الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فؤاد قنديل: نصر أكتوبر «مظلوم» لم يأخذ حقه من التوثيق الإبداعى




الكاتب الروائى والناقد الادبى فؤاد قنديل صاحب مجموعة روايات عن حرب أكتوبر، منها: «العلم» و«توابيت منصور»، وآخرها صدرت العام الماضى رواية: «موسم العنف الجميل»، قنديل يشعر بالحزن بسبب اهمال الجهات فى التعامل مع حرب أكتوبر، ويتهم السادات باهتمامه بعقد اتفاقية معاهدة السلام، ويتهم مبارك بعدم الاهتمام بتوثيقها، ويرى أن الاحتفال السنوى بأكتوبر هو مجرد مهزلة وليست إلا سبوبة تنفق عليها الدولة ملايين لتقديم أوبريت غنائى راقص وهى أعمال  تذهب مع الريح ولا تمثل أى منجز فنى أو تاريخي، تحاورنا معه حول كل هذه المحاور.د

 فكان هذا نص الحوار:


■ ماذا بعد مرور أربعين عاما على حرب أكتوبر .. صف لنا رؤيتك عن أكتوبراليوم؟
- حرب أكتوبر مظلومة، أشعر بالحزن الشديد لأن عملا عسكريا وعلميا  وإنسانيا رفيعا قد تم إهماله والتعامل معه باستهانة على كل المستويات. حرب أكتوبر من أهم الحروب فى التاريخ المصرى كله بسبب الأداء العسكرى العالى الذى يصل إلى حد الإعجاز فى بعض مراحله، ولم تتح للرئيس السادات الفرصة لتسجيله إعلاميا وفنيا وثقافيا فكان شاغله الأول استعادة الأرض، وقد حقق هدفه عن طريق زيارة القدس وعقد اتفاق كامب ديفيد، أما مبارك فلا أجد غضاضة فى القول إنه خان الحرب ورجالها ولم يبذل أدنى جهد ولم يصدر أى قرار سيادى لمنح هذه الحرب حقها محليا وإقليميا ودوليا.

حتى أنى قرأت فى بعض الكتب والموسوعات الغربية أن اسرائيل هى التى انتصرت فى حرب أكتوبر ومن ذلك موسوعة الطفل التى ترجمتها الهيئة العامة للكتاب، وكانت تتضمن ذلك، وهذا ما دعانى لتحويل المسئولين عنها للنائب العام ومنهم فاروق حسنى وزير الثقافة، رغم أنى أعتبره من أهم من خدموا الثقافة المصرية.

لقد أرسلت ثلاث رسائل إلى مبارك  كانت أولاها عام 1985، كما تحدثت إليه مباشرة فى احتفالنا بمنح نجيب محفوظ قلادة النيل وطالبته بما أتصوره لازما  لتسجيل الحرب فى افتتاح معرض القاهرة الدولى للكتاب عام 1997 ووعد بالاستجابة.

لقد طالبته فى كل هذه المحاولات أن يخصص جائزة أدبية كبيرة لكتابة روايات عن حرب أكتوبر وتوجه الدعوة لكل الكتاب، للمشاركة فيها، على أن يتم تنفيذ عدة أفلام ومسلسلات تليفزيونية من الروايات حسب رؤية المخرجين  وقلت له وكتبت أن الفرصة متاحة وملائمة جدا إذ يكون أحد قادة أكتوبر هو رئيس الجمهورية أى صاحب أعلى سلطة فى البلاد، وإذا لم يتحمس فلن يتحمس غيره لكنه كعادته مثل البطة العرجاء لم يتحرك ولم يحدث أى شيء مما طلبت، وبدلا من الاستجابة استمرت مهزلة سنوية اسمها الاحتفال بحرب أكتوبر ليست إلا سبوبة تنفق عليها الدولة عدة ملايين لتقديم أوبريت غنائى راقص يحيى البطولات بحضوره وهى أعمال  تذهب مع الريح ولا تمثل  أى منجز فنى أو تاريخي.

إذن فقد قصر المسئول الأول فى حق حرب أكتوبر تقصيرا  يجب أن يحاسب عليه، ومع ذلك تظل دعوتى قائمة، وبالنسبة للحرب فهى كما أشرت عمل علمى لا شبيه له وبطولى رائع وصفحة مشرقة فى تاريخ مصر.

■ ماذا تقصد بأن السادات اهتم بمعاهدة السلام التى أضرت بمصر؟
- كان لابد من معاهدة السلام، لكن ما كان يجب أن تتضمن المواد المشبوهة التى وافق السادات على تضمينها المعاهدة، وهى فقرات تكبل يد مصر فى التعامل مع سيناء عسكريا وعمرانيا، وقد كتب كيسنجر فى مذكراته أن السادات كان يوافق على طلباتنا  قبل أن نطلبها بل كان يفاجئنا بموافقته على ما لم نطمع فيه والسادات رئيس وطنى ولكنه يركز على الهدف ولا يرى ما حوله وما ينتج عنه فقد فكر فى الانفتاح على أنه منقذ مصر وهو فى الحقيقة من أضر بمصر أشد الضرر، وبدد نصر أكتوبر وأضر مبارك بمصر أشد الضرر بإهماله التاريخى البشع لكل ما يخص سيناء ولا أعرف متى يأتى موعد محاسبة هذا الرجل وأمثاله، وقد اقترف من التقصير ما يحتسب من الخيانة.

■ هل حصل أبناء سيناء بعد هذا الزمن على حقهم على مستوى الكتابة الأدبية عن بطولاتهم؟
- لم يحصل أهالى سيناء على أى شيء سواء على المستوى الإنسانى والعمراني، أو الاقتصادى أو السياسى وبالتالى الكتابة والإبداع وكافة الخدمات، ومازالوا يعاملون على أنهم أبناء البطة السوداء مع أنهم تحملوا على مدى عقود الفقر والحرمان والتجاهل والخطر وقسوة الصحراء ونقص الخدمات وغياب الدور والإقصاء وكلها أخطاء فادحة يتعين علاجها بأقصى سرعة، ولا أدرى كيف ينام مسئول وهناك مناطق فى مصر تعانى مثل هذه المعاناة خاصة هذه الأيام.

■ حدثنا عن أعمالك الأدبية التى تتعلق بحرب أكتوبر؟
- قاومت فى البداية ولعدة سنوات فكرة الكتابة عن الحرب، لكن الحرب ذاتها طاردتنى وأخذت تظهر فى محاولتى كتابة أى عمل آخر، وتلاحقنى فى الأحلام وفى الصحو وتطل فى الكتب فاضطررت للاستجابة والتفكير فى كتابة رواية عن الحرب لكنى كنت أمنع نفسى لأنى لم أشترك فيها ولم أمر بتجربتها الخطرة كما أتيح لغيري، المهم أنى ابعدت من أمامى كل ما يشغلنى وأقبلت على تجميع الصحف والمجلات المصرية والعربية والأجنبية والأفلام القصيرة وكانت لدى معلومات كثيرة نظرا لمتابعتى الدقيقة للحرب يوما بيوم ودقيقة بدقيقة فضلا عن وجود شقيقين لى فى الحرب وأصدقاء ومعارف وأقارب.

جلست مع الجميع وسجلت الكثير من الوقائع حتى تمكنت من الانتهاء من وضع رواية اسميتها «موسم العنف الجميل» وكنت قبلها قد مهدت بكتابة عدة قصص قصيرة فى الموضوع ذاته مثل «العلم» و«توابيت منصور»، وقد ألهمتنى الأحداث أن أقيم بناء الرواية على أساس تقسيم الفصول بين الجانبين المصرى والإسرائيلي، لكل منهما عدة فصول تتابع بالتوالي لتكشف لنا الأحداث من كل جانب وقد كان لذلك تأثير بالغ فى بيان الاستعدادات وطرق  التفكير والإحساس بالوطن وطبيعة الهجمات وأساليب الدفاع ..الخ .. والرواية ترصد اللحظات الانسانية لدى الطرفين خاصة بالطبع فى الجانب المصري.

■ ما رأيك فى الأعمال الأدبية التى تناولت حرب أكتوبر؟ وهل تراها تتناسب مع قيمة الحدث؟
- صدرت نحو ثلاثين رواية عن حرب أكتوبر. نصفها على الأقل متوسط ولا أقول متواضع .. وأتصور أن الدعوة للكتابة يجب أن تتجود من جديد مع وضع مشروع للجوائز الكبيرة وأن تقوم الدولة بإنتاج عدد من الأفلام والمسلسلات ولو لم يحدث هذا خلال السنوات القليلة القادمة فسوف تنتهى حرب أكتوبر وسوف تنزع  صفحتها من كتاب التاريخ  وبمناسبة مرور أربعين عاما أدعو للبدء فى تخصيص ميزانية لا تقل عن نصف مليون جنيه تمنح فى شكل جوائز لأفضل خمس روايات عن حرب أكتوبر وتوفير كافة المعلومات والكتب والنشرات والصور عن طريق إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة .. المهم وجود إرادة سياسية وإلا فسوف يكون الحكام الجدد أيضا مقصرين تقصيرا فادحا ويجب محاسبتهم.

■ هل من الافضل ان يكون الكاتب مشاركا فى الحروب حتى  يكتب عنها؟
- الأفضل أن يكون مشاركا ولا بأس ألا يكون، فليس كل ما صدر من أعمال عالمية عن الحروب  كان كتابها من المحاربين .. المهم الحماسة والرغبة الحقيقية والحس الوطنى وتقدير تام لما جرى والاعتزاز به مع الاحتشاد بالمعلومات والتأمل والاطلاع والتمثل وبقية الأدوات الفنية.

■ هل قلة حماس الروائيين للكتابة عن حرب أكتوبر له علاقة بأنه لا تزال هناك أسرار لم يتم كشفها؟
- نعم .. كل ما ذكرته صحيح ووارد، أن يقل الحماس لعدم وجود معلومات كافية عن الحرب ولكن يمكن استعادة وهج الحرب بأن تظهر الدولة إرادتها وتؤكد رغبتها الحقيقية فى منح الحرب حقها، ومن ثم لابد أن يبدأ هذا بالروايات والقصص القصيرة وليس بالمقالات والأوبريتات والأفلام السقيمة التى جرى إنتاجها بعد الحرب وكانت نابعة من عاطفة جياشة ووطنية لكنها افتقدت الموضوعية والدقة والمال والإبداع والخيال والجودة العالية للإخراج وكانت بإيجاز أعمالا مسلوقة ولا تليق بالحرب، وشكرا لمن تحمس لكنها لا أقل كثيرا من أن تحظى لا بالخلود ولا بالإعجاب خاصة لدى الأجيال الجديدة صاحبة الرؤى الناضجة جدا وفى ظل الآليات الفنية والعلمية المتقدمة.