الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التحليل النفسى لقيادات جماعة الإخوان المسلمين (سيد قطب 3).. الحلقة (12)




كتب: دكتور على الشامى
 
البدائى

يقول نيكوس كازانتاكيس: ما أن نولد حتى تبدأ محاولاتنا فى أن نخلق ونبتكر أى أن نجعل للمادة حياة، أى نولد فى كل لحظة، لذا جاهر البعض ولا أبالغ إن قلت الكثيرين بأن هدف هذه الحياة هو الخلود، فى الاجسام الحية الفانية يتصارع هذان التياران، الصاعد نحو التركيب، نحو الحياة، نحو الخلود، الهابط نحو التحلل، نحو المادة، ويقول أيضا فى وصف هذين التيارين «أن كليهما مقدس»، انتهى كلام كازانتاكيس، ويقول فرويد سابقا كازانتاكيس زمنيا: «إن الإنسان يحمل داخله – فى النفس اللاوعاية – رغبتين أحدهما هى رغبة البناء ودعاها بالايروس، والأخرى رغبة الهدم وسماها الثانتوس، وفى بدء مشروعه العلمى أكد سيجموند فرويد على أن الإنسان تحركه الدوافع طبقا لغرائزه الجنسية فقط، تعرض بعدها لانتقادات شديدة ورفض أشد فى الأوساط العلمية والطبية أجبرته على تعديل آرائه فى نهاية حياته إلى مفهوم أقل حدة وهو أن الجنس هنا المقصود به كل صور البناء والحياة، والعدوان هنا والتدمير المقصود كل الصور السلبية والهدم والرذائل حتى المعنوية منها بل خصوصا المعنوية منها والتى يمكن أن تندرج تحت هذا اللواء.

وفى الفترة الأخيرة ابتليت بلادنا ليس فقط بطوفان من النوع الثانى الهدمى والتدميرى بل بتمكن هذا الطوفان لفترة من مقدرات البلاد ومفاصلها، أما الطوفان فهو جماعة إرهابية هى الإخوان، أما الابتلاء فهو مشروعها المقصود به التمكين لها فى جميع أرجاء الدولة المصرية فيما عرف اعلاميا بمشروع الأخونة، وقام على هذا المشروع الخطير الغريب عن مصر مجموعة من الشخصيات اغرقت البلاد فى فوضى لا مثيل لها، حتى لفظت مصر شعبيا هذا الكيان الإرهابى الغريب النبت، نهدف هنا بالاساس لمحاولة فهم ما يدور فى نفوسهم وبعض الديناميات لهذه الشخصيات التى تقود الجماعة الإرهابية، ما هو التكوين النفسى لهذه الشخصيات؟ هل هى شخصيات سوية ام بها خلل ما؟ سنحاول جاهدين بلا إفراط ولا تفريط أن نوغل برفق فى تحليل نفسى بسيط لهذه الشخصيات التى ظلت طوال عام كامل من حكم الإخوان تطل على الساحة تحت الاضواء حتى أفول نجم الجماعة فضلا عن سيطرتها على مقاليد الأمور بالدولة بعد ثورة 30 يونيو. .
الحديث عن قطب ثرى جدا، فشخصية الرجل تحمل الكثير من الملامح الجدلية من ناحية طبيعة الشخصية ومن ناحية أخرى طبيعة الخطاب أو الأفكار التى يقدمها الخطاب والذى يعد بامتياز وبلا أى مواراة أو تجنى هو الخطاب المؤسس لكل جماعات التطرف والإرهاب الفكرى فى العالم.

الملامح العامة لشخصيات الإخوان تكاد تكون واحدة ولكن طبيعة قطب تجعل الأمر مختلفا فى تفاصيله بمعنى أن تجد شخصا يتبع الإخوان تنظيما أو فكرا يحمل أفكارا هدامة تجاه المجتمع الذى يعيش فيه لصالح جماعة صغيرة، فهو أمر شائع أما لو نظرت فى ملامح شخصية قطب ستجد أن العنف متولد من أفكاره ذاتها لذلك فلا حديث هنا عن أن الشخصية تحمل سمات عنف أو سيكوباتية ولكن الحديث هنا له خصوصية فمنبع العنف نفسه من هذا الرجل الضئيل الجسم العنيف فكريا.

ملامح البارانوية أيضا مؤسسة لنفسية سيد قطب فمن أهم ملامحها تضخيم الذات والشعور بالعظمة، وتجد الذات هنا – وهذا أمر مهم ولافت جدا – تتوحد مع الفكرة، بمعنى أن أى اعتداء على الفكرة هو اعتداء على الشخص وبالتالى الذات ومن ثم يستوجب ذلك التهديد الدفاع عن النفس - الفكرة - وبالتالى ولأن الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام الأضعف فكريا هو العنف ولأن هناك نكوصا وعودة إلى البدائى داخل الإنسان فتجد أن العنف يأخذ شكلة الايجابى بالضرب والجرح وصولا إلى القتل والقتل الجماعى أحيانا وكل صور العنف الإرهابى الممكنة.

 فى كتابة «معالم فى الطريق» يقول قطب: «تقف البشرية اليوم على حافة الهاوية»، وهنا أمر دلالى جدا، أى أن التهديد الذى يمثله الغرب - الكافر - المهدد هو فى حد ذاته انهيار للبشرية يستوجب الدفاع عنها بالعنف الفكرى الذى تلا، وهنا نجد حيلة دفاعية تدعى «التبرير» وهى أن يقوم الشخص على مستوى اللاشعور بمحاولة إصباغ صبغة أخلاقية على مايفعل وتبريره ثم تندمج الملامح البارنوية فى لحظة أخرى مع الدوافع النفسية لنجده يقول «لابد من قيادة جديدة للبشرية» فى نفس المصدر، إذن فهنا إعلاء وتضخيم للذات النرجسية أصلا مع الملامح البارانوية، وكأنه يقول نحن أولى بالقيادة أو دعنا نقل بصراحة: «أنا أولى بالقيادة» فالأمر كما اتفقنا شخصى جدا، فى بعض الأحيان الرجل يخاطب نفسه قائلا أنه الأقل حضاريا الناكص إلى الجذور محاولا التشبث بها أمام آخر كاسح لكل ما هو أمامه، منطلق فذ مكتسح قوى، أقف أمامه مصدوم وأنا نرجسى لا أقبل أن انكسر، إذن فلنغير القيادة، أنا أولى منه وليكن بالعنف إن لزم الأمر.
لاحظ هنا تأكيدا على المعنى السابق مقولة أخرى نوردها للتأكيد ذكرها فى كتبه الشهير «فى ظلال القرآن» حين يقول «والإسلام – وحده – هو الذى يملك تلك القيم وهذا النهج» لاحظ هنا كلمة وحده، أى أنه حتى لايقبل التعدد أو أن يكون آخر على صواب لاحظ ما سبق وذكرناه فى هذا الشأن.

الحديث عن مبدأ الحاكمية الذى أرساه قطب يصب بديهيا فى هذا المحور الذى نحاول مناقشته هنا فى هذا الصدد، فتجد الرجل يطرح فكرة أن الأمة المطلوب لها سيادة العالم، ومن خلال أن الحكم لله تنفذ هذه الأمة تعاليمه بشكل طوعى ودون تفكير وهو المبدأ المعروف بالسمع والطاعة الذى دأبت الجماعة على تكريسه، وهو مبدأ مهم بالمناسبة لأى جماعة فاشية سواء كان ذلك باسم الدين أو سوى ذلك، لأنه ليس من المعقول أن يحرك الواحد منا جماعة بشرية كبيرة تجاه أهداف محددة دون تذمر دون مسح - غسيل - عقولهم وهو ما يعرف اجتماعيا «ثقافة القطيع»، ولتنفيذ هذه الحاكمية فى الأرض وترسيخ هذه المبادئ فى الشارع يلزم وجود أمة تنفذ وتطيع، لذلك تجد أن الإخوان يطلقون على عملية منهجة عقول أفراد جماعتهم «تربية»، أى إعداد الفرد وتنشئته، وهو مصطلح ليس خافى الدلالة، فأنت فى أى مجتمع سوى لا تربى الناس إنما تنظم حياتهم وفقا لقواعد هى القانون، أما التربية فهذا شأن آخر.

 ويقول قطب إنه ليس مطلوبا من الحضارة الإسلامية أو المجتمع الإسلامى أن يضيف جديدا للعلوم أو النواحى التطبيقية فى الحضارة الإنسانية لأن أوروبا سبقت بذلك وعلا كعبها، وانما يأتى هنا دور الإسلام من الناحية التنظيمية، أى أنه يقود ويحكم ويتحكم بأفكاره ومنهجه الشريعة، هنا وكأن سيد قطب يقول «حسنة وأنا سيدك»، فهو يقول أيضا: «أن العالم يعيش اليوم كله فى جاهلية من ناحية الأصل الذى تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها، جاهلية لا تخفف منها شيئا هذه التيسيرات المادية الهائلة وهذا الإبداع المادى الفائق»، أى أن كل هذا التفوق الغربى لا يخفف أنه أقل من الأفكار النرجسية التى تدور فى رأس قطب ومن ورائه جماعته كالقطيع.

منتهى النرجسية والانتهازية يمارسها قطب النرجسى المذعور من تحطيم ذاته يمارسها فكريا ضد حضارة هو خائف من مواجهتها ويشعر بالدونية أمامها لإنعدام ثقته فى نفسه، فقطب لا مانع لديه من الاستفادة بمنتهى الانتهازية من الحضارات الأكثر تقدما والأعلى تفوقا منه للوصول إلى غايته ولا مانع من الإندماج – الظاهرى – مع هذه الحضارات لحين، وهو أمر غير سوى أن تضمر لشخص أو كيانا تستظل بمظلته السوء وتعلن له الخير، وكأن سيد قطب لم يسمع عن شىء اسمه النفاق، ولكن وقت اللزوم» تجد الأسماء تتلون كما تتلون الأفعال والأقوال تماما.

اذن فقطب فى منتهى النكوص للبدائية، فكما اسلفنا فإن قطب – من الناحية النفسية – فى حالة إحساس بالخطر من تفوق الآخر عليه ويشعر بالتهديد فنكص إلى قواعده الأولى ثم مالبث ان توحد مع الفكرة التى نكص إليها وصار أى اعتداء عليه هو اعتداء على الفكرة ذاتها وبالتالى انتقل إلى مرحلة الهجوم على الآخر ردعا له أو ردعا لهجوم متوهم انتهى إلى صياغة وتبنى أفكار تطرح العنف البدائى – الإرهاب – كحل أخير لتقليل القلق العصابى الذى ينتابه فى حال التهديد، تهديد ذاته نفسها بالفناء.