الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شهداء البهنسا وتجار الدم




كلما اقتربت من هذه البقعة من أرض مصر أسمع هاتفا يقول لى: اخلع نعليك ...على هذه الأرض سالت دماء عزيزة طاهرة..دماء رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وصعدت أرواحهم الى البارئ ..راضية مطمئنة فرحة بلقاء ربها .
كلما جئت هنا ..لا املك مشاعرى وينحنى قلبى لأقرأ الفاتحة..ولا أدرى أأبكى عليهم ام أبكى على حالنا الآن ...هم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وجاءوا الى مصر لفتحها ونشر دعوة الحق ...رجال لم يروا من الدنيا الا العمل بما يؤمنون به ..والجهاد فى سبيل الله ...جهادا لا يوقفه خوف من موت بل وعد الحق الذين صدقوه بأنها شهادة فى سبيل الله وجنة وفردوس ومنزلا قريبا من الحبيب صلى الله عليه وسلم خالدين فيه .
يحضن هذا الثرى أجساد خمسة آلاف شهيد من الصحابة هم أحياء الدارين وخير الفريقين...خمسة آلاف شهيد لو زرتهم ستشعر بعظمة التضحية والجهاد وقدسية الرسالة التى حملوها  ورفعوا راياتها , فى قرية البهنسا الواقعة فى مدينة بنى مزار بالمنيا..كانت فيها أكبر قلاع وحصون الرومان المحتلين فى مصر، وبعد أن فتح عمرو بن العاص شمال مصر توجه الى الجنوب فهو باب الدخول الى افريقيا لنشر الاسلام فيها , وعلم الرومان بقدوم جيش المسلمين فجمعوا جيشا من ثمانين الف جندى , واستمرت المعارك حتى تحصن الباقون من جيش الرومان فى القلعة , فحاصرها المسلمون ستة أشهر وكان من أمراء المسلمين القعقاع بن عمرو وعبدالرزاق الأنصارى والفضل بن عباس وجعفر بن عقيل ومحمد بن عبدالرحمن بن ابى بكر.
وقدم المسلمون بطولات خارقة وتضحيات كثيرة حتى انتصروا على الرومان كما جاء فى كتاب فتح الشام للواقدى حيث أفرد المؤلف الجزء الثانى كله لفتح البهنسا لما فيها من بذل وعطاء وبطولات تشعر المرء بعظمة ايمانهم وقوة يقينهم وحبهم للشهادة.
وأقف على مشارف الجبانة للسلام وأقرأ الفاتحة وبداخلى وأعماقى أتمنى أن يقرأوا هم لى الفاتحة.. وأن أسألهم الدعاء فهم أحياء عند ربهم يرزقون ...قدموا من المدينة المنورة وخاضوا غمار معارك نشر الاسلام وضحوا واستشهدوا طمعا فى الفردوس، ودفنوا هنا بعيدا عن ديارهم بآلاف الأميال.. لم يطمعوا فى جاه ولا منصب ولا سلطان ..لم يطمعوا فى خلافة تبيع الوطن، ولا حزب ينهب البشر ولا سلطة تذل ولا تعز.. جاءوا وضحوا بأرواحهم من أجل نصرة الحق ولم يهمهم أين سيدفنون ..فالجسد وعاء الروح والروح ستصعد الى الله .
وكلما زرتهم أفرح بالزيارة وأرثى حالنا..وأرثى حال الدين الذى تحول من يقين وجهاد وسلام الى إدعاءات وسلعة يتاجر فيها النخاسون بينما تفوح من لحاهم رائحة الدم  والمطامع ونجاسة المضاجع... أرثى حال بلادى التى يرهبها تجار الدين وعبيد الدنيا من أجل منافع دنيوية ، ثم  خلطوا الدنيوى بالمقدس من اجل ثمن بخس ...أرثى بلادى التى يحاولون أسرها من لا ضمير ولا أخلاق لهم ، ومن تملكهم حب الدنيا التى ستزول حتما ويزولون , ومن سلب الشيطان أرواحهم فأشاعوا القتل والحرق والارهاب فيها ، أرثى بلادى التى يحاولون بالقتل والارهاب فرض حكمهم عليها ، ولم يتقوا ما بين ايديهم ولا ما خلفهم ..
يا شهداء البهنسا ..هل لدمائكم ان تبعث فى بلادى الإلهام والهمة والصبر والثبات ..الهمة لكى نقف أمام ارهاب خفافيش الظلام ، والصبر والثبات فى حربنا ضدهم ، والإلهام الذى يوقظ فى القلوب الصدق فى القول ..واليقين الذى يثبته الفعل .. يا شهداء البهنسا أدعوا لنا ولبلادنا لكى يحفظ الله كنانته فى الارض ...والنصر على طواغيت الدم والارهاب ...وإنا إن شاء الله لمنتصرون،