الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إبداع




شعراؤنا شموس فى سماء الإبداع ينيرون لنا ببصيرتهم وبصرهم طريقنا ويخبرونا ما لم نخبره فيما فاتنا من أمورنا الحياتية فهم بمثابة توثيق وشهادة على عصرهم ونحن نخصص هذه المساحة من الإبداع بعيد الأضحى المبارك، نعرض نماذج من قصائد وإبداعات عدد من الشعراء العرب والتى تناولوا فيها الاحتفال بالأعياد والتغنى بها وبأفراحها.
يصاحب القصائد عدد من اللوحات للفنان الكبير الحسين فوزى، أحد أهم وأشهر الرسامين الصحفيين فى مصر خلال القرن الماضي.
 

 
أطلَّ صباح العيد
 
 
أطلَّ صباح العيد فى الشرق يسمع
 ضجيجاً به الافراح تمضى وترجعُ
صباح به تُبدى المسرة َ شمسها
 وليس لها إلا التوهم مطلعُ
صباح به يختال بالوشى ذو الغنى
 ويعوزُ ذا الإعدامِ طمر مرقَّع
صباح به يكسو الغنيُّ وليده
ثياباً لها يبكى اليتيمِ المضَّيع
صباح به تغدو الحلائل بالحُلى
 وترف ضُّ من عين الأرامل أدمع
الاليت يوم العيد لا كان انه
يجدد للمحزون حزنا فيجزع
يرينا سروراً بين حزن
وانما به الحزن جد والسرور تصنُّع
فمن بؤساء الناس فى يوم عيدهم
 نحوس بها وجه المسرة اسفع
قد ابيضَّ وجهُ العيد لكنَّ بؤسهم
 رمى نكتاً سوداً به فهو ابقع
خرجتُ بعيد النحر صبحاً فلاح لي
 مسارحُ للأضداد فيهنَّ مرتع
خرجت وقرص الشمس قد ذرّ شارقا
 ترى النور سيالاً به يتدفع
هى الشمس خَوْدٌ قد أطلَّت مصيخة
على افق العلى تتطلع
كأن تفاريق الأشعة حولها
 على الافق مرخاة ً ذوائب اربع
ولما بدت حمراء أيقنت أنها
بها خجل مما تراه وتسمع
فرحت وراحت ترسل النور ساطعاً
وسرت وسارت فى العُلى تترفَّع
بحيث تسير الناس كل لوجهة
فهذا على رسلٍ وذلك مسرع
 وبعضٌ له أنفٌ أشمٌ من الغنى
وبعض له أنف من الفقر أجدع
 وفى الحيّ مذمار لمشجى نعيره
  غدا الطبل فى دردابه يتقعقع
فجئت وجوف الطبل يرغو وحوله
شباب وولدان عليه تجمعوا
ترى ميعة الاطراب والطبل هادرٌ
 تفيض وفى أسماعهم تتميع
فقد كانت الافراح تفتح بابها
لمن كان حول الطبل والطبل يقرع
وقعت اجيل الطرف فيهم فراعني
 هناك صبى بينهم مُترعرع
صبى صبيح الوجه أسمر شاحب
 نحيف المبانى أدعج العين أنزع
يزين حجاجيه اتساعُ جبينه
 وفى عينيه برق الفطانة يلمع
عليه دريسٌ يعصر اليتم ردنه
 فيقطرُ فقر من حواشيه مُدقِع
يليح بوجهٍ للكآبة فوقهُ
 غبارٌ به هبت من اليتم زعزع
على كثر قرع الطبل تلقاه واجماً
 كأن لم يكن للطبل ثمَّة مَقرع
كأن هدير الطبل يقرع سمعه
 فلم يلف رجعاً للجواب فيرجع
يرد ابتسام الواقفين بحسرة
تكاد لها احشاؤه تتقطع
ويرسل من عينيه نظرة مجهش
 وما هو بالباكى ولا العين تدمع
له رجفة تنتابه وهو واقف
على جانب والطقسبالبرد يلسع
يرى حوله الكاسين من حيث لم يجد
 على البرد من برد به يتلفع
فكان ابتسام القوم كالثلج قارساً
 لدى حسرات منه كالجمر تلذع
فلما شجانى حاله وافزّني
 وقفت وكلِّى مجزع وتوجع
ورحت أعاطيه الحنان بنظرة ِ
 كما راح يرنو العابد المتخشع
وافتح طرفى مشبعاً بتعطف
 فيرتد طرفى وهو بالحزن مُشبَع
هناك على مهل تقدمت نحوه
 وقلت بلطف قول من يتضرع
أيابن أخى من أنت ما اسمك ما الذي
 عراك فلم تفرح فهل انت موجع
فهبَّ أمامى من رقاد وُجومه
كما هبَّ مرعوبُ الجنان المهجِّع
وأعرض عنى بعد نظرة يائس
 وراح ولم ينبسْ الى حيث يهرع
فعقَّبتهُ مستطلعاً طلعَ أمره
على البعد اقفو الاثر منه واتبع
وبيناه ماشٍ حيث قد رحت خلفهُ
 أدبُّ دبيب الشيخ طوراً وأسرع
لمحت على بعد إشارة صاحب
 ينادى أن أرجع وهو بالثوب مُلمع

 معروف الرصافى
 

 




ليلة العيد

يا ليلة العيد ماذا أنت صانعة
 إنى أخاف الجوى يا ليلة العيد
أتقبلين وما لى فيك من أمل
 غير اللياذ بأطياف المواعيد
مضت سنون ومرت أعصرٌ وأنا
 فى ليلة العيد ألهو بالعناقيد
فكيف صارت حياة اليوم مقفرةً
 مقدودة من تجاليد الجلاميد
إن الذين بأمر الحب قد ملكوا
 لم يتقوا الحب فى أسرى وتصفيدي
الكفر فى جهله الطاغى وظلمته
 أخفّ من جهلهم يوما أناشيدي
أشكو إلى الحب ما صارت بثورته
 أيامنا البيض رهن الأعين السود
يا مرسل العيد ما شاءت عواطفهُ
 ولو أراد قضيت العمر فى عيد
العيد بعد غدٍ فيما سمعت فهل
 أراك تؤنس روحى ليلة العيد
إسكندرية دعها دع حماك بها
 مصر الجديدة مأوى الخرّد الغيد
يا خاليَ البال من وجدى ومن شغفي
 ونائماً عن عذاباتى وتسهيدي
لا تجعل العيد فى لألاء نضرته
 يوماً يراع بأحزانٍ وتنكيد
لا تذو بالصد عنه مهجةً ظمئت
 العيد للروح مثل الماء للعود
يا جاهلين ولم أجهل صنائعهم
 فلم يروا من فؤادى غير تحميدي
ما أمركم ما هواكم قد بليت بكم
 بلوى الظماء بنهرٍ غير مورود
قتلتم الحب قتلاً فاتقوا غدكم
 وجاهدوا لوعة المهجور فى العيد
الهجر منى لا منكم ولا عجبٌ
  عند القوى زمام البخل والجود
لم أبك يوماً على نفسى بكيت لكم
 عنكم بشعر كمثل الدر منضود
لا تذكرونى ولا يخطر لكم أبداً
 أنى سأذكركم فى ليلة العيد
لم ينعم الجنّ فى سلطان نشوتهم
 بمثل ما قد نعمنا ليلة العيد
يا ليلة العيد ماذا أنت صانعةٌ
   إنى أخاف الجوى يا ليلة العيد
ليت الذى يخلق الأحلام باسمةً
 كأنها الراح فى أحلام عربيد
يا ليته يرجع الآمال ضاحكةً
 كما مضت فى زمان غير معهود
أيام ألهو بروح لو حفظت لهُ
  عهد الغرام لكان اليوم معبودي
لم يخلق اللَه من حسن يماثله
 غير الوفاء بقلبٍ منه معمود
أزوره بخيالى عند نفرته
 منى فألثم هدبَ الأعين السود
وأقرأ السطر خطّته أناملهُ
  خط المزامر من ألحان داود
فى كل حرف غناءٌ إن أسطرهُ
 سجع الحمائم فوق الأغصن الغيد
يا فوق ما أشتهى يا فوق ما طمحت
 روحى تعال فهذى ليلة العيد
النمل يرشف خطى حين أكتبه
 كالنحل يرشف أسرار العناقيد
لو كان فى صفحة الماضى لنا خبر
 لكنت آية إيمانى وتوحيدى
متى تعود أجب إنى لأحسبني
 أروى الهوى حالماً فى ليلة العيد
يستأسد الحب فى قلبى فأزجره
 لك للسلامة فارجع غير مردود
لو شئت أنشبت نابى فى مقاتلكم
 إنى لكم إن غردتم بالمراصيد
يا غادرين ولم أغدر مضى زمنٌ
 لم تحفظوا فيه أطياف المواعيد
يقول طيف رفيق إن موعدنا
 عصر الثلاثاء أو فى ليلة العيد
العيد بعد غدٍ ما العيد بعد غدٍ
 العيدُ أنتم فدلّونى على عيدي
سئمتُ بهجة أيامى ونضرتها
  أنتم قضيتم بتغريبى وتشريدي
العيد آتٍ وإن القلب منتظرٌ
                                 زكى مبارك
 


عيد بأية حال عدت يا عيد


عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
 بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ
فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ
لَوْلا العُلى لم تجُبْ بى ما أجوبُ بهَا
 وَجْنَاءُ حَرْفٌ وَلا جَرْداءُ قَيْدودُ
وَكَانَ أطيَبَ مِنْ سَيفى مُعانَقَةً
 أشْبَاهُ رَوْنَقِهِ الغِيدُ الأمَاليدُ
لم يَترُكِ الدّهْرُ مِنْ قَلبى وَلا كبدي
 شَيْئاً تُتَيّمُهُ عَينٌ وَلا جِيدُ
يا سَاقِيَيَّ أخَمْرٌ فى كُؤوسكُما
 أمْ فى كُؤوسِكُمَا هَمٌّ وَتَسهيدُ؟
أصَخْرَةٌ أنَا، ما لى لا تُحَرّكُني
 هَذِى المُدامُ وَلا هَذى الأغَارِيدُ
إذا أرَدْتُ كُمَيْتَ اللّوْنِ صَافِيَةً
 وَجَدْتُهَا وَحَبيبُ النّفسِ مَفقُودُ
ماذا لَقيتُ منَ الدّنْيَا وَأعْجَبُهُ  
 أنى بمَا أنَا شاكٍ مِنْهُ مَحْسُودُ
أمْسَيْتُ أرْوَحَ مُثْرٍ خَازِناً وَيَداً  
 أنَا الغَنيّ وَأمْوَالى المَوَاعِيدُ
إنّى نَزَلْتُ بكَذّابِينَ، ضَيْفُهُمُ
  عَنِ القِرَى وَعَنِ الترْحالِ محْدُودُ
جودُ الرّجالِ من الأيدى وَجُودُهُمُ
 منَ اللّسانِ، فَلا كانوا وَلا الجُودُ
ما يَقبضُ المَوْتُ نَفساً من نفوسِهِمُ
 إلاّ وَفى يَدِهِ مِنْ نَتْنِهَا عُودُ
أكُلّمَا اغتَالَ عَبدُ السّوْءِ سَيّدَهُ
 أوْ خَانَهُ فَلَهُ فى مصرَ تَمْهِيدُ
صَارَ الخَصِيّ إمَامَ الآبِقِينَ بِهَا
 فالحُرّ مُسْتَعْبَدٌ وَالعَبْدُ مَعْبُودُ
نَامَتْ نَوَاطِيرُ مِصرٍ عَنْ ثَعَالِبِها
 فَقَدْ بَشِمْنَ وَما تَفنى العَنَاقيدُ
العَبْدُ لَيْسَ لِحُرٍّ صَالِحٍ بأخٍ
  لَوْ أنّهُ فى ثِيَابِ الحُرّ مَوْلُودُ
لا تَشْتَرِ العَبْدَ إلاّ وَالعَصَا مَعَهُ  
 إنّ العَبيدَ لأنْجَاسٌ مَنَاكِيدُ
ما كُنتُ أحْسَبُنى أحْيَا إلى زَمَنٍ
 يُسِيءُ بى فيهِ عَبْدٌ وَهْوَ مَحْمُودُ
ولا تَوَهّمْتُ أنّ النّاسَ قَدْ فُقِدوا
 وَأنّ مِثْلَ أبى البَيْضاءِ مَوْجودُ
وَأنّ ذا الأسْوَدَ المَثْقُوبَ مَشْفَرُهُ
 تُطيعُهُ ذى العَضَاريطُ الرّعاديد
جَوْعانُ يأكُلُ مِنْ زادى وَيُمسِكني
 لكَيْ يُقالَ عَظيمُ القَدرِ مَقْصُودُ
وَيْلُمِّهَا خُطّةً وَيْلُمِّ قَابِلِهَا
                          المتنبى