الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ذكريات الأبنودى عن نصر أكتوبر التى عاشها بأوروبا




حوار- تغريد الصبان
الخال عبدالرحمن الأبنودى شاعر العامية الكبير والنبت المصرى الأصيل، هو شاهد على مصر والمصريين، قيمته وقوته ووجاهته الاجتماعية استمدها من المصريين، التى عاش بينهم فى كل شبر من أرض مصر، فأينما نجد مصر نجد الأبنودي، لذا فلديه الكثير والكثير من ذكرياته وكتابات عن مصر وعن حروبها وهزيمتها ونصرها، واليوم رغم مرضه الشديد لم يمتنع عن أن يروى ذكرياته عن نصر أكتوبر الذى عايشه عن بعد من خلال رؤية الأوروبيين له .. فإلى جلسة الذكريات مع الخال.


■ حدثنا عن ذكرياتك حين سمعت نبأ انتصار أكتوبر 73؟
لم أكن متواجدا فى مصر خلال حرب اكتوبر وهى مصادفة عجيبة وبالتالى فأنت لا ترين اننى كتبت أغنيات لأكتوبر إلا بعدها بعام! وكانت أغنية «صباح الخير يا سينا» للعندليب، حيث كنت أجمع السيرة الهلالية من تونس فى ذاك الوقت وأتنقل ما بين تونس وما بين لندن حيث كنت أسجل مع الطيب صالح الذى كان رئيسا للقسم العربى بإذاعة البى بى سى اللندنية، حيث ساعدنى فى جمع بعض المال الذى اعاننى على جمع السيرة فى تونس حيث كنت اعمل عليها مع وزير الثقافة التونسى آنذاك الطاهر جيجا، فكنت فى انجلترا حين أيقظنى الطيب صالح قائلا: إنت نايم ومصر دخلت الحرب!... وطبعا كنا متشككين فى دخول السادات بنا للحرب لذا ارتديت ملابسى سريعا وذهبت إلى نادى البى بى سى والتقيت بمجموعتنا هناك وقابلتهم من بينهم الفنان الراحل صلاح منصور والدكتور شديد، الذى كان على صلة قوية بحزب المحافظين البريطاني، وتابعت الحرب من خلال وجهة نظر أوروبا وشاهدنا الحرب على الطبيعة فى الوقت الذى تابع فيه المصريون الحرب من الراديو! وكانت فرصة نادرة ورائعة لي.. فكما تعلمين أنه حين دخلنا حرب أكتوبر لم تكن هناك كاميرا مصرية واحدة تسجل الحدث وكأنها كانت عقدة يونية والخوف من النكسة والهزيمة مرة أخرى، بينما فى إسرائيل لا تخرج دبابة إلا ومعها المصورون ووسائل الإعلام العالمية .. الخ، فعلى الرغم من محاولاتى الرجوع لمصر ومحاولات الطيب صالح أن أعود إلى مصر عبر السودان، لكن كل الخطوط كانت مغلقة ومعلقة ولم يكن أمامى سبيل سوى الأراضى الليبية إلا أننى لم أثق فى حسن معاملتهم، وهو ما أثبتته لنا الأيام فيما بعد! ... عبر شاشات أوروبا تعرفنا إلى أبطال عديدين مثل عبدالعاطى صائد الدبابات وإلى عساف ياجور الأسير الإسرائيلى الشهير وإلى قيمة الجيش المصرى ووطنيته العميقة ورغبته الانتقامية من هزيمة 67.
■ كيف تعامل الأوروبيون مع انتصار أكتوبر المجيد؟
من عجيب الأمر أننا كنا المثقفين العرب ومجموعة الأوروبيين الليبراليين نقيم الأمسيات والندوات التى تخدم القضية الفلسطينية ونتضامن معها، وكان هناك الكثير من اليهود والأوروبيين المتعاطفين مع القضية وضد الممارسات الإسرائيلية، لكن بمجرد قيام الحرب وبعد النصر انقلب كل الأوروبيين إلى إسرائيليين وعاملونا كأعداء! .. فكل من كان يرى أن إسرائيل قد ظلمت مصر فى 67 وأنهم يتعاملون بوحشية مع الفلسطينيين فى أراضيهم، فى الحال انقلب كل هذا إلى النقيض تماما! .. لكن أهم ما فى الأمر كان تباشير النصر.
■ كيف عوملتم كأعداء؟
لكن بعد النصر وخلال الحرب انقلب الأوروبى مرة أخرى أنه مع الإسرائيليين ضد العرب، فالليبراليون دائما ما يسبحون بالماء الهادئة وبمجرد ان يرتفع الموج ويضطرب البحر، تجدينهم يركضون إلى الشاطىء.. وإسرائيل هى شاطىء الأوروبيين دائما فهم أصدقاء وسيظلون، ولا تصدقى غير ذلك، فسيظلون يتحالفون ضدنا.
■ كيف بدأت كتابة «صباح الخير يا سينا» بعد عام من النصر؟
بعد عام من نصر أكتوبر أثناء تواجدى بانجلترا بعد عودتى مرة أخرى من تونس، كنت فى شقة جديدة ولا يعلم رقم تليفونى سوى الطيب صالح، فوجئت بتليفون لأجد عبدالحليم حافظ هو المتحدث! .. اندهشت جدا وقلت ساعتها: الله! حليم! مين إدالك نمرة التليفون؟ .. فرد قائلا: ياراجل يا جاحد .. أربع سنين ما أشوفكش وأربع سنين برة البلد واول حاجة تقولها لى بدل ازيك؟ تقول لى مين إدالك نمرة التليفون؟! .. اجبته بأننى مندهش لأنه لا أحد يعرف رقمى سوى الطيب صالح وانت لست على اتصال به! فكان رده: انت فاكر انك عايش لوحدك والبلد دى مفيهاش مخابرات ولا أى حاجة!..وطالبنى بأن أكتب للنصر طالما أننى كتبت للنكسة وللهزيمة، فقلت له أننى قد خرجت من مصر بصعوبة وقد أشقتنى كثيرا المباحث العامة (أمن الدولة حاليا) فقال ان الدنيا قد تغيرت كثيرا الآن، وبالفعل عدت لمصر وكتبت «صباح الخير يا سينا» ولحنها الراحل كمال الطويل.
■ كيف عايشت ورأيت المصريين بعد النكسة وحرب الاستنزاف؟
قبل مغادرتى لمصر عايشت حرب الاستنزاف بالسويس لمدة 3 سنوات، وقت أن كتبت «يا بيوت السويس» و الملحمة الشعرية «وجوه على الشط» وأغنيات وطنية عديدة، وعايشت الحرب مع فرقة ولاد الأرض مع الفريق الغزالى ومع الفلاحين الذين رفضوا الهجرة، ورأينا الموت أكثر من مرة، وأننى اعتبر أننا قد انتصرنا قبل حرب أكتوبر بكثير، فحرب الاستنزاف كانت هى النصر الحقيقى وهى الحرب المظلومة التى عبرت عن المصريين خير تعبير وبعثت الأمل فى عروقهم، ومن لم ير حرب الاستنزاف ويعايشها يكون قد فاته أمور هامة جدا فى تاريخ هذا الشعب، وأننى مندهش أنه قد مر أربعون عاما على نصر أكتوبر المجيد!
■ صف لنا كيف صار إحساس المصريين بعد نصر 1973؟
- كان الإنسان المصرى فى زمن عبدالناصر قامته عالية وهامته مرفوعة، ولكن جاءت حرب 1967 التى جعلت العالم لا يرانا على صورتنا الحقيقية، بل رأتنا الشعب المهزوم هزيمة نكراء فى ست ساعات فقط، لكن بعد نصر أكتوبر إشرأبت قامتنا مرة أخرى وارتفعت، وعرف العالم قيمتنا واستعدنا مكانتنا مرة أخرى.
■ من خلال معايشتك للحرب بالسويس ومعايشتك للحرب من بعيد هل كشاعر معايشتك الفعلية للحرب أفضل من رؤيتها عن بعد؟
اعتبر نفسى محظوظاً جدا أن أتيح لى أن أكون عن بعد فأن تتاح لى فرصة أن أرى حرب أكتوبر من وجهة نظر العدو، والتى اعتبرتها بمثابة هدية من الله إلى وعيى ورؤيتي، فلم يكن يمكن أن يخفى تفاصيل هذه الملحمة خاصة معارك الدبابات، التى أحرق فيها المصريون معظم دبابات ومصفحات العدو... أما عن معايشتى فأنا طيلة حياتى (مطرح ماتكون مصر موجودة باكون موجود) فحين كانت مصر فى أسوان تبنى السد العالى فذهبت وأقمت وعدت بديوان « جوابات حراجى القط» وحين كانت مصر فى السجن ذهبت إلى السجن لستة أشهر وكانت فترة بديعة فى الفترة مابين عامى 1966 و1967 أى قبل الهزيمة، فكنت دائما ما أقول أن البلد التى تحبسنا هكذا لابد أن تهزم.
■ كيف رأيت ردود أفعال المثقفين تجاه النصر؟
دعينى أن أتحدث عن موقفهم من النكسة لأنه الأعمق..فى الفترة التى أقمتها هناك بالسويس بعد النكسة مباشرة، فوجئت بان المثقفين يضعون أيديهم على خدودهم وينحون على أنفسهم باللائمة ويحملون انفسهم مسئولية ما جرى، وظلوا على المقاهى لايفعلون شيئا سوى التحسر والسخرية من النظام، وأنا لم أعتد مثل هذه الرفاهية وإنما حملت سرتى وذهبت إلى السويس، ولم أكن أعلم أننى سأقيم كل هذا الوقت، وخلال تلك الفترة كانت توجه إلى الدعوات للأمسيات الشعرية وقدمت ما يقرب من 400 أمسية من دمياط وحتى أسوان، بالقرى والجامعات والساحات والبنادر والمصانع لأبشر بأن بلدنا لن تنهار، كما قلت بأغنية «عدى النهار» للعندليب، وأن ما نعيشه حاليا هو لحظة طارئة على تاريخ مصر، لكن مصر ستقوم وستعلم العالم درسا إنسانيا جديدا .. وقد كان.. حتى فى أغنية «بيوت السويس» وقت أن كان حلم الانتصار بعيداً قلت: والله يا عم أبو ريا .. لا حتضحك واحنا ماشيين سويا.. ع المينا عند الزيتية ... لا حاتاخد بنتك وابنك ومراتك ... وتعدوا على نفس المعدية .. وتقول يا دنيا ولا وصدقتى ... يابيوت السويس يا بيوت مدينتى ..
طبعا هذه الأغنية من وحى السويس التى كانت تدمر يوميا بصورة منتظمة، والغريب اننى وقت أن كنت بالسويس كانت نهال كمال بالسويس ولا نعرف بعض طبعا، كانت صبية ووالدها يقود المقاومة الشعبية بالسويس وأحد المساهمين بإطفاء حريق الزيتية الشهير ونال وسام الواجب من عبدالناصر رحمة الله عليه، ومن غرائب القدر أيضا أنه فى نفس الوقت الذى كنت فيه بإنجلترا كانت هى أيضا هناك ولا يعرف بعضنا البعض أيضا! .
 خلال فترة حرب الاستنزاف رأيت الجنود العائدين من سيناء ورأيت الفلاحين الذى صنعوا لهم أباريق الشاى الضخمة، ويدلكون أقدامهم بالملح والبصل، لأن أقدامهم متورمة وكانوا ينامون بالمصارف والجداول ويستيقظون مفزوعين من هول ما رأوا من النابالم والقنابل ومعاناتهم من الوحشية الإسرائيلية، فالفلاحون الفقراء هناك بالسويس لعبوا دور الأطباء النفسيين بعظمة لم يذكرها أحد، لأنها لم تذكر فى الكتب ولم يرها أحد غيري! .. فالعم إبراهيم أبوالعيون والعم إبراهيم أبو زعزوع وأم على والبت جمالات وفتحية وعيد، كلهم جنود مجهولة لا يعرفها أحد، وحينما عاد الجيش مرة أخرى ساعدوهم فى فحت الخنادق فى بطن التل الرملي، وكانوا يدعمونهم بالطعام إلى ان استقرت أوضاع الجيش، فكانت علاقة عبقرية بين الجيش والشعب المصرى بالسويس، فى الوقت الذى كان المثقفون يهاجمون فيه الجيش ويطعنون فى وطنيته وبسالته بالقاهرة، كان الفلاحون يقومون بواجبهم الحقيقى والوطني..فأنا اعتبر نفسى قد تخرجت فى أهم جامعة من جامعات العالم وهى جامعة المصريين.
 
«صباح الخير يا سينا»

فى الأولة قلنا جيِّنلك وجينالك
ولا تهنا ولا نسينا
والتانية قلنا ولا رملاية فى رمالك
عن القول والله ما سهينا
والتالته إنتى حملى وأنا حمالك
صباح الخير يا سينا
وصباح الخير يا سينا
رسيتى فى مراسينا
تعالى فى حضننا الدافى
ضمينا وبوسينا يا سينا
مين اللى قال كنتى بعيدة عنى
إنتى اللى ساكنة فى سواد النني
مش سهل ع الشبان يسهوا عن الأوطان
ورسيت مراسينا على رملة شط سينا
وقلنا يهون علينا
دا أول الشطئان
وصباح الخير يا سينا
رسيتى فى مراسينا
تعالى فى حضننا الدافى
ضمينا وخدينا يا سينا
الأولة قلنا
والتانية سيرنا
والتالتة سيرنا وحطينا ع الرملة
قالوا الحياة غالية
قلنا الشرف أغلى
بلادى يا بلادى يا عيون قمر الربيع
أندهى يا بلادى يجاوبك الجميع
وصباح الخير يا سينا
رسيتى فى مراسينا
تعالى فى حضننا الدافى
ضمينا وخدينا