السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الرياضيون هجروا الملاعب إلى ساحة النصر




كتبت - فاطمة التابعى

تمر علينا هذه الأيام ذكرى أغلى أيام عاشتها مصر وأغلى الانتصارات، انها الذكرى الأربعون على انتصار أكتوبر المجيد والعبور الذى أذهل العالم، وللصدفة أن ذكرى هذا النصر العظيم تأتى قبل أيام من موقعة مهمة لمنتخبنا الوطنى الأول لكرة القدم أمام غانا فى الخامس عشر من أكتوبر الجارى، تلك الموقعة الفاصلة التى تحدد بنسبة كبيرة امكانية تحقيق الحلم المصرى فى التأهل لكأس العالم للمرة الثالثة فى تاريخه بعد عامى 1943 و1990، لتكون ذكرى النصر دافعا للاعبى منتخبنا الوطنى فى تحقيق إنجاز يرسمون به البسمة على شفاه الشعب المصرى فى تلك الظروف العصيبة التى تمر بها البلاد، خاصة أن العديد من الرياضيين قد شارك فى الحرب.
ولنبدأ قصة الرياضة مع حرب أكتوبر لابد أن نعود لفترة الستينيات وتحديدا ما قبل 1967 تلك الفترة التى ارتبطت فيها الرياضة بالعسكرية بصورة كبيرة، فقد كانت الرياضة فى أزهى صورها وأفضل حالتها، لكون الدولة فى هذا التوقيت كانت مهتمة بالرياضة بصورة كبيرة كاهتمامها بجميع المجالات. حيث كانت الدولة آنذاك تتدخل بوضع شخصية عامة قوية التأثير فى كل نادى كى تحافظ على الانضباط داخل المنظومة الرياضية، فكان المشير عبد الحكيم عامر رئيسا لاتحاد الكرة، والفريق عبد المحسن كامل مرتجى رئيسا للنادى الأهلي، وحسن عامر شقيق المشير رئيسا لنادى الزمالك، والفريق أول سليمان عزت قائد القوات البحرية رئيسا للنادى الأوليمبى، والفريق أنور عبد اللطيف رئيسا لنادى الاتحاد، وصلاح الشاهد كبير الياوران للرئيس جمال عبد الناصر رئيسا لنادى الترسانة والمهندس عثمان أحمد عثمان رئيسا للنادى الإسماعيلي، وبالفعل أثمرت تلك السياسة فى عدم وجود أى صراعات داخل الأندية، خاصة أن معظم اللاعبين فى تلك الفترة كانوا إما ضباطاً لكونهم خريجى الكلية الحربية أو البحرية أو مجندين من خريجى معاهد التربية الرياضية، لأن ذلك كان يوفر لهم ممارسة الرياضة، كما أن الضباط وقتها كانوا يتقاضون 30 جنيها والمساعدين بمؤهل عال يتقاضون 16 جنيها، وتلك المبالغ كانت كبيرة فى مثل هذا التوقيت، وأدت تلك السياسة إلى حصول أندية مثل الأوليمبى والإسماعيلى وغزل المحلة على بطولة الدوري، وشارك الأوليمبى فى بطولة إفريقيا لبطولة أبطال الدورى عام 67، ولم يكمل مشاركته بسبب الحرب. وبعد نكسة 1967 التى كان أول أسير بها رياضيا هو العميد الليثى سيد أحمد لاعب نادى الترسانة، مرت الرياضة المصرية بظروف استثنائية بسبب الحرب فتوقف الدورى بداية من 1967 ليعود عام 1971، وتوقف مرة أخرى فى هذا الموسم بسبب أزمة مبارة الأهلى والزمالك والتى احتسب فيها حكم المباراة ضربة جزاء على حارس الأهلى الفلسطينى مروان كنفانى واثيرت مشكلة ولم يكتمل اللقاء وتأجل الدورى لأجل غير مسمى ولم يعد بعدها الا عام 1974 عقب حرب أكتوبر، وأثناء تلك الفترة فاز الإسماعيلى ببطولة إفريقيا للأندية عام 1970 رغم كونه كان يتدرب بالقاهرة بملعبى الزمالك ومركز شباب الجزيرة نظرا لتهجير مدن القناة الثلاث نتيجة الحرب، كما فاز المنتخب الوطنى ببطولة العرب فى العراق عام 1972، وكان كل ذلك أثناء حرب الاستنزاف التى سبقت نصر أكتوبر المجيد، وفى ذلك التوقيت لم يكن هناك صوت يعلو على صوت المعركة، ولم يكن هناك التعصب الحالى الذى نراه فى الرياضة المصرية، فقد كانت الجماهير تجلس جنبا إلى جنب دون فواصل كل طرف يشجع فريقه ويخرجون أصدقاء، كانوا مشجعين كرة فقط، ملتزمين.
وقد أدى توقف النشاط الكروى المحلى قبل الحرب الى سفر معظم اللاعبين غير المجندين آنذاك للكويت وعلى رأسهم طه بصرى وحسن شحاتة وحسن الشاذلي، وعلى رأس الرياضيين الذين شاركوا فى حرب 1973 اللواء محمد عبد العزيز قابيل لاعب كرة القدم فى نادى الزمالك فى الخمسينيات الذى شغل مناصب عدة رياضية منها مدير عام نادى الزمالك ووكيلا للنادى فى الثمانينيات، وعين عضوا بمجلس إدارة الاتحاد المصرى لكرة القدم ثم نائبا لرئيس اتحاد الكرة عام 2000، وكان قائدا للفرقة الرابعة المدرعة منذ عام 1971 وحتى عام1975، وهذه الفرقة منذ إنشائها كانت من درر القوات المسلحة المصرية تدريبا وانضباطا، وكان لها دور حيوى ورئيسى فى الحرب، فقد قامت الفرقة بتأمين عبور فرق المشاة بواسطة مدفعياتها ودباباتها ووسائل دفاعها الجوى والتأمين الإدارى والفني، كذلك قامت بتأمين النطاق الخلفى للجيش الثالث الميداني، علاوة على إرسال قوات الى مدينة السويس لتدمير النقط القوية التى لم تكن قد استسلمت بعد، وظلت هذه القوات بمدينة السويس وقاتلت قوات العدو الإسرائيلى الذى حاول دخول المدينة يوم 24 أكتوبر 1973.
وفى يوم 14 أكتوبر دفع اللواء الثالث المدرع من الفرقة الى شرق القناة ووصل الى ممر متلا فى أبعد نقطة وصل إليها جندى مصرى، حتى إن الرئيس الراحل محمد أنور السادات كتب فى كتابه «البحث عن الذات» صفحة 349: - «فأعطيت الأمر الذى أعتبره أهم قرارات 6 أكتوبر بأن لا ينسحب جندى واحد ولا بندقية واحدة من شرق القناة، وأن علينا أن نتعامل مع الغرب حسب الأوضاع الموجودة، ثم بدأت أتصل بنفسى مع الفرقة المدرعة فى الغرب «الفرقة الرابعة» وكان يقودها ضابط اسمه «قابيل» وهو بطل من أبطال أكتوبر»، كما كتب فى موضع آخر بالكتاب «ولن أنسى هنا موقف الضابط قابيل لأنه وقف يناور بفرقة مدرعة واحدة فى المسافة بين السويس والإسماعيلية التى تحتاج لثلاث فرق من الشمال إلى الجنوب حتى يثبت الإسرائيليين فى الجيب.»، وكتب المشير عبدالغنى الجمسى أيضا عن دور الفرقة الرابعة المدرعة فى مواجهة القوات الإسرائيلية فى معركة «الدفرسوار» غرب القناة قائلا :- «وكان الرئيس السادات يتابع الموقف خلال فترة القتال غرب القناة وحضر إلى مركز العمليات أكثر من مرة واستمر معنا وقتا طويلا، وقد كنت على اتصال مباشر مع العميد عبد العزيز قابيل قائد الفرقة لمتابعة الموقف» ويضيف المشير الجمسى فى كتابه: «أن الرئيس السادات لم ينس موقف قابيل وفرقته فى المواقف الصعبة، وأنه عدّل بنفسه الوسام الذى يمنح له ليكون وسام نجمة الشرف العسكرية، هذا علاوة على منح علم الفرقة وسام الجمهورية من الطبقة الأولى».
أما محمود بكر نجم الأوليمبى السابق لاعبا ومدربا وعضو مجلس إدارة اتحاد الكرة سابقا والمعلق الشهير فأكد أنه يود توصيل رسالة لكل المصريين مضمونها أن السر فى نجاح الجيش المصرى فى العبور هو نجاح الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والفريق محمد فوزى قائد القوات المسلحة آنذاك فى بناء الجيش المصرى وإعادة تنظيمه من جديد بعد نكسة 67، وأن حرب الاستنزاف كانت الدافع الأكبر للنصر، فمن خلالها استعاد الجيش المصرى قوته ليأتى السادات ليجد جيشا قويا جاهزا للعبور بروح عالية فكان القرار والعبور نتيجة لجهود عبد الناصر ذلك الرجل الذى كان شعبه يثق فيه ثقة عمياء رغم الهزيمة، حتى إنه حين طلب من أهالى بورسعيد والسويس والإسماعيلية أن يهجروا مدنهم ومنازلهم من اجل الحرب وافقوا دون تردد، واستقبلتهم باقى مدن مصر بترحاب، لأن الأوامر صدرت من الزعيم والقائد جمال عبدالناصر.
 ويحكى بكر قصته مع الحرب منذ 1967 حيث كان المنتخب الوطنى يلعب مباراة فى إطار تصفيات كأس الأمم الإفريقية بأوغندا يوم 4 يونيو فاز خلالها المنتخب بهدف مقابل لا شىء أحرزه بكر، وفوجئ الجميع بقيام الحرب وتوقف الطيران وعاد المنتخب الذى كان معظمه من الضباط وقتها ومنهم بكر نفسه وميمى الشربينى وطه إسماعيل وحمادة إمام عن طريق السودان حتى إنهم وصلوا لمصر يوم 11 يونيو وكان القرار بإلغاء انتداب جميع اللاعبين الضباط والمجندين، وعاد كل منهم إلى وحدته بالجيش وكانت الحرب سببا فى اعتزال جيلا كاملا وهم فى أوائل العشرينات من عمرهم.
وعن دوره فى الحرب تحدث بكر قائلا: كنت نقيبا بوحدة الإستطلاع بالمشاه وكانت كتيبتى متواجدة فى طريق دمياط بورسعيد لتأمين القوات المتواجدة بالمدينة المهجرة وقتها.
وأضاف بكر: من طول الفترة التى قضاها فى القتال منذ 67 وخلال حرب الاستنزاف وحتى أكتوبر كنا نميز نوع السلاح من صوته ونتبارى فى ذكر نوع المدفع أو الطائرة التى تقذفنا ومن منا يعرف النوع أكثر من الآخر، وكان بين الرياضيين ممن شاركوا فى حرب أكتوبر أيضا الفريق زاهر عبدالرحمن رئيس نادى الزهور، واللواء أركان حرب محمد فريد حجاج نائب رئيس اتحاد كرة اليد السابق، واللواء أ.ح. مصطفى كامل محافظ بورسعيد سابقا صاحب الرقم القياسى فى الخماسى الحديث، واللواء طيار منير ثابت عضواللجنة الأوليمبية الدولية. أكد الفريق زاهر عبد الرحمن قائد قوات الدفاع الجوى الأسبق ومحافظ مرسى مطروح والبحر الأحمر سابقا ورئيس نادى الزهور حاليا أن القوات المسلحة المصرية استعادت هيبتها وكرامتها عام 73 نتيجة التخطيط الجيد والتدريب الحديث، وكانت قوات الدفاع الجوى أعظم وأكبر حماية للقوات البرية خلال الحرب. بينما أشاد اللواء أركان حرب مصطفى كامل محافظ بورسعيد السابق بالتخطيط الحديث للقوات المسلحة وقدرة الجندى المصرى على مواجهة جميع الظروف الصعبة التى تواجهه فى ميدان المعركة، وكما ذكرنا الأبطال الأحياء فهناك رياضيون ضحوا بأرواحهم واستشهدوا فى سبيل الدفاع عن الوطن خلال حرب أكتوبر، وهما اللواء شهيد إبراهيم الرفاعى، والنقيب مبارك لاعب كرة السلة.