الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
قانون الفوضي
كتب

قانون الفوضي




 


 

كرم جبر روزاليوسف اليومية : 11 - 01 - 2011



لن تنصلح أحوالنا إلا إذا عاد الانضباط
(1)
- المعاناة الشديدة التي تواجهها أجهزة التحقيق في قضية كنيسة القديسين، تؤكد حقيقة مُرَّة هي غياب الانضباط عن الشارع المصري، وسيادة الفوضي إلي أقصي درجة.
- كأن المتهم «فص ملح وداب»، رغم أنه دخل المنطقة يحمل شحنة كبيرة وضخمة من المتفجرات، أحدثت دويا هائلا مثل القنابل المستخدمة في الحروب.
- حدث ذلك، لأن الشارع أصبح مرتعاً للفوضي، لا قانون، ولا حسيب ولا رقيب، وكل شخص يفعل ما يحلو له، فأصبحت حياتنا سلسلة من الإهمال واللا مبالاة.
(2)
- يكفي أن ننظر لأحوال الشوارع في ساعة الذروة أو حتي في الأوقات العادية لنعرف حجم المأساة التي نعيشها سواء من حيث حجم السيارات المهول الذي يفوق قدرة الشوارع أو سلوكيات الناس وتصرفاتهم.
- السيارات علي كل لون، من أحدث الموديلات في العالم، وربما لم تنزل أسواق الدول الكبري، حتي موديلات سنة 1920، وكلها تسير جنبا إلي جنب في محبة ووئام ومساواة.
- الوقوف بالساعات في إشارات المرور يضاعف استهلاك البنزين ويجعل فاتورة الدعم بالمليارات التي تحترق في الهواء، فتلوث البيئة، وتجعل القاهرة الأكثر سوءاً في العالم.
(3)
- أما عن سلوكيات الناس فحدث ولا حرج، أحيانا تجد شاباً متهوراً يتلوي بسرعة جنونية بين السيارات كالثعبان، ولا يرتدع إلا إذا «خبط» سيارات أخري وأحدث كارثة.
- أحيانا أخري تجد سيارة تتسلل عن يمينك فوق الرصيف لتخترق الزحمة، فتزيدها زحمة علي زحمة، ولا تستطيع أن تفتح فمك خوفاً من قلة الأدب.
- سعيد الحظ هو الذي يمشي وراء سيارة إسعاف مثل ظلها حتي يخترق الإشارات، وأحياناً تجد طابوراً طويلاً وراء سيارة الإسعاف، وكأنهم في مطاردة بوليسية.
(4)
- المؤكد أن نصفنا سمع العبارة الخالدة: «انت مش عارف أنا مين».. أو «انت مش عارف أنا ابن مين،» بما يعني أن نصف سكان مصر علي الأقل هم «أولاد المين».
- المفترض أن القانون لا يعرف أولاد الأكابر، ولكن عندما يقع أحدهم تنقلب الدنيا كلها لإنقاذه، لأنه ابن أكابر ولا يجوز أن يلقي الجزاء أو سوء المعاملة.
- مائة تليفون ومائة صديق ومائة واسطة ومائة محامٍ مثل «ابن كريازي» الذي فوجئنا بأن الضابط الذي ملأ الفضائيات بكاءً ودموعاً يتصالح معه ويتنازل عن شكواه!
(5)
- هذا البلد لن ينصلح حاله إلا إذا عاد الانضباط إلي الشارع، فالحرامي يسرق في عز الظهر، لأنه يعرف أن الشهامة انتقلت إلي العالم الآخر، وحل محلها الفوضي والنذالة والاستسلام.
- أحياناً تصرخ فتاة مختطفة في عز الظهر لإنقاذها قبل الاغتصاب، فيتفرج الناس عليها وكأن شيئا لا يحدث، وتنزل البلاهة علي الناس برداً وسلاماً.
- الشيء الوحيد الذي يجيده الناس هو الفرجة، وياسلام لو شاهدوا حادثاً في الطريق أدي إلي ضحايا، يحتشدون طوابير ليتفرجوا علي الضحايا والمصابين وكأنه فيلم سينمائي.
(6)
- السيارات تسد الأرصفة والمشاة يسيرون في عرض الشارع، وأصحاب المحلات خرجوا بها فلم يتركوا مكانا للمشاة ولا للسيارات، والباعة الجائلون هم العلامة التي تميز شوارعنا.
- «الواسطة» أصبحت المفتاح السحري الذي ينجز الأعمال الصعبة، والواسطة تحتاج إلي إكرامية أو بقشيش أو «اشرب شاي»، ولا تستطيع أن تقضي مصلحة إلا بشرب الشاي.
- المشكلة أن أحداِ لم يعد يخاف القانون، وأن معظم الناس تجرأوا علي الشرطة وسلطات الدولة، وأصبح «الدراع» هو القوة المعترف بها في التعاملات اليومية.
(7)
- السلع المغشوشة والمضروبة تملأ الأسواق، زبالة المصانع في الصين لا تعرف طريقها إلا إلي الأسواق المصرية، وكبار المصانع في بلادنا تستخدمها في منتجاتها ويتحمل الناس النتيجة.
- في كل بلاد الدنيا يتحمل البائع أعباء بضاعته التالفة إلا في مصر «البضاعة لا ترد ولا تستبدل»، ولو جاءوا بألف جهاز لحماية المستهلك فلن يوقف مهزلة محترفي الغش والنصب.
- لقد خاصمنا الانضباط وصادقنا الفوضي، ولم يحدث في تاريخ البشرية أن تقدمت دولة إلا إذا حققت الانضباط في الشارع.. وشوارعنا لا تسر عدواً ولا حبيباً.


E-Mail : [email protected]