الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الآثار تختفى فى مركز الترميم بالمتحف الكبير




على بعد أميال قليلة غرب القاهرة، وبالقرب من أهرامات الجيزة، يقع المتحف المصرى الكبير، الذى تجرى الاستعدادات لافتتاحه فى 2015، ليصبح أكبر متحف فى العالم للآثار الفرعونية، جزء رئيسى من مكونات هذا المتحف، هو «مركز الترميم» الذى يعد بمثابة مؤسسة إقليمية فى أعمال الترميم وحفظ التراث الثقافى، والداعم الأكبر لمشروع المتحف المصرى الكبير، سواء فى نقل أو توثيق أو ترميم وتخزين القطع الأثرية للعرض بالمتحف بعد افتتاحه.
 

لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، وبدلاً من أن يمد مركز الترميم الكبير بالقطع الأثرية الجاهرة للعرض، أصبح مركز تهريب واختفاء القطع الأثرية عبر العاملين به، وهذا ليس ادعاء منا، فقد  كشفت مستندات عديدة عن مخالفات فى المتحف المصرى الكبير ونوعية جديدة من الإهمال والاتجار فى حقل الآثار التى يصعب الإمساك بها على مستوى الجانب الفنى والإداري- حسب ما أكدت مصادر خاصة بالآثار- إذ يصعب توثقيها بأوراق رسمية كما أنها لا تمر على التفتيش المالى أو الإدارى أو الفني، وتتمثل فى العينات الأثرية التى تم الكشف عنها بمعامل مركز ترميم المتحف المصرى الكبير، وتتمثل صعوبة الأمر فى عدم التعامل مع الأثر كله كقطعة واحدة لكن مع أجزاء مختلفة ومتفاوتة الحجم والأهمية من الأثر ذاته.

الآثارى سعيد شبل مدير العهد الأثرية بالمتحف المصرى الكبير كشف عن وجود تقرير نهائى يؤكد على وجود 61عينة مفقودة بمعمل الميكروسكوب الالكتروني، ومعمل حيود الأشعة السنية فقدت منه10عينات، ومعمل الميكروبيولوجى به 5عينات مفقودة، وهناك 305 مستندات تؤكد ذلك، حيث أصدر أسامة أبو الخير المدير التنفيذى القرار رقم  5765 بتاريخ 1 / 11 / 2012بتحويل كل من مسئولى معملى الميكروسكوب الالكترونى الماسح ومعمل حيود الأشعة السينية إلى النيابة الإدارية لكونهما فقدا عينات من المعامل تحت رئاستهما وقد خرجا بذلك عن مقتضى الواجب الوظيفى ولم يؤديا العمل المنوط بهما بدقة.

مزيد من التفاصيل عن الواقعة كشفتها الدكتورة منال ماهر رئيس وحدة الصيانة الوقائية بمركب خوفو والمشرف السابق على معامل الفحوص والتحاليل بالمتحف المصرى الكبير، تقول: أنه فى مجال الآثار يقوم المرمم بأخذ عدد من العينات المتساقطة من بدن الأثر أو نواتج التلف كما يسميها المختصون فى هذا المجال، لإجراء التحاليل والفحوص لتحديد حالة الأثر ومقدار التلف به والتى بناء عليها يتم وضع خطة العلاج، وهذه  العينات فى حد ذاتها ثروة لأى باحث ماجستير أو دكتوراه فى الآثار، ويمكن من خلال دراستها وتحليلها وفحصها قراءة تاريخ الأثر وطريقة صناعته ونوعية البيئة التى كان مدفونا بها قبل الكشف عنه، وغيرها من المعلومات الأثرية المهمة التى يمكن أن تغير لنا مجرى التاريخ.

ومن الطبيعى بعد الانتهاء من التحاليل والفحوص أن يتم إرجاع هذه العينات إلى المرمم أو الآثارى لإعادتها لجسم الأثر نفسه، بينما يتم الاحتفاظ بالأخرى فى بنك للعينات للقيام بأى من التحاليل الأخرى فيما بعد وذلك حتى لا يتم اللجوء إلى اخذ أخرى بالمستقبل سواء لتأكيد النتائج أو لظهور مظاهر تلف أخرى على الأثر، وهذا البنك يمكن أن يرجع إليه أى مرمم أو آثارى تحت ضوابط معينة فى أى وقت، كما تخزن بهذا البنك جميع نتائج التحاليل التى تمت بالفعل على هذه العينات.

  وتابعت: إلا أن ما يحدث فى معامل الفحوص والتحاليل بمركز ترميم المتحف الكبير عكس ذلك، حيث تختفى وتفقد بعض هذه العينات بعد تحليلها كما تختفى نتائجها بالأجهزة، إذ نمى إلى علم المدير التنفيذى لمركز معلومات قدوم بعض باحثى الماجستير والدكتوراه المصريين والعرب إلى مركز ترميم الآثار بالمتحف فى عدم وجوده بدعوى مجيئهم إلى قيادات المركز، وعلى الفور أمر بإجراء جرد لكل محتويات المعامل من كتب وأثاث وعينات وخلافه، وبعد انتهاء الجرد كانت المفاجأة أن بعض المعامل فقد منها عدد كبير جداً من العينات يصل إلى النصف، رغم أن أجهزة تلك المعامل غير مستهلكة للعينات، وأقر القائمون عليها بذلك.

وبناء عليه قام المدير التنفيذى للمركز برفع الأمر إلى المشرف العام على المشروع آنذاك لتحويله إلى الشئون القانونية إلا أنه لم يفعل وحوله إلى اللجنة العلمية لإبداء الرأى فى هذا الأمر وتحديد المسئولية القانونية رغم وجود وثائق دالة على إهمال رؤساء معامل الفحوص والتحاليل بالمركز والتى تصل إلى أكثر من 300 مستند، كما أن أعضاء اللجنة العلمية كلهم لا ينتمون إلى كلية العلوم ولم يعملوا أو يرأسوا مثل هذه الأجهزة من قبل طيلة حياتهم.

والأغرب أن اللجنة انتهت من عملها من دون الرجوع إلى أوراق لجنة الجرد أو دفاتر المعمل واكتفت بسؤال الأشخاص الموجهة لهم فقد العينات وتبريرهم لفقدها والذى بناء عليه أقرت اللجنة العلمية بأن هذه العينات ليست لها قيمة رغم يقينهم بضرورة توافر مثل هذه العينات فى أبحاثهم، ولم يتم الرد على المدير التنفيذى أو لجنة الجرد من هذه اللجنة العلمية حتى الآن، والتى لم تنظر إلى اللائحة المنظمة للمركز والتى تنص فيها المادة الثالثة على ضرورة رجوع العينة فى حالة أخذها من بدن الأثر بعد الانتهاء من التحاليل.

كما لم تتذكر اللجنة أن المادة 8 من ميثاق الترميم لعام 1972تنص على ضرورة حفظ العينات الناتجة عن مراحل الترميم، بالإضافة إلى أن الأجزاء المزالة يجب أن تحفظ ما أمكن وتوثقها فى أرشيف خاص يتبع الآثارى، كما نصت المادة 20 من قانون حماية الآثار الجديد»انه لا يجوز رفع أنقاض أو أخذ عينات أتربة أو أسمدة أو رمال من الأراضى الأثرية إلا طبقاً لاشتراطات معينة وتحت إشراف المجلس»، كما تنص المادة 45 على عقوبة مرتكبيها بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سنتين وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو إحدى العقوبتين.

وعندما تم رفع الأمر إلى وزير الآثار د.محمد إبراهيم لتوضيح مدى خطورته، لم يحول الأمر للشئون القانونية بل عاقب رئيس لجنة الجرد د.منال ماهر التى قامت بتقديم المستندات بإنهاء ندبها على الفور من المركز بناء على طلب المتهمين بفقد هذه العينات لتضررهم من وجودها، ولعدم مضايقتهم فيما يقومون به سواء فى العينات-71 عينة-أو على الأجهزة القائمين عليها والتى تعطلت نتيجة عدم خبرتهم وسوء استخدامهم لها، وعلى العكس قام د.مصطفى أمين الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار عند عرض الأمر عليه بتحويله إلى إدارة الشئون القانونية للتحقيق الذى انتهى إلى تحويل كل القائمين على هذه الواقعة للنيابة الإدارية وعودة د.منال ماهر لصالح العمل.

المشرف العام على المشروع آنذاك والمدير الفنى للمعامل كانت لديهما بعض الصلاحيات الغريبة إذ كان يمكنهما السماح لبعض الباحثين بالعمل بهذه المعامل من دون الآخرين حتى الغرباء عن المركز، كذلك السماح لباحثى الدكتوراه من خارج المركز بالدخول وعمل فحص لكل عيناتهم على أجهزة المركز، ومنهم باحثة دكتورا بإدارة ترميم مصر الوسطى سمح لها بفحص عيناتها بالمركز دون قيد رغم أنها ليست من العاملين بمركز ترميم المتحف ولا يحق لها استخدام أجهزته، حيث إن معامل الفحوص والتحاليل بمركز الترميم ليست وحدة ذات طابع خاص ولا يمكنه قبول عينات خارجية وذلك طبقا للجهاز المركزى للمحاسبات والمنشور الخاص بتداول العينات بالمركز الذى يمنع قبول أى عينات من خارج المركز، ولعلنا نفاجأ جميعا لنجد أن أثراً تم تحويله كله إلى عينات أو نواتج تلف تم استهلاكها وفقدانها على أجهزة غير مستهلكة للعينات يقوم على إدارتها إناس غير أكفاء وليسوا متخصصين واخذوا حق غيرهم من أهل الكفاءة والتخصص.

الوقائع المذكورة فى هذا التحقيق الصحفى خطيرة جدا وتحتاج لرد فعل قوى وحاسم، ولذلك قررنا نشر عدد من المستندات التى تثبت كل كلمة جاءت بالتحقيق، ونستعرض بعضها: مستند رقم a: الصفحة الثانية من مذكرة مرفوعة من الشيماء محمد السيد المتهمة أمام النيابة الإدارية بفقد 61 عينة أثرية ونواتج تلف، إلى المدير التنفيذى بصدد إعفائها من كتابة الصيغة الكيميائية للعينة لأن هذا يعرضها للخطأ وعدم الدقة بالنتائج، كما تطلب أن يتم تحديد الصيغة الكيميائية بالتعاون مع معمل حيود الأشعة السينية XRD، وتشير إلى عدم ضرورة اللجوء لأخذ عينات من اثر  لعدم الإضرار به لأن الجهاز غير مستهلك للعينات!

مستند رقم b: المذكرة المرفوعة من أسامة أبو الخير المدير التنفيذى للمركز إلى محمد غنيم المستشار الفنى للمشروع مرفق بها 305 مستندات تحتوى على صورة من تقارير خاصة بمعمل الميكروسكوب الالكترونى الماسح (معمل الشيماء محمد السيد عيد) التى تحتوى على إقرار منها باستهلاك 61 عينة أثناء التحليل - رغم أن جهازها غير مستهلك للعينات نهائياً .

مستند رقم c: مذكرة مقدمة من الشيماء محمد السيد عيد و دينا محمد عطوة للأمين العام للمجلس الأعلى للآثار حينها محسن السيد على طالبين فيها إلغاء ندب د.منال ماهر للعمل بمركز ترميم المتحف المصرى الكبير بتاريخ 28/11/2012 والتى تم تحويلها والموافقة عليها فى اليوم التالى مباشرة من د.محمد إبراهيم وزير الآثار، وهذه تعتبر السابقة الأولى فى تاريخ الجهاز الإدارى بالدولة،أن يطلب زميل (متعاقد آنذاك) قيد التحقيق بالنيابة فى أمر يتعلق بالخروج عن مقتضيات الواجب الوظيفى وعدم تأدية العمل المنوط به إلغاء ندب زميل آخر (مثبت على درجة مالية) ويتم الموافقة عليه من قبل السلطة المختصة وهو ما أصبح موضع جدال بالمركز.

مستند رقمd: إقرار موقع من الشيماء محمد السيد عيد باستهلاك 61 عينة من معمل الميكروسكوب الالكترونى الماسح وهى كيميائية تم تعيينها بالمركز دون المسابقة العلنية التى تم اختيار جميع العاملين بالمركز بناء عليها.

مستند رقمe: إقرار موقع من دينا محمد عطوة يفيد استهلاكها 10 عينات أثرية من معمل حيود الأشعة السينية،وهى الأخرى أيضا تم عملها بالمركز دون المسابقة العلنية.

مستند رقم f: خطاب موجه من أمل محمد لطفى بإدارة ترميم مصر الوسطى إلى الدكتور الحسينى عبد البصير المشرف العام على مشروع المتحف المصرى الكبير تطلب فيه الموافقة على إجراء الجانب التجريبى لرسالة الدكتوراه الخاصة بها رغم كونها ليست من المركز أساسا، والمعامل ليست وحدة ذات طابع خاص ولا يمكنها أن تقبل اى عينات خارج عينات المركز.

مستند رقم g: ورقة مقدمة من محمد أنور سيد مسئول معمل البحوث والدراسات العلمية تفيد بموافقة المشرف العام على المشروع والمدير الفنى للمركز بالموافقة على قيام الطالبة أمل محمد لطفى بعمل 112 عينة جصية بالمعمل مع توضيح خطة العمل بالمعمل والذى يوضح كم العمل الذى سوف يتم على أجهزة المعمل.