السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

محمد عبدالجواد قاسم: عالم الكتابة أوسع من عالم الوطن وحدوده




يطل علينا من حين لآخر كاتب من كتاب الأقاليم المتميزين، ومن هؤلاء المبدعين الروائى والشاعر الشاب أحمد قاسم عبدالجواد من محافظة المنصورة بروايته الأولى «القادمون من هناك» حيث تعتمد الرواية على تيمة الفلاش باك لتتناسب مع اللحظة الراهنة وتؤرخ لها بشكل فنى، وترصد إرهاصات قيام الثورة والمخاض الذى تتولد عنه، وإمكانية استمرارها حتى تحقق أهدافها من خلال الغربة الوجدانية التى يعييشها أبطال العمل والشتات ما بين غربة داخلية وأخرى خارجية فى حضن الوطن مما يوضح المفارقة ويبرزها.

■ الرواية تشتبك مع واقع الدولة البوليسية قبل الثورة.. هل تغيرت صورة ذلك الواقع بعد الثورة فى رأيك؟
تشير كثير من أحداث الرواية قبل إنطلاق شرارة الثورة الأولى إلى واقع الدولة البوليسية القامعة لأى حراك سياسى ضد مصالحها، يتضح ذلك فيما تعرض لها شخوص الرواية المحوريون من اضطهاد وتضييق، وصل لللحبس والاعتقال وهتك العرض والتعذيب الشديد والقتل، للحرمان والمطاردة، ولم تسلم حتى الشخصيات الثانوية البسيطة كوالد كامل من براثن الدولة البوليسية وعواقبها حيث يصلل شررها إلى الجميع دون تفرقة، هذا الواقع الذى لم يتغير بعد سقوط نظام وتولى آخر، بصبغة دينية، أو بلحية وجلابية، بل بالتأكيد قد ازداد سوءً وشراسة باسم الدين ومحاربة المفسدين فى الأرض «حد الحرابة»، فتاوى دينية حصرية بالمجان تكفر المعارضين وتأمر بقتلهم، من المسئول عن دماء الحسينى أبو ضيف وجيكا وكريستى والجندى وغيرهم؟! وسلسلة اعتقالات كبيرة للشباب الناشطين؛ فما زال صديقنا محمود صفوت منسق التيار الشعبى بجامعة حلوان معتقلا ولا نعرف عنه شيئا، وحرم من امتحانات الترم الثاني، هذا غير حرب الإشاعات والاغتيالات النفسية للمعارضين.


■ الواقع يحارب كل من يسعى للقيام بثورته الشخصية.. هل يتغير ذلك المبدأ بتغير المكان من القرية إلى المدينة الإقليمية أو القاهرة؟
-الواقع السياسى والاجتماعى هو الواقع نفسه سواء كان فى قرية أو إقليم أو العاصمة، مع اختلاف نسبى بسيط لا يؤثر على صدق المعادلة بتساوى المسافات أو النسبة بين نقاطها، والعقل الاجتماعى كالعادة يرفض كل شىء لم يتعود عليه ويحاربه ربما أو يقف متفرجا ومثبطا، وهنا يصطدم مع كل من يحاول أن يتمرد ويثور عليه، وهدف الثورة الأساسى هو تغيير هذا العقل الاجتماعى السلبى لشرائح المجتمع المختلفة وليس لإسقاط نظام واستبداله بآخر مع بقاء نفس العقل المفكر، لذا فالثورة مستمرة والوضع لم يتغير فى مدينة أو قرية، لأن العقل المجتمعى لم ينهض بعد ويرتق لمعرفة حقوقه ووجباته وكيف يستردها باعتباره مصدر السلطات ولب الديمقراطية.


■ إلى أين فى رأيك يمكن أن يلجأ الإنسان، خاصة أصحاب الذات المبدعة، إذا واجه كل هذا الاغتراب داخل وطنه؟
- المبدع المغترب يلجأ غالبا إلى الكتابة الأدبية للتعبير عن نفسه وليس بالتصريح المباشر، عالم الكتابة أوسع من عالم الوطن وحدوده، ومن حدود الزمن وأبعاده، كلما تماهى الكاتب فى عمله كلما كان أقل غربة وأكثر تحليقا فى عوالم الدهشة والألفة والسعادة.


■ إلى أى مدى تعكس المتاعب والمصير الذى مر به صالون «العودة» بالمنصورة حال الثقافة بشكل عام؟
- يعكس وضع صالون العودة الثقافى الفرق الكبير الشاسع بين ثقافتين متوازيتين فى المجتمع: الثقافة المؤسسية المستهلكة التى تحتضنها السلطة وتتمكن منها الشللية، والثقافة البديلة المنتجة كما فى الصالون وغيره من لقاءات المثقفين حتى فى المقاهى بعيدا عن دائرة الثقافة الحكومية التى تهتم بالأوجد وليس الأجود وبالأكثر إرضاءً لممولها وبالأعظم نفاقا ووصولية، وتحية إجلال لروح الكاتب الصفحى محمد عبدالمقصود الموجى الذى ظل صالونه فى شارع الثانوية بالمنصورة نابضا بالثقافة الحية المعطاءة عقودا حتى وفاته بعد شرارة ثورة يناير بأيام، تلك هلى الثقافة المنشودة.

■ كيف أثرت ضغوط الواقع وإحباطاته المتكررة على نظرة هذا الجيل للحب؟
- الحب بتعبير درويش فى جداريته «أنت حظ المساكين»، نظرة الجيل الصاعد فى الرواية أو القادم لم تتغير تجاه الحب، بل كان المستقر الآمن له والمتنفس الجميل فى معترك حياته المنغِصة وواقعه المحبِط، شخصيات الرواية تحب وتعشق وتخرج عن المألوف أحيانا، المرأة ستظل الحائط الأخيرة أو الشجرة المثمرة التى يأوى إليها الرجال فى كل حالاتهم النفسية خصوصا القاسى منها، وعندما يثور يزداد الحنين ويتأكد، وأصارحكم القول أن أفضل علاقات حب وارتباط فى 2011 قد تولدت فى رحم ميادين مصر أثناء أشد لحظات الثورة وأعنفها، «أنت حظ الثائرين أيضا».

■ العنوان يحمل صراعا داخليا بين التفاؤل «القادمون» وبين التشاؤم «هناك» فأى التوجهين هو الغالب على شخصيتك ككاتب؟
- المعرى وصف بالتشاؤم بينما وصف مثلا أبو تمام بالتفاؤل، والحياة مزيج بين الأمرين، وبغلبة أحدهما على الآخر يوصف المرء، وعلى الكاتب أن يكون محايدا فى أعماله خصوصا الروائية قدر الأمكان، فلا تطغى عليه النظرة التشاؤمية ككافكا فى معظم أعماله أو التفاؤل المحض كويلهو فى أدبه، أنا من عشاق المنطقة الرمادية، لا إلى «القادمون» ولا إلى «هناك»، حاولت أن أتفاءل فخذلنى التفاؤل، وتشاءمت مرارا فلم أفلح، من الأفضل أن أظل معلقا بين السماء والأرض، قرطاسى على الأرض وقلمى يقطر من بين سحابتين، «متشائل»!!


■ أنت تجمع بين كتابة الشعر والرواية.. فهل تحمل شاعرية الشعر إلى الرواية أم تحمل واقعية الرواية إلى الشعر؟
- الكاتب الغربى لا يجد مأزقا بين الاتجاه لكتابة الشعر والاتجاه فى نفس الوقت للرواية والقص، فكثر منهم شعراء وقصاص، آرنست همنجواى نشر أول أعماله الأدبية «ثلاث قصص وعشرة أناشيد»، وصاحب رواية «البؤساء «هوجو كان شاعرا فى الأساس، وعندنا فى مصر يجد اتحاد الكتاب مثلا مأزقا كبيرا فى تعريف العضو إذا تقدم له بعملين إحداهما شعر والآخر رواية، لقد بدأت شاعرا، ولا أدرى هل أخطأت أم أصبت طريقى إلى الرواية؟! ولكنى ماض فى عالم الأدب بكل طرقه وزقاقه، أخذ على الناقد د. أشرف على حسن فى دراسته التى نشرت بكتاب مؤتمر الأدباء الشبان مسألة اللغة الشاعرية فى أجزاء يسيرة من الرواية وطالبنى أن أتحلل من لغة الشعر قليلا بها؛ فالسرد الروائى ليس قصيدة شاعرية فى الغالب كما تصنع أحلام مستغانمى فى أعمالها، وكذلك الشعر ليس واقعا روائيا وإنما فن تصويرى شديد التكثيف والترميز واسع الخيال والتأويل.