤنا شموس فى سماء الإبداع ينيرون لنا ببصيرتهم وبصرهم طريقنا ويخبرونا ما لم نخبره فيما فاتنا من أمورنا الحياتية فهم بمثابة توثيق وشهادة على عصرهم ونحن نخصص هذه المساحة من الإبداع للاحتفال بالشاعر التشيلى العالمى بابلو نيرودا، والذى يعتبر من أشهر الشعراء وأكثرهم تأثيراً فى عصره، بنشر عدد من قصائده المترجمة للعربية، وهو من مواليد 12 يوليو عام 1904، كما يعد من أبرز النشطاء السياسيين فى بلاده، نال نيرودا العديد من الجوائز التقديرية أبرزها جائزة نوبل فى الآداب عام 1971، وكانت وفاته فى 23 من سبتمبر عام 1973.

يصاحب قصائد نيرودا لوحات الفنان الإيطالى العالمى كارافاجيوا (1571 - 1610)، واسمه الحقيقى ميكيلانجلو ميريزي، وقد سمى كارافاجيوا بهذا الاسم نسبة إلى مسقط رأسه فى ايطاليا، وقد تميزت أعماله بالإتقان فى تصوير الأجساد الآدمية والقدرة على التجسيد.
امنعى عنى الخبز إذا أردتِ
امنعى عنى الهواء
ولكن لا تمنعى عنى ضحكتكِ.
لا تمنعى عنى الوردة
الرماح التى تنتثر منها المياه
التى تنبجس فجأة فى فرحتك
الموجة الفضية المباغتة
التى تولد منكِ
إن صراعى مرير
ومرات كثيرة
أعود متعب العينين
من رؤية الدنيا التى لا تتغير
ولكن، حين أدخل
تنطلق ضحكتكِ إلى الأعالي
باحثة عنى وتفتح لي
أبواب الحياة كلها
يا حبيبتى فى أحلك الأوقات
تتناثر ضحكتكِ
فإذا رأيتِ فجأة دمائى تخضب حجارة الطريق
فاضحكى لأن ضحكتكِ ستهب يدي
سيفاً مسلولا
وفى الخريف
بالقرب من البحر
لا بد لضحكتكِ
أن ترفع شلالات من الزَبَد.
وفى الربيع يا حبيبتي
أحب ضحكتكِ
لأنها كالزهرة التى أرتقبها
الزهرة الزرقاء
زهرة وطنى المرنانة.
اضحكى من الليل
من النهار، من القمر
اضحكى من شوارع الجزيرة الملتفة
اضحكى من هذا الفتى الذى يحبكِ
ولكن حين أفتح عينى وأغمضها
وحين تذهب خطاى
وحين تعود خطاى
امنعى عنى الخبز  والهواء
النور والربيع
ولكن لا تمنعى عنى ضحكتكِ
إذ أنى عند ذاك موتاً أموت

لو لم يكن لعينيكِ لون القمر
لون النهار بطينه وكده وناره
لو لم تُخضعى خفة الهواء
ولم تشبهى أسبوعا من العنبر
لو لم تكونى اللحظة الصفراء
التى ينبثق فيها الخريف من الدوالي
والخبز الذى يعجنه القمر العطِر
حين ينزّه طحينه فى السماء
آه، يا حبيبتي، لما أحببتك!
فى عناقكِ أعانق كل الوجود:
الرمل والوقت وشجرة المطر
وكل ما هو حى يعيش كى أحيا أنا
لا احتاج مسافة كى أرى الأشياء
فيكِ أنت أرى الحياة كله
ا
أهواك ِ عندما تصمُتين فأنا أغيب ُ فى هذا الصمت
وأسمعُك ِ من بعيد وصوتى لم يلامسك ِبعد
بدت لى تلك َ العيون ُتحلق
وبدت لى تلكَ الابتسامة الواضحة
ووجدانى أصبح يكسو كل الأشياء
وحَلقت فراشة فى أحلامى لامست روحى
فبقيتِ رفيقا لروحى  فى مجرد كلمات حزينة
أهواك ِ من بعيد وأهوى صمتُك ِ مع هديل ذاك َالطائر
وأسمعُك ِ من بعيد وصوتى لم يلامِسك بعد
فدعينى أصمُت مع صمتك ِ
ودعينى أخاطب ُ صمتك ِ
مع ضوء ذاك القنديل
فأنت ِ الليل بسكونه وكواكبه
فصمتُك ِهو ذاك النجم البعيد الهادئ
أهواك ِ عندما تصُمتين لأنى أغيب ُ فى ذاكَ الصمت
فأنت ِ بعيدة ومؤلمة مثل الموت
كلمة منك ِ أو حتى بسمة تكفي
لأكون سعيداُ ولكن تِلك السعادة لن تأتي


سندلف سويا
حين يهبط الليل
كيما نسرق غصنا مزهرا
سنتسلق الجدار
فى عتمة الحديقة الغريبة عنا
ونعدو مجرد ظلين فى الظلال.
لم ينقض الشتاء بعد
وتبدو شجرة التفاح
وقد تحولت بغتة
إلى شلال من النجوم العاطرة
سندلف حين يهبط الليل
حتى نصل إلى قبته الراجفة
وستسرق يداى ويداكِ الصغيرتان
النجوم
وفى سكون
يدلف مع خطواتك
خطوة العطر الصامتة
وجسد الربيع الصافى
بأقدامه المرصعة بالنجوم
إلى منزلنا
فى الليل وفى الظل

إنك لم تجعلينى أتألم
وإنما جعلتينى أنتظر
تلك الساعات المتشابكة
الزاخرة بالأفاعي
حين تسقط منى الروح
وأختنق
كنت تأتين ماشية
كنت تأتين عارية مخموشة
كنت تصلين إلى مخدعى دامية
يا عروستي
وحينئذ
كنا نمشى طوال الليل
نائمين
وحين نستيقظ
تصبحين سالمة جديدة
كما لو أن رياح الأحلام الكئيبة
قد خلعت على شعرك من جديد
نيرانا ولهبا
وغمرت جسدكِ فى حبات الحنطة والفضة
فأحالته لؤلؤاً منثورا.
إنى لم أتألم، يا حبيبتي
وإنما انتظرتُ وحسب.
كان عليكِ أن تبدلى قلبك
ونظرتكِ
بعد أن لمستِ بيديك
منطقة البحار العميقة
التى أوصلكِ إليها صدري.
كان عليك أن تخرجى من المياه الصافية
كنقطة رفعتها عاليا
موجة ليلية
يا عروستي
كان عليكِ أن تموتى وتولدي
وانتظرتك
أنا لم أتألم وأنا أبحث عنكِ
فقد كنت أعلم أنك سوف تأتين
امرأة جديدة فيها كل ما أعبد
تخرج من ثنايا المرأة التى لم أعبد
بعينيكِ ويديكِ وثغركِ
ولكن بقلب آخر
طلع فجره إلى جواري
كأنما كان هناك دائما
ليبقى معى إلى الأبد.

حدث فى ذلك العمر.. القصيدة
أتت تفتش عنى .. لست أدرى .. لست أدرى من أين.
انبثقت من .. من نهر..
لست أدرى كيف ومتى
لا.. لم تكن هناك أصوات .. كلمات .. أو صمت
فى الدرب لاحت لي
بين أغصان الليل
فجأة لاحت بين أغصان أخرى
بين نيران عنيفة
أوحين عودتى وحيدا
وجدتها تلمسنى .. بلا وجه
ولم أعرف ما أقول لها .. لم أعرف اسمها
كنت كالأعمى
وشيء ما ارتطم بروحي
كالحمى أو كالأجنة التائهة
وشيئا فشيئا بدأت أعي
أقرأ
هذا الحريق
وكتبت أول شطر ملتبس
ملتبس .. بلا جسد .. كان جنونا أصيلا
ومعرفة أصيلة
لطفل غرير مثلي
ورأيت السماء فجأة
مفتوحة
رأيت نجوما ونباتات ترقص
وظلا شفيفا كالغربال
سهاما من نار وأزهار
وليلا يسرى كى يسحق العالم
وأنا كالمخلوق الضليل
ثمل بهذا الفراغ
تشبهنى الألغاز والأسرار
وأشعر أننى جزء أصيل من هذه الهوة
مسافر مع النجوم
وجسدى طليق مع الريح
 
الريح حصان
أنصتى إليه كيف يجرى خببا
خلال البحر، وخلال السماء
يريد أن يحملني
أنصتى إليه كيف يجوب العالم
كيما يحملنى معه بعيدا
خبئينى بين ذراعيكِ
هذه الليلة فحسب
بينما تكسر الأمطار
على البحر وعلى الأرض
ثغرها الذى لا يحصره عد
أنصتى كيف تنادينى الرياح
وهى تخبُّ كيما تحملنى بعيدا
اتركى الرياح تندفع
مجللة بالزَبَد
دعيها تنادينى وتبحث عني
خببا فى الظلال
بينما أنا-
غارقا فى عينيكِ الواسعتين،
هذه الليلة فحسب-
أنام مستريحاً
إلى جواركِ يا حبيبتي