الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إبداع




إشراف: إيهاب كامل
شعراؤنا شموس في سماء الإبداع ينيرون لنا ببصيرتهم وبصرهم طريقنا ويخبرونا ما لم نخبره فيما فاتنا من أمورنا الحياتية فهم بمثابة توثيق وشهادة على عصرهم ونحن نخصص هذه المساحة من الإبداع للاحتفال بالشاعر علي محمود طه المهندس (1902-1949) شاعر مصري من أعلام الرومانسية العربية بجانب جبران خليل جبران، البياتى، السياب وأمل دنقل وأحمد زكى أبو شادى.
يصاحب قصائد طه لوحات للفنان الفرنسى العالمى كلود مونيه 14 نوفمبر 1840 - 5 ديسمبر 1926، رائد المدرسة الانطباعية في الرسم، قام بإنجاز لوحة جديدة عام 1872 م، وسماها «انطباع، شمسٌ مشرقة»، ولما كان الأول فى استعمال هذا الأسلوب الجديد من التصوير، فقد اشتق اسم المدرسة الجديدة من اسم لوحته: الانطباعية.
 
الملاح التائه
أيّها الملاح قم و اطو الشّراعا       لم نطوي لجّة اللّيل سراعا
جدّف الآن بنا في هينة                       وجهة الشّاطئ سيرا و اتّباعا
فغدا يا صاحبي تأخذنا                        موجة الأيّام قذفا و اندفاعا
عبثا تقفو خطا الماضي الذي            خلت أنّ البحر واراه ابتلاعا
لم يكن غير أويقات هوى                      وقفت عن دورة الدّهر انقطاعا
فتمهّل تسعد الرّوح بما                       وهمت أو تطرب النّفس سماعا
ودع اللّيلة تمضي إنّها                          لم تكن أوّل ما ولّى وضاعا
سوف يبدو الفجر في آثارها              ثمّ يمضي في دواليك تباعا
هذه الأرض انتشت ممّا بها    فغّفت تحلم بالخلد خداعا
قد طواها اللّيل حتى أوشكت    من عميق الصّمت فيه أن تراعا
إنه الصّمت الذي في طيّه                   أسفر المجهول و المستور ذاعا
سمعت فيه هتاف المنتهى               من وراء الغيب يقريها الوداعا
أيّها الأحياء غنّوا و اطربوا               و انهبوا من غفلات الدّهر ساعا
آه ما أروعها من ليلة                          فاض في أرجائها السّحر و شاعا
نفخ الحبّ بها من روحه                   ورمى عن سرّها الخافي القناعا
و جلا من صور الحسن                     لنا عبقريّا لبق الفنّ صناعا
نفحات رقص البحر لها                    وهفا النّجم خفوقا و التماعا
و سرى من جانب الأرض صدى      حرّك العشب حنانا و اليراعا
بعث الأحلام من هجتها                    كسرايا الطّير نفّرن ارتياعا
قمن بالشّاطئ من وادي الهوى    بنشيد الحبّ يهتفن ابتداعا
أيّها الهاجر عزّ الملتقى                    وأذبت القلب صدّا و امتناعا
أدرك التائه في بحر الهوى    قبل أن يقتله الموج صراعا
وارع في الدّنيا طريدا شاردا              عنه ضاقت رقعة الأرض اتّساعا
ضلّ في اللّيل سراه ، و مضى    لا يرى في أفق منه شعاعا
يجتوي اللاّفح من حرقته                    وعذاب يشعل الرّوح التياعا
و الأسى الخالد من ماض عفا    والهوى الثّائر في قلب تداعى
فاجعل البحر أمانا حوله                 واملأ السّهل سلاما و اليفاعا
و امسح الآن على آلامه                     بيد الرّفق
 

 
ميلاد زهرة
يا شعراء الرّوض أين البيان ؟    أين أغاريد الهوى و الحنان؟
قد ولدت في روضكم زهرة    يا حسنها بين الزّهور الحسان!
حلم الفراشات ، و حبّ النّدى    و خمرة النّحل و سحر الأوان
قد بشّر الأرض بها مرسل    مجنّح من نسمات الجنان
و النّور سرّ في ضمير الدّجى    و الفجر طيف لم يبن للعيان
أبصرتها تهفو على غصنها    في وحشة اللّيل و صمت المكان
بيضاء و حمراء تزهى بها    عرائس النرجس و الأقحوان
تظلّ تصغي ، و تظلّ الرّبى     و العشب ، و الجدول ، و الشّاطئان
و ليس منكم حولها هاتف    تسكب موسيقاه سحر البيان
هل ملّت الخمرة أقداحكم    أم نضبت من خمرهنّ الدّنان
قوموا انظروا الظلّ على                مهدها يرقص فيه قمر الإضحيان
لو تقدر الأنسام زفّت                     لها أربعة الفردوس في مهرجان
و أسمعت خفق أنفاسها                   صوت البشيرات و شدو القيان
يا شعراء الرّوض كم زهرة    ميلادها من حسنات الزّمان
حسبي من الدّنيا على شدوكم    زهر و خمر ووجوه حسان
 

قيثارتى
بدّدت يا قيثارتي أنغامي                            ونسيت لحن صبابتي و غرامي
مرّت ليل كنت مؤنستي بها             وعزاء نفس جمّت الآلام
تروين من طرب الصّبا و حنينه             وتذهبّين حواشي الأحلام
كالبلبل الشّاكي رويت صبابتي             لحنا تمشّى في دمي و عظامي
أنشودة الوادي و لحن شبابه             ذابت على صدر الغدير الطّامي
شاق الطّبيعة من قديم ملاحني           أصداؤك الحيرى على الآكام
و شجا البحيرة و استخفّ ضفافها       لحن كفئر موجها المترامي
ياربّة الألحان غنّي و ابعثي             من كل ماض عائر الأيّام
هل من نشيدك ما يجدد لي الصّبا      ويعيد لمحة ثغره البسّام
و يصوّر الأحلام فتنة شاعر                   توحي الخيال لريشة الرّسّام
وادي الهوى ولّت بشاشة دهره               وخلت مغانيه من الآرام
طارت صوادحه و جفّ غديره            وذوى بشطّيه النّضير النامي
و اعتاض بهمس النّسيم بعاصف          داو يشقّ جوانب الأظلام
و هو الصّدى الحاكي لضائع صرختي         وصداك بين الغور و الآكام
قد كن ألاّفي و نزهة خاطري                  وسماء وحي الشّعر و الإلهام
مالي بهنّ سكتن عن آلامي؟                  أنسين عهد مودّتي و ذمامي ؟
يا ربّة الألحن هل من رجعة                  لقديم لحنك أو قديم هيامي؟
فاروي أغانيّ القدامى ، و انفثي            في اللّيل من نفثات فلبي الدّامي
علّ الذي غنيت عرش جماله                 وطفقت أرقب أفقه المتسامي
تشجيه ألحاني فيسعدني به                طيف يضنّ عليّ بالإلمام
مالي أراك جمدت بين أناملي             وعصيت أنّاتي و دنعي و إلهامي
خرساء لا تتلو النّشيد و لا تعي          سرّ الغناء و لا تعيد كلامي
يغري الكآبة بي و يكسف خاطري      أنّي أراك حبيسة الأنغام
 

 
انتظار
طال انتظارك في الظّلام و لم تزل    عيناي ترقب كلّ طيف عابر
و يطير سمعي صوب كلّ مرنّة    في الأفق تخفق عن جناحيّ طائر
و ترفّ روحي فوق أنفاس الرّبا    فلعلها نفس الحبيب الزّائر
و يجفّ قلبي إثر كل شعاعة    في اللّيل تومض عن شهاب غائر
فلعلّ من لمحات ثغرك بارق    و لعله وضح الجبين النّاضر
ليل من الأوهام طال سهاده    بين الجوى المضني و هجس الخاطر
حتى إذا هتفت بمقدمك المنى    و أصخت أسترعي انتباهة حائر
و سرى النّسيم من الخمائل و الرّبى    نشوان يعبق من شذاك العاطر
و ترنم الوادي بسلسل مائه    و تلت حمائمه نشيد الصّافر
و أطلّت الأزهار من ورقاتها    حيرى تعجّب للربيع الباكر
و جرى شعاع البدر حولك راقصا    طربا على المرج النّضير الزّاهر
و تجلّت الدّنيا كأبهج ما رأت    عين و صوّرها خيال الشّاعر
و مضت تكذّبني الظّنون فأنثني    متسمّعا دقات قلبي الثائر
أقبلت بالبسمات تملأ خاطري    سحرا و أملأ من جمالك ناظري
و أظلّنا الصّمت الرّهيب و نحن في    شك من الدّنيا و حلم ساحر
حتّى إذا حان الرّحيل هتفت بي    فوقفت و استبقت خطاك نواظري
و صرخت باللّيل المودع باكيا    و يداك تمسك بي و أنت مغادري
يا ليتنا لم نصح منك و ليتها    ما أعجلتك رحى الزّمان الدّائر
و لقد أتت بعد اللّيالي و انقضت    و كأنها الدّهر لم نتزاور
بدّلت من عطف لديك ورقة    بحنين مهجور و قسوة هاجر
و كأنني ما كنت إلفك في الصّبا    يوما و لا كنت في الحياة مشاطري
و نسيت أنت و ما نسيت أنني    لأعيش بالذكرى...لعلك ذاكري !!!
 

 
اعتراف
إن أكن قد شربت نخب كثير    ات و أترعت بالمدامة كأسي
و تولّعت بالحسان لأنّي                    مغرم بالجمال من كلّ جنس
و توحدّت في الهوى ثم أشركـ    ـت على حالتي رجاء و يأس
و تبذّلت في غرامي فلم أحـ    ـبس على لذّة شياطين رجسي
فبروحي أعيش في عالم الفنّ    طليفا و الطّهر يملأ حسّي
تائها في بحاره لست أدري ،    لم أزجي الشّراع أو فيم أرسي
لي قلب كزهرة الحقل بيضاء            نمتها السّماء من كلّ قبس
هو قيثارتي عليها أغنّي                   و عليها وحدي أغنّي لنفسي
لي إليها في خلوتي همسات    أنطقتها بكلّ رائع جرس
كم شفاه بهنّ من قبلاتي                     وهج النّار في عواصف خرس
و وساد جرت به عبراتي                     ضحك يومي منه و إطراق أمسي
أيّهذي الخدزر ! أنوارك                      الحمــراء  كم أشعلت ليالي أنسي
أحرقتهنّ ! آه لم يبق منهنّ    سوى ذلك الرّماد برأسي !
 
أميرة الشرق

يا بشير المنى ، أحلم شباب          مرّ بالنهر ، أم غرام جديد ؟
أم شدا الأنبياء بالضّفة الخضر          اء أم قام للملائك عيد ؟
مهرجان ، ممالك الشّرق فيه            دعوات ، و فرحة و نشيد
و هتاف بالشّاطئين صداه             تتناجى به الملوك الصّيد
اسلمي يا أميرة الشّرق و احكم            ملك الشّرق ، ما يشاء الخلود
يوم نادتك باسمك العذب فريال         : أبي هلّل الزمان السّعيد
دمت ، أيّامك الحسان شباب             ولياليك كلهنّ سعود