الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التحليل النفسي لقيادات جماعة الإخوان المسلمين-الحلقة 3




يقول الكاتب والفيلسوف اليونانى نيكوس كازانتاكيس: «ما إن نولد حتى تبدأ محاولاتنا فى أن نخلق أن نجعل للمادة حياة»، أى نولد فى كل لحظة، لذا جاهر البعض ولا أبالغ إن قلت إن هدف الكثيرين فى هذه الحياة هو الخلود، فى الأجسام الحية الفانية يتصارع هذان التياران، الصاعد نحو التركيب، نحو الحياة، نحو الخلود، الهابط نحو التحلل، نحو المادة، ويقول «نيكوس» أيضا  فى وصف هذين التيارين: «هذان التياران  كلاهما مقدس»، إلى هنا انتهى كلام كازانتاكيس، ويقول الطبيب النفسى والمفكر النمساوى الشهير سيجموند فرويد: «إن الإنسان يحمل داخله – أى فى النفس اللا واعية – رغبتين إحداهما هى رغبة البناء، ودعاها «الإيروس»، والأخرى رغبة الهدم وسماها «الثانتوس»،  وفى بدء مشروعه العلمى أكد سيجموند فرويد أن الإنسان تحركه الدوافع طبقا لغرائزه الجنسية فقط، تعرض بعدها لانتقادات شديدة ورفض أشد فى الأوساط العلمية  والطبية أجبرته على تعديل آرائه فى نهاية حياته إلى مفهوم أقل حدة، وهو أن الجنس هنا المقصود به كل صور البناء والحياة، وأن العدوان والتدمير المقصود به كل الصور السلبية والهدم والرذائل حتى المعنوية منها، بل وخصوصا المعنوية منها والتى يمكن أن تندرج تحت هذا اللواء.

  وفى الفترة الأخيرة ابتليت بلادنا ليس فقط بطوفان من النوع الثانى الهدمى والتدميري، بل وبتمكن هذا الطوفان لفترة من مقدرات البلاد ومفاصلها، هذا الطوفان هو جماعة الإخوان الإرهابية، أما الابتلاء فهو مشروعها المقصود به التمكين لها فى جميع أرجاء الدولة المصرية، فيما عرف إعلاميا بمشروع «الأخونة»، وقام على هذا المشروع الخطير الغريب عن مصر مجموعة من الشخصيات أغرقت البلاد فى فوضى لا مثيل لها، حتى لفظت مصر شعبيا هذا الكيان الإرهابى الغريب النبت، ونحن نهدف هنا بالأساس  لمحاولة فهم ما يدور فى نفوسهم، وبعض الديناميكيات لهذه الشخصيات التى تقود الجماعة الإرهابية، نتساءل: ما هو التكوين النفسى لهذه الشخصيات؟، هل هى شخصيات سوية أم بها خلل ما؟، سنحاول جاهدين بلا إفراط ولا تفريط  أن نوغل برفق فى تحليل نفسى بسيط لهذه الشخصيات، والتى ظلت طوال عام كامل من حكم الإخوان تطل على الساحة تحت الأضواء حتى أفول نجم الجماعة، فضلا عن سيطرتها على مقاليد الأمور بالدولة بعد ثورة 30 يونيو.

الحديث هذه المرة عن شخصية تثير الجدل، وطبيعة الجدل هنا ليس عن اختلاف البعض حول طبائع الشخصية نفسها، وإنما ما تثيره الشخصية من لفت نظر المجتمع وبقوة – تصل أحيانا للاستفزاز – جراء أفعالها وأقوالها.

الحديث عن البلتاجى عضو مكتب الإرشاد وأحد الوجوه الإعلامية الإخوانية التى برزت بقوة فى الفترة الأخيرة، إبان حكم الإخوان الذى استمر لعام، وقبل ذلك بقليل لارتباطه بأحداث مثل موقعة الجمل ومجلس الشعب، الذى احتله التيار الإسلامى باكتساح، لو لاحظنا فالسمة العامة لشخصية البلتاجى لن تختلف كثيرا عن بقية الأعضاء - أعضاء الجماعة - فالمحرك والمكون الأساسى ثابت، ملامح سيكوباتية كارهة للمجتمع كفكرة ورغبة فى تحطيمه - تيار الهدم عند فرويد ناشط جدا فى الشخصية السيكوباتية غير السوية فى الأساس - وحالة الاستعلاء والكبر «البارانويى» المشتركة أيضا بين أعضاء الجماعة لا سيما مكتب الإرشاد، وهذه النظرة الاستعلائية الفوقية نجدها حاضرة فى التصريحات الإخوانية بشكل لا جدال فيه، إلا أننى أود الحديث هنا عن ملمح مميز لشخصية البلتاجى وهو الملمح الهستيرى للشخصية.

سأتناول نقطة هامة فى أدبيات الإخوان وهو ما سنتوقف عنده كثيرا فى الحديث المتواصل عن عده شخصيات إخوانية نورد الحديث عنها تباعا، وهذه الملحوظة مستقاة من الأدبيات الأولى لجماعة الإخوان – بل وتمتد لما هو أقدم بكثير من الإخوان إلا أننا نجد أن الإخوان تمسكوا بها بشدة - وأيضا نجدها فى أدبيات سيد قطب لاحقا، وهى: «لا تمنح عدوك فرصة الزهو بالانتصار»، أى أفسد عليه شعوره بالانتصار بابتسامتك عند الهزيمة، وهو ما لاحظناه فى عدة مواقف عند القبض على البلتاجى وعدد آخر من قيادات الجماعة ومكتب إرشادها، لكن الملفت هنا أن البلتاجى تم القبض عليه بمباغتته - طبقا لرواية الداخلية - أثناء نومه وهو ما يعنى أن الرجل لم تكن لديه حتى فرصة الذهول، إلا أننا نجد ملامح الابتسامة - الصادرة عن مخزون لا واعى داخلى مترسب فى نفوس كل أعضاء الجماعة - فى محاولة لإفقاد ممسكيه لذة انتصارهم، مختلطة بآثار النوم على وجهه.

أما عن الحالة الهستيرية التى نرى الشخص عليها فهى فى الأساس استعداد وراثي، وأيضا فردى، يختلف فيه من شخص لآخر، والهستيريا هى تعبير - طبقا لفرويد -  صراع بين الغرائز «الهو»، ونجده هنا ممثلا فى تحقيق السيطرة والسطوة والقوة، وبين الأنا العليا، وهى فى الشخصية السيكوباتية التى يتصف بها الإخوان منظومة المصالح واللا أخلاق، نظرا لانعدام فكرة القيم العليا  - فى الطبيعى تكون الأنا العليا هى مجموعة القيم والمنظومة الأخلاقية المعبرة عن السطوة، سطوة القانون أو المجتمع ممثلة فى النهاية بالسلطة الأبوية التى يخشاها الإنسان أو لنقل «السلطة القاهرة» التى تحرك الإنسان تجاه فعل إيجابى بعينه، نحو بناء مجتمعه أو للعمل وفق المنظومة، وهى المضادة لغرائزه والمناهضة لمطالبه، وبالتالى ينشأ هنا الصراع والمحاولة التوفيقية بينهما، تكون هى الأنا أو ما يظهر من سلوك الإنسان تجاه الموقف، هذا فى الوضع الطبيعي، والعرض الهستيرى هنا هو محاولة للتوفيق بين الاثنين أو لنقل التوافق أو التواصل كما ذكرنا، وهو إحدى الحيل الدفاعية التى يستخدمها الإنسان للتغلب على الصراع والاستمرار فى الحياة بعيدا عن الانضغاط بين رغبة «الهو» وسلطة الأنا العليا، أما فى وضع شخصية البلتاجى - أى فى حالة الشخصية السيكوباتية - نجد أن منظومة القيم لديه أصلا فاسدة وتوجه فى اتجاه الغرائز الشريرة، لذا فلا تعارض، بالضبط كمن يدفع ثقلا فى مواجهة شخص آخر، لنتخيل أن الاثنين دفعاه فى اتجاه واحد إذا ينتهى الصراع فورا وتظهر القوة ذات الاتجاه الواحد – اتجاه الشر أو الهدم طبعا – لذلك لا نتعجب عندما نجد لصا أو قاتلا ممسكا بسلاح يحاول قتل أحدهم فيقول له الضحية: «ألا تخاف الله، أو سأسجنك بحكم القانون» أن يبتسم القاتل أو أن يشعر بالظفر، فهنا لا حديث داخله عن هذه المعانى، أو لنقل أن هذه المعانى لا تمثل له شيئاً أصلا، بالقياس طبعا يمكنك أن تتعجب إلى أبعد صورة عندما تجد شخصا يدعو أناسا يحملون سلاحا ومن لم يستطع أو لم توفر له الفرصة يحمل أفكارا سامة إلى المصالحة والاندماج !!.

أمر آخر  مهم هو أن العرض الهستيرى يظهر عند قرب حدوث الفشل أو عدم تحقق المطلب وهو أمر نراه جليا فى تهديدات البلتاجى بالحرق تارة، وبإيقاف عمليات سيناء عند استجابة السيسى لطلبه فى إعادة المخلوع مرسى !!!

هنا أمر لافت بهذا الصدد فإلى جانب حالة الفشل التى منى بها مشروع الإخوان والذى حولهم لحالة من الجيتو – رابعة والنهضة – فضلا عن كونهم مكونين من جيتوهات اجتماعية منفصلة عن عموم المجتمع المصرى القائم فى الأساس على فكرة صهر الجميع فى بوتقة واحدة، أى عكس فكرة الجيتو تماما، نلاحظ هنا كما أسلفت أن البلتاجى فعل شيئين مرتبطين وقد تحدثنا عن ضرورة ربطهما على المستوى النفسى على الأقل وهو الحالة الدفاعية أو «الميكانيزمات» المرتبطة بالدفاع عن الوجود، الذى تحول فعليا من وجود نفسى إلى وجود فيزيائي، الربط بين ذلك وحالة العنف أى الهدم أو تيار الهدم الذى استهللنا حديثنا به والذى يؤدى بنا على سبيل الدفاع إلى العنف المرتبط بالدرجة الحضارية المرتبطة بالأفكار، فنجد مع حالة الانغلاق الفكرى المؤدية بنا إلى الانحطاط الحضاري، لا عجب أن نصل ببساطة شديدة إلى العنف فى صوره الأولية، أى الإرهاب أو الاقتتال فى الشارع أو العنف المسلح، وهو ما لمسناه فعليا على مستوى الأداء الفعلى فى شوارع مصر تجاه الممتلكات العامة والخاصة، وعلى المستوى اللفظي، نجد الأمر بهذه البساطة والبدائية كما ذكرنا عاليه فى كلمات البلتاجى بتوقف عمليات الإرهابيين فى سيناء ضد الجيش المصرى وعناصره، وبالتالى بالطبع العنف اللفظي، هكذا بمنتهى البساطة !!،

 كما نلاحظ عرضا هستيريا من طريقة مشية البلتاجى على المسرح – منصة رابعة – وكلامه السريع  غير المترابط فى بعض الأحيان – لكن يبقى العرض هذا أصيلا لديه لدرجة انه لم يمنعه من لفظ كلمة بذيئة على الهواء مباشرة فى أحد البرامج الحوارية الشهيرة، تاركا لنا الصدمة والذهول، ومحاولة التدبر إلى أى مسلك هدام تقودنا إليه جماعة الخراب هذه ؟