الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
زفة الوحدة الوطنية!
كتب

زفة الوحدة الوطنية!




 


 

كرم جبر روزاليوسف اليومية : 13 - 01 - 2011



الشحن الإعلامي الزائد له آثار خطيرة
(1)
مؤتمرات «الطبل والزمر» لن تنفع الوحدة الوطنية، ولكن يسري عليها المثل الذي يقول: «إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلي ضده»، وهذا بالضبط ما ينطبق علي زفة الوحدة الوطنية.
«شو» ودعاية وتهليل وضجيج، وأصبح الشعار الآن «هيا بنا نرقص للوحدة الوطنية».. وكلها مظاهر شكلية لا تقترب من قريب أو بعيد من جوهر مواجهة الأزمة.
المشكلة الحقيقية ليست ذكر محاسن الوحدة الوطنية، ولكن في الاقتراب الحذر من أسبابها الحقيقية، والتعامل معها بطريقة صائدي الألغام، حتي لا تنفجر في وجه أحد.
(2)
زفة الوحدة الوطنية لا تؤدي إلا لمزيد من الشحن، والشحن الزائد يؤدي إلي المبالغة، سواء في التشخيص أو العلاج، ومن كثرة البكاء، تتولد انطباعات غير حقيقية عن الأزمة.
علي سبيل المثال وليس الحصر، ساهمت زفة الوحدة الوطنية في زيادة الشعور بالاضطهاد لدي الأقباط، خصوصًا فيما يتعلق ببناء الكنائس، وبالتالي زادت المرارة ولم تقل حدتها.
ليس مطلوباً حصر المساجد لمقارنتها بالكنائس حتي لا نصل إلي محاصصة علي الطريقة اللبنانية، ولكن لكل دور عبادة ظروفها الخاصة التي لا يعالجها قانون البناء الموحد، بل يزيدها اشتعالاً.
(3)
إذا كنا نريد قانونًا موحدًا لدور العبادة، فكيف مثلاً يكون وضع الأديرة؟ وهل يتم استثناء المساحات الشاسعة من الأراضي التي تمتلكها؟ وما هو تعريفها، ولأي قانون تخضع؟
هل تخضع الكنائس والمساجد للرقابة المالية، عن طريق الجهاز المركزي للمحاسبات، ليتم حصر الأموال والتبرعات التي تدخلها وأوجه إنفاقها ورصد المخالفات التي تحدث؟
هل تكون المساواة في البناء، بالعدد أم بالمساحة؟ بالقيمة أم بالتشطيب، وما موقف الزوايا الصغيرة التي تقام داخل العمارات والأندية وأماكن العمل؟
(4)
الشحن الزائد أدي إلي «خضة إعلامية»، فأصبحت كل برامج التوك شو تتم بطريقة «شكر الله سعيكم».. مذيع أو مذيعة، وشوية أحزان وغضب وكلام لا معني له.
مثل مؤتمرات الحشد أيام الاتحاد الاشتراكي العربي، الكل يتحدث لغة واحدة، بمفردات واحدة، «بالروح بالدم نفديك يا وحدة يا وطنية»، مثل «بالروح بالدم نفديك يا صدام».
وكما لم يفتد أحد صدام، مثل هذه الدعاية لا تستطيع أن تفتدي الوحدة الوطنية، لأنها عشوائية وارتجالية و«هرش مخ»، وتصعَّد أجواء الاحتقان ولا تخفف حدتها.
(5)
منذ عام 1978وقبلها بكثير، ومصر تعرف جيدًا جذور المشكلة، وتناولها بالشرح والتحليل الدقيق تقرير الدكتور جمال العطيفي بعد أحداث الزاوية الحمراء، وكل الكلام الذي يقال حتي الآن لا يضيف جديدًا، ولدينا مجلدات ومجلدات.
الداء معروف، ولكن لا يريد أحد أن يتناول الدواء، لأنه مر وعلقم وله آثار جانبية، ولابد أن تتوافر الإرادة المجتمعية والشعبية لتحملها بصبر وقوة.
نتمسك بالشكليات وبتوافه الأمور ونترك الجوهر، وهناك -مثلاً- من يتصور أن إلغاء خانة الديانة من البطاقات ستجعل العلاقة «سمن علي عسل»، مع أن معظم المسلمين والمسيحيين لهم أسماء تدل علي ديانتهم.
(6)
هل نحن مستعدون لتحمل الثمن، بينما السماوات تمطر فضائيات دينية، وعندما تم إغلاق بعضها هب كدابو زفة الوحدة الوطنية يتهمون الدولة بأنها تغتال هامش الحرية الديمقراطية؟
المأساة الكبري أن الذين هتكوا عرض الوحدة الوطنية هم الذين يذرفون دموع الأسي والندم والحزن علي الوحدة الوطنية، ويغسلون أعمالهم بدماء الضحايا.
لقد أثبتت كل التجارب أن مواثيق الشرف الإعلامية مثل «خيال المآتة» الذي لا يخيف الغربان ولا حتي العصافير، فما البديل لضبط انفلات الآلة الإعلامية الطائشة؟
(7)
زفة الوحدة الوطنية سوف تبدأ آثارها السلبية في الظهور، والأثر الخطير هو محاولات انسلاخ الأقباط من تحت حماية الدولة إلي رعاية الكنيسة، وهذا مكمن الخطر.
حماية الأقباط والكنيسة وأيضًا المسلمين ومساجدهم هي مسئولية الدولة المصرية، ويجب تعظيم هذا المفهوم، حتي لا يؤدي الشحن الطائفي إلي مزيد من الانقسام والانسلاخ.
فلتكن الوحدة الوطنية هي المشروع القومي لمصر في السنوات الخمس المقبلة، بخطط واستراتيجيات ورؤي واضحة، يتحرك المجتمع كله في إطارها.. بدلاً من الرقص في مولد الوحدة الوطنية.


E-Mail : [email protected]