الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

يوسف إدريس.. ملك القصة القصيرة المتوج




 
بقلم: خالد بيومى
كالعادة فى إهمال الاحتفاء برموزنا الثقافية مرت الأسبوع الماضى ذكرى ميلاد يوسف إدريس الذى يعد بحق رائد القصة القصيرة فى العالم العربى، بل وملكها المتوج على عرشها بلا جدال. يوسف غدريس الذى ترك الطب من أجل عيون الأدب، يوسف إدريس الذى رفض جائزة نوبل بعد أن علم أن لجنة الجائزة اشترطت أن يتقاسمها معه كاتب إسرائيلى، يوسف إدريس الذى سلط الضوء على مشكلات الريف المصرى الذى يعانى التهميش منذ قديم الأزل، يوسف إدريس الذى عاش بين البسطاء وعبر عن أحلامهم وعوالمهم، لقد كتب قصة «مشوار» وهو يركب الأتوبيس أثناء مروره بباب الخلق وكان يعمل طبيبًا بوزارة الصحة، وكان يكتب مسودة القصة لمرة واحدة ويعتبر القصة الجيدة هى بمثابة أول قطفة، حيث كتب قصة «نظرة» خلال عشر دقائق. فى المقابل كتب قصة «الكنز» أكثر من عشرين مرة، ورغم ذلك لم تجئ كما يهوى، والكتابة لديه تبدأ بالتسخين كأنه يخوض مباراة كرة قدم فيقوم بكتابة رسالة لأحد اقاربه فى البلد أو لأخيه، ويظل يكتب الخطاب حتى يستشعر درجة ما من الإحساس بالفرح وامتلاك القدرة على الكتابة وعندما ينتهى من الكتابة يكافىء نفسه بشراء علبة سجائر «كرافن» أو يذهب إلى سينما، حيث كان يشعر بأنه غير جدير بشىء طالما توقف عن الكتابة.وكان يرى أن الاستسلام للعلاقات الأسرية تبديد لطاقة الكاتب.

لقد كان يوسف إدريس كاتبًا استشرافيًا وكاتب نبوءة، حيث كان فى طليعة جيل الأربعينيات والخمسينيات الذين مهدوا لثورة يوليو 1952 لتحقيق الاستقلال السياسى والاقتصادى والثقافى من خلال تأميم قناة السويس والتمصير وبناء السد العالى والمد القومى العربى وحركات التحرر الوطنى، ولقد ظل كاتبًا هاويًا لم يدرس الأدب بالمنهج العلمى الصارم لكنه اقتحم عالم الأدب من بوابة السياسة والثورة، حيث هو صاحب مقولة: «الكاتب روحه معلقة بروح شعبه فى مشنقة واحدة، أو فى باقة حرية واحدة»، لقد انضم يوسف إدريس إلى صفوف التيار الماركسى قبل ثورة يوليو لذلك جاءت قصصه معبرة عن التلاحم بتناقضات وتحولات الثورة الوطنية المصرية والبعد السياسى لها، كما أن كتاباته تجمع بين عمق المعنى الإنسانى والانتماء للمهمشين ولم يتوقف نقاد الأدب اليساريين عند مجموعاته الأولى «أرخص ليالى»، و«جمهورية فرحات» التى اصبحت علامة بارزة على تطور فن القصة القصيرة فى مصر لكن كتب عنه: إحسان عبد القدوس وأحمد بهاء الدين وأنيس منصور، كما كتب عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين مقدمة (جمهورية فرحات) ونصحه ألا يترك الطب ولقد علم يوسف إدريس المثقفين درساً كبيرًا مفاده أن الكتابة موقف وكتب عنه الدكتور شكرى عياد مقالًا تحت عنوان (أسطورة يوسف إدريس) يقول فيه: «يوسف إدريس ظاهرة شاذة، يملك لغة قصصية لا يملكها أى قصاص آخر ممن قرأت لهم، إن السرد الذى يبدو مشكلة لكل كاتب، والذى يكاد يمثل عبئا عند النقاد هو أمام يوسف إدريس مرج أخضر نسيج يمرح فيه، ولا يتركك حتى تجد نفسك منطلقا معه، سرد فيه كل ما فى القصص من جمال، مزيج، كوكتيل، ساحر منعش من الوصف والحدث والحوار لا يتميز فيه عنصر بمفرده، دون أن نحس باختلاف فى الاسلوب، ولكن المزيج هو عبقرية يوسف إدريس.