الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

محمد فوزى..مهندس حرب الاستنزاف




وُلد الفريق أول محمد فوزى حاخوا فى عام 1915 فى مدينة المنوفية وهو من أصول شركسية (من قبيلة الشابسوغ) حيث استوطن اجداده فى المنوفية - مصر ونشأ وتربى فيها. وكان والده امين فوزى ضابطا كبيرا فى الجيش المصرى ومديراً لسلاح المدفعية، وكان جده ياوران للخديو حاكم مصر، فلم يتحمس للانضمام لجماعة «الضباط الأحرار».
تخرج فى الكلية الحربية وشارك فى حرب فلسطين قائداً للمدفعية المضادة للطائرات، وأُصيب فى غزة عام 1949.تدرّج فى الرتب العسكرية فى القوات المسلحة المصرية وانضم إلى الكلية الحربية برتبة (بكباشي) مقدم أركان حرب فى 15 يناير 1949، وعمل فترة طويلة كبيرا للمعلمين بالكلية الحربية المصرية وعُين مديراً للكلية الحربية، وكان له رأى خاص فى حرب اليمن التى خاضتها مصر ولكن لم يؤخذ برأيه.
تولّى قيادة الجيش المصرى خلفا للمشير عبد الحكيم عامر القائد العام للجيش المصرى بعد نكسة يونيو 1967، حيث عينه الرئيس جمال عبد الناصر قائدا أعلى للجيش المصرى ثم عينه وزيرا للحربية فى 24 فبراير 1968 كانت أولى الخطوات التى اتخذها الفريق أول محمد فوزى هى تطهير الجيش من قيادات الصف الثانى المسئولة عن هزيمة 1967.
إذ لم يجد عبدالناصر، فى ظل الفوضى التى جرت فى خطوط القتال، مَنْ يجمع شتات الجيش ويجعله قادراً على الوقوف على قدميه إلا الفريق أول محمد فوزى، حيث حارب الضباط والجنود المصريون فى معركة «رأس العش» بعد أسبوعين فقط من الهزيمة العسكرية التى كانت تبدو خطأً سياسياً أكثر منها فشلاً عسكرياً، ويومها وقف الفريق أول فوزى مع الشرعية مجدداً ولم ينضم إلى مجموعة المشير عامر، بل اتخذ منه موقفاً رافضاً حتى جرى حادث انتحاره الغامض، ولقد كان الفريق أول فوزى، بشهادة كل من عرفه ضابطاً حاسم القرار قوى الشكيمة.. حتى إن القائد العام للقوات المسلحة حالياً هو واحد من مساعديه فى هيئة تدريس الكلية الحربية، عندما كان هو مديراً لها، وعندما ترك موقعه فى الكلية الحربية ليتولى رئاسة أركان حرب القوات المسلحة بدا الرجل مختلفاً عن كثير من أقرانه، فالصرامة والتهجم منحاه القدرة على الاهتمام بالانضباط العسكرى واحترام التقاليد المرعيّة فى الجيش المصرى.
يقول اللواء محمد عبد الغنى الجمسى فى مذكراته: «وكان يوم 11 يونيو يوما حاسما للقيادة والسيطرة على القوات المسلحة بمعرفة الرئيس عبد الناصر.. بعد أن أعلن المشير عامر وشمس بدران اعتزالهما فى اليوم السابق، فقد قرر عبد الناصر تعيين الفريق أول محمد فوزى قائدا عاما للقوات المسلحة والفريق عبد المنعم رياض رئيسا للأركان، والفريق مدكور أبوالعز ـ محافظ أسوان حينئذ ـ قائدا للقوات الجوية والدفاع الجوى وفى نفس اليوم تقرر قبول استقالة قادة القوات البرية فريق أول مرتجى والقوات الجوية فريق أول صدقى محمود والقوات البحرية فريق أول سليمان عزت ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة ومساعدى نائب القائد الأعلى. كما تقرر إحالة بعض القادة ـ وبصفة خاصة الذين كانوا على علاقة وطيدة بالمشير عامر إلى التقاعد، على أن ينفذ القرار نفس اليوم وأعطى الرئيس عبد الناصر اهتماما خاصا للقوات المسلحة والسيطرة عليها، لأن الموقف العسكرى والموقف الداخلى فى مصر كان يحتم عليه ذلك».
يقول محمود رياض وزير الخارجية المصرية فى آنذاك فى مذكراته «قال عبد الناصر فى إحدى جلسات مجلس الوزراء  لا يمكن أن أنسى الأيام الأولى التى مرت على بعد يونيو. كنت أشعر بمرارة كبيرة، لا يمكن وصفها. فلا شك أن ما حدث فى يونيو قد أثر علينا جميعا نفسيا ومعنويا وماديا.. لقد تمنيت فى تلك الأيام لو أنى تنحيت بالفعل من السلطة وابتعدت عن موقع المسئولية، كان تقديرى دائما ان الأيام التى سنواجهها صعبة للغاية فى الداخل والخارج، لأن خصمنا قوى ولديه تنظيمات وجاهز للعمل ضدنا ولديه كل ما يحتاجه من أموال للقضاء علينا، ففى يوم 11 يونيو عندما عدلت عن قرار التنحى كنت فى حالة سيئة جدا إلى درجة أنى أرسلت عائلتى خارج القاهرة، ووضعت مسدسى إلى جانبى لاستخدامه فى آخر لحظة، يومها سألت عن عدد الدبابات المتبقية فى القاهرة، فقالوا لى لم يبق إلا سبع دبابات… كنت أتحدث مع الفريق فوزى كل ليلة قبل أن أذهب للنوم، ثم أطلبه فى الساعة السادسة صباحا لأراجع معه موقف القوات المسلحة، وموقف القيادات، واسم القائد المسئول فى كل موقع. ولو لم ألجأ إلى هذا الأسلوب لكانت الأمور فلتت).
يُعتبر الفريق أول محمد فوزى مهندس وقائد حرب الاستنزاف ضد الإسرائيليين، ويعزى إليه الفضل فى إعادة تنظيم صفوف الجيش المصرى بعد النكسة وبناء حاجز (حائط) الصواريخ المصرية ضد إسرائيل الذى استُعمل بكفاءة فى ايقاع خسائر جسيمة فى صفوف العدو الإسرائيلى فى الحرب التى سُمّيت بحرب الاستنزاف فى الفترة 1967-1973.
لقد كان الفريق أول «فوزى» فى سنوات عمره الأخيرة يتبنى أطروحات «ناصرية» أقرب إلى اليسار منها إلى الواقع القائم، وهو أيضاً ذلك الضابط الصارم الذى تخرج على يديه الآلاف من ضباط الجيش المصرى عندما كان مديراً للكلية الحربية، حيث أرسى التقاليد الجادة وجعل من ذلك المعهد العسكرى العريق معملاً لتفريخ المقاتلين البواسل من أبناء الجيش المصرى.