الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«جلسة مغلقة» ينهى أيام عرضه بالقاهرة ويستعد لجولة أوروبية




«عندما تعشق حلمك فأنت قادر على تحقيقه بأى وسيلة».... هكذا اتحذت الفرق المستقلة من التحدى والإصرار شعارا لها فى الحياة، فالبرغم من ضعف الإمكانيات المادية المتاحة لهذه الفرق وكذلك حصارهم بمسارح محدودة للغاية إلا أن هؤلاء لا يسأمون ولا ييأسون من تقديم تجارب مسرحية حقيقية، ورائدة على المستوى الفكرى والفنى تضعهم على مستوى المنافسة دائما مع الأعمال المسرحية الدولية، هكذا شاهدت على مدار الأسبوع الماضى تجربتين لعرضين مستقلين كان الأول «حلم بلاستيك» للمخرج شادى الدالى، والثانى «جلسة مغلقة» للمخرج عمر المعتز بالله أحد أعضاء فرقة تياترو المسرحية التى تعمل بلا دعم من أى جهة مستقلة أو تابعة للدولة هم فقط مجموعة من الشباب قرروا تقديم أعمال مسرحية فكرية راقية، لا تقبل حتى المنافسة مع عروض محلية.

«جلسة مغلقة».. هو نص مسرحى فلسفى مأخوذ عن كتاب «الوجود والعدم» لجان بول سارتر، يطرح العمل سؤال «ماذا لو لم يكن الجحيم سوى ثلاثة غرباء تم وضعهم معا فى غرفة واحدة إلى الأبد؟!»، عرضت المسرحية على خشبة مسرح الفلكى بالجامعة الأمريكية ثلاث ليال متتالية وشهد العرض حضورا جماهيريا ملحوظا، ورغم عمق القضية الفلسفية التى يطرحها النص إلا أنه كان لافتا للنظر تنوع جمهور العرض من شباب ومراهقين وكبار السن، وقد سبق وتم عرضه أيضا ضمن فعاليات مهرجان الشباب المبدع بالمركز الثقافى الفرنسى وحصل على جائزة أفضل سينوغرافيا وسافر العمل للعرض بمهرجان «أفينون» بفرنسا، وعن العرض ورحلة مخرجه معه طوال أربع سنوات متتالية قال عمر: بالطبع النص كان صعبا للغاية لأنه ليس مجرد مسرحية مكتوبة من كاتب مسرحى بل هو نص فلسفى كتبه «جان بول سارتر»، وهو فيلسوف معارض بشكل كبير لكل المسلمات، لأنه كان من رواد المدرسة الوجودية، وكتب سارتر هذا النص، بعد تأليفه لكتاب «الوجود والعدم» وكان يشرح فى كتابه المنهج الوجودى للفلسفة وعندما نشر الكتاب وجد قراؤه صعوبة فى استيعابه فقرر سارتر تبسيط الكتاب لذلك كتبه على هيئة حوار مسرحى وبالتالى فالمسرحية كانت تلخيصا وشرحا لكتاب فلسفى.

 ويضيف: لا أدعى أننى فهمت النص من قراءتى الأولى له فأول مرة قرأته كان فى عام 2008 وحتى أستوعبه كاملا قررت قراءته باللغات الثلاث العربية والإنجليزية والفرنسية، وبالتالى جمعت صورة كاملة، بعدها بدأت فى البحث عن ملابسات النص نفسه، والنص يعبر عن مأساة الإنسان فى كل زمان، فهو عملا ملهما جدا لأننا جميعا كان لدينا الأسئلة الوجودية الطفولية التى تشغلنا هو ربنا فين؟، واللى بيموت بيروح فين؟ وايه هى الجنة وايه شكل النار؟؟، وجدت أن هذا النص يتعرض لهذه الأسئلة لكنه لم يتحدث عن الجنة بل تناول شيئا أكثر تشويقا وهو الجحيم، فالنص يعرض لثلاث شخصيات تقابلوا فى النار وسارتر كان تصوره للنار والجحيم، هو عندما نضطر إلى الجلوس للأبد مع شخص لا نحبه وقد يكون كاشفا لنا لأسرارنا وعيوبنا هذا فى حد ذاته الجحيم ولخصه سارتر فى فلسفته الرائعة أن الجحيم هو الآخر الذى لا أتقبله ويرانى مجرد شىء.. ويضيف: بالطبع احتاجت منى قراءة النص أن أعود لقراءة فلسفة سارتر فقرأت كتاب «الوجود والعدم» كما شاهدت بعض الأشكال التى عرض بها هذا النص سواء سينما أو مسرح أو رقص معاصر، وكنت أفكر عندما بدأت فى العمل على النص بالجمهور الذى سأقدم له هذا العرض قبل أى شىء، وكان لابد من مراعاة العنصر الزمنى الذى يعيش فيه الناس حاليا، ويكفى أن أذكر أننى أعدت صياغة وكتابة النص 46 مرة من 2008 وحتى اليوم وهذا ليس كثيرا على عمل بهذا المستوى، كما أن الفكرة وصلت للناس كما أردت والتعليق الذى كنت اسمعه عن العرض من الجميع... «العرض جعلنى أفكر» وهذا ما ابحث عنه فى عروضى دائما.

 وعن تقديم العرض باللغات الثلاث الفرنسية والعربية والإنجليزية قال عمر: اتعامل مع الفن عموما بمنتهى التلقائية وبفطرية بحتة فلم أقرر ذلك من البداية، لكننى فكرت أثناء إعدادى للنص فى شىء هام، وهو أن كل الناس بالتأكيد فى جميع أنحاء العالم ستموت وسيحاسب الجميع  أمام  بعضهم البعض ومن البديهى جدا أن من يتحدث الفرنسية أو الألمانية سيحاسب ولابد أن جميعنا سيفهم الآخر، وبالتالى فعند الموت ينكسر حاجز اللغة مثله مثل أى حاجز آخر، وبعد المرحلة الانتقالية فى الموت كلنا سنفهم بعضا لذلك فكرت فى انه بعد دخول الجحيم رغم اختلاف الألسن لكن الجميع سيتحدث فى النهاية لغة واحدة، وأعتقد أن هذا أضاف بعدا آخر للدراما بالعرض لأنهم طوال العرض يحاولون الهروب من بعض ورغم اختلاف لغتهم فإنهم مفضوحون أمام بعضهم البعض ولم يستطيعوا الهروب وهذا هو سر الجحيم الذى جمعهم.

وعن مدى تقبل الجمهور لفكرة العرض يقول: ليس شرطا أن تصل فكرتى كما هى بالضبط، وعلى العكس أحاول دائما أن تصل فكرتى قدر ما استطيع وأنا ضد فكرة تصنيف الجمهور، لأن الفن ليس له جمهور خاص نحن من خصص جمهور الفن وأصبحنا نفضل ناس على ناس، فمثلا نحن دائما ما نستبعد فكرة أن يشاهد رجل الشارع أوبرا، رغم أن سيد درويش لم يكن متعلما بالجامعة الأمريكية وكان مجرد رجل اسكندرانى يعزف عودا على قهوة لكنه استطاع أن يقدم أوبرا وأوبريت واستطاع أن يغير فى تاريخ الموسيقى العربية.

وعن الأزمات التى تواجه الفرق المستقلة قال: المشكلة فى رأيى ليست فى دعم او تمويل، ونحن لا نريد دعما أو تمويلا من أحد لكننى أريد من الدولة شيئا واحدا أن تفهم أنها هى من تحتاج لى لأننى أعمل منذ 10 سنوات بلا دولة أو قطاع خاص وأنشأنا الفرقة تحت اسم «الفرقة المصرية للمسرح الحر تياترو» فالفرقة أسست بأيدى شباب منهم من يدخر من راتبه شهريا ومن يضحى بوقته وجهده بلا مقابل، والحل للمستقلين هو الإصرار على النجاح والاستمرار، لأن هذا هو الضمان الوحيد لنا، وسبق وعرض علينا دعما من جهات متعددة لكننى كنت أرفض لأن همى دائما أن يكتب على أعمالنا عبارة «صنع فى مصر»، وخلال الفترة المقبلة سوف يسافر العرض إلى فرنسا وهولندا والسويد، إلى جانب أننا نسعى حاليا لعرضه بمكتبة الإسكندرية لأننى أعشق الجمهور السكندرى فهو متميز للغاية.