الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الإخوان والشيعة «أئمة الشر» وأدوات أمريكا




«لا أعمم فى الحكم أو التحليل فأضع كل الاخوان فى إناء واحد، وأضع كل الشيعة فى بوتقة واحدة، ولكننى أتحدث عن أئمتهم الذين يقودونهم فهم فى تقديرى أئمة شر، أما الأتباع فمعظمهم يتحرك بدوافع مشاعرية مخلصة حتى ولو كانت خاطئة، لذلك فإن كتابى يتحدث عن الأئمة لا الأتباع، القادة لا الجنود، أولئك الذين (نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ )»... بهذه الكلمات قدم القيادى المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين ثروت الخرباوى كتابه الجديد «أئمة الشر ... الإخوان والشيعة أمة تلعب فى الخفاء»، تجنبا للخلط بين المخطئ المتعمد والمخطئ المغرر به، والنوع الثانى هم تحديدا من يوجه لهم الخرباوى كتابه، عله يجد بينهم آذانا تصغى وقلباً يفطن.

يكشف الخرباوى فى كتابه الصادر عن «دار نهضة مصر للنشر» خطط أجهزة المخابرات الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية لتقسيم مصر، ووضعها فى آتون الفتن الطائفية ونيرانها عبر دعم الشيعة فى ايران -على غير المتعارف عليه- وتنظيم الاخوان منذ عقود طويلة، لتكتشف عبر صفحات الكتاب ومعلوماته أن ما نعيشه اليوم من أحداث لم يأت مصادفة ولكن بمؤامرة.

استطرد صاحب أهم المؤلفات الحديثة عن تاريخ الإخوان مبررا أهمية فهم العلاقة بين أمريكا والإخوان والشيعة ودور هذا التحالف فى تنفيذ مخطط أمريكى عالمى قائلا: «كان لابد أن نفتح هذا الملف لنعرف أمور الشر المخفية التى أرتدت ثياب الدين، ومن المهم أن نشير إلى أننا لا ننعى على فهم الإخوان للدين، فهم وشأنهم، كل إنسان بفهمه يفرح، كما أننا لا ننعى على الشيعة فهمهم للدين، فكل طائفة بمعتقداتها تمرح، لا تثريب عليهم هنا أو هناك، ولكننا ننعى على أولئك وهؤلاء استغلال الدين لتحقيق مآرب سياسية دنيوية.

ويلخص الخرباوى المشهد دراميا كما يراه قائلا: «تتحرك عصا العم سام السحرية، فاذا بجيوش تشتبك مع جيوش، ... وطرابيش تشتبك مع عمائم أزهرية، وأفندية يشتبكون مع أصحاب الغترة والعقال، وأصحاب لحى خفيفة يشتبكون مع الجميع، ويتوددون الى أصحاب العمائم السوداء، ثم ثورات تقوم، وجماهير تصيح، وأصحاب اللحى الخفيفة يركبون على ظهورهم، ليصلوا الى كرسى الحكم، فاذا وصلوا قاموا برفس الجماهير التى أوصلتهم، ويشتبك الجميع مع الجميع.»
وهو نفس المشهد الذى تكرر بتفاصيله مرتين بشكل يثير العجب، الأولى كانت فى أواخر السبعينيات عندما قامت الثورة على شاه إيران محمد رضا بهلوي، تلك الثورة التى شارك بها مختلف التيارات السياسية والشعبية الإيرانية قبل أن يختطفها أصحاب العمائم السوداء ويطلقوا عليها «الثورة الإسلامية»، أما المرة الثانية فدارت أحداث المشهد على الأراضى المصرية، عندما هب الشعب فى ثورته فى 25 يناير، وسرعان ما التحق به الإخوان وغيرهم من التيارات الإسلامية ليخطفوا الثورة فيما يعرف سياسيا بـ«ركوب الثورات»، إلى أن تكررت نفس الأحداث بوصولهم للسلطة ثم محاولة التخلص من الجماهير التى أوصلتهم للسطة، لكن الرواية هذه المرة كُتب لها أن تشهد نهاية أخرى مختلفة تماما عن النسخة الإيرانية، حيث تمكن الشعب من إنقاذ ثورته ووطنه وإلقاء المتآمرين إلى مزبلة التاريخ.

- خطة المخابرات الأمريكية Why not   لمساعدة الإسلاميين للوصول لكرسى الحكم

تحدث الخرباوى فى كتابه عن خطة المخابرات الأمريكية لمساعدة الإسلاميين للوصول إلى كرسى الحكم، التى حملت عنوان Why not  والتى كان كبير مستشارى الأمن القومى الأمريكى هو العقل المدبر لها، والمتمم لآلياتها، وتتلخص محاور تلك الخطة كما جاء فى الفصل الأول من الكتاب في: ضرورة استخدام «الإسلام السياسي» لزرع الفتنة فى المنطقة تمهيدا لتقسيمها، وفى سبيل تنفيذ ذلك طلب مستشار الأمن القومى من لجنة العلاقات الخارجية بـ«مجلس الشيوخ» تقديم دراسة عن الأصولية الإسلامية، وهو ما أكدته صحيفة «واشنطن بوست» وأضافت عليه أن مستشار الأمن القومى كان قبل طلبه دراسة من «مجلس الشيوخ»، قد طلب رسميا من جهات استخباراتية أمريكية دراسة متعمقة عن «الأصولية الإسلامية».

وتقوم فكرة هذه الخطة على أفكار الفيلسوف الإنجليزى الشهير برتراند راسل التى سجلها فى كتابه «أثر العلوم فى المجتمع» الصادر عام 1951، وكانت الفكرة تدور حول إيجاد حلول لتناقص المزارعين فى العالم وزيادة أعداد سكانه، وتحدث وقتها عن ضرورة «ترييف العالم» ليتحول إلى قطيع من الزراع للسيد الصناعى الكبير «أمريكا»، وتطورت هذه الأفكار فى الثمانينيات على يد عدد كبيير من كبار المفكرين الاستراتيجيين الأمريكان منهم: سايرو سفانس، وأنطونى سلومون، وهارولد براون، وبريجينيسكي، الذين قدموا ما يمكن تلخيصه فى عبارة «التفكيك المنضبط لاقتصاد العالم» لإشاعة الفوضى الاجتماعية والحروب الأهلية فى الدولة الواحدة، والحروب الإقليمية بين الدول المتجاورة.

ثم راح الخرباوى يعرض للعلاقات القديمة بين الإخوان المسلمين وإيران، منذ استقبال حسن البنا للخمينى فى الثلاثينيات من القرن الماضي، قبل سنوات من قيام الثورة الإيرانية، وهى العلاقة التى وصفها بـ«الملتبسة»، والتى تمثلت فى هذا التواصل الذى رفع راية التقريب بين السنة والشيعة، وإن كان يحمل فى طياته أهداف أخرى هى الأهم للطرفين، حيث كان البنا يحلم أن تسود جماعته العالم (سنى وشيعي) ويتولى هو قيادة وخلافة المسلمين، فى حين كانت إيران ترى من مصر باباً مهماً لعالم السنى تتمنى الدخول إليه بفكرها الشيعي، أو مجرد التمكن من تحقيق قبولها، من خلال حكم الإخوان الذين سيصلون إليه فى يوم من الأيام، وفى الجانب الآخر كانت إيران مثلها مثل جماعة الإخوان، أداة يسعى الغرب من خلالها لفرض نفوذه وسيطرته غير المباشرة على المنطقة.

وهذا التقارب الذى تجلى فى استقبال حسن البنا عالم الدين الشيعى الشيخ محمد القمى الذى جاء إلى مصر ليدعو إلى التقريب بين السنة والشيعة، وهو فى ذهنه هدف تشييع أهل السنة، وكان هدفه التدريس فى الأزهر الشريف لنشر أفكاره، وبالفعل ساعده البنا ومد له يد العون ووفر له فرصة الاتصال بعلماء السنة الكبار فى مصر وقتها، إلى أن وصل إلى شيخ الأزهر مصطفى المراغى الذى سمح له بتدريس الفلسفة الإسلامية فى الأزهر، وفى المقابل وبعد سنوات طويلة، وبعد قيام الثورة الإيرانية من استسماح المرشد عمر التلمسانى للخمينى من خلال إخوان زاروا إيران فى إقامة فرع للجماعة فى إيران، ورغم أن هذه الجماعة ليست رسمية فإنها تعمل بسياسة المتاح أو «الضوء الأخضر» حيث تعمل فى حدود المسموح.

ويواصل الكتاب تقديم تفاصيل وقصص وأسرار من سراديب الجماعة التى عاشت طوال تاريخها تعمل تحت الأرض، لم تتورع فيه عن التعاون مع أى شخص أو جهة تحقق لها أهدافها، حتى لو فى إطار مؤامرة على الوطن والحدود التى لا يؤمن بها الإخوان ويقولون: «الحدود تراب»، إلى أن خرجت من سردابها بعد الثورة المصرية، فاحترقت بفعل النور الذى لم تعتده.