الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الشاطر وخطة تفكيك الجيش المصري













 
 
 
يوجد هدف للإخوان المسلمين تسعي إليه بكل الطرق وهو «تفكيك جيش مصر» الذي حمي عقيدته «النصر والشهادة» المغاير لعقيدتهم «حي علي الجهاد»، هذا الجيش المصري لن يمكن الإخوان من السلطة المطلقة في البلاد، بمعني أنهم حتي بعد سيطرتهم علي المجالس النيابية لن تكون لهم قوة مسلحة يعلنون بواسطتها أركان «دولتهم الدينية» ثم بعد ذلك «الأممية الإسلامية» كما يتصورون.
التفكير الإخواني في «التفكيك» جاء نتيجة طبيعية لعدم قدرتهم علي «اختراق» الجيش منذ اغتيال «السادات» وحتي الآن، فلم يعد بمقدورهم استقطاب أو تجنيد أتباع لهم كما كان في السبعينيات أمثال «القمري- الزمر والإسلامبولي».. هؤلاء كانت لهم ظروف مختلفة، وقتها تمكنت الجماعات الدينية المنبثقة عن الإخوان من التواجد في صفوف الجيش بل وفي قلب «المخابرات العسكرية».. التي كان يعمل بها «القمري»، حيث كان المناخ مهيئاً لهم، فالجيش قد جاء لتوه من ميدان حرب 73 ولديه عقيدة قتالية تتلامس مع الفكر الجهادي.. واستغلت التيارات المتطرفة النزعة القتالية المتأججة للاستحواذ علي السلطة خاصة بعد أن وجدوا ضالتهم في زيارة السادات للقدس وانتهاء عصر القتال الذي يهيئ لهم الأجواء «الجهادية» فمثلا قامت جماعة «التكفير والهجرة» التي كان يرأسها «مصطفي شكري» بقتل الشيخ «الذهبي» وزير الاوقاف وقتذاك في يوليو 1977 عندما قاموا بخطفه وبعد اشتباك عنيف مع قوات الأمن تم العثور علي أسلحة خفيفة وسيارة وزي وكراسات إرشاد عسكرية.. فقد كان معاونو «شكري» من المجندين الهاربين من الجندية، كما تمت مهاجمة الكلية الفنية بواسطة تنظيم «شباب محمد» برئاسة «صالح سرية» الفلسطيني الأصل بهدف الاستيلاء علي أسلحة وسيارات ومعدات أخري.
انتهي هذا المناخ بقدوم وزراء حربية قاموا بتوجيه النزعة القتالية الدينية لدي الضباط والجنود إلي مسارها الطبيعي القصير القيام بالواجبات الدينية من صلاة وخلافه وتنظيم رحلات عمرة وحج وإنشاء المساجد بكل الوحدات العسكرية وتأهيل واعظين من الأوقاف للخطابة في المساجد داخل الوحدة العسكرية.. وصار هناك تشديد صارم علي أن تكون العقيدة القتالية بعد اتفاقية السلام «دفاعية» وتغيير اسم الوزارة ليصبح «وزارة الدفاع» وبدأ ذلك مع عهد المشير «أبوغزالة» وتقلد في هذه الأثناء «عمر سليمان» جهاز المخابرات العسكرية وكان دقيقا حريصا علي ألا ينتمي إلي القوات المسلحة أي من الأفراد له خلفية دينية جهادية وحتي الدرجة الرابعة من أقاربه سواء مجنداً أو بالكليات العسكرية أو حتي تطوع.. منذ ذلك الحين والمؤسسة العسكرية تتبني منهجا جديدا لمسايرة الجيوش الحديثة وعدم انخراط أي تيار ديني في صفوفها كما هو متبع في كل جيوش العالم التي تعتمد استراتيجية الدفاع عن أرض الوطن وحماية الشعب وموارده والابتعاد عن «الجهاد الديني» الذي نبذته كل الجيوش.. فلم تعد هناك حرب صليبية أو إسلامية أو حتي يهودية علي الرغم من أن إسرائيل تقوم علي أساس ديني إلا أنها حرمت ومنعت الإسرائيليين المنتمين إلي جماعات دينية يهودية متطرفة من الانضمام إلي الجندية الإجبارية لديها حتي إن بعض الإسرائيليين غير الراغبين في التجنيد يعتنقون هذه المذاهب المتطرفة بشكل يمنع دخولهم الجيش الإسرائيلي هذا بالنسبة لإسرائيل الدولة المبنية علي أساس ديني.. أما جيوش العالم الأخري فقد نبذت الحروب علي أساس ديني وما تحمله من فتوحات وتبشير وكانت أول الحروب الحديثة هي توسعات استعمارية والتي شملتها الحربان العالميتان الأولي والثانية كغسيل سمعة للحروب الدينية التي نبذتها الأديان في ادخال شعوب بالقوة إلي دين ما.. خاصة بعد أن انتهي عصر الرسائل السماوية وكان انشاء منظمة عصبة الأمم المتحدة بمثابة حفظ حقوق شعوب العالم للعيش في سلام وأمان دون إغارة أو غزوات.
وعليه.. فإن الجيش المصري بعد حرب 73 دخل في زمرة الجيوش الحديثة بعد أن غير في اتجاهات المدارس الفكرية العسكرية وأدخل أهمية «العقيدة القتالية» التي تسبق الأسلحة ذات التقنية العالية حيث قضت عقيدة حرب 73 علي عقيدة التفوق التسليحي.. ومنذ ذلك الحين وعقيدة الجيش المصري والاستراتيجية المصرية للجغرافيا السياسية تقوم علي الحفاظ علي الحدود وتأمينها.. وعليه نقلت الجماعات الدينية المتطرفة في مصر نشاطها خارج نطاق استغلال أفراد الجيش الذي آمن بعقيدته الدفاعية، ولكن المتطرفين تغلغلوا بمؤسسات أخري للدولة وظهر ذلك في منتصف الثمانينيات وحتي أواخر التسعينيات وظهرت النزعة الاغتيالية والإرهابية لرموز الفكر والأدب مثل فرج فودة ونجيب محفوظ ومكرم محمد أحمد وبعض المسئولين السياسيين الذين يعكرون صفو هذه الجماعات مثل وزراء الداخلية ورؤساء مجلسي الشعب والشوري.
وفي عام 1991 بدأت استراتيجية جديدة للجيش المصري عندما تولي وزارة الدفاع المشير «حسين طنطاوي» الذي كان متدينا بطبعه وفي الوقت نفسه ملتزما ومتحيزا للعقيدة القتالية «النصر أو الشهادة» في الدفاع عن حدودنا وتأمينها مع الالتزام بتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثة داخل مصر وخارجها وتحويل الطاقة الزائدة في الجيش إلي طاقة عاملة وفاعلة في مجالات التنمية والاكتفاء الذاتي للجيش في كل شيء من الإبرة إلي الصاروخ.
عند ذلك كانت الأجهزة الأمنية بالجيش قد نجحت في القضاء وإخماد التيارات المتطرفة داخلها وأتم «عمر سليمان» رئيس جهاز المخابرات الحربية مهمته بنجاح فأراد «مبارك» أن يستغل قدرات «سليمان» في المخابرات العامة بعد أن انتقلت الساحة الإرهابية للجماعات المتطرفة إلي خلايا متعددة ومتغلغلة في المجتمع.. وكان هذا أيضًا عام 1991 لتنتقل المخابرات الحربية بعد ذلك إلي تلاميذ وأبناء «سليمان» الذين قاموا بإضافة تجاربهم الميدانية في هذا الشأن ومن هنا صارت لدي الجيش «قبضة حديدية» منعت تواجد أي تطرف ديني أو غير ذلك ويحسب ذلك للواء «مرادموافي» الذي صار الآن رئيسًا للمخابرات العامة خلفًا لـ «سليمان» واللواء «عبدالفتاح السيسي» رئيس المخابرات العسكرية الآن الذي لديه الكثير عن خطة تفكيك جيش مصر.
جيش «الشاطر»
بدأ التفكير في تكوين ميليشيا لـ«حرب الشوارع» والانقضاض علي أجهزة الأمن منذ عام 2004، وتحديدًا بعد أن صار «مهدي عاكف» مرشدًا للإخوان بعد وفاة «مأمون الهضيبي» وفي أعقاب الانتخابات البرلمانية عام 2005 وحصول الأخوان علي 88 مقعدًا وهو عدد قليل عما كانوا يأملونه وبالرغم من أنهم أطلقوا علي أنفسهم مسمي كتلة الإخوان تحت قبة البرلمان، إلا أنهم كانوا غير راضين عن هذه النتيجة وأعدوا العدة علي مدار خمس سنوات كاملة للانقضاض علي الدولة وأجهزتها.. حتي كانت ما أرادوا عام 2010 بعد الانتخابات المزورة والتي كان الضوء الأحمر لإشعال ثورة يناير التي أجمع عليها الشباب الثائر الذي لم يعد يحتمل الفساد في كل مكان، والجيش الذي لا يقبل التوريث وكان ينتظر هو الآخر لحظة الفوران والإخوان الذين كانوا علي موعد لينفذوا خطتهم لوضع يدهم علي السلطة في مصر وبانتظار ساعة الصفر التي سوف تأتيهم بأي لحظة ساخنة، وقد انضموا إلي الثورة في 28 يناير بعد أن رتبوا أمورهم تمامًا ومنذ انضمامهم بدأت حرب الشوارع علي الرغم من أن الثوار كانوا مصرين علي أن تكون «سلمية» وهناك شبهات كثيرة تحوم حول ضلوع الجماعة في أحداث وزارة الداخلية أيام الثورة.
وعلينا أن نسأل بعض القيادات الإخوانية من أمثال «محمود حسين» عن أصهاره العاملين ضباطًا بالشرطة.. ونسأل «محمد طوسون» عن ابن شقيقه الذي كان يعمل في مكتب «إسماعيل الشاعر» ونسأل «رشاد بيومي» عن أبناء أشقائه وعددهم نحو ستة في وزارة الداخلية.
وعلينا أيضًا أن نسأل: كيف تم تهريب أعضاء خلية «حزب الله» وبعض عناصر «حماس» من السجون ولم يتم اختراق السجن الذي كان فيه «خيرت الشاطر وحسن مالك»؟
ونرجع مرة أخري لـ«جيش الشاطر» أو «ميليشياته» التي كان أول ظهور لها عام 2006 في جامعة الأزهر التي علي أثرها تم حبس «الشاطر» في قضيتين الأولي تكوين هذه الميليشيات والثانية تمويل تدريبها وفي هذا الإطار كان تصريح «محمد حبيب» النائب الأول للمرشد وقتذاك الذي قاله في حوار صحفي بأن لديهم 30 ألف مقاتل وبعدها تصريح لـ المرشد وقتذاك «مهدي عاكف» لإحدي الفضائيات بأن لديهم مئة ألف مقاتل.
وقال بعض قادة الجماعة في عام 2006 في موضوع تم نشره بمجلة «روزاليوسف» بعنوان «بروفات الإخوان لحرب الشوارع» إن ذلك تطلب منهم تجهيز شباب بمهارات فردية للقوة وكانت هذه الميليشيات التي تم تدريبها أيضًا للاستيلاء علي مخازن الذخيرة وأسر جنود واستعادة زملاء لهم إذا تم القبض عليهم.. كان ذلك نظرية روجها الإخوان وقتها تحت مسمي «العنف المضاد» وهو العقيدة الجديدة لجناحها العسكري «التنظيم السري» الذي ينكرونه لأنه موزع علي جبهات عدة تنسق معهم مثل الجماعة الاسلامية بقيادة الزمر والسلفيين الجهاديين وهم خليط من أتباع حازم أبواسماعيل الذين يؤمنون بالعمل الجهادي وقد ترك «حازم» الإخوان مؤخرًا من أجل إنشاء هذا «السلف الجهادي» الذي بدأه قبل الثورة بأيام قليلة تحسبًا لاحتياجهم لهم أيام الثورة.
وجماعة «الجهاد» التي تتبع «محمد الظواهري» ولديها عقيدة تنظيم القاعدة وكان «أحمد سيف الإسلام» قد قال صراحة بالموضوع حرب الشوارع عام 2006 إن «العنف المضاد» مبرر وإن  القانون لا يجرم ميليشيا الأزهر لأنها لا تحمل سلاحاً.
 ولكن الحقيقة أن التنسيق الذي سبق ذكره مع الجماعات الأخري التي حملها «الإخوان» مسئولية استخدام السلاح، كما حدث في مسجد النور بالعباسية ومن قبلها في بعض التظاهرات ضد الجيش.
 قام بالإشراف علي إعداد وتجهيز «جيش الشاطر» المرشد السابق مهدي عاكف الذي أنهي مهمته عام 2009 وبعدها تقدم باستقالته من منصب المرشد العام ورفض ترشحه لفترة أخري ويعتبر أول مرشد إخواني يترك المنصب في حياته، وقبض «عاكف» ثمن مهتمه «فيللا» من «خيرت الشاطر».
 ولكن لماذا اختيار عاكف لهذه المهمة؟ جاء ذلك بناء علي توفير مكان لتدريب هذه «الميليشيا» خاصة بعد أن أصبحت عيون الأجهزة الأمنية بالدولة مفتوحة علي الأماكن النائية والصحراوية والجبلية التي كانت تتدرب فيها الجماعة الإسلامية والجهاد وغيرهم، فلقد تمكن عاكف من إجراء التدريبات عبر مراكز الشباب المملوكة للدولة وفي وضح النهار، كيف تم له ذلك مع أن «عاكف» تخرج في كلية التربية الرياضية، وترأس معسكرات جامعة «إبراهيم الأول» عين شمس حاليا حتي قامت ثورة يوليو، وانضم مهدي للإخوان عام 1940 وكان آخر موقع شغله في الإخوان قبل 1954 هو رئيس قسم الطلبة والتربية الرياضية بالمركز العام للإخوان، وقبض عليه في نفس العام بتهمة تهريب اللواء «عبدالمنعم عبدالرءوف» أحد قيادات الجيش الذي أشرف علي طرد الملك فاروق، وحكم عليه «مهدي» وقتها بالإعدام ثم خفف الحكم إلي الأشغال الشاقة المؤبدة، وخرج من السجن عام 1974 ليزاول عمله كمدير عام للشباب بوزارة التعمير وبعد ذلك سافر إلي الرياض ليعمل مستشارا للندوة العالمية للشباب الإسلامي ومسئولا عن مخيماتها الدولية، ومؤتمراتها ثم عمل مديرًا للمركز الإسلامي بميونخ بعد أن أصبح عضوا في مكتب الإرشاد عام 1987 وفي نفس العام انتخب نائبا بمجلس الشعب عن دائرة شرق القاهرة وكان متهما في قضية «سلسبيل» عام 96 مع خيرت الشاطر وحكم عليه بثلاث سنوات وخرج عام 99 لينفذ ما اتفق عليه مع «الشاطر» وهو تجهيز ميليشيا تتدرب في معسكرات ووحدات مراكز الشباب التي تتبع الدولة وهي ستار لا يمكن كشفه ولضمان نجاح ذلك اتفق عاكف بدوره مع أبنائه وأصدقائه الذين يعرفهم بحكم عمله بمراكز الشباب من قبل وجند منهم عددا لا بأس به وقاموا بما طلبه منهم بإدماج شباب الإخوان في مراكز الشباب، ولكن وضع برامج التدريب كان مسئولية «عاكف».. هذا التنسيق بين «عاكف والشاطر» قد وجد ترحيبًا مع اختلاف الأجنحة التي ينتمون لها داخل الجماعة، فالشاطر محسوب علي «التيار القطبي» الذي يؤمن بالعنف والقوة في الوصول إلي الغاية وأعضاء جناحه أغلبهم من الحرس القديم الذي عاصر «سيد قطب» واعتنق أفكاره في حين كان «عاكف» من الجناح «التلمساني» وهو ما يطلق عليه «الإصلاحي» أو الإخوان المحدثون وكان ضمن جناحه محمد حبيب وسيد المليجي وعبدالمنعم أبوالفتوح وعصام العريان وغيرهم، وفي النهاية التقت مصالح الجناحين وكانت النتيجة «مليشيا الأزهر» كترجمة واقعية لما اتفقا عليه.. وقد توارت هذه الميليشيا حتي قامت ثورة يناير فصارت في الميدان بأشكال مختلفة، ونتساءل أين هذه المليشيا من الطرف الثالث؟
 علي الجانب الآخر فإن قوات الجيش قد امسكت بعدة خيوط كلها ذات صلة بكوادر إخوانية أولها القبض علي عناصر تنتمي إلي إيران وبعض الدول الإسلامية الأسيوية كانوا مختبئين في شقة مخصصة كمركز إعلامي للإخوان في 22 شارع «خيرت» بضريح سعد.. وأيضا تم رصد تحركات لأحد الكوادر الإخوانية التي تحولت إلي سلفية في الآونة الأخيرة وهو يحصل علي تمويل أجنبي تحت مظلة الدبلوماسية القطرية وهي «ملايين من الدولارات» جاءت رأسا من البنك المركزي الأمريكي.
 ولقد حذر المشير «طنطاوي» عن طريق توجيه رسائل للجماعات والتيارات الدينية بجميع أنواعها وانتماءاتها من خلال المناورات العسكرية.. مؤكدا أنه غير مسموح ولن يقبل ضباط القوات المسلحة وجنودها بتحويل جيش مصر إلي «جيش جهادي» يستغله أي من الأحزاب السياسة أو التيارات الدينية في أهواءها السياسية لتتصدر «الأممية» التي يعتنقونها وأكد المشير في  توصية منه للضباط أنه أبدا لن يكون جيش مصر «مكافحاً للإرهاب» وينكفئ علي مشاكله الداخلية كما يحدث في باكستان.

بديع
 

مهدي عاكف
 

عمر التلمساني
 

صالح سرية