السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التحليل النفسى لقيادات جماعة الإخوان المسلمين الحداد (الحلقة 8)




كتب: د. على الشامى
المبرراتى
يقول الكاتب والفيلسوف اليونانى نيكوس كازانتاكيس: «ما إن نولد حتى تبدأ محاولاتنا فى أن نخلق ونبتكر أى أن نجعل للمادة حياة»، أى نولد فى كل لحظة، لذا جاهر البعض ولا أبالغ إن قلت إن هدف الكثيرين فى هذه الحياة هو الخلود، فى الأجسام الحية الفانية يتصارع هذان التياران، الصاعد نحو التركيب، نحو الحياة، نحو الخلود، الهابط نحو التحلل، نحو المادة، ويقول «نيكوس» أيضا  فى وصف هذان التياران: «هذين التيارين  كلاهما مقدس»، إلى هنا انتهى كلام كازانتاكيس، ويقول الطبيب النفسى والمفكر النمساوى الشهير سيجموند فرويد: «إن الإنسان يحمل داخله – أى فى النفس اللا واعية – رغبتين إحداهما  هى رغبة البناء، ودعاها «الإيروس»، والأخرى رغبة الهدم وسماها «الثانتوس»،  وفى بدء مشروعه العلمى أكد سيجموند فرويد أن الإنسان تحركه الدوافع طبقا لغرائزه الجنسية فقط، تعرض بعدها لانتقادات شديدة ورفض أشد فى الأوساط العلمية والطبية أجبرته على تعديل آرائه فى نهاية حياته إلى مفهوم أقل حدة، وهو أن الجنس هنا المقصود به كل صور البناء والحياة، وأن العدوان والتدمير المقصود به كل الصور السلبية والهدم والرذائل حتى المعنوية منها، بل خصوصا المعنوية منها والتى يمكن أن تندرج تحت هذا اللواء.
 
وفى الفترة الأخيرة ابتليت بلادنا ليس فقط بطوفان من النوع الثانى الهدمى والتدميرى، بل وبتمكن هذا الطوفان لفترة من مقدرات البلاد ومفاصلها، هذا الطوفان هو جماعة الإخوان الإرهابية، أما الابتلاء فهو مشروعها المقصود به التمكين لها فى جميع أرجاء الدولة المصرية، فيما عرف إعلاميا بمشروع «الأخونة»، وقامت على هذا المشروع الخطير الغريب عن مصر مجموعة من الشخصيات أغرقت البلاد فى فوضى لا مثيل لها، حتى لفظت مصر شعبيا هذا الكيان الإرهابى الغريب النبت، ونحن نهدف هنا بالأساس لمحاولة فهم ما يدور فى نفوسهم، وبعض الديناميكيات لهذه الشخصيات التى تقود الجماعة الإرهابية، نتساءل: ما التكوين النفسى لهذه الشخصيات؟ هل هى شخصيات سوية أم بها خلل ما؟ سنحاول جاهدين بلا إفراط و لا تفريط  أن نوغل برفق فى تحليل نفسى بسيط لهذه الشخصيات، والتى ظلت طوال عام كامل من حكم الإخوان تطل على الساحة تحت الأضواء حتى أفول نجم الجماعة، فضلا عن سيطرتها على مقاليد الأمور بالدولة بعد ثورة 30 يونيو.
حديثنا هذه المرة بالتحديد ذو خصوصية بالغة، تكمن خصوصية تلك الشخصية فى كونه ليس فقط أحد القياديين الكبار داخل الجماعة، بل فى أنه أيضا المتحدث الرسمى للإخوان فى وسائل الإعلام العربية والغربية بالطبع، أو لنقل كان صوت التشويه للحقائق الذى أطلقه الإخوان فى كل الإذاعات العالمية، أى انه من الممكن القول بأنه هو «بوق» الإخوان فى زمن غاية فى الحساسية والخصوصية، بحكم طبيعة دور الإعلام كسلاح فتاك فى هذا الزمن، وبحكم طبيعة الأحداث التى يمر بها الإخوان وتصدع مشروعهم وانتهاء فترة حكمهم القصيرة، التى تجر خلفها كل الآمال والأحلام التى عقدت طوال ما يزيد ثمانين عاماً هى فترة المشروع المؤسس - رسميا - على يد حسن البنا فى العام 1928.
حديثنا اليوم عن المتحدث الرسمى باسم الإخوان، جهاد الحداد.
جهاد الحداد هو أحد أبناء عصام الحداد، أحد قياديى جماعة الإخوان ومستشار الرئيس السابق مرسى، وهذا الأمر بالمناسبة يفتح الباب لحديث لاحق عن شباب الجماعة ودورهم - ربما - الأشد عنفا فى توجيه الجماعة وتوجهها، فــ«الحداد» هو المتحدث الرسمى لجماعة الإخوان، أى أنه البوق الإعلامى للجماعة وقد وصفته بداية فى عنوان المقال بــ«المبرراتى»، لم أكن أعنى بذلك الوصف العام الذى يستخدمه الناس فى تعاملاتهم اليومية الشائعة، وإنما عنيت به السلوك النفسى الذى يقف خلف هذه الكلمة بشكل مباشر، أو هذا الوصف، تحدثنا سابقا عن نظرية التحليل النفسى ومكوناتها فالشخصية- أى شخصية- تتعرض لصراع دائم بين الغرائز أو الرغبات البدائية المتحررة والملقبة طبقا للنظرية بــ«الهو» هذا من جانب وبين مجموعة القيم والمثل العليا الممثلة فى السلطة الأبوية أو مجموعة القوانين أو منظومة الضمير من جانب آخر، وبين هذين الطرفين تكاد «الأنا» - أى الذات - تنسحق، وبدلا من الانسحاق وبديلا عن الزوال تحاول «الأنا» إيجاد سبل للخروج من المأزق، وتسمى بالحيل الدفاعية وهى حيل توافقية تحاول بها «الأنا» الاستمرار فى الحياة والتوافق مع الصراع الناشئ بين الغريزة والقانون وعدم الانسحاق بينهما فضلا عن تقليل القلق الناتج عن هذا الصراع.
أحد أهم هذه الحيل الدفاعية هى «الإزاحة»، ويشترط لكى نصف الإزاحة بأنها حيلة دفاعية أن تحدث على مستوى اللاوعى، أى ألا يكون الشخص واعيا بحدوثها، فنجد الحداد الابن يؤكد أن الجيش يقوم بالهجوم على المتظاهرين السلميين وتفريق تجمعهم عقب 30 يونيو، وهو ما فعله مرسى وأنصاره بالمعارضين له عند قصر الاتحادية، فى أمر يمكن تلخيصه بالمثل الشعبى، تلك «اللى تبليك وتجيب اللى فيها فيك».
تحدثنا أيضا فى السابق عن ملمح مهم وهو طبيعة الشخصية الإخوانية بشكل عام وتناولنا الملامح الرئيسية للشخصية «السيكوباتية» وهى الملامح المؤسسة لهدم المجتمع والعداء له وتدميره بكل أطرافه وأطيافه وقيمه فضلا عن أفراده أنفسهم،  تناولنا أيضا أن الإنسان لديه تياران يسيران جنبا إلى جنب، تيار يدفع فى اتجاه الفضائل أو الحياة أو لنقل البناء، والآخر يدفع فى اتجاه الرذائل والهدم والتدمير للذات قبل المجتمع المحيط وهو التيار المسيطر على جماعة الإخوان، فما بالك بالمتحدث الرسمى ولسان حالها وبوقها الإعلامى الذى يدفع ويصدر هذه المعتقدات، وإن تخفت خلف حيل دفاعية تكشف بالفحص والتحليل.
وضع الشخصية الاخوانية كشخصية «بارانوية» بكل صفاتها الاستعلائية المنفصلة عن الواقع بحقائقه والعائشة فى الخيال بأوهامه وضلالاته وإنكارها للواقع ألقى بظلال وافرة على شخصية اليوم «بوق الإخوان» جهاد الحداد، فمثلا نجد الحداد الابن يخاطب وكالات الإعلام والصحف العالمية بطرق شرعية وغير شرعية ويؤكد لهم رفض مرسى استخدام العنف فى فترة حكمه فى حين أن الفيديوهات والبلاغات المقدمة تفضح كم العنف الرهيب من قبل أنصار الجماعة، أتحدث هنا عن العنف الجسدى واللفظى، ناهيك عن عنف معنوى ناشئ عن سوء استخدام السلطة، وفى هذا حدث ولا حرج أيضا، يقول الحداد فى احد بياناته العديدة التى صدع بها رءوسنا على شاشة إحدى القنوات الإخبارية المزيفة للواقع أن الرئيس قادم وأن الأيام المقبلة ستشهد انتصار الثورة على الانقلاب! وتتعجب حين تجد احدهم - من أعضاء الجماعة - يقول لك إن ما حدث انقلاب وان مرسى «راجع»! فإذا كان المتحدث باسم الجماعة منكر فشيمة أعضاء الجماعة «التطبيل»، ناهيك هنا عن الاستعانة بقوى أجنبية للتدخل المباشر واستعدائها على البلاد والشعب وهو أيضا ما يدخل فى إطار الإزاحة كحيلة دفاعية كما ذكرنا سابقا: «تبليك وتجيب اللى فيها فيك».
يحاول الحداد - كمتحدث بلسان حال الجماعة - أن يبرر كل الأفعال، فما قام به مرسى من عنف لصالح البلاد ضد مؤامرة، أما إذا استخدمت القوات العنف المشروع فإن ذلك يعتبر اضطهاداً للإخوان، وإذا ضغطت عليه أثناء حديثك قليلا شأنه فى ذلك شأن باقى أفراد الجماعة فإنه يعمد إلى «الإزاحة» - أى أننا لم نفعل ذلك وإنما فعله الجيش!- وعندما تعرض له فيديو يؤكد حديثك فانك تصدم فورا بقوله «محصلش»، منكرا على مستوى اللاوعى قبل الوعى ما حدث، وهى أمور تندرج كلها تحت بند «التبرير» الذى احترفه الحداد كوجه إعلامي، والإنكار يلجأ إليه أفراد الجماعة عند «الزنقة» وغيرها، ليست سوى حيل دفاعية لمنع انسحاق الذات، فقل لى إذن بالله عليك كيف يعيش شخص يجد كل ما آمن به وتربى عليه واخلص له وتفانى وربما كاد يموت من اجله محض وهم إذا لم يلجأ لهذه الحيل؟ وكيف نتعجب إذا وجدنا شخصاً يصر على ذلك ولا نتعجب من أنفسنا من أننا لا نريد أن نؤمن إن هؤلاء الجمع الخارج عن الشعب قد فقد كل شيء ببساطة فإما أن ينسحق أو يهذى بضلالاته التى تؤدى فى النهاية إلى رغبة عارمة فى تدمير كيان كبير، هو البلد الذى نحيا به، ومع ذلك نجد أنه ما زالت هناك أصوات تدعو إلى ما يدعى المصالحة.. أقول لهم: أفيقوا يرحمكم الله.