الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى احتفالية «روزاليوسف» بـ«عميد الأدب العربى» طه حسين يوافق على 30 يونيو ويرفض الإخوان»




 
 

 
 
مسترجعا ذكرياته تحدث الناقد د.عبدالمنعم تليمة: أيام طه حسين لم يكن أمامنا غير الإذاعة المصرية، وكان طه حسين يخاطبنا عن طريق الإذاعة كل خميس فى تمام الساعة 9 مساء، الكل ينتظر سماعه، ومن لا يمتلك راديو يستمع إليه فى المقهي، وكان يتعامل مع العلماء بمنهجية العلماء ولغة العلم و مصطلحاته، ويتعامل مع الطلاب بلغتهم، ويجيد التعامل مع الجمهور، ويقول باستمرار «أنا فقير منحاز للفقراء»، أما خطابه فكان يبتدئه قائلا: «آنساتى سيداتى وسادتي»، وكان توقيت نجومية طه حسين هو الوقت الذى ظهرت فيه الطبقة الوسطى من المجتمع، فظهور هذه الطبقة كان عماد التقدم وقاطرته، وهذا يعنى دخولنا  فى الحداثة، النهضة فى العصر الحديث تعنى الكثير، فى الموسوعات والمعاجم الكبرى  فى العلوم الإنسانية لو بحثنا عن معنى كلمة نهضة سوف تنصرف إلى أمرين، النهضة الأوربية التى كانت فى غرب ووسط جنوب أوروبا فى ألمانيا وايطاليا  فرنسا وانجلترا واسبانيا، الأمر الثانى النهضة المصرية.
يكمل تليمة: كان طه حسين يقول: «مصر فى قلب العالم، أنا أفريقى آسيوى شرق أوسطى بحر متوسطي»، فمصر على خريطة العالم مبدعة الثقافة، ثقافة البشرية هنا فى مصر، أما الثقافة حين نتحدث عنها فلها أربعه أعمدة، هى الفن كعماد متين للثقافة، هذا أولها، العماد الثاني: الدين، قصة الحياة والموت والخلق، ثالثا :الحكمة والفلسفة، ورابعهما هو العلم، وللعلم القيادة والريادة للمستقبل، ولكن العلم يمكن تحصيله فى سنوات قليلة، لأن العلم كمي، لكن الدين والفن والحكمة والفلسفة تراكم يحصل فى آلاف السنين، ومن هذه الأعمدة الأربعة نجد إذن أن الثقافة تكون محض مصري، والنهضة فى مصر تختلف عن النهضة الأوروبية التى كان وراءها تاريخ كبير أصابه الأفول وبعضه مات، المنجز اليونانى اللاتينى كان قد توارى وألمع ما فيه كان المسرح اليونانى العظيم الذى انتهى وبقيت تمثله فى الكنائس دموع السيدة مريم وآلام المسيح، فكانت النهضة الأوروبية إحياء وبعث، أما نهضتنا فى مصر فكانت استئنافا، لأننا لم نرجع إلى التاريخ اليومى أبدا، طوال خمسة قرون، من القرن الرابع عشر إلى التاسع عشر بعد صعود وخمول جاءنا النهوض، عقدنا اتفاقيات مع العالم لم نعد إلى الخلف لم ننقطع عن العالم حتى فى لحظات الخمول فى القرن الثامن عشر، فقد حددت النهضة المصرية غاياتها الأربع، ولكن من صاغ هذه الغايات؟ .. لا أحد ولا قوة فكرية ولا قوة اجتماعية ولا قوة ثقافية ولا مفكر من المفكرين ولا حزب ولا شاعر، إنما تبدت فى كتابات الكتاب وشعر الشعراء، لا أحد اختلف عليها  ولا زاد عليها أو انتقص منها، الغايات لمصر الحديثة هي: تحرير الوطن، لأننا كنا محتلين فكل ألوان الاستعمار مرت علينا، تحديث المجتمع، فخمسة قرون جمدت المجتمع، تعقيل الفكر لأنه كان قد ساد الفكر النقلى - قال فلان وقال فلان وما صنعه الأولون والأقدمون، توحيد الأمة ووحدة الوطن ووحدة الصف للشعب المصري.
يواصل تليمة: باطلاعى على بعض لغات العالم الحديثة وجدت أنه ليست هناك لغة حية حديثة فيها كلمة الوطن إلا فى اللغة العامية والفصحى المصرية لذلك دخل الشعراء من مدخل توحيد الأمة والتغنى بمصر مثل احمد شوقى و سيد درويش، نجد أن الغاية الثانية والثالثة مرهونتان بالغاية الأولى والرابعة، ولكن كيف يمكن تحرير الوطن وتوحيده بدون التحديث والتعقيل، هذا ما فعله طه حسين، هنا الجدل، فالشيخ حسن العطار ورفاعة الطهطاوى والشيخ محمد عليش، هؤلاء الرجال وصولاً إلى محمد عبده الذى أسس «علم الكلام الجديد» الذى كان هدفه إعمال العقل بصرف النظر عن مشكلات  المجتمع، وكان «علم الكلام القديم» درة الفلسفة الإسلامية وكان غايته إعمال العقل لتثبيت إيمان المؤمنين ولدفع شبه المنكرين، إنما طه حسين كان غايته إعمال العقل فى كل شيء حتى لو اتصل بالألوهية، فطه حسين هو صاحب المنهج النقدى التقويمي، أى قوّم كل شيء حتى لو كانت حقيقة تاريخية، ولا نطبقها إلا لو كان فيها جديد.
لذلك نجد أن بيان النهضة المصرية موجود فى كتابات طه حسين، فهو صائغ بيان النهضة، كما أنشأ طه حسين مجلة ورأس تحريرها وكتب فى العدد الأول ما ننشده من النهضة فى الدستور والذى توافقنا عليه حاليا، كان ذلك فى أكتوبر 1945، البرنامج أو كما نقول الآن عقد اجتماعى جديد، تجلى فيها المنهج النقدى التقويمى فى ثلاث حركات: عقلنة تاريخنا، إعادة النظر فى كل التاريخ من منظور عقلى، فالحضارة المصرية القديمة تركت لنا العقل متجليا ومتجسدا فى هياكل الأقصر والأهرامات، ولكن المصيبة فى كلام البشر الذين يجتهدون ويكتب كل منهم بحسب رؤيته وفى عصر آخر يتغير،  فى عام 1931 وجد الدكتور محمد حسين  هيكل وهو يدرس فى أوروبا أن الحضارة المسيحية موجودة فى  كتاب حياة المسيح، مكتوبة بعقلانية مسيحية خالصة من الهوى والأغراض والعصور والتخلف، وحين عاد هيكل إلى مصر وجد طه حسين يكتب «على هامش السيرة» فقال: «من يرد أن يدخل المدخل العقلى فى الإسلاميات يقرأ لطه حسين».
 أما تاريخينا  الأدبى الإبداعى فقد حرره طه حسين، فكان يتصور أن شعرنا هو دواويننا، بدأ بما قبل الإسلام بـ 200عام، المعلقات، القرن الأول للهجرة بعد الإسلام: جرير والفرزدق والأخطل، والقرن الثانى: أبو نواس وأبو العتاهية، القرن الثالث: البحترى وابن الرومى وأبو تمام، القرن الرابع: المتنبى، القرن الخامس: أبو العلا المعرى، وقد قال طه حسين إنه بعد ابو العلاء فقد توقف شاعر البلاط وشاعر الفصحى الفصيحة، وتفجر إبداع الشعب من خلال السير والملاحم مثل  ابوزيد الهلالى، على الزئبق، الظاهر ببيرس، الأميرة وصولا إلى ألف ليلة وبدائع الزهور وغيرها، إذ حرر طه حسين تاريخ إبداعنا وخلصه من بلاط السلطة.
يتذكر تليمة قائلا: فى الثالثة عشرة من عمرى فى إحدى المسيرات وأنا طالب كنا نهتف للوزير طه حسين لأنه يعطينا وجبة مدرسية لم نكن نأكلها فى بيوتنا، لم نكن ندفع مصروفات ويرسل لنا كبار المثقفين والممثلين أمثال زكى طليمات رائد المسرح المصرى والموسيقيين الكبار يعلموننا، وقتها اكتسح حزب الوفد الانتخابات وعرض على طه حسين وزارة المعارف ، وبعد ذلك سقطت وزارة الوفد فى حريق القاهرة، وفى الساعات الأخيرة من حياته 28 أكتوبر 1973 كنا حوله فقال: «أوهمونا  أن الخبز أولا، ثورة  1919فشلت لأنها لم تنظر إلى الديمقراطية الاجتماعية، فالذى يملك خبزه يملك صوته»، وهذه هى خطيئتنا الكبرى أننا تهاونا فى حريتنا الأساسية حتى ضاع الخبز والحريات جميعا.
الدكتور عاصم الدسوقى بدأ بتوضيح بعض المفاهيم قائلا: فى البداية سوف أخوض فى شرح بعض المفاهيم لأن تفسير المصطلحات يسهّل وصف فترة تاريخية كاملة، أتوقف عند مصطلح «النهضة» هو  فى الأصل اللاتينى renaissance  تعنى البعث أو الإحياء ، إنما إحياء ماذا أو بعث ماذا ؟ ولماذا فى التاريخ الأوربى بالتحديد، الحضارة الأساسية فى أوروبا هى حضارة اليونان وهى حضارات الفكر والإبداع والفلسفة وسؤال الكون الذى لا ينتهى إلى إجابة متفق عليها أو محددة، بالتالى سؤال الكون يستمر طرحه وهذا هو موضوع الفلسفة، جاءت المسيحية وانتشرت، انتهى طرح سؤال الكون وأصبح غير مطروح، وسيطرت الكنيسة على التفكير فى أوروبا، وأصبح لا أحد يسأل، مع التطور فى أوروبا جاءت كلمة النهضة لإحياء الفلسفة مرة أخرى لمواجهة مشكلة التسليم لتنتقل إلى التشكك.
 فى هذه الفترة سيطر على التفكير الأوروبى  منطق ارسطو  منذ مطلع القرن الرابع قبل الميلادى حتى ظهر ديكارت، ومنطق ارسطو له ثلاثة أركان (السببية، العقلية، الماهية)، بمعنى أى شيء له سبب وتنظر له بالعقل وإذا لم يتوفر هذا أو ذلك حاول تعرف الشىء من خلال الظاهر، ظل الناس يفكرون بهذه الطريقة ولكنهم أهملوا السببية والعقلية وركزوا على الشكل أو الماهية، حين جاء ديكارت وهو أول من تشكك فى هذا التسليم وطرح من جديد السؤال، وكانت منطقة بحثه الأجرام السماوية أو كما نقول عليها اليوم الكواكب السيارة، دخل إلى المنهج الرياضى وكان يكتب الفروض يصل معها إلى نتائج إذا اختلفت معه يضع فرضا آخر، فكر ارسطو حين وصل إلى العرب أهملوا أهم ركنين فيه، العقلية والسببية لأن طرح السببية مثل سؤال الكون: من خلق الكون؟ فتركوا السببية،  ورفضوا أن يحكم العقل فى كل شىء وقالوا إن العقل قاصر.
 ولكن عجبهم فى منطق ارسطو القياس أو الماهية، أى مشكلة يبحثون لها على أصل قرآنى، مثلا حينما تريد أن تكفر الحاكم خذ نصا من القرآن وهذا هو القياس، مثل تحريم السجائر فلم يرد عنها نص فى القرآن إنما  ورد فى الخمر والمسير فيؤخذ النص ويطبق عليها، فكل هذا أضر بالتفكير إلى يومنا هذا، والغرب تجاوز إهمال العقل والسببية بدءا من ديكارت ووضع الفروض لأنه لا يقبل التسليم، ثم تحدث هيجل عن التناقضات وراء الحركة وأسبابها، و أخذ كارل ماركس قوانين هيجل فى الجدل والتفكير وجعل الأصل فيها ليس السماء إنما الأرض، ماركس قال أنه أوقف منطق هيجل على رجليه، والبحث وراء ظروف مادية اقتصادية وراء الحرب وراء المشكلات، فمن تفسير النهضة السابق هل شاهدنا فى مصر النهضة بهذا المعنى، لا طبعا، النهضة إحياء وبعث القديم الذى كان محرماً وعودة أسئلة الفلسفة مرة أخرى .
يكمل الدسوقى: أما مصطلح الحداثة ، وأصله فى اللاتينى modo من تفريعاتها Modern أى الشىء المختلف عن السائد، مثلا قديما كان المانشيت فى الصحافة يكتب بطريقة الحروف، ثم ابتدع احد الخطاطين «الزنكوجراف» وله شكل جديد فأطلقنا عليه «خط مودرن»، حقيقة نحن لم نستخدم هذا المصطلح فى مكانه، من يتحدثون عما بعد الحداثة هم أساسا لم يصلوا إلى الحديث، لم نصنع  هذا التطور نحن فقط مستخدمين له وليس لنا نصيب فى هذا التطور، وهذا جعل المسافة موجودة وقائمة بين من يصنع الحديث ومن يستخدمه، وهذا تم بسبب احتلال العقل الفكرى على أساس أن الغرب كان متقدما عنا فى التفكير بمنطق «اللى محتاجه يصنعهولك الغرب وانت تشترى» هنا دورك شراء الحداثة فقط، ثمن الشراء هو الإخضاع إلى التبعية، التفكير يأتى من التحدى والحاجة أم الاختراع.
 
 

 
طه حسين انتقل من بيئة التسليم فى مصر إلى بيئة التشكك فى أوروبا، وأعجب بفلسفة ديكارت الشك واليقين والفرض وتحكيم العقل فى كل شيء وبدأ رحلته فى التفكير، ونتساءل لماذا أصدر طه حسين كتاب «مستقبل الثقافة فى مصر» الذى صدر عام 1938 ؟، معظم النقاد الذين كتبوا عن طه حسين وحاولوا أن يفهموا لماذا صدر هذا الكتاب فى هذا التوقيت وقالوا إنه كتب بعد معاهدة 1936، وهذا يعد ربطا بين شيئين لا رابط بينهما أساسا، محنة كتاب «مستقبل الثقافة» هى محنة العقل، بعد عودته من فرنسا وإعجابه بالعقل الفرنسى والحضارة ثم جاء لمجتمع  قائم على التسليم وجاء يدرس الحضارة اليونانية والرومانية، وفى ظنى أن إصدار هذا الكتاب فى هذا التوقيت كان من أجل حسم سؤال الهوية، كانت لدينا تيارات كثيرة جدا، كانت الفكرة الإسلامية التى طرحها جمال الدين الأفغانى واستمرت، والفكرة العربية التى طرحت فى أواخر القرن 19 لمواجهة الدولة العثمانية والسيطرة عليها، والفكرة  الفرعونية (القبطية) التى جاءت بعد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون 1922، بدأ الحديث والجدل هنا بين ثلاثة (الفكرة الإسلامية –  العربية -  الفرعونية القبطية)  وأثناء وجود طه حسين كان الذى يثير الجدل فى الفكرة الإسلامية هو حسن البنا 1933 حيث بدأ وقتها الإخوان المسلمون إنشاء التنظيم  ومكتب الإرشاد وبدأت الفكرة الإسلامية تأخذ شكلها  المتطرف، وهنا انزعج طه حسين وتذكر محنته 1926 مع الشعر الجاهلى ومحنة الشيخ القاضى على عبدالرزاق والجملة التى تسببت فى عزله: «الإسلام دين لا دولة ورسالة لا حكم».
يكمل الدسوقي: سؤال الهوية ما بين إسلامية وعربية وفرعونية قبطية هو نفس سؤال الهوية المثار اليوم من قبل التيارات السياسية المختلفة، طه حسين شغله أن الهوية ثقافة وسلوك، وكتاب مستقبل الثقافة أصغر كتبه حجماً وطه حسين هرب من كل الإجابات السابقة وقال : «مصر لا عربيه ولا إسلامية ولا قبطية ولا فرعونية مصر بحر متوسطية»، وقال أيضا فى الكتاب : «إن مصر ثقافيا وحضاريا هى دولة غربيه، فلماذا ينظر المصريون لأنفسهم على أنهم من أهل الشرق، هل بسبب الدين واللغة؟، مصر كانت عبر التاريخ على اتصال بدول البحر المتوسط وبحر إيجا وأثرت فى حضارة اليونان مثلما أثرت حضارة اليونان فيها».
 وهذا يؤكد أن الكتاب ليس له علاقة باستقلال مصر، طه حسين فى كتاب الشعر الجاهلىأثبت كيف استعمل العقل فى رفض المسلمات، كان يحكم العقل ويخرج من المسلمات فيقول «لا» وأن هذا غير معقول ولا يصدقه العقل، من هذا الرفض يتدخل دور العقل، طه حسين قال فى مقدمة الكتاب « أنا مطمئن أن هذا البحث وإن أسخط قوماً وشق على آخرين فسيرضى هذه الطائفة القليلة من المستنيرين الذين هم فى حقيقة الأمر عدة المستقبل وقوام النهضة الحديثة وذخر الأدب الجديد»، لأنه مؤمن بأن الشعر مرآة العصر ومصر للتاريخ الجاهلى قال طه حسين : «إنى شككت فى قيمة الشعر الجاهلى وألححت فى الشك وأخذت ابحث وأنقب حتى انتهى بى هذا كله إلى أن الكثرة يطلقون على قصائد ما قبل الإسلام شعراً جاهلياً وهى ليست بالجاهلية فى شيء، إنما منتحلة»، وسبب تكفيره كان حديثه عن سيدينا إبراهيم وإسماعيل حين قال: «ورود اسمى إبراهيم وإسماعيل فى التوراة والقرآن لا يكفى لإثبات وجدهما التاريخي، فضلا عن أن إثبات هذه القصة التى تحدثنا عن هجرة إسماعيل إلى مكة ونحن مضطرون إلى أن نرى فى هذه القصة نوعاً من الحيلة فى إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة ونسبة الإسلام واليهودية من جهة أخرى».
 رحلة طه حسين رحلة العقل والخروج من المسلمات والبحث فى الأسباب وتفسير الحدث وهذا هو التفكير العقلى الذى دفع طه حسين ثمنه.
 الناقد الدكتور يسرى عبدالله أستاذ الأدب والنقد الحديث بجامعة حلوان: تمثل استعادة طه حسين استعادة لقيم الثقافة الوطنية المصرية، ولكل قيم التحديث والاستنارة والإبداع، ولعل أفكاره الطليعية هى أشد ما نحتاجه الآن بعد عام من حكم جماعة الإخوان الفاشية والظلامية للبلاد، وبعد أربعين عاما من تحالف الفساد والرجعية، هذه الصيغة التى يحاول بعض المتثاقفين التكريس لها، لقد حارب طه حسين صيغة التحالف المشبوه بين الفساد والرجعية كما يحاربها أى مثقف طليعى حر، ومستقل، ونزيه.
 كان طه حسين ابن أوانه بامتياز، معبرا عن حلم المصريين فى التقدم، ولعل مؤلفه المهم: «مستقبل الثقافة فى مصر»، يحيل إلى أزماتنا بكل دقة، ويضع مشروعا فكريا له ملامح إجرائية واضحة للتعاطى معها، كان طه حسين يدرك تماما جدل العلاقة بين التعليم والثقافة، ويدرك أيضا أن الانفتاح على العالم جزء أصيل من مكونات الشخصية المصرية، وأنه لا عيش فى ظل عالم منعزل، ولم ير فى  ذلك أى تعارض من أى نوع بين الحفاظ على محددات الهوية الحضارية المصرية، وانتمائها الحر إلى عالم رحب، ووسيع.
 طه حسين الأكاديمى والناقد والمفكر المشغول بأمته وناسه دافع وبضراوة عن أفكاره التقدمية التى حملها خطابه المعرفى الفارق، ولم يهادن السلطة ولم يتملقها، انتصر للعقل ولا شىء سواه، وبدا ذلك مثلا فى مؤلفه الذى تعرض للمصادرة: «فى الشعر الجاهلي».
وعن أدب طه حسين فيمكننا أن نعتبره بمثابة الحلقة الواصلة بين النشأة والتكوين والمتمثل فى رواية زينب للدكتور محمد حسين هيكل فى عام 1914، وبين التأسيس الناضج على يد نجيب محفوظ عبر رواياته الأولى بنت الطبيعة التاريخية «عبث الاقدار، ورادوبيس، وكفاح طيبة»، فرواية دعاء الكروان لطه حسين كتبت عام 1934 ونشرت فيما بعد فى بداية الاربعينيات، وربما كان المشروع الأدبى لطه حسين امتدادا حقيقيا لمشروعه الفكرى، حيث الانحياز العارم لكل المقولات الكبرى، التى دشن لها فى مسيرته، والتى يعد ابرزها الانتصار لتلك الجدارة الإنسانية والانحياز إلى إنسانية الإنسان، فشخصيته الفاتنة «هنادى» ضحية حبها وموروثها القاسى فى آن، بل وضحية خيانة الطبقة البرجوازية المتمثلة فى مهندس الري، وأختها «آمنة» تحيا حالا ممزقا بين الرغبة والثأر، بين الحب والانتقام فى صراع كلاسيكى شهير تعرفه أدبيات الكتابة الكلاسيكية. وفى «أديب» يتواشج الذاتى مع الموضوعي، ويتجادلان معا، فى حين تبدو «الأيام» تعبيرا جماليا بديعا عن سيرة روائية تتخذ من الهموم والاحلام والإخفاقات الشخصية والأحلام الكبرى موضوعا لها.
 طه حسين كان أيضا نموذجا للأكاديمى صاحب الضمير اليقظ، والحي، ففى الثلاثينيات، وبسبب خصومه من الرجعيين، والتقليديين، المعادين لخطه التنويري، وبسبب مواقفه الحرة الرافضة التى كان من بينها منح الدكتوراه الفخرية للشخصيات السياسية المعروفة لشهرتها، تعنتت السلطة ضد طه حسين ومارست عدوانا عليه، ونقلته من الجامعة إلى وزارة المعارف، فرفض النقل واعتبره اعتداء صارخا على استقلال الجامعة، وتضامن معه أحمد لطفى السيد، وآخرون.
إن قيمة طه حسين تنبع بالأساس من قدرته على البقاء فى الوجدان الجمعى للأمة المصرية بوصفه واحدا من حملة مشاعل التنوير الحقيقى لا المزيف، ومن قدرته الفريدة على تمحيص الاشياء ومعالجتها بطريقة علمية لا تدعى اليقين ولا تعرف للفهم الجاهز للعالم طريقا، ولذا حاربه الظلاميون وأعداء العقل.
 طه حسين كشأن كل المفكرين الأحرار يظل ابن السؤال، والبحث، والموهبة الحقيقية والأصيلة.
 طه حسين قام بثورة رفض وخرج عن كل المسلمات السابقة التجهيز حتى المسلمات الإلهية واستخدم المنهج الديكارتى، وحين خرج مثله فرج فودة ونصر حامد ابوزيد جميعهم وجهت لهم اتهامات بالكفر، اليوم ونحن بصدد إعداد دستور جديد ودائما ما يكتب فى الدساتير حرية الفكر بما يتفق مع القيم، أليس ذلك يعيدنا إلى سؤال الحرية؟
أجاب المؤرخ عاصم الدسوقى قائلا: فى التاريخ لا توجد حرية مطلقة، الحرية المطلقة ضرب من الخيال، دائما الحريات مقيدة ولكن الفرق فى الاستخدام والتوظيف، واستغرب على من يتغنى أن دستور 23  هو دستور ليبرالى ويعطى جميع الحريات، للأسف كل من يقول هذا  الكلام لم يقرأ الدستور أساسا، فى دستور 23 باب الحريات من الماده (11) إلى المادة (20) مكتوب كافة الحريات،حرية التعبير حرية الفكر حرية الاعتقاد لكنها مكتوبة بشروط، حرية كما منصوص عليها فى القانون حريات وفى حدود التقاليد والأخلاق، بمعنى أنها تكتب (حرية فى حدود) والسلطة الحاكمة هى من يحدد مداها.
 ومثال على ذلك الدستور يقول (لا يجوز إغلاق صحفية ومصادرتها إلا بقانون)، وفى بند آخر من نفس الدستور يكتب (يجوز مصادرة الصحف وقاية للمجتمع من الأفكار الهادمة)  هذا دستور 23، إذا السؤال الدائم .. من يحدد ماهية الأفكار الهادمة التى تضر بالمجتمع؟
وخشيت السلطات البريطانية أن يتفشى اتجاه  هجوم الفقراء على بيوت الاغنياء الذى جاء بعد ثورة 1919 ويقوم المصريون بثورة  شيوعية لأن الفكر الشيوعى بدأ ينتشر فى مصر من أواخر القرن 19  ومعها، فأرسل الإنجليز خطابا باسم شخص مسلم هندى يدعى «سيد أمير على» إلى مفتى الديار المصرية «الشيخ محمد بخيت المطيعى»  وسألوه: ما رأى الدين فى حكم البلشفية الشيوعية ؟ رد المفتى : «إن البلشفية ضد الشرائع السماوية وبالأخص الشريعة الإسلامية»، ونشر هذا فى منشور،  وقد اطلعت على منشور رقم (73) كان ردا من الإنجليز مكتوبا عنوان «اللجنه المستعجلة» وتحتها مكتوب «خدعوك يابخيت و قالوا لك أن البلشفية ضد الإسلام البلشفية هى الإسلام «.
مرت أزمة ثورة 1919 بدون إنهاء أزمة الشيوعية طبعا، ثم بدأوا إعداد الدستور (23) وكان مفتى الديار الشيخ محمد بخيت المطيعى احد أعضاء لجنة الدستور يجلس معه بطريرك الاقباط كمندوبين عن الأزهر والكنسية بعد عده جلسات لإعداد الدستور، اقترح الشيخ محمد بخيت مفتى الديار نصا جديدا وقتها «أن الإسلام دين الدولة الرسمي» أثار النص جدلا وكان هذا بالتأكيد إيحاء بريطانيا لإشعال الفتنة فيما بعد، وقد وضع هذا النص فى مادة (49) وليس المادة الأولى، فى دستور (56) باب الحريات منقول نصاً وحرفا من دستور (23) مع اختلاف لغة العصر.
يكمل الدسوقى:  بعد أن بحثت وأجريت مقارنه للوصول إلى الفرق بينهما، وجدت أن سلطه الحكم قبل  52 النظام الملكى استخدمت هذه المواد للدفاع عن مصالح الطبقة العليا فى المجتمع وضد الطبقة المتوسطة  من المجتمع الفلاحين والموظفين، أما سلطة الحكم بعد ثورة 52 فاستخدمت نفس المواد لصالح الطبقة المتوسطة وضد الطبقة العليا بنفس النصوص وموجود حتى اليوم فى الدساتير، حتى فيما يختص بالمرأة والحرية مع بقاء قيود مثل (حرية المرأة بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية).
وهناك مشكلة أخرى نشأت كرد فعل للانفصال رأس المال والعمل، وكرد فعل لقيود ألا وهو التنظيمات النقابات العمالية أو المهنية، النقابة نشأت خارج حدودها وهم عمال يطالبون بمصالحهم ويدافعون عنها، كان (على ماهر) من البشوات احد أعضاء فى لجنة دستور 23 اقترح أن يوضع فى الدستور مادة ونص «أن العمل يكون تحت حماية الدولة ومن حق العمال تكوين نقابات»، رفضوا اقتراحه وقالوا له : انه لا يوجد فى مصر عمال، لا يوجد غير شركة سجائر وهذه شركة يونانية وشركة الترام وهى بلجيكية».
لكن الحقيقة أن العمال والفلاحين كانوا موجودين فى الريف المصري، ورفض أعضاء البرلمان للمقترح لأنهم فى الأساس من الملاك، حتى لا تنشأ نقابات تثير القلق بين العمال و ملاك الشركات ومات النص ولم يكتب، لكن المفارقة أن رأس المال تجمع فى تنظيمات نقابيه منها اتحاد الصناعات عام 1922 النقابات الزراعية 1922 الغرفة التجارية 1927، لكن العمال شكلوا لنقابات خارج القانون، النقابات مفترض أنها ترعى المهنة والقائمين عليها، النقابات عندنا فى مصر أصبحت تلعب دورا سياسيا وهذا ليس دورها نهائياً .
 أما الإضراب فى العالم كله يكون معدا مسبق مثلا العمال فى معظم دول العالم يقدمون طلبا لنقاباتهم أن لهم مطالب سوف يعبرون عنها ويكون الإضراب مسببا ويكون الإضراب بموافقة صاحب العمل وإذا رفض يكون بوجود محام يتفق بين العامل والمالك وإذا لم يتفق فسوف يستمر الإضراب إذن حتى الإضراب بالنظام وليس الفوضى، وأيضا يبلغ الشرطة قبل الإضراب والشرطة تحمى الإضراب من أى طرف يدخل بينهما، فمثلا إذا قلت أن التظاهر على الرصيف ونزلت من على الرصيف يتم القبض عليك .
فى مصر فى آخر القرن 19 بدأت الجمعيات الأهلية مع دخول الإنجليز مصر وألغوا مجانية التعليم، الأغنياء أنشأوا مدارس ومستشفى وادخلوا الفقراء بنسبة فيها ومع ذلك هذه الفترة دخل اغلب المصريين التعليم فى الأزهر لأنه مجاني، ومن هنا قال طه حسين إن التعليم مجانى كالماء والهواء، والذى صرف على تعليم طه حسين نفسه كان احد الأغنياء فى مغاغةعائلة عبدالرازق، الحكومة خافت من كثرة الجمعيات، فأخرجت الحكومة وقتها قانون اللائحة الداخلية للجمعيات الأهلية والذى صاغ هذا القانون سعد زغلول عام 1897 وكان وقتها قاضيا حكوميا وكتب فيه « عدم الخوض فى السياسة أو الدين».
وفى سؤال تخيلي حول إذا كان طه حسين  موجودا فى هذه الفترة التاريخية فكيف سوف يكون رد فعله على الأوضاع السياسية والثقافية والتعليمية  ؟
أجاب الناقد عبدالمنعم تليمة : التفكير الصحيح هو السعى لمجتمع حديث بشيئين لا ثالث لهم، (المؤسسة والتعددية)، ونبتعد تماما عن أى أقوال يتم إعدادها مثل «السيسى يجى رئيس ولا لأه»، نضالنا الحقيقى ليس فرديا نحن المصريين والمثقفين وأبناء طه حسين وأبناء نهضة تسعى لبناء مؤسسات قوية ذات أسس سياسية عصرية ديمقراطية وترسيخ خطاب تعددى فى مجالات الإعلام، إيمان المجتمع بالتعددية وأن تتسع للآخر، وأجد أن الشباب أكثر من الكبار فى إيمانهم بالتعددية، الجميع فى وعاء واحد من اجل مصر ولهذا قامت الثورة بالشباب والمستقبل سوف يأتى أكيد لكن بتوحيد الأمة وهنا نتذكر إحدى دعائم طه حسين فى توحيد الأمة وأطيافها وفئاتها من أهم أعمدة النهضة والتعليم الثقافى، فى بناء المؤسسات مثل مؤسسة الإعلام لابد أن تأخذها بحس المؤسسة العصرية بمعنى كل ما يهم الصحفيين يكون داخل النقابة وكل ما يخص الجامعة داخل الجامعة، لنعود لنفس المأزق إن مصيبتنا فى خلط الأدوار.
وهذا يعنى أن أولى الأمر هم رءؤس كل مؤسسه الطب مسئول عنه طبيب والتعلم مسئول عنه معلم والهندسة مسئول عنه المهندس  الفن مسئول عنه فنان،  وهكذا لكن أن تصب كل التخصصات والمؤسسات فى قبضة أشخاص محدودين فهذا يجعلها تابعة وتبيعة، السلطان بالمعنى العصرى أو المسئول أن ينفذ ما اتفقنا عليه وليس أوامره الخاصة نحن نفذها .ولا اشك فى المستقبل ما رأيناه من الشباب وخروجهم على مدار سنوات سبقت  25 يناير وصولا بثورة 30 يونيو أثق أن هذا الجيل يدفع مصر إلى مستوى العصر ولا ريب فى هذا.
شباب مصر فى التاريخ شاركوا فى تأسيس البرلمان الشعبى العالمى لأننا فى الأربعينيات بعد الحرب العالمية الثانية طه حسين احد مؤسسى وثيقة اليونسكو ونحن من وضع الإعلان العالمى للحقوق الإنسان 10 ديسمبر عام 1948 وصاغه محمود بك عزمى، وأول قاض لمحكمة العدل الدولية كان عبدالحميد باشا بدوى نحن شركاء فى إقامة العالم العصرى،إنما تعثر النهضة بالاستبداد وحكم الفرد المطلق لذلك أقول أن 25 يناير نهوض النهضة تعثرت وجاء الشباب ونهضوا بها من جديد،أمامنا الآن للمستقبل التحديث بالمؤسسة والتعددية.
وأضاف الدكتور يسرى عبدالله :  25 يناير و30 يونيو ثورتان قام الشعب المصرى الحر ما حدث بعد 25 ثورة يناير من احتلال لمقدرات الدولة من قبل الجماعات المتطرفة والقذف على الثورة، ثورة يناير كسر الاستبداد السياسى وكسر السلطة البوليسية، وثورة 30 يونيو كسر الكهنوت والوصايا التى كانت تنوى الجماعات زرعها فى الهوية المصرية والعودة للفكر الرجعى ومصر بنت التراكم الحضارى ويصعب تدمير هذا التراكم  مصر صاحبة حضارة 7000 عام، الصيغة الجديدة التى ننتظرها أن تكون مصر بنت الثورتين، ولابد أن نبتعد عن التحالف بين الاستبداد والفساد الذى يتجدد مع وجود أطراف تسعى لإحياء الفساد بدل من إحياء النهضة.
يكمل عبدالله: لو كان طه حسين موجودا معنا اليوم كان سوف يرى الصراع كمثقف حر ومستقبل أنه صراع بين الأمة المصرية بكل تنوعاتها وبين جماعات متطرفة بنت الاستعمار الجديد وسوف أدلل هنا انه أثناء وجود طه حسين خارج الجامعة كانت بريطانيا تصرف 500 جنيه لحسن البنا ليقيم جماعة الإخوان المسلمين وهذه مفارقة وربما تخطيط قديم ضد مصر، وان قوة الاستعمار التقليدية عادت بشكل آخر، وهو ضرب عناصر الوطنية بدءا من عناصر التى تشكلت من ثورة 1919، وبدأوا الاستعمار الفكرى وهو ان يشغلك بسؤال عن الدين وما قاله الدين ويبدأ المجتمع المصرى فى الانشغال فى أمور تعرقل نهوضه وتطوره، وننتظر أن تكون الثورة المصرية لها مشروع ثقافى مثل ثورة يوليو عبدالناصر لو كان طه حسين موجودا كان سوف يقدم مشروعا ثقافيا طليعيا.
أما المؤرخ عاصم الدسوقى فيقول: لو كان طه حسين موجودا كان سوف يطعن على جماعة الإخوان المسلمين لأنه ضدهم من البداية، منهج طه حسين عقلى ومع مدنية الدولة ويرفض جدل الإخوان بين الدين ومؤسسات الدولة، سوف يوافق طه حسين على ثورة 30 يونيو ما حدث من إقصاء الإخوان لأنهم إرهابيون وهو يعلم تاريخهم، الدولة الملتبسة بالدين لا تنهض بل تتراجع فى تساؤلات انتهت وقتها بالنسبة لطه حسين . 
السيرة الذاتية عند طه حسين فى كتاب «الأيام» ما هى مساحة طه حسين فى ادب السيرة الذاتية بين كتاب الحداثة، وهل اجتزأ تفاصيل من حياته،وهل العرب كانوا يكتبون السيرة الذاتية قبل طه حسين.
أجاب الدكتور عبدالمنعم تليمة : اخطر حدث فى تاريخ البشرية هو ظهور الطبقة الوسطى لأنها قدمت الفرد تقديما شخصي، قبل العصر الحديث كان الفرد يقدم نفسه يقول مثلا أنا من أبناء عائلة فلن أقول مثلا أنا أفريقى أنا مسلم أنا من أبناء تليمة مثلا وهذا التقديم لا يصف الفرد  بل يرجع الوصف إلى عائلات سابقة، إنما العصر الحديث يقول قل لنا من أنت؟ وماذا تفعل؟ وكأنك أنت العالم، قل إن لك وجدانا متفردا وشخصية ومميزات وملامح خاصة قدم نفسك، ولذلك نقول على هذا التفسير «الاكتشاف العظيم» لأن الإنسان بدأ ينظر إلى الداخل وإلى أعماقه، هو أن تقول من أنت وصفاتك وليس من تنتسب لهم وهنا نشأت الرواية لكى تعبر عن الشخصية حياته وآلامه وطموحه واخفاقاته ونشأة هذا الفن الرواية وفن القصة القصيرة  عام1719  قبل العصر الحديث، السيرة الذاتية فى العصور الوسطى كانت قصة تعبر عن الشخص اللئيم صاحب الحيلة والمكار مثل أبو زيد الهلالى وذكائه،  الرواية فى العصر الحديث تعبر عن الإنسان العادي، نشأة الطبقة الوسطى خدمت الأدب الفرد المصرى شعر أنه موجود فى الأدب .
 توفيق الحكيم من أئمة اللغة العربية لأنه حولها من اللغة تقليدية إلى حوارية مؤسس المسرح إلا أن كتاباته سيرة ذاتية ( عوده الروح – عصفور الشرق –يوميات نائب فى الأرياف – الرباط المقدس) كلها سيرة ذاتية لم يكتب توفيق الحكيم إلا عن وجدانه وذاته، إبراهيم عبدالقادر المازنى، الكاتب عباس العقاد كتب عن نفسه، محمد حسنين هيكل كتب روايته «زينب» هيكل  نفسه هو بطل الرواية .
 فن الرواية كان فن السيرة الذاتية بدءا من أعمال احمد فوزى الشدياق، إنما طه حسين تألق ليس فى جانب تقنيات الرواية إنما فى جانب الانتقال من التقريرى إلى المجازى ومن المجازى إلى الرمزي، إبداع لغوى وتتداخل الأنماط دون أن تشعر بالتقسيم، ولكن فى كتابة المذكرات السياسية وهذه تخضع للخصومات سياسيه ومشاكل، اصدق مذاكرات كتبت فى التاريخ هى مذكرات احمد عرابى ومذكرات الإمام محمد عبده لأن ليس لهم خصوم إذا جانب المصداقية عالية جدا .
وأضاف دكتور عاصم الدسوقى: السيرة الذاتية التى يكتبها الروائى أو الأديب لابد أن يجتزئ منها تفاصيل لأنه كتبها وهو على قيد الحياة ونشرت وقرأها الجميع  فبالتأكيد لم يذكر كل الموضوعات، وهناك نوع آخر وهو كتابة السياسيين مذكراتهم ليس للنشر لأنه كان يشتم أشخاصا بعينهم وتنشر بعد وفاته فلا احد يحاسبه وطبعا له خصوم وأعداء، وقد حدث ان نشرت مذكرات سعد زغلول ومحمد فريد بعد وفاتهما، كان فيه فى مذكرات احد السياسيين كتب أنه كان لاعب قمار وان الخمر تمكن منه الخمر، لا يستطيع احد ذكر هذا أثناء وجوده حياً، حين تم نفى سعد زغلول إلى مالطة وهناك كتب: «نريد ان نصل إلى حل يرضى الانجليز ويرضين»، ولكن كيف ترضى الانجليز وترضينا هذه كتبها سعد زغلول لنفسه ولا نعرفها إلا بعد وفاته من مذكراته . وقد حدث أن محمد فريد كان يكتب مذكرات لنفسه حين يصله جواب ويسجله ويكتب الرد فى أوراقه الخاصة، ووصله جواب أنهم يجمعون توقيعات لسعد زغلول كتب لهم محمد فريد : « كويس إن فى ثورة لكم خدوا بالكم من العناصر الانتهازية أمثال سعد زغلول»، بالتأكيد هذه كلمات لا تنشر إلا بعد وفاه كل الأطراف لو نشر هذا الكلام سوف يحدث قضايا،ومع ذلك ما كتب وكان ليس للنشر يكون صادقا، أما ما يكتب اليوم فهو ليس مذكرات ولا سيرة ذاتية هو ذكريات كل شخص لا يكتب عن نفسه أنه بطل لم يخط ولا يعتمد عليها كمصدر للدراسة .
كيف ترون المظاهرات داخل الحرم الجامعى، هل تعتبر خلطاً بين السياسة والتعليم أم هى فرصة للشباب لحرية التعبير ؟
 أجاب دكتور عاصم الدسوقى : كل التنظيمات والمؤسسات تواجه خلطا فى الأدوارو اتحاد الطلاب مفروض يراعى الطلاب ويتابعون المدرسين وما يقومون مواعيد المحاضرات الالتزام التعليمي،  إذاً أى تنظيمات لابد أن ترعى أساسيات الخلط والخط أصبح ضرراً على استقرار الدولة وآمنها، من العبث أن عدم الفصل بين ممارسة الدور السياسى والجامعات المنوطة بالتعليم يعالج تحت شعارات أن هذا من حقى ومن حريتي، قديما كانت الجامعات تقوم بدور وطنى عندما كانت الدولة كلها تواجه الانجليز وهذا احتلال وعدو واضح  كلنا اشتركنا فى مظاهرات ونحن شباب هنا الأمر مختلف.
وأيضا النقابات تعمقت فى السياسة، نقابة الأطباء مثلا تعلن عن انتماءاتها هذا ليس دورها الذى أنشئت من اجله  أين الرعاية الصحية والطبية وأين معاقبه من يمارس مهن الطب بدون تراخيص من يريد السياسة يذهب إلى الأحزاب ويترك الجامعات والنقابات لدورها الفعلى لأن من يمارس دور ليس من حقه هذا يعرقل النهضة الثقافية والعلمية  فى الدولة بشكل عام .
أضاف الدكتور يسرى عبدالله رأيا  آخر عن تظاهرات الطلاب فى الجامعة قائلا : نحن مع عدم عودة الحرس الجامعى حتى لا تعود الدولة البوليسية إنما نحن أمام  مأزق تظاهرات طلاب جماعة الإخوان المسلمين المتطرفين داخل الجامعات كيف حل ؟، المعركة مستمرة ضد الإسلام الرجعى وهى معركة ثقافية وحضاريه الجامعة لاتلعب دورها مثل اللجنة الثقافية فى كل الجامعات يمكنها أن تؤدى دوراً يقلل من الحل الأمني، الثقافة حل أهم لأنه سوف يساهم فى إطاحة الفكر المتطرف من عقول الشباب والأجيال إعادة اعتبار القيمة للنشاط الثقافى الأهم من الحلول الأمنية .
أما الدكتور عبدالمنعم تليمة فيقول : أنا مع الحريات وليس مع الفوضى ولكن إذا استخدمت حريتى المنصوص عليها بالخطأ أعاقب أمام القضاء وليس أمام السلطة الحاكمة، ولا نريد أن نعيد الفكر القديم فى معالجة الأخطاء، لكن هنا يأتى دور الثقافة والمثقفين، الثقافة لا تلعب دورها الحقيقى مع ما طرأ من تغيرات ومتغيرات بعد الثورات ، وأجد ان من يمارس انتماءاته السياسية اليوم فى الجامعات ليس من قبل الحرية فى شيء، لابد من اختيار المكان الذى اعبر فيها عن مطالبتى وحريتي، السياسية مكانها الطبيعى الأحزاب وذلك لأننا فى فترة مش سهله نستعيد استقرار الدولة  إنما فوضى وارتباك إذاً هذا مقصود لتشتيت الأمة.