السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قادة أكتوبر (2)




سعد مأمون.. أستاذ المدرعات
 
أربعون عامًا مرت على ملحمة العبور.. «السادس من أكتوبر.. العاشر من رمضان عام 1973».. هذا اليوم الذى سطرته دماء طاهرة على أرض سيناء المصرية.. لتسترد كرامة أمة أهينت وكبرياء انكسر فى 1967.. لكن رجالها بكل شمم وإصرار وعزة.. أبوا أن تظل هذه الأمة مهزومة؛ فأخذوا بالثأر لإخوانهم الذين سالت دماؤهم شهادة على تراب هذه الأرض.

أربعون عامًا مرت هذا اليوم.. لتتجدد فى ذكراه احتفالاتنا وأفراحنا.. أربعون عامًا هى عمر أجيال تمثل السواد الأعظم من تعداد هذا الشعب الأبى.. لقد فات هذه الأجيال مشهد العبور وارتفاع رايات النصر.. فاتتهم رؤية العلم  المصرى يرفرف خفاقًا فوق رمال سيناء، فيخطف معه القلوب.. فاتهم إحساس جيل كامل عاش تلك الفترة بعذاباتها وآلامها وانكساراتها.. فكانوا كمن سقط فى هوة سحيقة من الذل والانكسار واحتلال الأرض.. فاتتهم رؤية تحطم أسطورة  أقوى مانع مائى على مستوى العالم بالأيادى السمراء.

فى هذه الذكرى العظيمة.. تشارك “روزاليوسف” شعب مصر وقراءها الاحتفال بهذا اليوم الخالد.. بملف خاص عن هذا النصر ينشر على مدار أسبوع.. يضم مجموعة من الحوارات واللقاءات والتحقيقات المميزة والتقارير والانفرادات وأسرار هذه الحرب التى لم تتكشف ولم يعلن عنها كاملة.. لتتحقق كلمة السادات التى قالها كأنه يحيا بيننا.. “وربما جاء يوم نجلس فيه معًا.. لا لكى نتفاخر ونتباهى.. ولكن لكى نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلا بعد جيل.. قصة الكفاح ومشاقه.. ومرارة الهزيمة وآلامها.. وحلاوة النصر وآماله.. نعم سوف يجىء يوم نجلس فيه لنقص ونروى ماذا فعل كل منا فى موقعه.. وكيف حمل كل منا أمانته وأدى دوره”.

عقب تعيين اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثانى اعتبارا من 23 ديسمبر قائدا لقوات تصفية الثغرة غرب القناة، تلقى التوجيهات بتنفيذ الخطة من الرئيس الراحل السادات ثم من الفريق أول أحمد إسماعيل القائد العام، نظرا لأن أنظار مصر والدول العربية كانت تتابع هذه العملية باهتمام وتركيز شديدين بسبب استغلال أجهزة الإعلام الإسرائيلية وجود الجيب الإسرائيلى غرب القناة للقيام بدعاية سياسية واسعة النطاق.

وقام اللواء سعد مأمون حال توليه القيادة بالمرور على القوات التى خصصت لعملية تصفية الثغرة ومراجعة الخطة مراجعة دقيقة، وادخال ما رأى ادخاله عليها من تعديلات. وفى يوم 18 ديسمبر قام بعرضها على القائد العام الفريق أول أحمد إسماعيل للتصديق عليها. وفى يوم 24 ديسمبر عرض القائد العام الخطة «شامل» فى صورتها النهائية على الرئيس السادات باستراحة القناطر الخيرية بحضور رئيس الأركان وقادة الأفرع الرئيسية بالقوات المسلحة، واللواء سعد مأمون. وأقر الرئيس الخطة، واصدر توجيهاته بأن تكون جاهزة للتنفيذ فى اى وقت اعتبارا من نفس اليوم (24 ديسمبر).

وقد انعقد المؤتمر بمركز القيادة المتقدم للجيش الثانى بالإسماعيلية برئاسة اللواء سعد مأمون وقد حضره رئيس أركان الجيش الثاني، وقادة التشكيلات الميدانية، ورؤساء الأسلحة والأفرع الرئيسية بالجيش، وقام رئيس استطلاع الجيش الثانى فى بداية المؤتمر بشرح الموقف العام للعدو على مواجهة الجيش الثانى وفقا للمعلومات المتوافرة لديه. وقد تبين أنه يوجد للعدو نحو 230 دبابة على اتصال برؤوس كبارى الفرق المصرية الثلاث 16و 2 و 18 مشاة، وهى بقايا الألوية المدرعة التى سبق لهذه الفرق صد وتحطيم هجماتها المضادة فى الأيام السابقة. وقد قامت مفارز من هذه الدبابات باحتلال خطوط صد تم اختيارها بعناية باستغلال طبيعة الأرض. وكان التخطيط الذى وضعه العدو عقب اكتشافه نوايانا لتطير الهجوم شرقا هو الاستعداد لصد القوات المصرية القائمة بتطوير الهجوم عن طريق خطوط الصد السابق تجهيزها بالدبابات والمدعمة بالاحتياطيات المدرعة والستائر المضادة للدبابات وباجراء التعاون مع الطيران الإسرائيلى لمحاولة تدميرها، مع الاحتفاظ باحتياطى تعبوى قوى من القوات المدرعة والميكانيكية استعدادا لانتزاع المبادأة من القوات المصرية عقب القضاء على عملية تطوير الهجوم، والقيام على الفور بتوجيه ضربة مضادة قوية كى تفقد القوات المصرية توازنها.
وشرح اللواء سعد مأمون للقادة الحاضرين قرار القيادة العامة بتطوير الهجوم شرقا بقصد تخفيف الضغط على الجبهة السورية، وحدد بشكل عام المهمة التى أوكل إلى الجيش الثانى تحقيقها، وهى الاستيلاء على الخط العام الطاسة-بالوظة عل الطريق العرضى 3، والذى يبلغ عمقه نحو 15 كم، وذكر بأن القيادة العامة قررت تخصيص مجهود جوى رئيسى لتأمين دفع وتطوير العملية الهجومية للجيش الثانى.

إثر التدمير شبه الكامل للفرقة 21 المصرية التى دُفِع بها لانقاذ خطة تطوير الهجوم، فى الساعة 8:30 صباح 14 اكتوبر، أصيب اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثانى الذى كان يتابع موقف الفرقة 21 المدرعة من مركز القيادة المتقدم للجيش بنوبة قلبية، وقد بادر بالاتصال باللواء تيسير العقاد رئيس أركان الجيش الذى كان موجودا فى الخلف فى مركز القيادة الرئيسى للجيش وأبلغه بمرضه، ودعاه للحضور إلى مركز القيادة المتقدم للجيش لتولى القيادة بدلا منه.

وقد ذكر الفريق سعد الشاذلى فى مذكراته أنه عندما أبلغ اللواء سعد مأمون أثناء زيارته له بأنه سيتم اخلاؤه إلى مستشفى المعادي، انزعج كثيرا ورجاه ألا يفعل ذلك مؤكدا أنه يستطيع أن يمارس مسئولياته فورا، لكن الطبيب بناء على اتفاق مسبق مع سعد الشاذلى اتصل به هاتفيا صباح اليوم التالى (15 أكتوبر) وأخبره بأن حالة سعد مأمون لم تتحسن، ولذا فقد تم اخلاؤه إلى مستشفى القصاصين فى بادئ الأمر ثم إلى مستشفى المعادي، حيث بقى فيه إلى ما بعد وقف إطلاق النار.

أحيل سعد مأمون لشبه تقاعد، إلا أن جيهان السادات تدخلت لتعيينه رئيساً للجنة العليا لتطوير القوات المسلحة، ثم عين محافظاً لمطروح، ثم محافظاً للمنوفية، ثم محافظاً للقاهرة فى الرابع عشر من شهر مايو عام 1977. وفى الخامس والعشرين من شهر سبتمبر عام 1982 تم ترقية (سعد مأمون) إلى رتبة (الفريق) . وفى عام 1981 حصل على وسام الجمهورية من الطبقة الأولى، وعلى رتبة (الفريق) الفخرية عام 1982، وعلى وسام من (فرانسوا ميتران) فى شهر فبراير عام 1983، ثم تولى منصب وزارة الحكم المحلى فى عام 1983، وفى 28 أكتوبر 2000 فاضت روحه إلى بارئها.