الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

دهشة العبور.. هيأت لهم أن المصريين سيحتلون إسرائيل




عرضت القناة الثانية الإسرائيلية الجزء الثانى من فيلم «سجلات المعركة» الذى يتحدث عن حرب أكتوبر 73، وبدأ هذا الجزء بيوم السبت 6 أكتوبر الساعة السادسة صباحا، حيث بدأ نور الصباح يظهر على ضفتى قناة السويس. فى نفس الوقت فى تل أبيب كانت الشوارع مازالت خالية من المارة حيث إن هذا اليوم هو يوم الغفران أكثر الأيام قدسية فى العام وهو يوم الصوم والسكون ومحاسبة النفس. ففى الوقت الذى بدأ فيه الإسرائيليون التوجه إلى المعابد، اجتمع قادة الدولة بمكتب «جولدا مائير» بتل أبيب. الجميع يعلم فحوى الأنباء التى وصلت ليلا وهى أن الهجوم العربى قد تم تحديده ليبدأ فى السادسة مساء إلا إذا قامت إسرائيل بالمبادرة بخطوة دبلوماسية. ولكن «أشرف مروان» لم يخبرهم، سواء كان يعرف أم لا عن تقديم «السادات» لموعد الهجوم.

بدأ اجتماع القادة الإسرائيليين فى الثامنة وخمس دقائق، حيث المجلس الوزارى الأمنى المصغر «الكابينت». وكان خلالها «دافيد أليعازر» رئيس الأركان وقال: «أنا أريد أن أعرف كم من الوقت سيأخذ هذا الأمر. إذا ما اندلعت الحرب اليوم فانا أريد تعبئة جنود الاحتياط، وسوف احتاج 200 ألف جندى احتياط للدفاع ولتوجيه ضربة مضادة ».

 فأجاب وزير الدفاع «موشيه ديان»: أن تعبئة الاحتياط من جانبنا سيتم فهمه كمبادرة بالحرب إذا ما تحركنا بقوات كبيرة فسوف يزعمون إننا من بادر بالهجوم، و70 ألفا من جنود الاحتياط يكفون.

 وأضاف «ديان»: «هناك أمر آخر، أن الهجوم الوقائى سيكون فعالا بشكل كبير، وسندمر سلاح الجو السورى قبل الظهر، وكذلك إذا ما كان الأمريكيون متأكدين بأن المصريين على وشك الهجوم، فإنهم لن يسمحوا لنا بالهجوم أولا. لأن أحدا لن يصدق أننا قد بادرنا بالهجوم من منطلق الدفاع عن النفس».

أجابه «بن أليعازر»: أنا أوافق تماما إننا لسنا فى 67، وفيما يتعلق بالاحتياط، فإننى استطيع اليوم التعامل مع 120 ألف جندى والباقى غدا، وذلك وفقا للتطورات»، كانت إسرائيل قد بدأت بالفعل تعبئة الاحتياط، فقد نجحت فى تعبئة العدد الذى أعلن عنه رئيس الأركان 120 ألفا عن طريق الاستدعاء تليفونيا أو عن طريق الراديو. ويروى الدكتور «يتسحاق بروك» ملازم احتياط، من بين الذين تمت تعبئتهم، أنه قبل أن يخرج للانضمام لوح دته ودع زوجته وأولاده وقال لهم إنه سيعود سريعا ولكنه لا يعلم إذا ما كان ذلك سيتحقق أم لا.

وروى «بروك» خلال لقاء القناة الثانية معه: « تم استدعاؤنا يوم 6 أكتوبر، واستغرق الأمر قرابة العشر ساعات للوصول إلى القاعدة، حيث تم جمعنا على بعد 200 متر من منازلنا، ومن هناك تم اقتيادنا إلى مكان مركزي، ثم توجهنا إلى القاعدة التى كانت فى اتجاه واحد. ولكن منذ البداية أدركت أن هناك شيئا غير طبيعى لأن هذا الأمر لم يكن ليحدث بهذا الشكل».

على الجانب الآخر فى القاهرة، فى تمام الساعة الواحدة وخمس وأربعين دقيقة، يدخل الرئيس «أنور السادات» لغرفة العمليات بمقر قيادة الجيش المصري، حيث كان بانتظاره كبار ضباطه مترقبين الأوامر، وكان التوتر فى ذروته. وما كان من أى شخص أن يجرؤ على الشرب أو التدخين لأن شهر رمضان كان قد بدأ، ولكن «السادات» طلب كوبا من الشاى وقام بإشعال غليونة، وفى هذه اللحظة شعر الضباط بالارتياح.

وفى هذه اللحظة، أصدر الرئيس المصرى أوامره لسلاح الجو لبدء الهجوم، إنها الحرب الرابعة بين إسرائيل والعرب. وفى جنوب شبه جزيرة سيناء وعلى بعد عدة كيلومترات من شرم الشيخ تم سماع صوت نفير بالقاعدة الإسرائيلية «أوفيريا»، وكان القائد «أمير نحومى» يجلس فى كابينة طائرته المقاتلة.

ويقول: النقيب «ناحومى» فى روايته مع القناة عما حدث يومها خلال عمليات الحديث على الأجهزة اللاسلكية: «ماذا يحدث؟ قيل لى.. اسمع، هناك تعليمات عليا - أى أنه تلقى أمرا من القيادة بتل أبيب - برفع درجة الاستعداد وقال أنا لا أعرف ولكن يبدو أى أن هناك نحو (20) طائرة تقترب إلى هنا فوق سطح البحر. فأجبت، ماذا؟ فسألته .. على أى بعد، ما مداها؟ فأجاب لا أعرف ولكن حوالى 20 ميلا حينئذ قررت الإقلاع على الرغم من عدم حصولى على أمر من قائد سلاح الجو يجب أن يمرر إلىَّ عن طريق وحدة المراقبة، حيث بدونه لا يجب أن أقلع».

واستطرد «ناحومى» فى قصته، وقال: «بعدئذ أدركت أن ذلك كان بأوامر من «جولدا» بأن يتلقى الضربة الثانية. فالإقلاع من أجل الدفاع لم يحدث، وذلك لتلقى الضربة الأولى، ولكنى لم أفهم ذلك. أنا ببساطة قلت.. أقول ذلك صراحة.. قلت لنفسى ماذا يعرف هؤلاء البلهاء على بعد  400كم شمالا».
وفى هذه الأثناء وعلى جبهة شمالية من قناة السويس كان العريف «آفى يافيه» متواجدا فى موقع «بوركان»، وكان كل شىء هادئا، ولكونه يعمل «فنى صوت»، فى حياته المدنية، كان يقوم بتسجيل ما يقال فى جهاز الإشارة الخاص بدشم خط بارليف.  يحكى العريف «يافيه» خلال شهادته: «حوالى الساعة 13:57 اتصل قائد الكتيبة «شاؤول شاليف» وسألنى إذا ما كنت اسمع أصوات أى محركات. فقلت إننى لا اسمع أى أصوات، فسال الآخرين هل تسمعون فأجابوا لا لم نسمع أى شيء، وبعد نصف دقيقة عاود الاتصال وقال هل انتم بالخارج؟ فأجبت: هناك موقع «بوركان» متواجد خارجا، حول، وطلب من الخروج للحظة».

إسرائيل بالكامل مصابة بالصدمة والدهشة، ففى هذا الوقت اندلعت الحرب التى لم يكن متوقعا لها أن تندلع. فالسنوات الست من النشوة التى أعقبت انتصار حرب 67 انتهت بشكل كامل، ودوى صوت رئيس الوزراء الإسرائيلية فى خطابها للشعب الإسرائيلى قائلة : «مواطنى إسرائيل.. اليوم وفى حوالى الساعة الثانية بعد الظهر، شنت جيوش مصر وسوريا هجوما ضد إسرائيل، ونفذوا سلسلة من الهجمات الجوية وباستخدام الدبابات والمدفعية فى سيناء وهضبة الجولان والجيش الإسرائيلى يقاتل ويحاول صد هذا الهجوم».

بعيدا عن المنطقة، كانت المفاجأة بالبيت الأبيض شديدة. «هنرى كيسنجر» مستشار الأمن القومى الذى تولى منذ أسبوعين فقط منصب وزير الخارجية بإدارة «ريتشارد نيكسون» لم يدرك لماذا اتخذ «السادات» مثل هذا القرار. وقال «كيسنجر» لمستشاره «وليام كونديت» إن «السادات» «رجل مجنون»، وأنه يعمل من منطلق المشاعر ولا يدرك المخاطر الكامنة فى هذا الهجوم لأن الإسرائيليين سوف يدمرونه.

 وأعرب وزير الخارجية الأمريكى عن قلقه إزاء ما أسماه «تهور الإسرائيليين». ورأى أنه يجب الانتظار، ففى خلال 24 ساعة سوف يتخذ الإسرائيليون طريقهم إلى القاهرة!!.

كان «كيسنجر» مخطئا، فالجيش المصرى واصل التقدم ولم يكن بالاستطاعة إيقافه، فكل دشم «خط بارليف» الـ35 قد تم تدميرها ومحاصرتها، وخلال يوم واحد كان أكثر من 100 ألف جندى مصرى وألف دبابة قد عبروا قناة السويس. السوريون من جانبهم دفعوا قوات الجيش الإسرائيلى فى جميع أنحاء هضبة الجولان وكانت هذه الجبهة تشكل تهديدا أكثر خطورة على دولة إسرائيل حيث إذا نجح السوريون فى احتلال الهضبة فسوف ينفتح أمامهم الطريق أمام المدن الإسرائيلية.

على أرض المعركة، سلط التقرير الضوء على اللواء احتياط «آرييل شارون» الذى يركض تجاه قناة السويس على رأس فرقة مدرعة، فقد حظى هذا الرجل بنوع من التقدير ويعتبر «كفرقة كاملة»، حيث حظى بالمشاركة فى جميع الحروب التى خاضتها إسرائيل منذ عام 1948. قبلها بثلاثة أشهر كان «شارون» قد استقال من الجيش وتوجه للعمل السياسى، ولكن فى مساء السادس من أكتوبر طلب منه رئيس الأركان العودة لصفوف الجيش، ولم يتردد «شارون» للحظة، لكنه عندما وصل لخطوط المواجهة رأى فى أعين الجنود علامات الهزيمة.

كتب «شارون» عن تلك الفترة فى مذكراته: «كنت مهموما من التعبير الغريب على وجوههم، ولم يكن خوفا ولكن نوع من الدهشة والصدمة. حيث إنه وبشكل مفاجئ حدث لهم ما لم يحدث من قبل أبدا، فقد أصابتهم الصدمة».

على خط قناة السويس كانت الدشمة المتواجد بها العريف «آفى يافيه» محاصرة. قال «يافيه»: كنت على اتصال بالدشم الأخرى وخاصة دشمة «حيزايون» حيث كان المصريون هناك فى محيط الدشمة، ونجحوا بالفعل فى اقتحامها، تلك الدشمة على «جسر الفردان» كانت تسبب إزعاجا بالغا للمصريين، لذلك قرروا الاستيلاء على هذه المنطقة».

واستعرض التقرير عددا من التسجيلات الصوتية للإشارة عبر اجهزة الإشارة اللاسلكية لجنود إسرائيليين يستنجدون بالقيادة لإنقاذهم.

 وأكد رغبة المصريين فى شيئين: الانتصار والانتقام، فقد ظلت الأيام الثلاثة الأولى للمعركة دون وقوع أسرى، فقد كانت هناك رغبة فى الأنتقام للأسرى الذى تم قتلهم عام 1967. ويروى العريف « آفى يافيه» أنه بعد أن رأى الهجوم جلس وكتب وصيته، وكتب لزوجته وقال لها : «لا أريد أن أموت .. ولكن ذلك ما يبدو أنه سيحدث» . فعلى مدار يومين اختبأ «يافيه» ورجاله فى الخنادق، وبعدها فروا منه وتراجعوا للخلف عشرين كيلومترا لينضموا لباقى القوات الإسرائيلية فى المؤخرة.

عصر السابع من أكتوبر، تماما الساعة الثالثة فى تل أبيب تواجدت «جولدا مائير» فى هيئة الأركان، كان وقتها وزير الدفاع «ديان» عائدا من جولة ميدانية سريعة من جبهة القتال فى سيناء والجولان، كان مهموما، وقال لهم: «العرب لا يريدون وقف القتال. أنهم يريدون احتلال كل إسرائيل».
 ردت عليه «جولدا»: «إنها عودة لعام 1948.. لديهم جميع الأسباب كى لا يتوقفوا عن القتال».. «إنهم يريدون تصفية جميع اليهود»، كان كلاهما يدرك أن مصر لا تريد غزو إسرائيل، ولكن الرعب والذعر سيطر عليهم. ويقول «ايلى زعيرا» رئيس الاستخبارات العسكرية، إنه لم يكن هنا أحد يدرك أية حجج، فقد كان من العصب جدا إدراك ما يدور فى رأس الرئيس المصرى.

رأت إسرائيل أن «السادات» صدق فى مغامرته ورهانه، فقد استطاع الجيش المصرى التوغل بعرض 7 كم بعرض سيناء بعد عبور القناة، وبات لديه هدف واحد، تدعيم موقفه انتظارا لجولة المفاوضات.

 وأرسل رسالة لـ«كيسنجر»، فقد من المهم أن تدرك الولايات المتحدة وإسرائيل نيته، فقد كان يرى أن مصر تعلمهم أنه لا نيه لديها لتدمير إسرائيل أو للزحف على تل أبيب، الرسالة كانت ببساطة «أننا نحاول تحرير أرضنا المحتلة».

يقول «وليام كونديت» مستشار «كيسنجر» عن تلك الرسالة: «عندما استمع كيسنجر من الساجات على أهداف مصر المحدودة من تلك الحرب ورغبته فى فتح قناة دبلوماسية لإنهاء الحرب، بدأ يفكر فى أنه يمكن تحويل الأزمة للصعيد الدبلوماسي، ولكنه فكر فى عدم موافقة الإسرائيليين على هذا الأمر، ومن جانب آخر فقد أراد أن تنتهى الحرب كما انتهت حرب 67 بهزيمة ساحة ومذلة للعرب.. لذلك قرر بأن نتيجة الحرب يجب أن تكون متوازنة».إعداد- إسلام عبدالكريم

 فأجاب وزير الدفاع «موشيه ديان»: أن تعبئة الاحتياط من جانبنا سيتم فهمه كمبادرة بالحرب إذا ما تحركنا بقوات كبيرة فسوف يزعمون إننا من بادر بالهجوم، و70 ألفا من جنود الاحتياط يكفون.

 وأضاف «ديان»: «هناك أمر آخر، أن الهجوم الوقائى سيكون فعالا بشكل كبير، وسندمر سلاح الجو السورى قبل الظهر، وكذلك إذا ما كان الأمريكيون متأكدين بأن المصريين على وشك الهجوم، فإنهم لن يسمحوا لنا بالهجوم أولا. لأن أحدا لن يصدق أننا قد بادرنا بالهجوم من منطلق الدفاع عن النفس».

أجابه «بن أليعازر»: أنا أوافق تماما إننا لسنا فى 67، وفيما يتعلق بالاحتياط، فإننى استطيع اليوم التعامل مع 120 ألف جندى والباقى غدا، وذلك وفقا للتطورات»، كانت إسرائيل قد بدأت بالفعل تعبئة الاحتياط، فقد نجحت فى تعبئة العدد الذى أعلن عنه رئيس الأركان 120 ألفا عن طريق الاستدعاء تليفونيا أو عن طريق الراديو. ويروى الدكتور «يتسحاق بروك» ملازم احتياط، من بين الذين تمت تعبئتهم، أنه قبل أن يخرج للانضمام لوح دته ودع زوجته وأولاده وقال لهم إنه سيعود سريعا ولكنه لا يعلم إذا ما كان ذلك سيتحقق أم لا.

وروى «بروك» خلال لقاء القناة الثانية معه: « تم استدعاؤنا يوم 6 أكتوبر، واستغرق الأمر قرابة العشر ساعات للوصول إلى القاعدة، حيث تم جمعنا على بعد 200 متر من منازلنا، ومن هناك تم اقتيادنا إلى مكان مركزي، ثم توجهنا إلى القاعدة التى كانت فى اتجاه واحد. ولكن منذ البداية أدركت أن هناك شيئا غير طبيعى لأن هذا الأمر لم يكن ليحدث بهذا الشكل».

على الجانب الآخر فى القاهرة، فى تمام الساعة الواحدة وخمس وأربعين دقيقة، يدخل الرئيس «أنور السادات» لغرفة العمليات بمقر قيادة الجيش المصري، حيث كان بانتظاره كبار ضباطه مترقبين الأوامر، وكان التوتر فى ذروته. وما كان من أى شخص أن يجرؤ على الشرب أو التدخين لأن شهر رمضان كان قد بدأ، ولكن «السادات» طلب كوبا من الشاى وقام بإشعال غليونة، وفى هذه اللحظة شعر الضباط بالارتياح.

وفى هذه اللحظة، أصدر الرئيس المصرى أوامره لسلاح الجو لبدء الهجوم، إنها الحرب الرابعة بين إسرائيل والعرب. وفى جنوب شبه جزيرة سيناء وعلى بعد عدة كيلومترات من شرم الشيخ تم سماع صوت نفير بالقاعدة الإسرائيلية «أوفيريا»، وكان القائد «أمير نحومى» يجلس فى كابينة طائرته المقاتلة.

ويقول: النقيب «ناحومى» فى روايته مع القناة عما حدث يومها خلال عمليات الحديث على الأجهزة اللاسلكية: «ماذا يحدث؟ قيل لى.. اسمع، هناك تعليمات عليا - أى أنه تلقى أمرا من القيادة بتل أبيب - برفع درجة الاستعداد وقال أنا لا أعرف ولكن يبدو أى أن هناك نحو (20) طائرة تقترب إلى هنا فوق سطح البحر. فأجبت، ماذا؟ فسألته .. على أى بعد، ما مداها؟ فأجاب لا أعرف ولكن حوالى 20 ميلا حينئذ قررت الإقلاع على الرغم من عدم حصولى على أمر من قائد سلاح الجو يجب أن يمرر إلىَّ عن طريق وحدة المراقبة، حيث بدونه لا يجب أن أقلع».

واستطرد «ناحومى» فى قصته، وقال: «بعدئذ أدركت أن ذلك كان بأوامر من «جولدا» بأن يتلقى الضربة الثانية. فالإقلاع من أجل الدفاع لم يحدث، وذلك لتلقى الضربة الأولى، ولكنى لم أفهم ذلك. أنا ببساطة قلت.. أقول ذلك صراحة.. قلت لنفسى ماذا يعرف هؤلاء البلهاء على بعد  400كم شمالا».
وفى هذه الأثناء وعلى جبهة شمالية من قناة السويس كان العريف «آفى يافيه» متواجدا فى موقع «بوركان»، وكان كل شىء هادئا، ولكونه يعمل «فنى صوت»، فى حياته المدنية، كان يقوم بتسجيل ما يقال فى جهاز الإشارة الخاص بدشم خط بارليف.  يحكى العريف «يافيه» خلال شهادته: «حوالى الساعة 13:57 اتصل قائد الكتيبة «شاؤول شاليف» وسألنى إذا ما كنت اسمع أصوات أى محركات. فقلت إننى لا اسمع أى أصوات، فسال الآخرين هل تسمعون فأجابوا لا لم نسمع أى شيء، وبعد نصف دقيقة عاود الاتصال وقال هل انتم بالخارج؟ فأجبت: هناك موقع «بوركان» متواجد خارجا، حول، وطلب من الخروج للحظة».

إسرائيل بالكامل مصابة بالصدمة والدهشة، ففى هذا الوقت اندلعت الحرب التى لم يكن متوقعا لها أن تندلع. فالسنوات الست من النشوة التى أعقبت انتصار حرب 67 انتهت بشكل كامل، ودوى صوت رئيس الوزراء الإسرائيلية فى خطابها للشعب الإسرائيلى قائلة : «مواطنى إسرائيل.. اليوم وفى حوالى الساعة الثانية بعد الظهر، شنت جيوش مصر وسوريا هجوما ضد إسرائيل، ونفذوا سلسلة من الهجمات الجوية وباستخدام الدبابات والمدفعية فى سيناء وهضبة الجولان والجيش الإسرائيلى يقاتل ويحاول صد هذا الهجوم».

بعيدا عن المنطقة، كانت المفاجأة بالبيت الأبيض شديدة. «هنرى كيسنجر» مستشار الأمن القومى الذى تولى منذ أسبوعين فقط منصب وزير الخارجية بإدارة «ريتشارد نيكسون» لم يدرك لماذا اتخذ «السادات» مثل هذا القرار. وقال «كيسنجر» لمستشاره «وليام كونديت» إن «السادات» «رجل مجنون»، وأنه يعمل من منطلق المشاعر ولا يدرك المخاطر الكامنة فى هذا الهجوم لأن الإسرائيليين سوف يدمرونه.

 وأعرب وزير الخارجية الأمريكى عن قلقه إزاء ما أسماه «تهور الإسرائيليين». ورأى أنه يجب الانتظار، ففى خلال 24 ساعة سوف يتخذ الإسرائيليون طريقهم إلى القاهرة!!.

كان «كيسنجر» مخطئا، فالجيش المصرى واصل التقدم ولم يكن بالاستطاعة إيقافه، فكل دشم «خط بارليف» الـ35 قد تم تدميرها ومحاصرتها، وخلال يوم واحد كان أكثر من 100 ألف جندى مصرى وألف دبابة قد عبروا قناة السويس. السوريون من جانبهم دفعوا قوات الجيش الإسرائيلى فى جميع أنحاء هضبة الجولان وكانت هذه الجبهة تشكل تهديدا أكثر خطورة على دولة إسرائيل حيث إذا نجح السوريون فى احتلال الهضبة فسوف ينفتح أمامهم الطريق أمام المدن الإسرائيلية.

على أرض المعركة، سلط التقرير الضوء على اللواء احتياط «آرييل شارون» الذى يركض تجاه قناة السويس على رأس فرقة مدرعة، فقد حظى هذا الرجل بنوع من التقدير ويعتبر «كفرقة كاملة»، حيث حظى بالمشاركة فى جميع الحروب التى خاضتها إسرائيل منذ عام 1948. قبلها بثلاثة أشهر كان «شارون» قد استقال من الجيش وتوجه للعمل السياسى، ولكن فى مساء السادس من أكتوبر طلب منه رئيس الأركان العودة لصفوف الجيش، ولم يتردد «شارون» للحظة، لكنه عندما وصل لخطوط المواجهة رأى فى أعين الجنود علامات الهزيمة.

كتب «شارون» عن تلك الفترة فى مذكراته: «كنت مهموما من التعبير الغريب على وجوههم، ولم يكن خوفا ولكن نوع من الدهشة والصدمة. حيث إنه وبشكل مفاجئ حدث لهم ما لم يحدث من قبل أبدا، فقد أصابتهم الصدمة».

على خط قناة السويس كانت الدشمة المتواجد بها العريف «آفى يافيه» محاصرة. قال «يافيه»: كنت على اتصال بالدشم الأخرى وخاصة دشمة «حيزايون» حيث كان المصريون هناك فى محيط الدشمة، ونجحوا بالفعل فى اقتحامها، تلك الدشمة على «جسر الفردان» كانت تسبب إزعاجا بالغا للمصريين، لذلك قرروا الاستيلاء على هذه المنطقة».

واستعرض التقرير عددا من التسجيلات الصوتية للإشارة عبر اجهزة الإشارة اللاسلكية لجنود إسرائيليين يستنجدون بالقيادة لإنقاذهم.

 وأكد رغبة المصريين فى شيئين: الانتصار والانتقام، فقد ظلت الأيام الثلاثة الأولى للمعركة دون وقوع أسرى، فقد كانت هناك رغبة فى الأنتقام للأسرى الذى تم قتلهم عام 1967. ويروى العريف « آفى يافيه» أنه بعد أن رأى الهجوم جلس وكتب وصيته، وكتب لزوجته وقال لها : «لا أريد أن أموت .. ولكن ذلك ما يبدو أنه سيحدث» . فعلى مدار يومين اختبأ «يافيه» ورجاله فى الخنادق، وبعدها فروا منه وتراجعوا للخلف عشرين كيلومترا لينضموا لباقى القوات الإسرائيلية فى المؤخرة.

عصر السابع من أكتوبر، تماما الساعة الثالثة فى تل أبيب تواجدت «جولدا مائير» فى هيئة الأركان، كان وقتها وزير الدفاع «ديان» عائدا من جولة ميدانية سريعة من جبهة القتال فى سيناء والجولان، كان مهموما، وقال لهم: «العرب لا يريدون وقف القتال. أنهم يريدون احتلال كل إسرائيل».
 ردت عليه «جولدا»: «إنها عودة لعام 1948.. لديهم جميع الأسباب كى لا يتوقفوا عن القتال».. «إنهم يريدون تصفية جميع اليهود»، كان كلاهما يدرك أن مصر لا تريد غزو إسرائيل، ولكن الرعب والذعر سيطر عليهم. ويقول «ايلى زعيرا» رئيس الاستخبارات العسكرية، إنه لم يكن هنا أحد يدرك أية حجج، فقد كان من العصب جدا إدراك ما يدور فى رأس الرئيس المصرى.

رأت إسرائيل أن «السادات» صدق فى مغامرته ورهانه، فقد استطاع الجيش المصرى التوغل بعرض 7 كم بعرض سيناء بعد عبور القناة، وبات لديه هدف واحد، تدعيم موقفه انتظارا لجولة المفاوضات.

 وأرسل رسالة لـ«كيسنجر»، فقد من المهم أن تدرك الولايات المتحدة وإسرائيل نيته، فقد كان يرى أن مصر تعلمهم أنه لا نيه لديها لتدمير إسرائيل أو للزحف على تل أبيب، الرسالة كانت ببساطة «أننا نحاول تحرير أرضنا المحتلة».

يقول «وليام كونديت» مستشار «كيسنجر» عن تلك الرسالة: «عندما استمع كيسنجر من الساجات على أهداف مصر المحدودة من تلك الحرب ورغبته فى فتح قناة دبلوماسية لإنهاء الحرب، بدأ يفكر فى أنه يمكن تحويل الأزمة للصعيد الدبلوماسي، ولكنه فكر فى عدم موافقة الإسرائيليين على هذا الأمر، ومن جانب آخر فقد أراد أن تنتهى الحرب كما انتهت حرب 67 بهزيمة ساحة ومذلة للعرب.. لذلك قرر بأن نتيجة الحرب يجب أن تكون متوازنة».