الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مسألة حياة أو موت






إسلام كمال روزاليوسف اليومية : 30 - 04 - 2010



كنت قد نويت أن أكتب هذا المقال حول "دماغ جمال مبارك".. صاحبة الرؤي التنويرية المرنة التي تتغير مع المستجدات ولا تتصلب في رأيها كما اعتدنا من القيادات علي كل المستويات.. فهو يسمع لمطالب وشكاوي الآخرين ويبلور الجديد الذي يحتويها، وكان هذا واضحا، من خلال تطوير آلية زيارات أمين سياسات الوطني للمحافظات من قري برامج الألف قرية الأكثر فقرا.. إلي إضافة الأكثر نجاحا وزيارات أخري محلية، بعد أن تصور البعض أن هناك تمييزًا ما للقري الفقيرة علي قري مصر الخارجة عن هذا البرنامج.
لكنني فضلت الحديث باستفاضة في هذا الموضوع في مقال الأسبوع المقبل، بعد أن استمعت إلي مشكلة تتكرر كل يوم لكنني راقبتها عن قرب هذه المرة من شاكٍ دقيق، علي غير عادة المصريين، الذين لا يهتمون بالتفاصيل ويحملون الموضوع أبعادهم الشخصية بعيدًا عن أي واقع حقيقي.
هذه المأساة تدور حول مواطن مصري ضاعت كل تحويشة عمره ومعاشه المبكر علي علاج زوجته المريضة بالسكر والضغط، وحتي الآن، ورغم أنه أنفق قرابة ال200 ألف جنيه لم يطرأ علي حالتها أي تحسن، ويفصل الزوج "الجدع" حالة زوجته كما لو كان طبيبًا محترفًا للغاية، خاصة أن معانته تطول إلي أكثر من 19 عاما، رصد فيها الأزمات الكارثية التي تعاني منها قطاعات الصحة في مصر علي كل المستويات حتي ان القادرين لا يفضلون الان هذه المستشفيات المصرية.
فالاستشاريون تحولوا إلي رجال أعمال ومتاجرين في الناس أكثر منهم معالجين ورحماء بهم، وحكي لي هذا الرجل الذي يتواجد في منتصف الطبقة الوسطي أن اسماء شهيرة من الأطباء المعروفين كانوا يتركون حالة زوجته ويفاصلونه في فاتورة العملية وما بعدها وأجرة الفريق المعاون.
الحديث يطول في سياق فيزيتا الأطباء الكبار الذين ألغوا قاعدة "الاستشارة" المعروفة، وأصبحت هي الأخري، بمقابل أقله 100 جنيه، وبالطبع الحديث في مستوي المستشفيات المصرية يطول أكثر وأكثر، فحتي لو كان المستوي الانشائي جيدًا فلا تنخدع في هذه الامور المظهرية، فالمضمون فظيع، فبعدما كنا نعاني من " النواب" الذين يتسيدون الموقف في المستشفيات العامة والخاصة والاستثمارية والاقتصادية، الآن نتمني عودتهم بعد سيطرة الممرضين والنواب ضعاف المستوي علي كل صغيرة وكبيرة في المستشفيات.
هذا الواقع متجسد لمن يهتم في مستشفي الزيتون، والحمد لله أنني لم أتعامل معها بعد كل الشكاوي التي وصلتني عنه، فالعناية المركزة أصبحت مقبرة من كثرة الوفيات، وغالبا الداخل فيها لن يخرج واقفا، بسبب تدني إن لم يكن انعدام مستوي الخدمة في هذا المستشفي الذي انفق عليه الملايين لتطويره وتحول إلي صورة بنائية جميلة، لكن بدون محتوي، فمدير المستشفي كل ما يهمه هو أن يعرف إن كانت الحالة القادمة لها أقارب مهمون، أو يعرفون طريق الاعلام والصحافة، وعلي هذا المنوال يبدأ التعامل، فمن يعرف يحسن معاملته، ومن لا يعرف "يتجاهله"، أو بمعني آخر يتعامل معه بنفس الطريقة السائدة في المستشفيات.
"الزيتون" مجرد مثال لهذه المستشفيات، التي تحولت إلي أمثلة شهيرة للتسيب وتدني الخدمة، رغم أنها مسألة حياة أو موت، ويدور حولها نقاش مطول منذ عامين تقريبا في إطار الحديث العقيم عن تطوير التأمين الصحي، والقانون المتأخر بسبب التمويل، وحيرة وزارة المالية إن كانت ستنفق عليه من ضريبة جديدة علي الأسمنت أو السجائر أو الخمور.
لا أتصور أن الحل في كادر الأطباء الجديد، رغم أنه تكلف 50 مليون جنيه، ولا في التأمين الصحي الجديد، المهم تغيير الثقافات، فعندما تدخل الفهلوة في مهنة الطب والتمريض، فعلي الدنيا السلام.. أعرف أن الكلام لن يفيد، فنحن نحتاج إلي شعب جديد ومجتمع سديد، لكننا نحاول.