الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

زقزوق: الإسلام أعلى من قيمة الإنسان واحترام عقله وفكره




الإنسان هو محور الوجود كله، وهو سيد فى هذا الكون، فكل شيء فى هذا الوجود مسخر له، والديانات كلها جاءت من أجله، والوحى السماوى خطابٌ موجه إليه، وكل ما فى القرآن الكريم إما حديث عن الإنسان أو حديث إليه، أو عن شىء يتعلق به بأى شكل من الأشكال.
وهذا يعنى أن موضوع الإنسان يعد – من دون مبالغة – قضية القضايا فى هذا الوجود، ويبدو الأمر كما لو أن العالم بدون الإنسان لا توجد فيه قضية، ولا تعكر صفوه مشكلة من المشكلات.
وفى هذا الكتاب «الدين للحياة» الصادر فى أكتوبر الماضى عن الهيئة المصرية العامة للكتاب؛ فى 280 صفحة من القطع الصغير يحاول المؤلف الدكتور محمود حمدى زقزوق أن يقترب من قضية الإنسان ومكانتها فى الفكر الإسلامى..
رؤية الملائكة
يستهل المؤلف بحثه بلفتة ذكية عن تصور الملائكة عن العالم بدون الإنسان، مشيرا إلى قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ …) البقرة 30
فالعالم - وفق الرؤية الملائكية - يعد واحة سلام، بعيدة كل البعد عن المشكلات والمنغصات، وظهور الإنسان فى هذا العالم سيكون سببا فى تعكير صفوه، وفى إدخاله فى دوامة صراعات لا تنتهى، تسيل فيها الدماء، ويظهر فيها الفساد فى البر والبحر.
ويعلق زقزوق على هذه الرؤية قائلا: «لعل الملائكة قد قالوا بذلك على أساس ما أتيح لهم من علم بطبيعة الإنسان، كما أنهم من ناحية أخرى قد تصوروا أن ما يقومون به من تسبيح وتمجيد لله سبحانه وتعالى هو غاية الوجود التى ليس بعدها غاية أخرى، ولكن أى عالم هذا الذى لا يستطيع أن يعى نفسه، ولا حيلة له من أمر نفسه، ولا إرادة له فى تسيير أموره؟ إنه عالم لا طعم له ولا لون».
وتابع بالقول: «من هنا كانت إرادة الله سبحانه وتعالى – الذى يعلم ما لا تعلمه الملائكة – أن يخلق كائنا يدرك نفسه ويدرك ما حوله ويدرك خالقه، ويتولى مسئولية هذا الكوكب الأرضى بأمر الله وإرادته، وبذلك يكون للوجود معنى، ويكون وجود الإنسان من أجل هدف حددته الإرادة الإلهية، وهو العبادة لله وحده، كما يقول القرآن الكريم: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ )” الذاريات 56
الإنسان والعبادة
ويرى زقزوق أن العبادة المقصودة فى الآية الكريمة ليست قاصرة على التسبيح والتقديس الذى لا تعرف الملائكة سواه، بل تتجاوز هذا إلى معنى أعم وأشمل من المعنى الضيق المألوف، إنها تعنى كل عمل يقوم به الإنسان فى هذه الحياة، سواء كان هذا العمل دينيا أو دنيويا، طالما قصد به المرء وجه الله تعالى وعمارة الأرض وتحقيق الخير للناس.
وفضلا عن ذلك فإنها عبادة تقوم على معرفة العابد لمعبوده، فهى قائمة على الوعى والإدراك، والأهم من ذلك أنها قائمة على الاختيار من جانب العابد لمعبوده، وهذا أمر غير قائم بالنسبة للملائكة الذين (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم 6.
وفى هذا السياق يشير الكاتب إلى خاصية متفردة من خصائص الإنسان التى أكرمه الله تعالى بها وفضله على الملائكة؛ وهى أن الله تعالى أسند المشيئة للإنسان الذى يستطيع أن يقرر مصيره بنفسه، وهذا أمر ينسجم تماما مع القانون القرآنى فى التغيير والذى يقول: (إن اللهَ لا يغيرُ ما بقومٍ حتىَ يغيروا مَا بأنفسهُم).
فالإنسان – بحسب زقزوق – هو الكائن الوحيد الذى يستطيع أن يقول «لا» حتى فى مواجهة الأمر الإلهى، ويخبرنا القرآن الكريم بذلك فى قوله: (قالوا سمعنا وعصينا) البقرة 93، وفى قوله: ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف 29
الضعف
ويرصد المؤلف مفارقة غريبة وعلى قدر كبير من الأهمية والخطورة وهى أن الإنسان الذى منحه الله تعالى كل هذه الخصائص وسخر له الكون بمخلوقاته وإمكاناته المتنوعة حتى ظن - فى ظروف معينة - أنه من القوة والجبروت بحيث يستطيع أن يخضع كل شيء لإرادته وسطوته، هذا الإنسان السيد قد خلق –بطبيعته - ضعيفا، وهو ما بينه لنا القرآن الكريم فى إشارته إلى ضعف الإنسان الذى يصل إلى حد يجعله أعجز من أن يسترد شيئا سلبه إياه الذباب!
ويقول الكاتب: إننا من خلال عقد مقارنة سريعة بين الإنسان من جانب والحيوانات من جانب آخر، يتضح لنا ابتداء مدى ضعف الإنسان إزاء فصائل الحيوانات المختلفة، التى يتفوق بعضها على الإنسان فى كثير من الأمور التى تجعلها قادرة على الحفاظ على حياتها ووجودها، فى حين يفتقد الإنسان كل هذه الأمور أو بعضها، الأمر الذى يجعله فى وضع أضعف منها بكثير.
فكيف يمكن التوفيق بين ضعف الإنسان الذى أشار إليه القرآن الكريم ودلت عليه الوقائع المرئية، وسلوك الإنسان المعتد بقوته وجبروته وسطوته؟
العقل
هذه مبارزة يحسمها العقل.. حيث يرى زقزوق أن الإنسان ما كان له - بضعفه - أن يخضع كل ما فى الوجود لإرادته، فيستأنس الحيوانات المفترسة، ويتخطى الصعاب، ويواجه الطبيعة؛ إلا بنعمة أسبغها الله تعالى عليه وميزه بها عن سائر مخلوقاته وهى: العقل.
وهذا يعنى - بحسبه - أن الإنسان إذا كان فى موقف الضعيف من الناحية البدنية فإن قوته من الناحية العقلية لا تقارن بقوة الحيوانات، فالجانب العقلى فى الإنسان هو أثر من آثار النفحة الإلهية الروحية التى أنعم الله بها على الإنسان عند خلقه، والتى من أجلها استحق التكريم الإلهى والتفضيل على غيره من الكائنات. ويخبرنا القرآن الكريم بذلك فى قوله تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا لَهُ ساجدين) ص72
ومن ذلك يتضح - وفق زقزوق - أن القوة المادية ليست هى كل شيء فى حياة الإنسان، ولا تقارن بأى حال من الأحوال بالعقل الإنسانى، الذى يستمد منه الإنسان القوة الحقيقية، فالقوة المادية بدون العقل قوة غاشمة لا تعرف الحق من الباطل؛ ولا تميز بين الصواب والخطأ، والإنسان خليفة الله فى الأرض، مطالب بتحكيم عقله فى كل أموره؛ وإذا فعل ذلك فهو قوى حتى لو كان ضعيفا من الناحية المادية.
الخلافة والحرية والعلم
ويشير المؤلف إلى العلم والحرية باعتبارهما شرطا قيام الإنسان بمسئوليته الكبرى فى خلافة الله فى الأرض وعمارتها، فما كان للإنسان أن يمارس دوره المنوط به إن لم يكن حرا مختارا، فإذا كان الله قد أراد له أن يكون خليفة فى الأرض فلا بد أن يكون حرا حتى يستطيع أن يتحمل هذه المسئولية. وبالتالى أعطاه الله الآلية التى من خلالها يستطيع أن يقوم بدوره على أكمل وجه، وهذه الآلية هى العلم بجميع أبعاده.
فقد أعطى الله آدم - الذى يمثل البشرية كلها - مفاتيح العلم والحضارة التى عبر عنها القرآن الكريم بقوله (وعلم آدم الأسماء كلها..) البقرة 31.
ويرى زقزوق أنه على الإنسان فى كل العصور إلى آخر الزمان أن يستخدم كل إمكانياته العقلية فى البحث والدراسة والتطوير المستمر فى مختلف مجالات العلوم والفنون، وبالتالى تطوير الحياة وإعمار الكون ماديا ومعنويا كما أراد الله تعالى.
«فالإنسان ليس ذرة تافهة فى هذا الوجود، وإنما هو سيد فى هذا الكون بتكليف من الله، وهذا التكليف يتطلب الأمانة فى إدارة هذا الكون الكبير، وهذا يعنى أن على الإنسان فى إطار تحمله لهذه الأمانة الامتناع عن كل ما من شأنه أن يجلب الضرر بأى شكل من الأشكال لهذا الكون بما فيه من كائنات وبشر، فإذا أساء الإنسان استخدام هذه الأمانة ستكون العاقبة وخيمة عليه وعلى غيره من الكائنات».