الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

حسين حمودة يكتب: حرب أكتوبر.. بين الانتصار والإبداع الأدبى




أوافق الكثيرين على أن حرب أكتوبر، التى اقترنت بانتصارنا الكبير، لم تؤد إلى نتائج أو ثمار توازى أو تقارب هذا الانتصار. فما حصلنا عليه من معاهدة كامب ديفيد كان أقل بكثير من حقوقنا المشروعة، فى سيناء بوجه خاص. وفيما يتصل بعلاقة حرب أكتوبر بالإبداع الذى نتج عنها أو ارتبط بها؛ أستطيع القول، مع كثيرين أيضا، إن الأعمال الإبداعية التى قدمت عن هذه الحرب وحولها كانت أيضا أقل مما تستحق هذه الحرب. أنا لا أقلل هنا من شأن الأعمال الروائية والقصصية والشعرية، وبعض الأفلام السينمائية المحدودة، التى قدمت عن حرب أكتوبر؛ فبعضها أعمال ممتازة (ومنها أعمال لجمال الغيطانى وليوسف القعيد)، ولكننى أشير إلى أن هذه الحرب، التى شهدت انتصارنا، لو كانت حرب أمة أخرى وانتصارها، لنتج عنها وفرة إبداعية أكبر بكثير، ولخصصت لها هذه الأمة ميزانيات ضخمة لتنفيذ أعمال سينمائية تليق بها.

طبعا ليس من الضرورى أن يكون المبدعون مشاركين فى أية حرب لكى يتناولوها فى إبداعهم، كما أنه ليس من الضرورى أن يكونوا معاصرين لها كى يعرفوها وينفعلوا بها. وفى هذه الوجهة، يمكن ملاحظة أن الروايات المسمّاة «التاريخية»، مثلا، تتم كتابتها غالبا فى زمن مختلف، وربما بعيد جدا، عن زمن وقائعها، أى بعيد عما يسمى «الزمن المرجعى التاريخى» الذى تقع فيه أحداثها.. كما أننا فى هذه الوجهة أيضا نستطيع أن نستدعى لذاكرتنا أغلب الروايات التاريخية التى تناولت فترات شهدت حروبا (بعض روايات جورجى زيدان، بعض روايات نجيب محفوظ «التاريخية» الأولى، بعض كتابات إيفو أندريتش ونيكوس كازنتزاكيس، مثلا).

أدب الحرب غير أدب المناسبات. كان أدب المناسبات، وربما لا يزال، سيئ السمعة. وهناك مثلا ركام شعرى ضخم كتب عن صلاح الدين الأيوبى وحروبه وانتصاراته، وقد كتب هذا الركام فى زمن صلاح الدين وبعد هذا الزمن. وهذا الركام كله أقرب إلى «الإعلام» منه إلى الأدب، وغالبيته العظمى تدخل فى دائرة «أدب المناسبات». أدب الحرب، بعيد عن هذا، يمكن أن يلتقط تجارب إنسانية، وأن يجسدها تجسيدا إبداعيا حقيقيا، ولا يكتفى بدور «الإشادة» ولا بحدود «التوثيق»، ويتخطى  بذلك كله حدود «المناسبة». وفى الحقيقة هناك أعمال روائية كبيرة القيمة انطلقت من تناول «الحرب»، ولكنها تجاوزت هذا التناول ـ رغم أنه ليس محدودا أبدا ـ لتحلق فى آفاق أبعد. ويمكننا هنا أن نفكر، بجانب (الحرب والسلام) لتولستوى، فى أعمال أخرى مثل رواية (كل شيء هادئ فى الميدان الغربى) لإيريك ماريا ريمارك، أو (الحرية أو الموت) لنيكوس كازنتزاكيس، أو (المريض الإنجليزى) لمايكل إونداتجى.. إلخ. أيضا هناك روايات كثيرة عن «حروب أهلية»، وبعضها روايات مهمة.

كذلك ضمن تناولات الحرب يمكن أن تندرج أيضا أعمال تتناول العالم المحيط بالحرب، أو تتناول تأثيرها فى مجالها القريب أو البعيد، ويمكن هنا أن نستدعى (زقاق المدق) لنجيب محفوظ، أو (لا أحد ينام فى الإسكندرية) لإبراهيم عبد المجيد، اللتين ارتبطتا بالحرب العالمية وتأثيرها فى مدينتى القاهرة والإسكندرية.

ربما كانت هناك «أسرار» لم تعرف بعد عن حرب أكتوبر، لكن ما هو معلن عنها، حتى الآن، يمكن أن يكون كافيا جدا لتناولها فى أعمال إبداعية. ولا أتصور أبدا أن الأعمال الإبداعية عن حرب أكتوبر يمكن أن تتوقف أو تصل إلى نهاية. وتأسيسا على فكرة المسافة الممكنة بين زمن كتابة الرواية وزمن وقائعها، مثلا، يمكن أن نتيقن من أن حرب أكتوبر سوف تظل تراود المبدعين طوال قرون قادمة.

اما سيناء فهى لا تزال من المناطق المصرية المحرومة على مستوى التنمية، بكل أشكال التنمية وأبعادها، ومنها التنمية الثقافية. كان هذا الوضع المجحف قائما قبل حرب أكتوبر وظل قائما بعدها. ومبدعو سيناء لم يأخدوا فرصا كافية، مثلهم مثل كثيرين من «مبدعى الأقاليم» المصرية. وربما شهدت الفترة أو الفترات القادمة المزيد من العناية بسيناء وبمبدعيها. ولعل تنمية سيناء تمثل أحد السبل الأساسية، المهمة، التى تجعلها بعيدة عن أن تكون موقعا مناسب لجماعات الإرهاب. ولعل تنميتها ثقافيا تجعلها ساحة غير ملائمة لانتشار الأفكار الظلامية. وأملى كبير، لعله أملنا جميعا، بعد كل ما شهدناه ونشهده، فى أن تكون هناك خطة حقيقية، متبلورة وكبيرة، وأن يكون هناك تنفيذ جاد لها، ينقلان سيناء وأهلها إلى ازدهار حقيقى على كل المستويات.