الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أبطال الهجرة النبوية




 حيث خاضت القلَّة المؤمنة حروبًا عديدة ضدَّ الكثْرة المشْرِكة، فما أجْدت كثْرة المشْركين وما حالت قلَّة المؤمنين بيْنهم وبين الظُّهور على أعدائِهم؛ لتُصْبِح كلِمة الله -تَبارك وتعالى- هى العُلْيا، وكلمة الَّذين كفروا السُّفْلى.
■ أبو بكر الصديق:
اختار المصطفى صلى الله عليه وسلم لمُرافقته فى رحلتِه الكبرى أبا بكْرٍ الصدّيق -رضِى الله عنْه- دون سائِر أصحابِه، فكان اختيارًا موفَّقًا؛ لأنَّ أبا بكر -رضى الله عنه- أصْلح الصَّحابة للقيام بهذا الاختِيار النَّبوى الكريم.
أبْلغ الرَّسول صلى الله عليه وسلم أمْر الهجرة إلى أبى بكر -رضِى الله عنْه- تلميحًا لا تصريحًا، فلمَّا أذن لأصحابه أن يُهاجروا من مكَّة إلى المدينة طلب أبو بكر -رضِى الله عنْه- منه أن يَأْذن له فى الهجرة، فأمْهله صلى الله عليه وسلم قائِلاً: «لا تعجلْ يا أبا بكر؛ لعلَّ الله يجعل لك صاحبًا».
وفهِم الصدِّيق -رضِى الله عنه- من هذه الجُملة أنَّه قد يصاحب الرَّسول صلى الله عليه وسلم فى هجرته، فاستعدَّ وجهَّز راحلتَين تنقلانِه هو والرَّسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فلمَّا أذن الله تعالى للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالهجرة وأخبر أبا بكر -رضى الله عنه– بذلك، فاضت دموعُ الصدِّيق من فرط السُّرور، وأخذ يقول: «الصحبةَ يا رسول الله، الصحبةَ يا رسول الله». فقال صلى الله عليه وسلم: «الصُّحبة يا أبا بكر». فبكى أبو بكر من شدَّة الفرح، وخرجا سرًّا فى ظلام الليل إلى غار ثور.
ولقد جدَّ الكفَّار فى البحث عن محمَّد صلى الله عليه وسلم وصاحِبه -رضى الله عنه- إلى أن وقفوا على باب الغار، فقلق أبو بكر خوفًا على حياة الرَّسول الكريم صلى الله عليه وسلم وقال له: «لو أنَّ أحدَهم نظر إلى قدميْه لأبصرنا». فقال النَّبيُّ العظيم محمَّد صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكْرٍ، لا تحزَنْ إنَّ الله معنا يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما».
فهدأتْ نفس أبى بكر -رضى الله عنه- وعادتْ إلى قلبه الطُّمَأنينة، وقال الله جلَّ ثناؤه: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40].
■ على بن أبى طالب:
كانت المؤامرة الَّتى دبَّرها الكفَّار أن تقوم مَجموعة من قريْش تتألَّف من كلِّ عشيرة فيها، بِحيث تنتدب عنها شابًّا فتيًّا، ويعمد هؤلاء إلى محمَّد صلى الله عليه وسلم فيضرِبونه ضربة رجُل واحد، وبذلك يتوزَّع دمه فى جميع العشائر، فلا يقدِر بنو عبد مناف على حرْبِهم. فلمَّا كانت اللَّيلة الَّتى عزموا فيها على تنفيذ المؤامرة، تربَّصوا قرب داره، منتظرين الفُرْصة الملائمة لاغتياله.
فأمر النبى صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب -رضى الله عنه- أن ينام على فراشه قائلاً: «نم على فراشى وتسجَّ ببردى هذه الحضرمى الأخضر، فنم فيه، فإنَّه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم».
ودعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اللهَ -عزَّ وجلَّ- أن يعمى أبصارهم، فخرج صلى الله عليه وسلم وقد غشيهم النوم، فوضع على رءوسِهم التراب؛ {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس: 9].
قال المرحوم عباس العقَّاد فى تحليل شخصية الإمام على بن أبى طالب -رضى الله عنه-: «آداب الفروسية هى مفتاح هذه الشخصيَّة النبيلة، كانت القوَّة طبعًا فى على فطر عليه، وأدبًا من آداب الأسرة الهاشمية نشأ فيه، وعادة من عادات الفروسيَّة العمليَّة التى يتعوَّدها كل فارس شجاع».
■ عبد الله بن أبى بكر رضى الله عنهما:
وكان دوْرُه هو استطلاعَ أخبار قريْش بمكَّة، والوقوف على ردِّ الفِعْل الَّذى أحدثه خروجُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم سرًّا، وما عسى أن يدبِّرَه زعماؤها لوقْف مسيرته؛ وبذلك يكون المصطفى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر -رضى الله عنه- على بيِّنة ممَّا يُحاك خلْفَه من مؤامرات، فيستطيع أن يتَّقيها، ويبلغ مأمنه فى طَيْبة (المدينة).
■ أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما:
وكان دوْرها -رضى الله عنها- فى الهجرة أن تأتِى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وصاحبَه -رضى الله عنه- بالماء والزَّاد وهُما فى الغار، وظلَّت -رضى الله عنْها- على ذلك ثلاث ليال مُتعاقبة، تقتحِم الصَّحراء الموحِشة فى رهبة الظَّلام، وهى صغيرة، ولا تبالى العيون والأرصاد التى تبعثها قريْش فى الطَّريق من مكَّة إلى المدينة؛ لتظفر بمحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم.
ولمَّا همَّ الصَّاحبان بالرَّحيل إلى المدينة جاءتْهما أسماء -رضِى الله عنها- بِما يَحتاجان إليه فى رحلتهما من زاد وماء، وهمَّت بتعليقه فى رحل البعير، فلم تجِد رباطًا، فحلَّت نطاقها وشقَّته نصفين، ربطت بأحَدِهما الزَّاد، وانتطقت بالآخَر، فقال لها المصْطفى صلى الله عليه وسلم: "أنتِ ونِطاقاك فى الجنَّة". وسمِّيت بعد ذلك بـ"ذات النطاقين".
■ عائشة بنت أبى بكر رضى الله عنهما:
ولقد شاركت أسماءَ دوْرَها الخالد فى الهجرة أختُها عائشة -رضى الله عنها- كما ترْوى معْظم كتب السيرة، وكانت لا تزال طِفلة دون العاشرة، فخاضت بذلك تَجربة أكبرَ من سنِّها الصَّغيرة، ممَّا أكْسبها نضوجًا فكريًّا ونفسيًّا مبكِّرًا، أتاح لها القيام بأدْوار كُبرى فى مستقبل حياتها. ولقد كان اقتِحام ابنتَى الصِّديق -رضى الله عنْهما- ظلمات البيداء حاملتَين لأبيهِما وصاحبِه رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتَهما من الماء والطَّعام، غير مباليتين بما قد يُصيبهما من أذى - بلاءً أى بلاء، وجهادًا أجلَّ جهاد.
■ عامر بن فهيرة رضى الله عنه:
وكانت مهمَّته فى الهجرة مهمَّة مزْدوجة، أن يرعى غنَمَ أبى بكر -رضى الله عنه- نهارًا، فإذا أمسى قصد إلى الغار، واحتلب للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وصاحبه -رضى الله عنه- وأن يتبع بالغنم مسار عبد الله بن أبى بكر بعد عوْدته من غار ثور إلى مكَّة، فيعفِّى على ما تركتْه أقدامه من آثار فى رمال الصَّحراء.. قوَّة إيمان وصدق عقيدة.
■ مصعب بن عمير أول سفير فى الإسلام:
مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى بن كلاب بن مرة القرشي، كنيته أبو عبد الله، وُلد فى الجاهلية، كان شابًّا جميلاً عطرًا، حسن الكسوة، وكان أبواه ينعمانه.
أسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى دار الأرقم، وكتم إسلامه؛ خوفًا من أمّه، وكان يختلف إلى رسول الله  سرًّا، فبصر به عثمان بن طلحة العبدري، فأعلم أهله، فأخذوه وحبسوه، فلم يزل محبوسًا إلى أن هاجر إلى الحبشة، رجع مع من هاجر إلى مكة ثانية، والتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان مصعب بن عمير أوّل من هاجر إلى المدينة، وذلك أنَّ الأنصار كتبوا إلى رسول الله  أن ابعث لنا رجلاً يفقهنا فى الدين ويقرئنا القرآن، فبعثه إليهم حينما قدم المدينة نزل على أسعد بن زرارة، وكان يأتى الأنصار فى دُورهم أو قبائلهم فيدعوهم إلى الإسلام.
أسلم على يده أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ، وبعث إليه عمرو بن الجموح بعد أن قدم المدينة ليسأله عن أمر الدين الجديد، فأجابه مصعب، وأسمعه صدر سورة يوسف، فأسلم على يده.
■ دليل الهجرة عبد الله بن أريقط:
إنَّ اختيار النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم والصدِّيق -رضى الله عنه- لعبد الله بن أريقط الديْلمى (وهو رجُل من كفَّار قريش)؛ ليكون دليلَهما فى الطَّريق إلى طَيبة (المدينة) - ليدلُّ على حسن الاختِيار؛ لأنَّ ابنَ أُريقط قد سلك بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم وصاحبِه -رضى الله عنه- طريقَ الساحل، الأمر الَّذى لم يرِدْ على خاطر قريش؛ إذْ لم يكن طريقًا مألوفًا فى ذلك الحين.