الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

زكى يوسف.. العبقرى القبطى الذى هزم بارليف




كان اللواء باقى زكى يوسف قبطى مصري، رئيس فرع المركبات بالجيش الثالث الميداني، خلال وجود الجيش غرب القنال فى مايو 1969، وصدرت تعليمات بالاستعداد للعبور وكانت أكبر مشكلة أمام الفرقة هى التغلب على الساتر الترابى وفتح ثغرات فيه، حيث استعان الإسرائيليون بشركات متخصصة ودرسوا وأقاموا خط بارليف بملايين الدولارات، وظلوا يرفعون منه ويزيدون عليه سنوات متتالية ليصبح ضمن حدود إسرائيل، وبلغ الموقف صعوبته القصوى عندما أكد الخبراء الروس أن خط بارليف يحتاج إلى قنبلتين نوويتين لاختراقه، إذ كان بارليف يتكون من جبال ضخمة من الرمال والأتربة المتكلّسة الصلدة، تمتد بطول قناة السويس فى نحو 160 كيلو مترًا من بورسعيد شمالاً، وحتى السويس جنوبًا.

مما مثل العقبة الأكبر التى واجهت القوات الحربية المصرية فى عملية العبور إلى سيناء، خاصةً أن خط بارليف قد أنشئ بزاوية قدرها 80 درجة لكى يستحيل معها عبورُ المدرعات وناقلات الجنود، بالإضافة إلى كهربة هذا الجبل الهائل.

وفى عام 1969 صدرت الأوامر بالاستعداد للحرب، وأثناء اجتماع القادة برئاسة اللواء سعد زغلول عبد الكريم لدراسة الأفكار المقترحة للعبور، كانت كل الاقتراحات التى تم عرضها كان زمن فتح الثغرة فيها كبيراً، يتراوح بين 12 – 15 ساعة، إذ الخسائر البشرية المتوقعة لا تقل عن 20% من القوات، ولكن عندما شرح القائد طبيعة المانع وفهم أنه يغلب عليه الساتر الترابى تذكر عمله بالسد العالي، حيث انتُدب للعمل فى مشروع السد العالى فى شهر مايو عام 1969، ثم عين رئيساً لفرع المركبات برتبة مقدم فى الفرقة 19 مشاة الميكانيكية، وفى هذه الفترة شاهد عن قرب عملية تجريف عدة جبال من الأتربة والرمال فى داخل مشروع السد العالى بمحافظة أسوان حيث كان يتم ضخ الماء المضغوط من أجل تجريف جبال الرمال فى أسوان، ثم سحبها فى أنابيب، ومن ثم إعادة استخدام المياه المخلوطة بالطمى فى بناء جسم السد العالى، والتى كانت هذه هى بذرة فكرة أحداث ثغرات فى الساتر الترابى المواجه لخط بارليف، ورأى كيف تهزم مضخات المياه التراب فى دقائق معدودة، فرفع يديه فورا وقبل أن يحل دوره فى الكلام، وقال: “تقولون رمال الله منحنا الحل للمشكلة وتحت أرجلنا وهو المياه وفى هذه الحالة ستكون أقوى من المفرقعات والألغام والصواريخ وأوفر وأسرع».

فاتصل قائد الفرقة اللواء سعد زغلول بنائب رئيس العمليات اللواء أركان حرب محمود جاد التهامى الذى اقتنع بمقترح زكى، وخلال 12 ساعة، وصلت الفكرة لأعلى مستوى فى القوات المسلحة، للرئيس جمال عبد الناصر، لتنتقل المسئولية إلى إدارة المهندسين، الذين قاموا بأكثر من 300 تجربة عملية وميدانية خلال سبتمبر عام 1969 حتى عام 1972 بجزيرة البلاح بالإسماعيلية، حيث تم فتح ثغرة فى ساتر ترابى أقيم ليماثل الموجود على الضفة الشرقية للقناة فى سرية تامة، وتم استيراد المضخات من ألمانيا باعتبارها وسيلة زراعية.

وبفضل هذه الفكرة استطاعت قواتنا عبور بعض الثغرات خلال 4 ساعات بدلا من 12 ساعة، حيث بدأت قواتنا فى التدفق على الضفة الغربية، بحلول الساعة 10 مساء إذ كان هناك 80 ألف جندى مصرى موجودون فى الجانب الآخر من الضفة، لم نفقد منهم إلا 78 جندياً فقط فى موجات العبور الأولى، وفقد العدو توازنه، وعندما عرف القادة الإسرائيليون استخدام المياه فى فتح الثغرات بعدما بلغهم بداية عملية العبور قالوا: «لقد كسب المصريون الجولة الأولى».

حصل باقى زكى على نوط الجمهورية العسكرى من الدرجة الأولى من الرئيس أنور السادات سنة 1974، وبه إشادة بأعمال استثنائية، بالإضافة لحصوله على وسام الجمهورية من الطبقة الثانية من الرئيس محمد حسنى مبارك سنة 1984، وعندما طلب تسجيل الفكرة باسمه لحفظ حقوقه المعنوية، وجاءه اتصال من اللواء سعد زغلول عبد الكريم، الذى قال له “أنا النهاردة بأمضى إمضاء من أشرف إمضاءاتى العسكرية”، فشكره زكى بشدة وقال له “يا فندم لو مكنتش حضرتك سمعتها ودعمتها وأديتها ثقلك مكنتش اتنفذت”، فرد عليه “لأ يا ابنى ماتقولش كده، أنت اديتنا الطفاشة اللى فتحنا بها بوابة مصر”.