السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

دروس من الهجرة: تخطيط دقيق..توكل وعزيمة.. وامتثال لأمر الله عزّ وجلّ




كتب - صلاح أحمد نويرة
لقد كانت الهجرة النبوية من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة حدثا تاريخيا عظيما، ولم تكنْ كأيِّ حدث، فقد كانت فيصلاً بين مرحلتين من مراحل الدعوة الإسلامية، هما المرحلة المكية والمرحلة المدنية، وإذا كانت عظمة الأحداث تُقاس بعظمة ما جرى فيها والقائمين بها والمكان الذى وقعت فيه، فقد كان القائم بالحدث هو أشرف وأعظم الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أشرف مكانا وأعظم من مكة والمدينة، وقد غيرت الهجرة النبوية مجرى التاريخ، وحملت فى طياتها معانى التضحية والصحبة، والصَّبر والنصر، والتوكل والإخاء، وجعلها الله طريقا للنصر والعزة، ورفع راية الإسلام، وتشييد دولته، قال الله تعالى: « إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » (التوبة:40).

من القضايا المهمة التى لابد أن نتدبرها فى قضية الهجرة أن الرجال الذين هاجروا مع النبى صلى الله عليه وسلم والنساء الذين تبعوهم على الرغم من أنهم كانوا قلة وضعفاء الا انهم كانوا أقوياء بإيمانهم وصبرهم واحتسابهم، وقد أعانهم الله وأكرمهم وكرمهم ورفع من شأنهم ولا شك أن العامل الآخر هو أن المدينة المنورة كانت قد بدأت تستقبل الاسلام ودخل فى دين الاسلام عدد من أهل المدينة وكان هذا الأمر مهما وشجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على التوجه الى المدينة المنورة. أضف الى ذلك أنه فى ذلك الوقت كان لها دور أساسى باعتبارها مركزا حضاريا من الناحية التجارية ومن الناحية الزراعية، وكانت مدينة تعج بالحركة والنشاط بالاضافة لكونها ملتقى القوافل التى كانت تمر من الشام الى اليمن ومن اليمن الى الشام وهذا أيضا جعلها مؤهلة أن تلعب دورا أساسيا بالنسبة لانتشار الدعوة الاسلامية.
ومن العوامل الأخرى المهمة ما اتسم به أهل المدينة من مروءة ومن رجولة حتى أن رسول الله ص قال قولته المشهورة: «لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار».
أبعاد
ومن ينظر فى قصة الهجرة وترتيباتها يحس بأبعاد ذلك التخطيط الدقيق الذى سبقه التوكل والعزيمة والامتثال لأمر الله عز وجل ثم تلاه الأخذ بالأسباب، فهذا أبو بكر الصديق رضى الله عنه يتشوق للهجرة مع رسول الله «ص» ولكن الرسول ص يدعوه الى التريث حتى جاءت اللحظات الحاسمة التى أدرك فيها أبو بكر الصديق أن الوقت قد حان وأن الصحبة حاصلة وأن الهجرة قد أذن بها الله عزّ وجلّ.
وجاء اليوم المشهود، وجاء ص الى دار أبى بكر فى وقت لم يكن من المألوف أن يزورهم فيه، فقد كان يلم بدارهم كل يوم صباحا أو فى العشي، ولكنه لم يكن يزورهم أبدا فى الهاجرة، واشتداد الحر فى مكة كما حدث فى ذلك اليوم، فقال الصديق رضى الله عنه: ما جاء برسول الله ص الا أمر عظيم، وربما توقع أنه هذا الأمر وأنها الساعة التى كان ينتظرها. وكانت القصة فقد اخبره ص انه قد اذن له فى الهجرة، وعليه ان يعد العدة ويستعد للخروج معه رفيقا ومؤنسا معينا فى هذه الرحلة الخالدة بخلود كتاب الله المجيد، فبكى أبو بكر من شدة الفرح، ومنذ الساعة تزايد احساسه بالمسئولية عن سلامة رسول الله ص...
وصل الركب الشريف الى غار ثور، ووجدا فيه مكانا صالحا للاختفاء فترة من الزمن حتى يهدأ الطلب، فأسرع الرائد الأمين يتقدم رسول الله ص يرتاد المكان يتفحصه ويؤمنه حتى يطمئن الى خلوه من عدو أو خطر أو دواب أو حشرات، ودخل الغار يصلح من شأنه قدر طاقته حتى يكون صالحا لاقامة رسول الله ص، وشق رداءه قطعا يسد بها شقوق الغار خشية أن يكون بأحدها حية أو هامة من هوام الارض تؤذى رسول الله ص وما أن حل الرسول الكريم بالغار حتى أسرعت الحمامة تصلح عشها وتبيض على بابه، وجاءت عنكبوت فنسجت نسيجها الواهى تسد به مدخل الغار وقد تم كل ذلك بأمر الله وتدبيره عزّ وجلّ.
الله ثالثهما
... وظل الفتية من قريش الذين يتربصون برسول الله ص أمام داره فغشيتهم الغاشية، فلم يحسوا به يتسلل من بين أيديهم، وما لبثوا أن علموا بخروجه، فأصابهم ما يشبه الجنون، وانطلقوا يبحثون عنه فى كل اتجاه ويبذلون الوعود بالمكافأة السخية لمن يدلهم على محمد أو يأتيهم بأخباره وصاحبه، وأخذوا يهددون آل أبى بكر وصغاره عسى أن يفوزوا منهم بكلمة تدلهم على مكانه فلم يصلوا الى شىء.
انطلقوا يبحثون فى كل شبر بمكة وشعابها وما حولها حتى وصلوا الى الغار وتقدم دليلهم وهو يتوقع فى ما يشبه اليقين انه سيجدهما فى هذا الغار المحفور فى الصخر، لكنه فوجئ بما خيب أمله فقد وجد على باب الغار حمامة ترقد على بيض وعنكبوتا نسجت فسدت مدخل الغار، فقال للقوم انه غار لم يدخله أحد منذ شهور عدة، ارتجف قلب أبى بكر حين رآهم فوقه خوفا على رسول الله ص وقال: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا. فأجابه: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما».
أحداث مهمة رافقت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
إذا أردنا أن نعرف أثر هجرة الرسول الى المدينة على تطور الدعوة الاسلامية وتدعيم دعائمها، وتوسيع نطاق نفوذها فى أنحاء جزيرة العرب وخارجها، وجب علينا أن نتتبع مجرى الحوادث المهمة التى تبعت وصول الرسول ص الى المدينة، ومنها حدوث الظروف التى أفضت الى عقد المسلمين معاهدات واتفاقيات مع اليهود وقبائل العرب فى المدينة، وفيما جاورها من المدن، وكذلك دخول المسلمين فى حروب دفاعية مع أعدائهم وخاصة ما نتج عنها من انتصارهم فى بدر، وكان للنتائج التى ترتبت عن هذه المعاهدات والانتصارات أثر عميق فى نفوس المسلمين، ووقع كبير فى أسماع العرب أجمعهم. من ذلك أن الوفود قد قدمت الى المدينة لمقابلة نبى الاسلام ص ومبايعته بعد انتشار خبر دعوته فى أرجاء الجزيرة. ومنها تكوين حلف منظم يجمع شمل العناصر المتنافرة الضاربة فى المدينة وضواحيها، فوضع الرسول وثيقته التاريخية يبين فيها ما للمسلمين وما عليهم فيما بينهم، وما للمسلمين واليهود وما عليهم.
يثرب قبل وبعد الهجرة
كانت حال يثرب السياسية حين قدم النبى ص اليها: حالة حرب عوان بين الأوس والخزرج، ومؤامرات من اليهود لإشعال نار الفتنة بين هاتين القبيلتين العربيتين، ومحاولتهم السيطرة على القبائل العربية المجاورة، فكان قدومه ص فاتحة عصر جديد فى تاريخ جزيرة العرب لأنه آخى بين الأوس والخزرج حتى نسوا ما تأصل فى نفوسهم من عداوة وضغائن، وأصبحوا بنعمة الله إخوانا، وانضموا تحت لواء الاسلام، ثم آخى رسول الله ص بين جماعات المؤمنين من المهاجرين الذين هجروا وطنهم ولحقوا به فى المدينة، وبين الأنصار الذين رضوا به والمهاجرين معه، وأكرموا وفادتهم، وكانت المواخاة بين هذين الفريقين من المؤمنين فى السراء والضراء توثيقا لعرى المحبة والأخوة الاسلامية بينهم.
وبهجرة الرسول ص الى المدينة وضع أول حجر فى بناء الدولة الاسلامية، واتخذ مسجده مقره العام ليقيم فيه المسلمون شعائر دينهم، وليعقدوا فيه اجتماعاتهم للنظر فى شؤونهم العامة، ووضع الرسول للجماعة الاسلامية نظاما تسير عليه فى زمن السلم والحرب، وبدأ يعقد اتفاقيات بين الطوائف الاخرى، تضمن عدم الاعتداء على المسلمين، والاشتراك معهم فى الدفاع عن المدينة ضد الخطر الخارجي، ثم أخذ يعد العدة لنشر الدعوة الاسلامية بين القبائل العربية، ولحماية هذه الدعوة، حتى صارت المدينة خلال فترة وجيزة مركز إشعاع للدعوة الاسلامية، ومحط أنظار قبائل العرب وشعوب العالم.
ما أروع دروس الهجرة النبوية الشريفة
ما أروع أن نقف لحظات ننظر فى دروس الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة الى المدينة المنورة وننظر بعمق فى فصول الهجرة ودروسها، ونتعلم منها جوانب مضيئة من حياة رسول الله ص... هذا النبى الكريم، والرسول العظيم الذى لم يخرج من مكة مهاجرا الى المدينة المنورة الا بعد أن لقى الأذى من أهله وذويه، ثم ممن حوله من الذين كرهوا ان تظهر كلمة الله عزّ وجلّ، وان تكون كلمته سبحانه وتعالى هى العليا، وكلمة الذين كفروا هى السفلى.
والعقلاء من الناس هم الذين يحرصون على اغتنام فرص المناسبات الاسلامية ليقفوا عندها ويتدبروا فى اسرارها ومعانيها، ثم ليستفيدوا من كل تلك الجوانب العطرة فى السيرة النبوية الشريفة فى هذا المجال، وذلك لان هذه الدروس تساعد على تتبع جوانب السيرة النبوية العطرة، وأخذ الدروس منها والتعرف عليها وتعلمها ومتابعة احداثها وبالتالى أولادنا وتلاميذنا ومن حولنا جوانب من تلك الاسرار فى مثل هذه المناسبات العظيمة.
دوافع الهجرة
أصدر الرسول ص أوامره الى أصحابه بالهجرة، مختفين متفرقين قدر الامكان، وتنادى المسلمون من كل مكان هلموا الى يثرب، فلم تكن الهجرة تخلصا من الفتنة والاستهزاء فحسب، بل كانت من أجل التعاون على إقامة مجتمع جديد فى بلد آمن، وأصبح فرضا على كل مسلم قادر أن يسهم فى بناء هذا الموطن الجديد، وأن يبذل جهده فى تحصينه ورفع شأنه، وأصبح ترك المدينة بعد الهجرة اليها نكوصا عن تكاليف الحق، وعن نصرة الله ورسوله، فالحياة بها دين، لأن قيام الدين يعتمد على إعزازها.
وفتح القرشيون يوما أعينهم على مكة التى كانت عامرة بأهلها من المسلمين فاذا هى قد أقفرت، والمحال المؤنسة قد اضمحلت وكعادتهم توجه القرشيون باللائمة على النبى ص وقد تجلى ذلك بقول أبى جهل للعباس: «هذا من عمل ابن أخيك، فرّق جماعتنا، وشتت أمرنا وقطع بيننا».
ومن اللافت أنّ المهاجرين قد خلفوا وراءهم أموالا ونساء وبيوتا وأطفالا وشيوخا ومتاعا كثيرا، ذلك لأن الهدف الذى هاجروا لأجله أغلى بكثير من كل متاع الدنيا.
أثر الهجرة على تطور الدعوة الإسلامية وانتشارها فى أنحاء العالم
لقد امتازت الرسالة التى أرسل بها الرسول محمد بن عبد الله ص بعموميتها الى كافة الثقلين، وشمولها لجميع مرافق الحياة البشرية. وقد خص الله تعالى رسوله محمدا ص وحده بأن يكون رسولا الى كافة الناس، وجعله خاتم النبيين، ورحمة للعالمين. وقد صرح القرآن الحكيم بهذا فقال تعالى مخاطبا له: {قل يا أيها الناس إنّى رسول الله إليكم جميعا} (الأعراف 158). وقال له رب العزة أيضا: {وما أرسلناك إلا كافّة للناس بشيرا ونذيرا ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون} (سبأ 28).
فلا بد أن تكون الدعوة المحمدية غير محلية ولا بيئية ولا موجهة لأمة دون أخرى. ولقد كانت كل الدعوات السابقة عليه بيئية، محلية، محدودة، مصدقة، ومكملة، وممهدة. أما دعوته ص فهى فى عمومها أوسع من أن تدرك أو تحدد لأنها تشمل الناس كافة وجميعا.
وقد كان دين الرسل واحدا كما قال سبحانه: {شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحا والذين أوحينا إليك} (الشورى آية 13). وقال تعالى لنبيه محمد ص واحد من أتباعه فى سورة آل عمران: {قل آمنّا بالله وما أُنزل علينا وما أُنزل على ابراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى والنبيّون من ربّهم لا نُفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} (الآية 84).
نواة الدولة الإسلامية تكونت فى المدينة المنورة
إذا نظرنا الى طبيعة الدعوة المحمدية وخصائصها نرى أنها مرت بمراحل كثيرة، وكلها بإذنه تعالى وأمره، وبمقتضى حكمته فى خلقه، فكانت الهجرة من مكة الىالمدينة مرحلة هامة من مراحل الدعوة الاسلامية، ونقطة تحول خطير فى انتشارها فى أرجاء الارض، وهى التى مهدت السبيل لوصولها الى مختلف القبائل العربية، ودعت الأمم والشعوب لاستطلاع حقيقة هذه الدعوة وصاحبها وجذبت الوفود من داخل شبه الجزيرة العربية وخارجها الى الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم، وفتحت الابواب الى فتح مكة ثم الى فتوحات أخرى عديدة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بدأ دعوته فى مكة، من أول نبوته، سرا، وبعد أن مضى فى هذه المرحلة من الدعوة السرية أو المحدودة مدة ثلاث سنوات، أمره الله تعالى أن يدعو الناس الى الاسلام علنا، فكان يذهب الى الناس فى مواسم الحج كل عام، والى المواسم الاخرى فى عكاظ، ومجنة، وذى المجاز وغيرها من الاسواق العربية الشهيرة، واستمر هذا الدور المكى العلنى من الدعوة الاسلامية عشر سنين أخرى، أى أنه استمر يدعو قومه ثلاث عشرة سنة، ولقى من الاذى هو والمؤمنون به الكثير، ثم أمره الله بالهجرة الى المدينة.
ونجم عن هجرة الرسول من مكة الى المدينة أن تكونت فى المدينة نواة الدولة الاسلامية الأولى.
* قريش تحيك خيط المؤامرة
شعرت قريش بأن الاسلام أضحت له دار يأزر اليها، وحصن يحتمى به، وأصبح ذا منعة وقوة وبأس، فتوجست خيفة من عواقب هذه المرحلة الخطيرة فى دعوة محمد صلى الله عليه وسلم وهو لا يزال فى مكة، ولكنه لابد مدرك أصحابه اليوم أو غدا، فما عليها إلا أن تعجل به قبل أن يغادرها... فاجتمعت زعامات قريش فى دار الندوة، وتداولوا فى أمر التخلص منه، وطرحت آراء باعتقال الرسول صلى الله عليه وسلم وتكبيله بالاغلال أو بنفيه بعيدا فى منقطع الصحراء. ولكن هذه الآراء جوبهت بالرفض لانها لم تكن ذات جدوى، وأخيرا أخذ برأى أبى جهل الذى قضى بقتله وتفريق دمه بين القبائل، وإن طالبتهم بنو هاشم بدمه فسيشيرون الى العشائر جميعا والى سيوف أبنائها، حيث تقطر دماء الرسول، وعندها تكون بنو هاشم أعجز من أن تطالب بدمه وقتال العشائر كلها.
وقد كشف القرآن الكريم خيوط هذه المؤامرة بقوله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} (الأنفال: 30) وعزم الرسول صلى الله عليه وسلم على ترك مكة الى المدينة، فألقى الوحى الكريم فى قلبه وعلى لسانه هذا الدعاء الجميل: {وقل ربّ أدخلنى مُدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا} (الاسراء: 80)، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ينتظر من الوحى الاشارة بالتحرك بفارغ الصبر، وبالرغم من يقين الرسول صلى الله عليه وسلم بالله عز وجل وبأن الله يرعاه، لكنه أحكم خطة الهجرة وأعدّ لكل فرض عدته، فاختار الامام عليّ كرم الله وجهه لكى يؤدى مهمة مزدوجة، أولاها: المبيت على فراش النبى صلى الله عليه وسلم وثانيها رد الامانات الى أهلها.
إلى المدينة المنورة أحب البقاع
من ينظر فى قضية الهجرة النبوية الشريفة يلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان متعلقا بمكة المكرمة، هذه المدينة الطيبة الطاهرة، وقد أحبها وولد فيها، وعاش ونشأ وترعرع فيها، وتنزل عليه الوحى من الله عز وجل فى غار حراء بهذه المدينة الطيبة، فقد قال صلى الله عليه وسلم وهو يخرج منها مهاجرا قولته المشهورة: «اللهم وقد أخرجتنى من أحب البقاع إليّ فأسكنى فى أحب البقاع اليك» فكانت الهجرة الى المدينة بأمر الله وباختيار الله، وهو سبحانه الذى أكرمه وحماه وحفظه من المكاره التى أحاطت به، والمؤامرات التى حاكها أعداء الله له وأخذوا يتربصون به ولا شك أن الحبيب صلى الله عليه وسلم قد أكرمه الله بالهجرة من حرم الى حرم، وكلتا المدينتين ذات فضل وبركة وهما أحب المدن الى الله تعالى، ثم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم... ففى الاولى كانت نشأته، والثانية كانت اليها الهجرة وفى ها مضجعه الاخير.
موقع وتاريخ المدينة المنورة
تقع المدينة المنورة شمالي مكة، على مسيرة أحد عشر يوما منها، وكانت فى تلك الايام مدينة مكشوفة معرضة للغزو الخارجي، حتى قام النبى صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق المشهور لرد عدوان قريش، ويقال إن أول من بنى يثرب أحد رؤساء العمالقة يسكنون فى يثرب وفى ضواحيها فى العصور الغابرة، ثم توالت هجرة اليهود الى بلاد العرب فرارا من وجه مضطهدين، أو الآخذين بالثأر منهم من البابليين، واليونان، والرومان، فاستوطنوا شمال الحجاز... وكانت أشهر القبائل اليهودية النازلة ببلاد العرب: بنى نضير فى خيبر، وبنى قريظة فى فدك، وبنى قينقاع بالقرب من المدينة ذاتها. وكان اليهود يقيمون فى قرى محصنة فاستطاعوا أن يسيطروا على جيرانهم من القبائل العربية الى أن جاءت الاوس والخزرج وهما قبيلتان من نسل قحطان فأقامتا فى يثرب ودانتا لليهود فى أول الامر ثم صارت لهما الولاية عليهم.
الدعاء المستجاب
اللهم إنى أشكو اليك ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس، أنت أرحم الراحمين ورب المستضعفين أنت ربى الى من تكلني؟ الى قريب يتجهمني؟ أم الى عدو وكلته أمرى؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالى غير أن عافيتك هى أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بى غضبك أو يحل بى سخطك لك العتبى حتى ترضى.. ولا حول ولا قوة إلا بك.