الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مذكرات المخلوع .. سقطت على الأرض 11 فبراير بعد دعوة الناس الله للانتقام منى




يسرد الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى هذا الجزء من مذكراته التى تعيد «روزاليوسف» نشرها بناء على رغبة القراء تفاصيل الأيام الاخيرة له فى الحكم منذ اندلاع ثورة 25 يناير حتى تنحيه فى يوم 11 فبراير 2011.
 
ويكشف مبارك عن الدور الذى مارسته إسرائيل فى هذه الفترة حيث عرضت عليه الهروب إليها وأسرته عبر ميناء إيلات، ويتحدث المخلوع أيضا عن رجال نظامه وعلى رأسهم وزير داخليته حبيب العادلى الذى اتهمه بأنه وراء كل ما حدث فى مصر خلال السنوات الماضية.
 
 
وفى الأجزاء الأخيرة من مذكرات مبارك يستوقف القارئ لها جملة شديدة التأثير كتبها بعد أن وعى ما يدور حوله بعد فوات الأوان يقول فيها: حدثت فى حياتى معجزتان لم أفهمهما فى الوقت المناسب أولاهما عندما استيقظت صباح الثلاثاء 6 أكتوبر 1981 وأنا نائب الرئيس وفى المساء كنت «الرئيس» أحكم مصر ثم تكرر المشهد بالعكس ففى أول فبراير 2011 كنت أنا «الرئيس» وبعدها بأسابيع سجينا فى غرفة صغيرة بمستشفى شرم الشيخ الدولى التى بنيت بأمرى.
ثم يسرد مبارك ذكريات يوم التنحى فى 11 فبراير ويحكى أنه عقب صلاة الجمعة فى هذا اليوم أخذ الناس فى ميدان التحرير يدعون عليه جماعة ويتضرعون الى الله أن ينتقم منه لهم.
 
ويقول مبارك إنه شعر لأول مرة فى حياته منذ أن أصبح الرئيس بالخوف وأن الأرض كانت تزلزل من تحت أقدامه حتى إنه سقط وهو يتابع التليفزيون على أقرب كرسى منه إلا أن نجله علاء لحق به قبل أن يسقط على الأرض.
 
 
أما زوجته سوزان فكانت تجلس لتتابع معه المشهد وتضع رأسها بين يدها وجسدها يرتعد بشدة بينما وقف بجانبها فى حين جمال يربت على كتفيها قائلا: «لا تخافى يا ماما خير إن شاء الله» فى حين كان علاء طيلة الوقت ينظر إلى أخيه جمال قائلا له «ليه بس كده» وكأنه يتهم أخاه بالتسبب فيما وقع للأسرة.
 
 
ويحكى مبارك أنه تدخل فى الحديث قائلا: إنها مشيئة الله ولا يجدى فى الموقف إلا أن ننتظر أمر الله. إلا أن سوزان كانت تهذى بجمل وكلمات غير مفهومة وكانت تتساءل دون تحديد نظرها لاحد «هنعمل إيه وهنروح فين» فتدخل مبارك وقال لها: لن نترك مصر لأى سبب سنبقى فيها وإذا رغبتم فى المغادرة مازال يمكنكم فرفضوا وبقوا معه.
 
وقال مبارك إن الناس كانت تقف تحاصر قصر الرئاسة بمصر الجديدة وأن من حوله أطلعوه أن الوضع خطير لأن الناس مازالت تتجمع بالآلاف وهم عازمون على الدخول للقصر وطلبت حراسته قرارا فوريا للتعامل مع الثوار فقرر مبارك أن يغادر فورا، ويوضح أنه طلب من الاسرة أن تذهب لتجمع ما يرونه من احتياجات سريعة فذهب كل منهم لمكان بينما سمع هو صوت طائرة هليوكوبتر هبطت داخل ساحة القصر الرئيسية فنزل يركض للطائرة ولم يأخذ معه أى شىء.
 
 
ويعود مبارك ليكشف مفاجأة جديدة حيث أكد أنه تحدث هاتفيا عدة مرات مع صديقه الاسرائيلى ومستشاره الشخصى بنيامين بن إليعازر عن الاحداث بداية من 25 يناير أول يوم للثورة وقال يومها لـ«بن إليعازر» إن مصر ليست مثل تونس وأن الوضع مستقر لكنه شعر يوما بعد يوم بالاحراج الشديد وكشف لصديقه الاسرائيلى قصة الفخ الذى نصبه له البيت الابيض وتخلى الرئيس الأمريكى باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلارى كلينتون عنه.
 
ويحكى مبارك أن سوزان كانت تسأله أن يطلب من إسرائيل المساعدة وأنها قامت بنفسها بالتحدث مع عدة زعماء فى أوروبا إلا أنهم تهربوا منها مما تسبب فى تدهور حالتها بعد أن كانت متماسكة فى أول خمسة أيام للثورة حيث كان من حولها بالقصر يقنعونها أن ما يحدث سينتهى لكنها بدأت تعى ما يدور بداية من مساء يوم الاحد 30 يناير ليصاب فكرها بالشلل وشاهدها مبارك فى هذه الحالة لأول مرة فى حياته.
 
 
وفى فقرة كاملة يكشف مبارك موقف الجيش المصرى منذ اللحظة الاولى للثورة قائلا: أشعر بسذاجة من يشكك فى الجيش المصرى فلم يكن معى من أول لحظة بل وقف مع الشعب دون رئيسه وأن المشير محمد حسين طنطاوى أعلن لى صراحة أنه لن يواجه الشعب مهما كانت الظروف وأنه سيقف محايدا ولن يتدخل فى معارك الشوارع وسيعمل على حماية الثوار فى التحرير مهما كلفه الأمر.
 
 
وأضاف مبارك: طنطاوى أراد القبض على العادلى منذ أول يوم للثورة وكان سينفذ القرار بعد ساعات قليلة لولا انسحاب العادلى وقال مبارك إنه أبلغ العادلى بقرار اقالته فى مساء 28 يناير ليحتمى برجاله فى مبنى وزارة الداخلية بعد أن تلقى الاتصال عبر الهاتف الرئاسى ذى الارقام الأربعة الذى كان لا يزال يعمل.
 
ويعترف مبارك بأنه يشعر بتأنيب شديد للضمير مما تسبب به لحفيديه عمر علاء وفريدة جمال
مؤكدا أنه كتب تلك المذكرات وفى مقدمتها إهداء إلى أرواح شهداء ثورة 25 يناير ولحفيديه.
 
 
وفى جزء خاص برحلة علاجه بمستشفى هايدلبرج التى بدأت فى مارس 2010 قال مبارك إنه عندما يعود بالذاكرة لذلك اليوم يجد أن أهم قرار كان يجب أن يتخذه فور شفائه يومها هو قرار تنحيه طواعية عن الحكم ويوضح أنه فكر فى مساء السبت 6 مارس عقب خروجه من غرفة العمليات وافاقته من التخدير إعلان التنحى لكن الظروف حالت دون ذلك ووجد نفسه يطلب سيدة ألمانية تدعى «أنيت توفس» كانت تعمل متحدثة رسمية باسم المستشفى العالمى الكبير ويقول لها أن تلقى بيانا للصحافة حتى يصل الى القاهرة ليطمئن الشعب المصرى على صحته وهو ما فعلته تلك المتحدثة طبقا لتعليماته.
 
وبعدها ينتقل مبارك ليكشف حقيقة علاقاته مع البابا شنودة مؤكدا أنه كان يحترمه ويقدره حينما كان البابا يباركه ويمنحه البركة كلما طلب منه، ويحكى مبارك أنه كان متسامحا على حد تعبيره وأنه كان يحافظ على احترام شيخ الأزهر ويبجله، كما كان صديقا للحاخام الاكبر لليهود عوفاديا يوسف ويعترف أن الحاخام الاسرائيلى كان يكتب له خطابات رؤياه لحياة مبارك وكان يبشره بأشياء تحقق منها الكثير فى الوقع بشكل جعل مبارك وزوجته سوزان يطلبان من «عوفاديا» الرؤية من وقت لآخر.
 
 
واعترف مبارك بأنه وأسرته حصلوا على بركة الحاخام الاسرائيلى الذى كان يصلى لهم فى التليفون فى أذن كل فرد منهم من وقت لآخر.
 
 
ويفجر مبارك مفاجأة من العيار الثقيل كاشفا ان الحاخام الاسرائيلى منحه لقب «منقذ العالم» اليهودى الشهير وهو أعلى وصف دينى يمكن أن يحصل عليه شخص غير يهودى فى العالم.
 
 
كما يتحدث مبارك فى المذكرات على عجالة عن الشيخ متولى الشعراوى ويذكر أنه كان رجلا حكيما لكنه كان سياسيا من الدرجة الاولى حيث كان حديثه دائما يحتمل معانى كثيرة فسرتها تقارير مباحث أمن الدولة وأنه كان يعلم أن نظامه لا يحب الشيخ الشعراوى الذى صرح مرات عديدة فى لقاءاته بأنه ضد مبارك وحكمه.
 
 
وعن الإخوان المسلمين قال مبارك فى فصل كامل من مذكراته اطلق عليه اسم «أنا والإخوان» إنه أصيب بعدوى عداء الجماعة الذى انتقل إليه ممن سبقوه فى حكم مصر فيذكر أن السادات هو الاخر اصيب بذات العدوى من الرئيس جمال عبدالناصر، وقال إنه حمى زعماء الجماعة عدة مرات من بطش وزير داخليته وجهازه الامنى الشرس حيث كان العادلى يخطط للتخلص منهم عن طريق خطة موسعة لتصفيتهم جسديا ويؤكد مبارك انه وقف امام تلك الخطة الدموية التى كانت تساندها الولايات المتحدة نفسها ودول أوروبية أخرى فضل عدم ذكر اسمائها قائلا: «لولا وقوفى بجانبهم لقتلهم العادلى واحدا تلو الآخر».
 
ويكشف مبارك أنه منع حوادث كانت ستقع لعدد من قيادات الجماعة قبل حدوثها بساعات قليلة وأنه أمر العادلى بوقف أى نشاط دموى ضد الجماعة بعد أن خطط لهم خطة اطلق عليها «التكسيح» هدفت لشل الجماعة تماما وكان من خطوات تلك الخطة ما حدث من مصادرات لاموال الجماعة لتجفيف مصادر تمويلهم ويؤكد مبارك أن الجماعة كانت طيلة الوقت تسعى للسلطة بكل قوتها ولم تكن جماعة دعوية دينية كما قالت عن نفسها.
 
 
ويعود مبارك للحديث عن أيام ما قبل التنحى قائلا: إن السعودية منحته عرضا ملكيا رسميا للجوء إليها مع اسرته يوم 10 فبراير 2011 وأن هناك شخصيات رفيعة فى مصر ضغطت عليه بل توسلت إليه للرحيل حيث كانت طائرة خاصة فى انتظاره بمطار شرم الشيخ مساء يوم التنحى الموافق الجمعة 11 فبراير لنقله مع الاسرة لقاعدة «تبوك» العسكرية السعودية المطلة على البحر الاحمر ومدخل خليج العقبة إلا أنه لم يوافق على الهروب مع أن الطائرة حصلت على الاذن بالهبوط فى قاعدة «تبوك» التى تبعد مسافة 20 دقيقة جوا من مطار شرم الشيخ الدولى.
 
 
ويكشف مبارك أنه طلب من «أحمد أبوالغيط» وزير خارجيته الاخير فى أول أيام الثورة ان يحاول كسب اطول وقت ممكن للمناورة الدولية كى تهدأ الاحداث لكن الامور ساءت وخرجت عن السيطرة فى الداخل والخارج حيث أخبره أبوالغيط بأن العالم كله تخلى عنه وطالبه بالتنحى فورا.
 
كما يعود مبارك بعد ذلك الى العادلى ويحكى تفصيلا عنه وعن علمه بوجود ملفات عديدة تدين العادلى حصل عليها من مصادر عدة لكنه كان مضطرا للابقاء عليه لانه تحكم فى خيوط الامن كلها، وأضاف مبارك أنه كان يخشى فى أعوام حكمه الاخيرة من المشاكل الداخلية حتى إنه شهد بأن اجهزة أمن أمريكية وأوروبية كبيرة حذرته عدة مرات من العادلى لدرجة أن المخابرات المركزية الامريكية أطلعته على معلومات لديها تفيد بأن العادلى يمكنه الانقلاب على الحكم، أما جهاز المخابرات الفرنسى فأطلع مبارك على أن العادلى سيطر على رأس جمال مبارك تماما.
 
وذكر مبارك أن علاء كان يشمئز من العادلى ويرفض الجلوس معه ويتحجج وكان لا يلجأ إليه الا عند الضرورة القصوى أما سوزان فكانت تتعامل مع العادلى بشكل يومى فى تنفيذ المشروعات التى كانت تنفذها وأن علاء كان يطلب منها داخل الاسرة علانية عدم التعاون مع العادلى.
مبارك نسب الى العادلى تقريبا كل ما جرى لنظامه بما فى ذلك الانهيار الاخيرة قائلا: كان العادلى رئيسا للجمهورية لمدة ثلاثة أيام كانت الاخطر والأهم فى حياتى وحياة اسرتى وهى الفترة من 25 يناير إلى عصر 28 يناير 2011.
 
 
وقال مبارك إنه لولا نزول الجيش للشارع يوم جمعة الغضب 28 يناير لنهبت مصر فى 24 ساعة مؤكدا أنه طلب من المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى هذا اليوم النزول لتسلم المسئولية وحماية الشعب.
 
 
ولأول مرة يكشف مبارك انه كان قد عرف أن تلك هى نهاية حكمه قائلا: عندما شاهدت أخبار الـ«سى إن إن» وما تناقلته الشبكات الاخرى وعلمت بهول ما حدث تيقنت أنها النهاية.
وعن رموز نظامه حكى مبارك انه لم يكن يتخيل أن الثقة التى وضعها فى رجال النظام كان يمكن أن تجعل منهم كما اسماهم «تشكيلا عصابيا» قائلا: كنت أتفهم ان الفساد شخص واحد أو على الاكثر شخصان لكن أن تكون 90٪ من الوزارة فاسدة كان أكبر من استيعابى.
 
 
وأضاف مبارك: أنا أكثر الرجال فى التاريخ الحديث من حيث التعرض للخداع المنظم وأحاسب نفسى الآن بعد فوات الأوان ومازلت غير مستوعب كإنسان كم الفساد الذى يتكشف، نافيا أن يكون قد أفسد أو سرق.
 
 
وتابع مبارك قائلا: تذكرت يوم 28 يناير 2011 مشاهد من نكسة 1967 وعلمت أن مصر تتعرض لنكسة جديدة، مؤكدا أنه خشى لساعات أن تنتهز إسرائيل فى هذا اليوم بالذات الفرصة ومصر لا تستطيع الرد وتحاول اعادة التاريخ للوراء كى تنتقم من هزيمتها، وقال: أعطيت الجيش أوامر اتخاذ وضع القتال وصد الهجوم على جبهات الجمهورية ولم أفاتح أحدا فى مخاوفى ولم أهدأ الا بعد أن أكد لى «بن إليعازر» أن هذا الامر أبعد ما يكون عن الفكر الاسرائيلى.
 
 
وعن «بن إليعازر» يكشف مبارك أنه أخبره يوم 4 فبراير صباحا عن طريق الهاتف الشخصى أن الجيش الاسرائيلى صدرت له أوامر سيادية عليا بتوفير ممر آمن لاسرة مبارك للخروج من مصر وأن العملية الخاصة بتهريب عائلة مبارك كان اسمها الكودى الذى وضعته تل أبيب هو «الخروج من مصر».
 
 
وأضاف مبارك أن الترتيبات التى أخبره بها «بن إليعازر» كانت لدخول إيلات بواسطة يخت، مرورا بالقرب من العلامة 91 الحدودية فى طابا المصرية لكن مبارك رفض.