السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كش ملك




هانى النحاس
أكثر الكتاب احترامًا.. من يغمس ريشة قلمه فى ضميره.. فلا تخرج كلماته بالأسود «حاقدة».. ولا بالأحمر «دموية».. ولا حتى بيضاء فيها نفاق لحاكم أو خوفًا من سيف المعز أو طمعًا فى ذهبه.
دعنى أحدثك عن لعبة الشطرنج على الطريقة المصرية.. عندما يخرج الملكين «على غير العادة» منهزمين ويتم الزج بهما خلف القضبان ليقف نفس عساكرهما تحرسهما.. بعد أن كان مسئولية هؤلاء العساكر على مر التاريخ أو علي رقعة الشطرنج أن يدافعوا عن الملك بأرواحهم.. ولكن ذهب الملكان وعاش العساكر فى مشهد تاريخى يرسل بإنذار إلى كل رئيس «كش ملك».
قبل أيام جلست فى قاعة محاكمة كنت قد دخلتها للمرة الأولى قبل ما يقرب من العام ونصف العام لحضور محاكمة الرئيس الأسبق حسنى مبارك لمحاكمته على ما اقترفه نظامه طيلة 30 عامًا.. ولكن هذه المرة كانت لمحاكمة رئيس وعد المصريين بأنهار من اللبن والعسل وبعد مرور عام لم يجدوا منه إلا وعودا زائفة.. إنه الرئيس المعزول محمد مرسى.
جلست اتفحص وجه المتهم الذى كان إلى وقت قريب يسكن قصر الاتحادية وبجواره إخوانه وعشيرته.. تذكرته على الفور فى لقائى به قبل أشهر من توليه الرئاسة عندما التقيته أثناء انتخابات مجلس الشورى، وهو يتحدث إلى بمنتهى الحماسة أن الإخوان قادمون وسيواصلون طريقهم نحو الصعود.. كان محقًا.. ولكنه لم يحدد لى إلى أى طريق يسير فيه الإخوان.. وجاءت الإجابة صادمة بعد عدة أشهر.. إنه الطريق إلى القبضان.. و«صعود» ولكنه صعود إلى الهاوية.
وقف الرئيس المعزول خلف القضبان وسط من أتى بهم ليديروا شئون البلاد لإنقاذها من عثرتها.. فكانوا سببًا فى هلاكه وهلاكهم.. وقف مرسى يطالب بشرعيته كرئيس.. ونسى أنه من أنهى شرعيته بنفسه.. وعلا صوته منددًا بما أسماه الانقلاب العسكرى.. وتناسى بأن قراراته كانت سببًا فى الإطاحة به.. وهتف أنصاره منددين بالمحاكمة متناسين أن بضاعتهم ردت إليهم.. رفعوا أيديهم بإشارة رابعة.. متناسين أن رمز صمودهم فى الحقيقة هزيمة اعتبروه نصرًا.. نصر من إشارة رابعة بمدينة نصر.
وليعلم من خلف القضبان ومن خارجها السائرون بالتظاهرات أن لو اعتصام رابعة كان دفاعًا عن الإسلام لكنت من أوائل المعتصمين.. ولو أن تلك التظاهرات كانت دفاعًا عن الحق لكنت ممن فتح صدره وهتفت بأعلى صوتى بصفوفها الأولى.. ولكن دينى علمنى ألا ألقى بنفسى إلى التهلكة من أجل شرعية زائفة.. أو حسبة سياسية طائشة..
مظاهرات تشبه الظاهرة الغامضة للانتحار الجماعى للحيتان.. التى تقرر فجأة أن تلقى بأجسادها على الشاطئ منهية حياتها بعد أن تضل طريقها وسط المحيط هذا هو تفسير علماء البحار لتلك الظاهرة المأساوية التى يسعى إليها جاهدين هؤلاء السائرون نيامًا فى تظاهرات يعتبرونها الطريق إلى الفردوس الأعلى بينما يعتبرها آخرون الطريق إلى الهلاك.