السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فؤاد زكرى.. أسد البحار




البطل الفريق أول فؤاد محمد زكرى هو أول قائد مصرى للبحرية يقود أسطولها الحربى فى حرب حقيقية ويحقق انتصاراً تاريخياً منذ عصر (إبراهيم باشا) أمير البحرية الأسبق، وهو القائد الذى خطط للضربة البحرية التى تحدث عنها العالم كله، وكانت إشارة النصر فى حرب أكتوبر، وهى حصار مضيق باب المندب والذى جعل إسرائيل لا تنام بسبب آثاره السلبية عليها.

نشر خبر صغير بالصحف فى شهر سبتمبر عام 1973 عن توجه ثلاث قطع بحرية مصرية إلى أحد الموانئ الباكستانية لإجراء العمرات وأعمال الصيانة الدورية لها، وبالفعل تحركت القطع الثلاث وهي: الفاتح والظافر والفرقاطة رشيد من سفاجا، وكانت أول محطة لها فى ميناء عدن وهناك أمضت أسبوعاً ثم صدر لها الأمر بالتوجه إلى أحد الموانئ الصومالية فى زيارة رسمية استغرقت أسبوعاً آخر لزيارة بعض الموانئ ، ثم عادت القطع الثلاث من جديد إلى عدن وهناك وصلتها مظاريف مغلقة وأوامر بعدم فتحها إلا بعد أن تصلها إشارة معينة.

وفى مساء الخامس من أكتوبر جاءتها الإشارة الكودية وعندما فتحوا المظاريف الثلاثة علموا أنها الحرب المنتظرة، وصدرت الأوامر بالتوجه فوراً ليس إلى باكستان كما هو معلن، ولكن إلى مواقع محددة لها عند مضيق باب المندب فى سرية تامة عند نقط تسمح لها بمتابعة حركة جميع السفن العابرة فى البحر الأحمر رادارياً وتفتيشها، ولم تجرؤ سفينة إسرائيلية واحدة على عبور مضيق باب المندب طوال الحصار، وكانت الأوامر لهذه الوحدات الثلاث بتفتيش السفن المشتبه فى اتجاهها إلى إسرائيل ومنعها، وإذا لم تمتثل يتم إطلاق مدفعية عليها حتى يتم تطبيق الإعلان الملاحى لوزارة الخارجية المصرية والخاص بتحديد المناطق المحظور فيها الملاحة فى البحرين الأبيض والأحمر، كما انتشرت الغواصات المصرية بين المنطقة ما بين جدة وبور سودان وكانت مكلفة بتدمير أى وحدة بحرية متجهة شمالاً إلى ميناء إيلات، ونفذت هذه الوحدات مهامها على أكمل وجه فقد اعترضت المدمرات 200 سفينة تجارية.

قد قال زائيف شيف الكاتب الإسرائيلى فى كتابه (زلزال أكتوبر العظيم): «فور تلقى قاعدة إيلات بلاغاً من ربان نقالة تم اعتراضها عند باب المندب تم إخطار الحكومة المصغرة برئاسة جولدا مائير وصدرت الأوامر فوراً بوقف ملاحة السفن الإسرائيلية نهائياً فى البحر الأحمر، وبذلك أغلق ميناء إيلات طوال فترة عمليات أكتوبر وحرمت إسرائيل من النقل البحرى بنسبة 100 % فى البحر الأحمر ليتم حرمانها من السلع والأسلحة والذخيرة والبترول وغير ذلك».

وتم تضييق الخناق على الملاحة الإسرائيلية فى البحر المتوسط حيث تمركزت المدمرات المصرية فى المنطقة ما بين مالطة والموانئ الليبية للتعرض للنقل البحرى الإسرائيلى، وانتشرت الغواصات بين جزيرة قبرص على الساحل الشمالى بسيناء لمهاجمة السفن المتجهة للموانئ الإسرائيلية، وأيضا صدرت تعليمات إسرائيلية لسفنها باللجوء إلى موانئ أخرى فى البحر المتوسط وعدم التوجه للموانئ الإسرائيلية لحين إشعار آخر، وبذلك انخفضت حركة النقل البحرى للموانئ الإسرائيلية فى هذا البحر إلى 20% من معدلها الطبيعي.

يعد البطل الفريق أول فؤاد زكرى القائد الوحيد فى تاريخ الجيوش فى العالم الذى ترك قيادة قواته وابتعد عنها بعد أدائه لواجبه الوطني، وهو أحد خمسة من كبار القادة المصريين فى حرب أكتوبر 1973 م الذين صدر فى شأنهم قانون من مجلس الشعب بأن يظلوا فى خدمة القوات المسلحة مدى الحياة. وبعد انتهاء معارك أكتوبر 1973 م حرص البطل الفريق أول فؤاد زكرى على ترك موقعه لغيره وطلب هذا رسمياً عدة مرات إلى أن استجيب لطلبه، ولكن تم تعيينه مستشاراً للبحرية بدرجة وزير. وحصل البطل الفريق أول فؤاد زكرى على العديد من الأوسمة والنياشين تقديراً لكفاءته وإنجازاته العسكرية، منها رتبة المشير الفخرية.

فى مستشفى لندن أخبره الجراح العالمى الإنجليزى بتسلل السرطان إلى جسده، وعندما خرج الطبيب قالت له زوجته: «إنك الآن وحدك فى غرفتك.. تصرف براحتك.. أبك إذا كنت تشعر بحزن، لا تحبس دموعك» فابتسم فى شجاعة مذهلة وقال: «لماذا البكاء والدموع ؟! إننى مؤمن وقد يستطيع الأطباء علاجى أو أموت.. لا فرق.. فقد أديت واجبى والحمد لله»، وفى مطلع عام 1983 رحل أسد البحار فى صمت.