الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سعدية مفرح: «الربيع العربى» كشف لنا زيف أسماء كنا نظنها نخبة المثقفين




كتب - خالد بيومى

سعدية مفرح مبدعة كويتية تجمع بين كتابة الشعر والنقد والكتابة للطفل والمقالات، لا تنشغل بشكل أو تفاصيل ما تكتبه، وإنما ترى أن الكلمة تأتى كما تشتهي، وفى الموعد الذى يناسبها، قد تأتى على شكل قصيدة أو مقالة أو ربما تغريدة فى تويتر، أو حلم غير صالح للتدوين، وترى فى ذلك ثراء للكاتب، تحاول كجميع المبدعين الإخلاص للفكرة وتحريرها من أى نوع من الرقابة، إلا أنها تقر أنها أحيانا تفشل فى التخلص من بعض أنواع الرقابة خاصة الرقابة الذاتية التى نفرضها على انفسنا أثناء الكتابة، وترى أن ثورات الربيع العربى كشفت انخداعها بأسماء كانت تظنها نخبة المثقفين العرب، رغم أن هذه الثورات لاتزال فى طور المخاض... حول إبداعها وموقفها من العديد من القضايا السياسية والاجتماعية فى الكويت والوطن العربى دار هذا الحوار:
■ «كم نحن وحيدتان يا سوزان».. هو عنوان ديوانك الأخير.. فهل أنت شاعرة الاعتزال الكونى والاغتراب عن قيود المادة؟
- لا أدرى إن كنت أنا تلك هى المرأة التى تصفها بذلك أم لا.. لا أحب أن أضع نفسى فى قوالب جاهزة أم أطارات مسبقة أو توصيفات محددة، وأرى أن مثل تلك القوالب تعتبر ضد فكرة الشعر وضد فكرة الحياة أيضا. وكتاب «كم نحن وحيدتان يا سوزان» كتبت معظم نصوصه فى فترة كنت أعيش فيها اغترابا نفسيا لعلى ما زلت أقاوم آثاره الباقية بالمزيد من الشعر والأمل والحب أيضا، فأنا مؤمنة تماما بأن خليطا من الشعر والأمل والحب يعتبر وصفة ناجحة ضد كل شعور بالغربة والغياب والعزلة بالمعانى السلبية لهذه الكلمات فى حين أنها تعزز المعانى الإيجابية لها.
■ هل الشعر لديك ممارسة أم وسيلة لرفد الذات بأساليب يتحقق عبرها التقاء ذات الشاعرة مع الذات البشرية الكبرى؟
- الشعر غاية، ولا يمكن أن أعتبره وسيلة لشيء ما حتى وهو يعالجنى من الكثير من العقد والأمراض النفسية مثلا. هو يفعل ذلك من تلقاء نفسه لكننى لا أعيشه بسبب قدراته السحرية القادرة على معالجة كل شيء تقريبا بل لأنه قدرى الجميل المكون لجزء كبير من ذاتى وفى كثير من الأحيان أنظر له على أنه جوهر هذه الذات القادر على التعبير عنها ببساطة. ولذلك لم يعد يقلقنى كثيرا تعريف الشعر أو ماهيته.. لا أرى ذلك ضروريا لمن يعيش الشعر ولمن يحبه ويتلقاه بشكل عفوى بسيط وجميل مثل كل الأشياء البسيطة والجميلة فى الحياة.
■ برأيك.. كيف تتحقق الفاعلية الشعرية لسعدية مفرح؟
- سؤال صعب وتكمن صعوبته ربما فى أننى لا أفهم بالضبط ما المقصود هنا بالفاعلية الشعرية. وربما لأننى وأنا بصدد كتابة الشعر لا أبحث عن فاعلية شعرية لى أو للقصيدة بقدر ما أبحث عن الشعر نفسه وعن روح القصيدة.
■ لماذا توجهت بالخطاب إلى الشاعرة اللبنانية سوزان عليوان؟ وهل هناك هموم وقواسم مشتركة بينكما إلى هذا الحد؟
- سوزان عليوان صديقة رائعة جدا جدا على الصعيد الشخصى، ولكنها أيضا شاعرة وتشكيلية جميلة، أعرفها منذ سنوات طويلة رغم أننا لا نلتقى كثيرا فهى تقيم فى بلد وأنها أقيم فى بلد آخر، ولكننا نلتقى فى مساحات كبيرة من الحب والصداقة والشعر والألوان أيضا. أحيط نفسى فى مكتبى طوال الوقت بلوحاتها التشكيلية وأتقاسم معها الكثير من الأسئلة تجاه العالم. وعندما كتبت قصيدة «كم نحن وحيدتان يا سوزان»، التى أطلقت عنوانها على الكتاب كله بعد ذلك، كنت أشعر فعلا بالتوحد معها فى تلك الأسئلة والهموم وأتشارك معها رحلة البحث عن الحلول. طبعا نحن لسنا متطابقتان فى التفكير والاهتمامات الى الحد الذى يشير إليه السؤال، ولا ينبغى للأصدقاء أن يتطابقوا بهذا الشكل المحدد، فكثيرا ما نختلف حول أمور معينة لكنه الاختلاف التكاملى الفاعل.
■ تجمعين بين كتابة الشعر والنقد والكتابة للطفل والمقالات.. برأيك هذا ثراء أم تشظٍ؟
- كلها كتابة فى البداية وفى النهاية. والكتابة تشظينا لتعود فتجمعنا من جديد. عندما يحين موعدى مع الكلمة لا أسألها عن التفاصيل، ولا أستجوبها ماذا ستكون. تأتى كما تشتهى تماما وفى الموعد الذى يناسبها لا الذى يناسبنى بالضرورة. قد تأتى على شكل قصيدة أو مقالة أو ربما تغريدة فى تويتر.. أو حلم عابر غير صالح للتدوين. وأنا أعتبر أن ذلك ثراء للكاتب وبالذات للكاتب المتفرغ للكتابة وحدها.
■ هل للنقد سلطة على كتاباتك؟ هل يمثل نوعا من الرقابة الداخلية على المبدع بداخلك؟
- لا.. وأتمنى أن تكون إجابتى بهذه «اللا» إجابة قاطعة ومانعة. أحاول خلال الكتابة أن أتحرر من فكرة الرقابة نهائيا، سواء أكانت رقابة دينية أم سياسية أم اجتماعية أم عائلية أم حتى ذاتية.. أحاول أن أكون مخلصة تماما للفكرة وحدها، وطبعا أنجح فى ذلك أحيانا لكننى أفشل أحيانا أخرى لأننا مهما حاولنا نجد أنفسنا أسرى بعض أنواع الرقابات وخصوصا الرقابة الذاتية من دون أن نشعر. المهم أنى أبقى فى طور المحاولة الدائمة للانعتاق من فكرة الرقابة على صعيد الكتابة. أما على صعيد النشر فالحسابات تختلف بالتأكيد لأننى لست وحدى المسؤولة عن قرار النشر، فلكل مطبوعة ننشر فيها حساباتها ثم أننى لست شجاعة بما يكفى لكى أواجه الجميع بكل ما أكتب.. ما أكتبه اليوم ولا يمكن نشره الآن أو هنا، قد ينشر لاحقا أو فى مكان آخر.. المهم أن فكرة الكتابة تبقى حرة وشجاعة ومخلصة لذات الكاتب فى البداية وفى النهاية.
■ ما الذى يشغل المرأة المثقفة فى المجتمع الكويتى المزدهر اقتصاديا؟
- للمرأة الكويتية نفس الهموم التى تشغل بال المرأة العربية فى كل مكان، ونحن نتشارك الكثير من القضايا بغض النظر عن كوننا مثقفات أم لا. ودعنى أخبرك أننى فى الآونة الأخيرة بدأت أتحسس من وصف المثقف بشكل عام، وأرى أنه وصف خادع وغير دقيق وفضفاض، ربما لأننا خدعنا بالكثير من الأسماء التى كنا ننظر لها على أنها نخبة المثقفين العرب وخصوصا فى سياق ثورات الربيع العربى تحديدا.
■ كيف تفسرين ارتفاع نسبة العنوسة فى الكويت؟
- لا أظن أن النسبة فى الكويت أعلى منها فى بقية الدول العربية.. ولا أظنها ظاهرة لافتة جدا مثلا. ربما زادت النسبة عنها فى العقود الماضية فى الكويت وغير الكويت أيضا لأسباب تتعلق بإقبال المرأة على التعليم وتأجيل الزواج لما بعد الانتهاء من الدراسة أو لأسباب أخرى لكن لا أظنها خاصة بالمجتمع الكويتى وحده. لكن الشيء الإيجابى فى الأمر أن كثيرا من الفتيات العربيات لم يعد يمثل لهن أمر الارتباط بالزواج هاجس، فهناك خيارات كثيرة ومهمة فى الحياة والزواج أحد هذه الخيارات المهمة، إلا أنه ليس الخيار الوحيد.
■ كيف تتأملين ثورات الربيع العربى بعيون المبدعة؟
- ثورات الربيع العربى كان لا بد منها، مع أننى أرى أنها تأخرت قليلا. وأرى أنها مستمرة وغير مكتملة حتى الآن. فما زلنا نعيش المخاض فقط. وما زلنا فى انتظار ما تنتهى إليه لنحكم عليها بشكل صحيح. ومثلها مثل كل ثورة فى التاريخ تمر بمراحل وتطورات وتداعيات منها ما هو متوقع ومنتظر ومنها ما هو غير متوقع ولا منتظر.. فقط علينا ألا نفقد الأمل بقدرة الشباب العربى على التغيير، وقدرته على تحقيق أحلامه. وعلينا أيضا ألا نفقد إيماننا بالديمقراطية كضرورة، أن رأينا بعض تداعيات الثورات المزعجة، فالأمور ما زالت فى بداياتها.