الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«سجل المعركة».. كواليس الحرب من الأرشيف الإسرائيلى (1)




إعداد- إسلام عبدالكريم

بعد أربعين عاما من حرب أكتوبر، لاتزال إسرائيل تكشف عما فى خزائنها من ملفات ووقائع عن الحرب، وتتذكر بحسرة ما حدث لها. فبرغم من العنجهية الإسرائيلية الرافضة لفكرة «الهزيمة» والتى تحاول جاهدة خلق مزاعم بأنها انتصرت، إلا أن غالبيتها يرى أن تلك الحرب، حرب يوم الغفران، تركت ندبة كبيرة فى وجه المجتمع الإسرائيلى وأثارت العديد من التساؤلات. وكان هناك من رفض لاستنتاجات لجنة «اجرانات» – التى تم تشكيلها للوقوف على أسباب التقصير الإسرائيلى فى حرب أكتوبر- والتى قالت أن ما حدث هو فشل استخباراتى عسكرى سياسي.
وفى الذكرى الأربعون لتلك الحرب المجيدة بثت القناة الثانية من التليفزيون الإسرائيلى تقريرا مصورا خاصا عن الحرب ، كشفت خلال عن كواليس الحرب داخل القيادة الإسرائيلية والاتصالات الحثيثة مع البيت الأبيض لتدارك الأزمة، التقرير بعنوان «سجلات الحرب» تم بثه على حلقتين، وتناولت فيه الحرب والفترة التى سبقتها.

تبدأ الحلقة مع قرار الرئيس المصرى الأسبق «أنور السادات» للقوات المسلحة ببدء العملية العسكرية ظهر السادس من أكتوبر 1973 ضد القوات الإسرائيلية فى سيناء، والتى احتلتها قبلها بست سنوات، وفى نفس الوقت وعلى، الجبهة الشمالية، قامت الدبابات السورية باجتياز المنطقة متجهة إلى هضبة الجولان.
واعتبر التقرير هذا التحرك العسكرى العربى هو «ساعة الانتقام» للعرب بعد الهزيمة النكراء التى تكبدوها بعد نكسة 1967، لتندلع حرب «يوم الغفران» لتستمر 19 يوما، وبعدما تغيرت ملامح منطقة الشرق الأوسط  كله. فقد كانت هذه الحرب هى «جرس الإنذار» الأعظم فى تاريخ دولة إسرائيل. صفعة قوية سياسيا وقوميا. وخشى الإسرائيليون من أن الدولة على وشك الانهيار. أما فى مصر فان هذه الحرب سعيا للانتقام.
وخلافا لبعض المزاعم الإسرائيلية، فقد أكد التقرير أن تلك الحرب كان مخطط لها بشكل مسبق ولذلك لا يوجد أحد يمكنه الحيلولة دون اندلاعها.
عادت القناة الثانية لما قبل الحرب للكشف عما دار وراء الكواليس، لمتابعة اللاعبين الرئيسيين فى هذه «المأساة»- بحد وصفها. لتبدأ سردها بالعودة لتولى «أنور السادات» منصب الرئاسة.
على الجانب الآخر كانت رئيسة الوزراء «جولدا مائير» مشغولة بمسألة واحدة: من هو «السادات»  وماذا يريد؟ وهل يبحث السيطرة من جديد على سيناء بالقوة؟. فى هذا السياق يروى «ابيعازر يعري» - رئيس شعبة سوريا فى شعبة الاستخبارات العامة أنه لم يكن هناك تقدير جيد لشخصية «السادات» سواء من ناحية الخبراء أو الأكاديميين كانت النتائج تشير إلى أنه شخص ضعيف، عديم الرؤية، عاجز عن الحكم، وأنه لن يمر وقت طويل حتى ستقوم القوى الحقيقة بإيجاد بديلا له.
لم يكن لدى «جولدا» أى شكوك فى أن «السادات» ليس بـ«عبد الناصر» وانه شخص غير مثير للقلق، وقتها كانت «جولدا» فى قمة شعبيتها. من جانبه لم يكن «السادات» ليقبل بحقيقة أن السويس أصبحت على الجانب الحدودى الجديد لدولة إسرائيل. ولذلك كان يشغله أمر واحد فقط – كيف يجتاز القناة ويعيد سيادة مصر على سيناء، فبالنسبة له فإنها مهمة مقدسة.
كان هناك من يراقب هذا الرئيس الجديد من نيويورك، ويستمع بقلق بالغ لخطاب «السادات»، أنه الدبلوماسى «جوثار يارينج» هو مندوب الأمم المتحدة فى الشرق الأوسط، فمنذ انتهاء حرب67 كان «يارينج» يبحث عن سبل لاستئناف المفاوضات فى المنطقة، وأرسل فعليا فى الثامن من فبراير من عام 1971 رسالة إلى الدولتين بخصوص مبادرة سلام جديدة.  
اقترح خلالها بأن تنسحب إسرائيل من سيناء مقابل أن تفتح مصر معبر حر فى قناة السويس وأن تتخلى عن نيتها فى خوض الحرب وأن تجرى مفاوضات من أجل التوصل لسلام دائم. بحث «السادات» هذه المسألة، وكان يدرك أن الخروج فى مغامرة عسكرية فى محاولة لإعادة السيطرة على سيناء ستكون بمثابة عملية انتحارية، فجيشه غير مستعد ولذلك عليه إجراء مفاوضات وأن يرغم إسرائيل على قبول هذا الاقتراح.
وأشار التقرير الإسرائيلى إلى شهادة وزير الخارجية المصرى الأسبق «أحمد أبو الغيط» بأن فلسفة الموقف المصرى وقتها كانت إيجاد تسوية تقضى بموافقة إسرائيل على الانسحاب على مراحل من سيناء، لقاء ذلك تعرض مصر على إسرائيل معاهدة بعدم خوض حرب ضدها. ووافق «السادات» على اقتراح «يارينج»، ليقوم بخطوة تاريخية.
أما «جولدا» فكانت فى حيرة من أمرها، فهى لم تكن تتخيل أبدا أن يتخذ رئيس مصرى هذا الموقف المعتدل، وعندما حان دورها فى الرد طلبت من الوزراء المقربين منها أن يتوجهوا لمنزلها ومن هؤلاء الوزراء، بينهم وزير الدفاع «موشيه ديان» «يسرائيل جاليلي».
كان رد «جاليلي» بأنه لا ينبغى العودة لحدود 67 ، حتى لو كان المصريون يرغبون فى السلام يضمنه المجتمع الدولي، وأيد «دايان» موقف «جاليلي» وأن التفوق العسكرى الإسرائيلى يسمح لها باتخاذ قرار بشأن كيف تبدو حدود الدولة.  لكن «جولدا» كانت ترى أنه ربما من الأفضل أن يتم الاجتماع بكافة عناصر الحكومة من أجل اتخاذ هذا القرار الهام.
 وبعد ساعات من المباحثات داخل الحكومة كان هناك قرار مشترك وهو أن إجبار العرب على التسليم لسيطرة إسرائيل على الأراضى المحتلة مسألة وقت وأن اقتراح «يارينج» مرفوض. وعن تلك الفترة  يقول «افنير شيلو»، مدير مكتب رئيس الأركان أنهم رأوا أن سيناء منطقة عازلة ستكون بمثابة حصن دفاعى جديد لإسرائيل ومنطقة عازلة جيدة، أيضا لمصر يمكنها أن تتحكم فيها بدون تهديد وبين توتر بين الأطراف وهو ما أدى فى هذه الفترة لاتخاذ هذا القرار.
فى ظل الغضب الشعبى وفى ضوء رفض إسرائيل المفاوضات قرر «السادات» تغيير إستراتيجيته بشكل علني، وهو أن الإعلان عن استخدام القوة من أجل إعادة السيطرة من جديد على سيناء قد أصبح خيارا مطروحا على الطاولة.  وفى السادس عشر من مايو 71 ، عيّن «السادات» الفريق «سعد الشاذلي» رئيسا لأركان الجيش المصرى وهى المهمة التى كانت فى إطار التخطيط لشن حرب على إسرائيل، وكان «السادات» يتفق مع «الشاذلي» على أن الجنود لا ينبغى أن يدخلوا إلى عمق سيناء وأنه ينبغى أن يتم توفير حماية لهم بواسطة الصواريخ المضادة للطائرات حتى لا يتمكن سلاح الجو الإسرائيلى من القضاء عليهم، وهذا هو سر نجاح الحرب إذا ما اندلعت.
ومن أجل أن تهاجم مصر إسرائيل فإن «السادات» كان فى حاجة لسلاح عصرى والرئيس السوفيتى «بريجنيف» هو الوحيد الذى كان فى استطاعته إمداده بهذا السلاح، فكانت وزيارة «السادات» لموسكو فى أكتوبر72 والتى اعتبرها الجميع بأنها هامة للغاية. كان «السادات» فى طريقه للكرملين كان يعلم أن المفاوضات ستكون صعبة، فقد مرت عشر سنوات منذ أن حولت موسكو مصر لورقة المساومة الرئيسية له فى الشرق الأوسط فى إطار الحرب الكبيرة التى تخوضها ضد الولايات المتحدة الداعم الأكبر لإسرائيل.
وكان «السادات» يرغب فى التحرر من هذه القبضة السوفيتية وأن يقرر أن يشن هجوم على إسرائيل دون التوجه لـ»بريجنيف»، ولكنه يدرك جيدا أنه لا يمكنه أن يفعل شىء من دونه. وخلال لقاء «السادات» بـ«بريجنيف» كانت الأجواء سيئة. فـ«بريجنيف» لم يكن مستعدا للدخول فى نزاع مع الولايات المتحدة بسبب طموحات «السادات» حيث أخبره بأنه سيحصل على السلاح المطلوب ولكن فيما يتعلق بطائرات «الميج» فإن الحكومة السوفيتية هى التى تتخذ قرار الموافقة على استخدام المصريين لها. كان رد «السادات» بأنه ليس من حق أى شخص اتخاذ قرار بشأن مصر سوى المصريين أنفسهم، أى أنه كرئيس للدولة وأبلغهم أنه لا يريد الطائرات.
ليعود «السادات» للقاهرة خائب الرجاء، وبدا أن «بريجنيف» يريد أن يلعب بمستقبل مصر من خلال الأسلحة التى يزودها بها، ولكن «السادات» كان يدرك ذلك ولا يمكنه تحمل ذلك أيضا، وفكر أنه فى يوم من الأيام سيتخلى عن السوفييت كما تخلوا عنه.
فى نفس الوقت فى تل أبيب، حصلت الاستخبارات الإسرائيلية على وثيقة سرية من أحد الأشخاص المقربين من «السادات» يهدد مضمونها بشكل مباشر الأمن القومى الإسرائيلي.  وعنها يقول «إيلى زعيرا» - رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية  : «لقد وصل لشعبة الاستخبارات وثيقة عبارة عن حوار بين «السادات» و«بريجنيف» وفيها يقول «السادات» أريد أن أهاجم إسرائيل وأحتل سيناء من جديد ولا يمكننى مثل ذلك دون السيطرة على المجال الجوى فوق سيناء، فلا يمكن اجتياز الصحراء طالما إسرائيل تسيطر على المجال الجوي، وطالب السادات موسكو تزويده بطائرات متقدمة للتغلب على سلاح الجو الإسرائيلي.»
أوضح التقرير أن «جولدا» لم تكن متفاجئة بمعرفة عزم «السادات» على الحرب، ولكن هذا ليس كل شىء. فقد كانت هناك وثيقة أخرى وهى أكثر وثيقة تثير الدهشة بشكل أكبر.  ولفت إلى «أشرف مروان» ، الذى مازال الإسرائيليون حتى اليوم يعتقدون أنه كان عميلا لهم. ويقول عن ذلك «رافى إيثان» مدير مكتب الموساد فى أوروبا آنذاك «لقد توجه احد الأشخاص إلى سفارتنا فى لندن، وهو «اشرف مروان» وطلب لقاء احد أفراد الموساد وكانت هذه ظاهرة تعرف باسم متطوعى الاستخبارات، فبالنسبة للموساد فإن العميل الجديد هذا كان كنزا استراتيجيا فهو متزوج بإحدى بنات الزعيم المصرى السابق «جمال عبد الناصر» وقد انضم للنخبة المصرية وهو اليوم احد المستشارين المقربين من «السادات».
لم يكن أحد فى إسرائيل يخشى من هجوم المصريين، وكان «بريجنيف» يرفض أى طلب لـ»السادات» بالحصول على سلاح ، وهو ما كان يؤكد أنه لا داعى للقلق.   كان «السادات» فى مصر يشتاط غضباً، فلم يتطرق «بريجنيف» والرئيس الأمريكى «ينكسون» فى لقاء القمة بينهم لمسالة سيناء، ويبدو أن الوضع جيد بالنسبة لهم هكذا.
وقرر «السادات» الرد على ذلك، ففى الثامن من يوليو ألتقى سفير الاتحاد السوفيتى فى القاهرة «فلاديمير بنتوجر ادوف»... وأبلغه بقراره: على جميع الخبراء السوفييت أن يغادروا مصر خلال أسبوع أو أسبوعين». وبعد عدة أيام أبلغ «السادات» أعضاء الحكومة بهذا القرار الذى أعرب العديد منهم عن قلقهم من تبعاته.
وخلال أسبوعين طردت مصر أكثر من 8000 خبير سوفيتي، وبالرغم من ذلك لم تقم موسكو بقطع العلاقات مع «السادات» ، و بذلك استكمل «السادات» عملية سياسية أشعرته بالفخر، فموسكو تواصل دعمه والبيت الأبيض رأوا أن طرد الخبراء السوفييت أمر جيد. ظل الرئيس المصرى تاركا كافة الخيارات مطروحة على الطاولة، وقرر إرسال مستشاره الخاص «حافظ إسماعيل» للقاء مستشار الأمن القومى الأمريكى «هنرى كيسنجر».
فى فبراير 1973 وصل «إسماعيل» للولايات المتحدة فى رحلة سرية لنيويورك، حيث انتظره «كيسنجر» ، وحاول كلاهما التوصل لمغزى حول كيفية حدوث سلام مستقبلى بين مصر وإسرائيل. وكان كل ما يرغب فيه «إسماعيل» هو الاعتراف بسيادة مصر على سيناء وكان رد «كيسنجر» أن هذا معروف ولكن ما هو المقابل. وكان رد «حافظ» الانتقال من حالة الحرب إلى حالة السلم.
واقترح «اسماعيل» أن تكون الخطوة الأولى حتى شهر سبتمبر، أى البدء فى إخلاء جزء من أرض مصر فى سيناء، إلا أن رد «كيسنجر» كان بأن هذا الأمر صعب لأن هناك انتخابات إسرائيلية فى أكتوبر، وأن «جولدا مائير» لن تقوم بأى شىء من هذا القبيل قبل هذا الموعد، وبعد يومين من المباحثات تقرر أن يكون هناك لقاء آخر يجمعهم.
وفى الوقت نفسه وصلت «جولدا مائير» لواشنطن للاستماع لمبادرة «السادات» لبحث المساعدات الأمريكية المقدمة لإسرائيل. واستغل «كيسنجر» الفرصة ليعرض عليها ما دار مع مستشار «السادات»، وكان رد «جولدا» أن إسرائيل لا تعتزم السير فى هذا الاتجاه والمشكلة أن العرب لا يرغبون فى إسرائيل. وكانت ترى أن الوضع الحالى القائم يضمن أمن إسرائيل فلماذا تغير موقفها. مؤكدة أنها لن تفعل شيئاً قبل الانتخابات التى ستجرى فى أكتوبر من نفس العام 1973.
أصيب «إسماعيل» بخيبة آمل لعدم توصله لشيء من اللقاءين الذين جمعاه بـ»كيسنجر» وفهم جيدا أن الدبلوماسى الأمريكى سيكون من الصعب عليه إقناع إسرائيل العمل على أحداث أى تغيير قبل الانتخابات، فقد فضّل أن البيت الأبيض مساعدة إسرائيل على التهرب من إجراء مفاوضات.
كان «السادات» يدرك انه بحاجة لشريك لمهاجمة إسرائيل، ولن يكون سوى «حافظ الأسد»، ولكن «السادات» كان حريصا على ألا يكشف أمام حليفه الجديد أهدافه الحقيقية. فلم يكشف له عن عزمه لشن هجوم محدود خلف القناة لإرغام إسرائيل على العودة لمائدة المفاوضات، ولكى يقنع «الأسد» أصدر «السادات» تعليماته لرئيس الأركان «الشاذلي» بوضع خطة حرب أخرى تبدو كما لو كانت عملية غزو كاملة لسيناء.   
مزامنة مع التوقيت الذى تخطط فيه مصر وسوريا للحرب، كانت إسرائيل تحتفل بمرور 25 عاما على قيام الدولة. وهذا بالنسبة لها فرصة لإظهار قوة الدولة اليهودية ففى الثانى عشر من سبتمبر عام 1973، وعلى هامش مؤتمر القمة الذى نظمه الملك الأردنى «حسين»، حدد «السادات» و«الأسد» موعد الحرب وهو أن تبدأ فى السادس من أكتوبر. أى خلال ثلاثة أسابيع، ولم يتم اطلاع الملك «حسين» على السر، لكنه أدرك أن هناك شيئاً يحدث، فوفقا لمعلوماته فإن الجيش السورى على وشك الدخول فى حرب.
الملك «حسين» الذى فقد فى 67 الضفة الغربية والقدس الشرقية لا يرغب فى الدخول فى حرب أخرى باسم الوحدة العربية لذلك قرر التوجه مباشرة لـ«جولدا مائير»، وبعد ذلك بأسبوعين ، فى الخامس والعشرين من سبتمبر استقل الملك «حسين» طائرته إلى تل أبيب، وقد كانت زيارة سرية.
ويقول عن ذلك «ابيعازر يعري» : «لقد جاء «حسين» على وجه السرعة ليقول شيئاً عاجلا وفوريا، وهو أن الجيش السورى يستعد للحرب، وعندما سألته «جولدا» حول أن سوريا لا يمكنها خوض الحرب وحدها وأن مصر ستدخل الحرب معها أجابها «نعم». ولم تنظر «جولدا» بجدية لتحذير الملك الأردنى لأن المعلومات التى لديها تؤكد أن كل شيئاً على ما يرام على الجبهة المصرية، ووفقا لتوقعات أجهزة الاستخبارات فان التوقعات بنشوب حرب ما تزال ضئيلة.
وبعد ذلك بيومين فى السابع والعشرين من سبتمبر، وصلت وحدة احتياط تابعة للجيش الإسرائيلى لقناة السويس. تمركزت عند موقع «بوركان» احد الـ(35) دشمة لخط «بارليف»، وهناك رأى أحد الجنود ما أثار القلق فهناك مدرعات ومدافع وصواريخ، وعندما أبلغ القيادة أبلغوه بأن كل شيئاً على ما يرام.
وفى وجهة نظر الأركان العامة الإسرائيلية فإن ما رآه الجندى كان مجرد تدريب شتوى للجيش المصري. ونجحت خطة الخداع الاستراتيجى المصرية بشكل جيد، فـ«السادات» ركز على طول القناة عشرات الآلاف من الجنود وأطنان من المعدات العسكرية. وواشنطن وتل أبيب لا يشعر احد هناك بالقلق. وقبل اندلاع الحرب بثلاثة أيام استدعى «السادات» لمكتبه السفير السوفيتى «فينتوجر ادوف» وأعطاه رسالة سرية وعاجلة لموسكو وأبلغه أن مصر ستدخل الحرب وأنه لا يرغب فى أن يعرض حياة السوفييت فى مصر للخطر فخذوا قراركم إذا ما كنتم ترغبون فى مغادرة البلاد.
وبذلك كشف «السادات» عن أخطر سر فى مصر، وربما كان ذلك للحفاظ على علاقاته بالسوفييت فى ضوء الأسابيع المصيرية القادمة.  وفى نفس اليوم قام وزير الدفاع «حافظ إسماعيل» بزيارة سوريا للتنسيق لساعة شن الحرب، وقد تم التخطيط لها فى البداية مع نهاية يوم السادس من أكتوبر، ولكن «الأسد» و«اسماعيل» اتفقا على أن تندلع الحرب فى تمام الثانية ظهرا.
وفى الرابع من أكتوبر رن جرس الهاتف فى مقر الموساد اتصال لاسلكى من لندن بأن «اشرف مروان» الجاسوس الإسرائيلى يرغب بشكل عاجل فى أن يلتقى بـ«آفى زامير» رئيس الموساد بخصوص أمر يخص الحرب. يروى «زامير» أن «مروان» كل ما قاله أنه يرغب فى لقاء بخصوص الحرب لم يقل أن الحرب ستندلع غدا أو بعد غد. كل ما قاله أنا ارغب فى أن آتي، وهو ما يشكل دحض لإدعائتهم بأن «مروان» كان عميلا لهم. ووصل لتل أبيب تقرير عن مغادرة السوفييت مصر ، وفى الخامس من أكتوبر عقدت «جولدا» اجتماعا طارئا، وخلال الاجتماع أشار «دايان» إلى أن هذه حالة حرب، وأن المصريين يخططون لشن هجوم على إسرائيل بشكل مفاجئ وأننا لن نتفاجأ.
كان رئيس الموساد فى طريقه للندن ولم يلتق بعد بـ«مروان» وفى إسرائيل كان المسئولون يرون أن مستشار «السادات» يستطيع تحذير إسرائيل قبل ذلك بـ(48) ساعة على الأقل لذلك لا داعى للعجلة. وفى القاهرة وقبل انتهاء يوم الخامس من أكتوبر، كان يوم الجمعة وفى شهر رمضان، يؤدى الرئيس «السادات» الصلاة فى المسجد، وكتب فى مذكراته «انتظرت للغد .. اليوم الذى سيشهد العالم فيه الحرب كما حلمت طوال حياتي» .