الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الأضحى من التراث الإسلامى




شعراء الأندلس تغزلوا فى كباش العيد.. والخلفاء تزينوا بجلودها
كتبت- مروة مظلوم
 
«احتفال ذو طابع خاص .. يحمل رائحة المكان ونكهته».. عبارة لايفهمها إلا كل من وطأت قدمه أرض مصر وخالط أهلها فى أعيادهم ومناسباتهم الدينية .. وشهد على قدرتهم فى تحويل كل حدث لمناسبة تستحق الاحتفال ..وتذوق أعيادها بنكهة أهلها  «النكهة المصرية».. ولنا أن نقص بدايات احتفالات المصريين وطقوسهم  فى عهودها الوسطية عهود إبان الدول الثلاث الفتية «الدولة الفاطمية ومن بعدها الأيوبية ثم المملوكية» ذات الطابع الخاص.

فهذه الدول أعطت مصر شكلاً متميزاً فى عاداتها وتقاليدها وصور احتفالاتها الخاصة بالأعياد. وانعكس ذلك كما يقول د. بهاء حسب الله أستاذ الأدب الأندلسى بجامعة حلوان، على أدبها وهذا ما لاحظه المقريزى وسجله فى كتابه (الخطط) وتحديدا منذ أن وطئها الفاطميون سنة 362هـ، أى فى منتصف القرن الرابع الهجرى وهى تموج فى معمعة من الأعياد وصلت الى نحو ثلاثين عيداً، بداية من عيد رأس السنة الهجرية ووصولاً الى عيد الفطر وعيد الأضحى وغير ذلك من أعياد، إلا أن الاحتفالات بعيد الفطر، ومن بعده عيد الأضحى كانت تأخذ اشكالا تعبيرية شديدة الخصوصية، ومنها كما يقول المقريزي.. أن الناس فى صبيحة عيدى الفطر والأضحى كانوا يخرجون ويطوفون شوارع القاهرة والاسكندرية بـ (الخيال والتماثيل والسماجات) والخيال هو لعبة خيال الظل المضحكة التى تحولت مع الزمن الى لعبة الأراجوز المعروفة والسماجات يقصد بها الملابس التنكرية. ويقول ابن تغرى بردى فى كتابه (النجوم الزاهرة فى أخبار مصر والقاهرة) إن مصر عرفت صورة الاحتفالات الكبيرة فى عيدى الفطر والأضحى حيث اتسعت فنون التسلية، ومنها الخروج للتنزه على شاطئ النيل وكانوا يستأجرون القوارب والسفن الشراعية للتنزه بها فى النيل، والأمر ذاته على شاطئ الاسكندرية. وكان المتنزهون فى القاهرة والاسكندرية يستأجرون المغنين والمغنيات ليعيشوا معهم فرحة العيد بالأغانى كما كانت تلقى فى تلك الفترة بالحدائق العامة القصائد الشعرية لرموز الشعر الكبار آنذاك أمثال ظافر الحداد والقاضى الفاضل والبهاء زهير، بل إن الشاعر المملوكى الكبير ابن دانيال دعا السلطان المملوكى الظاهر بيبرس لحضور ثلاث مسرحيات شعرية فى نهار أحد أيام عيد الأضحى تمثل مواقف كوميدية ساخرة، وعرضها عليه عن طريق مسرح خيال الظل الشعبى الذى تطور كثيرا فى عهد الدولة المملوكية الأولي، ويقول الاسيوطى فى كتابه (حسن المحاضرة) ان من سبيل تسلية الناس فى الأعياد انذاك سماع سيرة عنترة وذات الهمة وأبى زيد الهلالى وسيرة الظاهر بيبرس فى الحدائق العامة بالقاهرة والفسطاط والاسكندرية.
 

عن الاحتفالات الرسمية والمدائح الشعرية يقول د. بهاء. من الناحية الرسمية فقد كان الخلفاء منذ العهد الفاطمى ومرورا بالعهدين الأيوبى والمملوكى يحرصون على الخروج فى صبيحة يوم العيد فى مواكب رسمية، حيث يستمر موكبهم لساعات طويلة لمشاركة الشعب فى الاحتفال بالأعياد ولتقديم الهدايا وأفخر الأطعمة للفقراء والمحتاجين، وكان يشاركهم الشعراء، وتلقى فى تلك الاحتفالات القصائد المطولة لتهنئة الخليفة بالعيد ومن أمثلة ذلك تهنئة بهاء الدين زهير للملك المنصور الأيوبى صباح يوم عيد الأضحى بقوله. يهنئ، المملوك بالعشر والشهر - وبالعيد عيد النحر يا ملك العصر.

ومن العادات الطريفة الباقية الى يومنا هذا عادة إقامة الزينات فى البيوت، وإيقاد المصابيح أمامها وإضاءة الدكاكين بالشموع والقناديل وعمل الولائم الجماعية فى الشوارع والحواري، وقد انبهر ابن بطوطة من تلك المظاهر عندما زار القاهرة فى القرن السابع الهجرى وسجل ذلك فى كتابه (رحلات ابن بطوطة) ووصف تفنن تجار الأسواق فى تزيين أسواقهم وكيف أنهم علقوا بحوانيتهم الحلى وثياب الحرير طيلة أيام العيد وكيف أنهم كانوا يبيعونها بأسعار زهيدة لمشاركة الناس فرحتهم.

زى الخلفاء فى العيد

تقول د. سامية إبراهيم لطفى السمان جامعة إسكندرية فى كتابها «تاريخ تطور الملابس عبر العصور أن مواكب الخلفاء فى العصر الفاطمى  تميزت بالعظمة التى لم تعرف فى تاريخ مصر ففى عيد الأضحى يرتدى الخليفة زياً أحمر  ويلبس فى قدميه حذاء من الجلد، ويقوم بنفسه بذبح الأضاحى وإذا عاد على القصر بصحبة وزيره خلع عليه ثيابه الحمراء وقلده سيفاً مرصعاً بالياقوت والجواهر وربط فى عنقه العقد. وفى أيام الجمع الأخيرة من شهر رمضان يذهب الخليفة للصلاة بالثياب البيضاء غير الموشحة بالذهب والمنديل والطيلسان. وكان الخليفة يلبس فى قصره ثيابا خاصة تتميز بأن أكمامها اقصر من أكمام ثيابه التى كان يلبسها فى المواكب. أما السيف الذى كان يتقلده فقد كان مرصعاً بالجواهر وله أشرطة يعلق بها على الكتف الأيمنى بحيث يتدلى السيف على الجانب الأيسر .

الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية

لقد كان آباؤنا فى الماضى يقدمون الضحايا على المذابح المقدسة كرمز للتضحية فى سبيل الله، والايمان الثابت بمشيئته وها نحن مستمرون فى طريقهم. ويسعدنى فى هذا المقال، أن أستعيد نشر ما قرأته عن مجريات العيد أيام الدولة الفاطمية، خاصة عند الخلفاء الأوائل، وذلك فى كتاب المؤرخ المصرى الكبير، الأستاذ محمد عبدالله عنان بعنوان: « الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية».

وذكر فيه أن عيد ألأضحى أو عيد النحر، كما كانت تؤثر تسميته فى ظل الدولة الفاطمية، تنويهاً بأبرز مظاهره، ألا وهو نحر الأضحية، فقد كان يُحتفل بركوب الخليفة إلى الصلاة على النحو المتبع فى صلاة عيد الفطر، ثم يخص بسماط حافر فى أول يوم منه. بيد أنه يمتاز بركوب الخليفة فيه ثلاث مرّات متواليات فى أيّامه الثلاثة الأولى، ويمتاز بالأخص باشتراك الخليفة نفسه فى إجراءات النحر. وكان قيام الخليفة بهذا العمل من أروع المظاهر والرسوم، التى جرت عليها الخلافة الفاطمية فى الأعياد العامّة. فلنتصوّر أمير المؤمنين متشحاً بثوب أحمر قان ٍ، يسير فى موكبه ماشياً من دار النحر الخلافية – وقد كانت تقوم فى ركن خارجى من القصر- وبين يديه الوزير وأكابر الدولة والأساتذة المحنّكون ( وهم المشرفون على شئونه الخاصة)، وقد أعدّ فى المنحر برسم التضحية واحد وثلاثون فصيلاَ وناقة، أمام مصطبة يعلوها الخليفة وحاشيته، وقد فُرشت حافتها بأغطية حمراء يُتقى بها الدم، وحمل الجزّارون كل بيده إناء مبسوطاً يتلقى به دم الضحية، ثم تقدِّم رءوس الأضاحى إلى الخليفة واحدة فأخرى، فيدنو منها وبيده حربة يمسك بها من الرأس، ويمسك القاضى بأصل سنانها ويجعله فى عنق الدابة فيطعنها به الخليفة، وتُجرّ من بين يديه، وهكذا حتى يأتى عليها جميعاً. وكلما نحر الخليفة رأساً جهر المؤذّنون بالتكبير. ويقد لحم الضحية الأولى ويفرّق قطعا صغيرة فى الأولياء والمؤمنين وفى اليوم التالى يُنظم نفس الموكب الخلافى إلى المنحر، وينحر الخليفة سبعة وعشرين رأساً، وفى اليوم الثالث ينحر ثلاثة وعشرين. ويجرى توزيع لحم الأضحية خلال هذه الأيام الثلاثة على أرباب الرسوم فى أطباق خاصة للتبرّك، ويقوم بالتوزيع قاضى القضاة وداعى الدعاة، ويخصص نقباء الدعوة، وطلبة دار الحكمة (دار العلم) بقسط من اللحوم الموزّعة، فإذا انقضت رسوم النحر، خلع الخليفة عند العودة إلى القصر على الوزير ثيابه الحمر ومنديلاُ ملوكياً بغير سمة، والعقد المنظوم، فيركب الوزير وعليه الخلع المذكورة فى موكب حافل من القصر، ويشق القاهرة حتى باب زويلة، ثم يدخل من باب القنطرة إلى دار الوزارة، وبذلك تنتهى رسوم النحر».   

الأضحى فى النثر والشعر العربى

تباينت مواقف الشعراء والناثرين فى تعبيرهم عن «عيد الأضحي» كما يقول د. حسام عقل أستاذ الأدب العربى بجامعة عين شمس، قد يكون فى أثناء العيد وبسبب من ظرف حياتى خاص بعيدا عن أهله وأسرته فتهيج أشواقه لمواطن العائل وأجوائها القديمة. ومن نماذج الشعر الناصعة فى هذا الخصوص ما أنشده «ابراهيم بن هلال» وهو يهنئ «عضد الدولة» البويهى بعيد الأضحي. «أسلم ودم للرتبة العلياء - وتمل ملكك فى أمد بقاء - واستقبل العيد الجديد بغبطة - ومسرة وزيادة ونماء - وكفاك من نحر الأضاحى فيهما - نحرت يمينك من طلا الأعداء» وقد تردد معنى قهر الأعداء والخصوم من هذا الشعر كثيرا وقامت مقارنات لطيفة بفن التورية بين «نحر الأضاحي» و«نحر الأعداء» جزاء ظلمهم وبغيهم ومن ذلك ما أنشده «ابواسحاق الصابي» يهنئ صمصاء الدولة البويهى بعيد الأضحي. ياسنة البدر فى الدياجى - وغرة الشمس فى الصباح صمصام حرب وغيث سلم - ناهيك فى البأس والسماح - أسعد بفطر مضى وأضحى - وافاك باليمن والنجاح - وأنحر أعادى بنى بوية - بالسيف فى جملة الأضاحي.

ويضيف د. عقل أنه قد يتشاءم بعض الشعراء الذين اعتادوا التشاؤم فى المناسبات الكبرى دون سبب ظاهر، ومن ذلك ما أنشده (محمد بن علي). «من سره العيد الجديد - فما لقيت به سرورا - كان السرور يطيب لى - لو كان أحبابى حضورا» وهنا يؤكد أنه لامعنى للعيد وفرحته دون حضور الأهل وتألق الأصدقاء وأنس الأحبة والأرحام. ويتهلل الشاعر (ابوالفرج بن نصر) بشرا بمقدم عيد الأضحي، فيمدح (بهاء الدولة) قائلا:

«أعلت سعود بهاء الدولة الفلك - الأعلى فما فيه نجم غير مسعود - وقابل العيد منه حين قابله - من ملكه كل يوم منه فى عيد - وليس يرضى مساعيك التى بهرت - بأن يهنأ موجود بمفقود».

ويعبر ابوتمام عن سعادته لقدوم قوافل الحجيج فيقول:

«إما حججت فمقبول ومبرور - موفر الحظ منك الذنب مغفور وتمنيت من حجة الإسلام واجبها - ثم انصرفت ومنك السعى مشكور» ويربط (المتنبي) بين العيد وبين معنى السمو والشموخ فينشد مهنئا (سيف الدولة) «هنيئا لك العيد الذى أنت عبده - وعيد لمن سما وضحى وعيدا فذا اليوم من الأيام مثلك فى الورى - كما كنت واحدا كان أوحدا».