الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بعد حصوله على جائزة «متحف الكلمة» بإسبانيا عن قصة «عين».. طارق إمام: نحترم آراء الأجيال السابقة فى أعمالنا... لكنها ليست صك مرورنا إلى عالم الأدب




فوزه بجائزه «متحف الكلمة» الإسبانية Museo de la Palabra فى القصة القصيرة عن قصته «عين» التى لم تتجاوز مائة كلمة، ليس المرة الاولى التى يفور بها الروائى والقاص الشاب طارق إمام بجائزة، فهو منذ بداية مشوار الأدبى يرافقه النجاح والجوائز المحلية والعالمية، وقبل سفره لاستلام الجائزة، المقرر له شهر نوفمبر، تزامنا مع اليوم العالمى للكلمة، وقبل وصوله القصر الملكى الإسبانى بمدريد لاستلام الجائزة من الملك خوان كارلوس ملك إسبانيا، كان لنا معه هذا الحوار:
 

 
■حدثنا عن مسابقة متحف الكلمة وعن مشاركتك فيها؟
- علمت عن طريق أحد أصدقائى المقربين من الوسط الثقافى أنها مسابقة مهمة تخطى باهتمام أدباء العالم العربى والأوروبى وحققت صدى وشهرة، وبدأت فى متابعتها وهذه هى الدورة الثالثة للمسابقة لمتحف الكلمة، تشترط المسابقة ان يقدم المتسابق قصتين لا تتعدى عدد كلمات كل قصة 100 كلمة، وقررت ان اتقدم بقصة واحدة هى قصة «عين»، تقدم للمسابقه 23 ألفا و571 قصة قصيرة من 119 دولة، وتنظم على مستوى خمس لغات عالمية: الإسبانية والإنجليزية والعربية والفرنسية العبرية، وعندما علمت بوصول 300 قصة للتصفية النهائية علمت إلى أى مدى ستكون المنافسة قوية، وجاءت النتيجة انى من الفائزين، وبالتأكيد سعادتى وفرحتى كبيرة جدا.

■ هل كتبت قصة «عين» خصصيا للمشاركة فى مسابقة متحف الكلمة؟
- لم اكتب من اجل الحصول على جائزة او اكتب عن مناسبة او حتى عن أحداث موجودة، الكتابات عن الاحداث او المناسبات سوف ينتهى تأثيرها بمجرد انتهاء الحدث او المناسبة، انا بشكل شخصى لست مع تحويل اللحظة السياسية او الحدث لفعل أدبى، الفعل الأدبى الابداعى المميز والحقيقى يستمر تأثيره على القارئ والمتلقى، واستمرارية التأثير هى أحد معاير نجاح العمل ومصداقيته.
الروائى له رؤية خاصة وهو قراءة الواقع روائياً، وقد قررت منذ البداية ان اكتب بشكل منتظم والتزام، وأرى ان الكتابة «حرفه ومهنة «وليست مجرد انتظار الالهام، فأنا ملتزم بمشروعى الأدبى ويحتاج منى إلى العمل المستمر والمتواصل وأجد سعادتى بين أوراقى وشخصياتى.

■ من أين استوحيت فكرة قصة «عين»؟
- أنا من البداية اكتب هذا اللون من القصة وهو القصة القصيرة جدا عندما كتبت قصة «عين»، كنت متأثرا بما يحدث اثناء الثوره فقدان الشباب للعيون عن طريق قناص العيون، وفقدان العيون يشغلنى اكثر من الموت، لأن شابا سوف يعيش حياته بدون بصر، أثناء سيرى فى الشارع جاءنى حلم يقظة وتساؤلات مستمرة طرحت نفسها بداخلى، ماذا أفعل لو وجدت عين ملقاة على الأرض؟ هل اعطيها لمن يحتاجها، ولمن اعطيها فهم كثيرون، وإذا اعطيتها، هل هذه العين مازلت عين تبصر، البطل فى الرواية هو العين، كتبت هذه القصة واعطيتها بعدا إنسانيا يستطيع ان يدركها ويحسها كل من يقرؤها، وذكرت فى القصة كلمة «القاهرة» لتميز الظرف المكانى لأنها قاهرتى وهذا التخصيص جزء من خصوصية القصة.

■ 100 كلمة حصلت بها على جائزة عالمية أرصد لنا الـ100 كلمة؟
- ان تختزل الشخصيات وأبطال رواية فى عدد كلمات محدودة فهذا بالتأكيد ليس سهلاً القصة.. (ذات مرة، وجدت عيناً ملقاة فى أحد الشوارع، حقيقية حتى إننى عندما انحنيت والتقطتها برفق تلمستُ دموعَها. كانت لا تزال قادرة على النظر، عين تختلف بالتأكيد عن تلك العيون المصفاة المتناثرة على أرصفة القاهرة،  ظللت أحملها بحرص كى لا أفقأها، باحثاً عن شخصٍ أهديها له كنت أسترق النظر إليها، فأراها تتأمل المدينة مهزومة، دون وجه يرى بها، دون جارةٍ تشاركها النظر. فى النهاية وكانت كفى الحريصة المثقلة بها أتعبتنى اعتصرتُها بعنف، حتى شعرت بالدنيا تظلم أمامه  فى ذلك اليوم بالذات، قابلتُ أشخاصاً  كثيرين فقدوا كل شىء، إلا عيونهم، وفقط فى البيت، تذكرت أننى ذات يوم، فقدت عيناً).

■  تستخدم اللغة الشعرية فى كتابتك، والبطل شاعر، لماذا اخترت اللغة الشعرية والشعراء ليكون أبطال أعمالك؟
- العالم الروائى يجلب معه مناخاته وشروطه ويخلق لغته أيضاً، ليست اللغة الروائية قالباً يصب فيه الروائى حكايته، بل الحكاية هى من تقترح وتخلق اللغة المناسبة لأطوارها. وفى «ضريح أبي» انطلقت من فكرة وراقبتها وهى تطرح ظلالها المختلفة سواء فى طبيعة العالم الروائى أو لغته، ومن هنا جاءت أيضاً المستويات اللغوية للرواية، بين الاستفادة من اللغة الصوفية القادمة من طبيعة العالم المحكي، ومحاكاة طرائق الحكى الشفاهى الخرافى التى فرضتها أيضاً بعض المناطق فى الرواية.. فضلاً عن اللغة التى يمكن أن يتحدث بها شخص ميت هو الولى وهو يرقب العالم من بين جدران ضريحه. القالب الجاهز هو ما يقتل العالم الروائي، كأن تنطلق من لغة جاهزة أو من تصور جاهز.. دع العالم المحكى يفصح عن إمكاناته ويخلق لغته داخل معمارك. وفى نهاية المطاف، الأفق الشعرى جزء من رؤيتك لما تستطع الحكاية طرحه من ظلال.. لا وجود للغة شعرية من حيث المبدأ وأخرى غير شعرية.. توظيف اللغة هو ما يفجر إمكاناتها وقدرتها على الإيحاء وهذا هو العنصر الشعرى فى معناه الأعمق وهو ما أتمناه لسردي.. جوهر الشعر، فى ظني، أنه عصى على التلخيص.


■ روايتك «ضريح أبى» طرحت فيها الجدل حول الموروث الشعبى والاضرحة والتشدد الدينى وصدرت فى فترة حكم الإخوان المسلمين، حدثنا عن الرواية ومضمونها وإشكالياتها الثقافية والفكرية؟

- العالم الروائى فى «ضريح أبي» قائم بالأساس على سؤال الموروث، والخيال فى الرواية نابع من أعماق هذا الموروث ومتسق معه، بالتالى فالخيال جزء من واقع هذه الرواية وليس عنصراً دخيلاً عليه أو حالة طارئة على العالم، وإن كانت الغرائبية سمة مميزة لعالمى الروائي، فهذا له علاقة برؤيتى الفنية وتصورى عن الوجود، كسؤال ملتبس لا يقل فيه حضور الوهم أو «التصور» عن الحضور الحسى المباشر للموجودات، إنها طريقة أولاً فى تلقى العالم ومن ثم إعادة إنتاجه أو مساءلته فنياً. أعتقد أن رواياتى تحاول قراءة الوجود بالحدس، وهذه إحدى أهم الآليات التى لا يمكن لمجال أن يزاحم فيها الفننحن كبشر نحلم، أليس الحلم جزءاً من عالمنا اليومي؟ لماذا نكره فى الكتابة إذاً فكرة الرواية الرئيسة ومسودتها الأولى كُتبتا بالكامل قبل اندلاع ثورة يناير... وبالتالى فالرواية ليست رد فعل لحظى على حكم «الإخوان»... ولا تنسى أن سؤال الأصولية الدينية كان قائماً فى مصر قبل صعود التيارات الدينية إلى السلطة. فيما يخص الاهتمام بالمحيط المجتمعي، المشكلة فى ظنى هى كيفية طرح ذلك بشكل جديد ومختلف. الرواية الواقعية التقليدية ونقادها المدرسيون أرسوا، للأسف، نموذجاً صار الخروج عليه فى كثير من الأحيان خيانة للرسالة الاجتماعية وللدور الاجتماعى للأدب... وهذا غير صحيح. ولو تحدثت عن أعمالى مثلاً، فقد التفتت رواية مثل «هدوء القتلة» للمحيط الاجتماعى وكذلك فعلت «الأرملة تكتب الخطابات سراً» وغيرهما، لكن بما لا يجعل من النص الأدبى منشوراً دعائياً، أو هكذا طمحت.

 ■ فى روايتك «ضريح أبى» شخصية مقرئة القرآن «امرأة» ووصفتها بأنها ملتحية، ماذا تقصد بمنح المرأة وظيفة ذكورية؟
- بالتأكيد هى شخصية قادمة من الخيال. كنت أريد أن أطرح سطوة الذكورة فى الخطاب الدينى الأصولى حتى إن المرأة نفسها يمكن أن تفقد ماهيتها بالتدريج لتتحول إلى ذكر مكتمل فى نهاية المطاف.. ففى العالم الذكوري، خاصة عندما يتصل بخطاب مقدس، يجب أن يتحول الجميع إلى ذكور.

■ صدر لك 9 أعمال أدبية أسلوبك كان أقرب إلى الفانتازيا ولكنك فى روايتك الأخيرة «ضريح أبي» تغير أسلوبك، ألا تعتقد أن ثبات الأسلوب يميز الكتاب؟
- كل عمل أدبى روائى يفرض اسلوبه ولغته، وعلى الروائى ان يفاجى نفسه بما يكتبه قبل ان يفاجئ المتلقى بالاسلوب، وتغير الاسلوب لا يعنى خيانة الروائى لشىء اصيل بداخله الأسلوب هو الطريقة المثلى لتوصيل فكرة مثل طريقة الفلاش باك مجرد اسلوب، كل رواية تخلق اسلوبها وتطرح تساؤلاتها، ولكن ليس معنى تغيير الأسلوب ان يشعر القارئ انه فى كل رواية كأنه يقرأ لروائى آخر غير نفس الروائى، التغير هو تغير زوايا العمل الروائى ومساحة الخيال، وهذه الزوايا تتطلب طرح شكلا آخر فى الأساليب اللغوية والمعالجة الدرامية، ونحن جيل يفضل الكتابة الجديدة التى انتصر فيها الخيال.

■ ماذا تقصد بالكتابة الجديدة، وما هى الكتابة القديمة من وجهة نظرك؟

- الكتابة القديمة كتابة تبع النسق والسياق المعايير التقليدية الثابتة والقوالب الجامدة الجافة كتابة تتعامل مع الواقع بشكل مباشر وفج واقرب إلى التسجيلى الرواية ليست فناً سردياً، كتابة يدعى أصحابها أنهم يملكون حلول للقضايا، وأن لديهم استشراقا بالقادم ويمكن التنبؤ بالاحداث مثلما فعل البعض فى كتابتهم عن الثورة، رغم ان الرواية صدرت بعد الثورة! فهل قدمت النخبة حلول فى أعمالهم الأديبة او حتى مقترحات، سقف الكتابة القديمة محكوم جدا وكأنهم كانوا يكتبون فى غرفة مغلقة، انما بعض الكتاب الكبار كتبوا بلغة جديدة وحطموا كل القوالب نجحت أعمالهم وسوف تستمر إلى الأجيال القادمة مثل خيرى شلبى إبراهيم آصلان جمال الغيطانى وغيرهم.

 اقصد بالكتابة الجديدة أن نذهب بالواقع إلى عالم الفانتزيا والخيال، فى الكتابة الجديدة ترابط بين الأساليب مثل تضافر ونسج اللغة الشعرية فى الرواية، وبالتالى تتغير المنظمومة النقدية فى نقد الرواية الجديدة، الكتابة الجديدة أخذت حقها من النشر والشهرة، بدليل حصول أبناء جيلى من الشباب على جوائز، وهذه الكتابة لفت نظر كتاب الكتابة القديمة، وهذا يؤكد مصداقية وقيمة ما نقدمه، نحن نحترم رأى الأجيال السابقة فى أعمالنا ونقدرها، ولكن آرائهم ليست صك مرور إلى عالم الأدب، نحن جيل يريد الاستقلالية، الفعل الابداعى يريد الاستقلالية عن كل القيود، الاستقلال الفكرى والمهنى، والاستقلال عن المؤسسات الرسمية، إلا أن دور وزارة الثقافة فى نشر الكتب بأسعار رمزية هذا الدور مهم جدا مثل مشروع مكتبة الاسرة، لأنها تقدم كتب بأسعار مناسبة للقارئ، ولكنى بشكل شخصى مع إلغاء وزارة الثقافة وانهاء منظمومة الفكر الشمولى.