الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إبداع




شعر - إيليا أبو ماضى .. أعمال الفنان أوجست رودان
شعراؤنا شموس فى سماء الإبداع ينيرون لنا ببصيرتهم وبصرهم طريقنا ويخبرونا ما لم نخبره فيما فاتنا من أمورنا الحياتية فهم بمثابة توثيق وشهادة على عصرهم ونحن نخصص هذه المساحة من الإبداع للاحتفال بالشاعر اللبنانى إيليا أبو ماضى (1889 - 23 نوفمبر 1957) و الذى يعتبر من أهم شعراء المهجر فى أوائل القرن العشرين، اتجه أبو ماضى إلى نظم الشعر فى الموضوعات الوطنية والسياسية، فلم يسلم من مطاردة السلطات، فاضطر للهجرة إلى الولايات المتحدة عام 1912، أصدر مجلة « السمير» عام 1929م، التى تعد مصدراً أولياً لأدب إيليا أبى ماضي، كما تعد مصدراً أساسياً من مصادر الأدب المهجري، حيث نشر فيها معظم أدباء المهجر، وخاصة أدباء المهجر الشمالى كثيراً من إنتاجهم الأدبى شعراً ونثراً ويعتبر إيليا من الشعراء المهجرين الذين تفرغوا للأدب والصحافة، ويلاحظ غلبة الاتجاه الإنسانى على سائر أشعاره.
يصاحب قصائد أبو ماضى تماثيل للفنان والنحات العالمى اوجست رودان (12نوفمبر 1840—17 نوفمبر 1917) كان فنانا ونحاتا فرنسيا مشهورا يعد أحد رواد فن النحت خلال القرن التاسع عشر ولا يزال واحدا من عدد قليل من النحاتين المعترف بهم على نطاق واسع.
 

أيـّها الراعى

شهور العام أجمملها « ربيع»    وأبغضها إلى الدنيا «جمادى»
وخير المال ما أمسى زكاة    وخير الناس من نفع العبادا
بربّك قل لنا وخلاك ذمّ                  أعيسى كان يذّخر العتادا ؟
تنبّه أيّها الراعى تنبّه                  فمن حفظ الورى حفظ العبادا
خرافك بين أشداق الضواري    ومثلك من حمى ووقى النقادا
تبدّل أمنهم رعبا و خوفا    وصارت نار أكثرهم رمادا
لقد أكل الجراد الأرض حتى    تمنّوا أنّهم صاروا جرادا
فمالك لا تجود لهم بشيء    وقد رقّ العدوّ لهم وجادا ؟
ومالك لا تجيب لهم نداء    كأنّ سواك ، لا أنت ، المنادى ؟
وربّت ساهر فى « بعلبك»    يشاطر جفنه النجم السّهادا
يزيد الليل كربته اشتدادا    وفرط الهمّ ليلته سوادا
إذا مال النعاس بأخدعيه    ثنى الذعر الكرى عنه وذادا
به الداءان من سغب وخوف    فما ذاق الطعام و لا الرقادا
تطوف به أصيبيه صغار     كأنّ وجوههم طليت جسادا
جياع كلّما صاحوا و ناحوا    توهّم أنّ بعض الأرض مادا
إذا ما استصرخوه وضاق ذرعا    نبا عنهم و ما جهل المرادا
و لكن لم يدع بؤس اللّيالي    طريفا فى يديه ولا تلادا
ولو ترك الزّمان له فؤادا    لما تركت له البلوى فؤادا
أتفترش الحرير و ترتديه    و يفترش الجنادل و القتادا
ويطلب من نبات الأرض قوتا    وتأبى غير لحم الطير زادا
وتهجع هانئا جذلا قريرا    وقد هجر الكرى وجفا الوسادا
عجيب أن تكون كذا ضنينا    ولم تبصر بنا إلّا جوادا
أما تخشى ذى لسان :       أمات الناس كى يحيى الجماد
لذاتك همّهم نفع البرايا                  و همّك أن تكيد و أن تكادا
نزلت بنا فأنزلناك سهلا    وزدناك النضار المستفادا
فكان حزاؤنا أن قمت فينا    لاتعلّمنا القطيعة و البعادا
فلمّا ثار ثائر حرّ                 رجعت اليوم تمتدح الحيادا
أتدفع بالغويّ إلى التمادى    وتعجب بعد ذلك إن تمادى ؟
سكتّ فقام
 

 
كن بلسما


كن بلسماً إن صار دهرك أرقما        وحلاوة إن صار غيرك علقما
إن الحياة حبتك كلَّ كنوزها        لا تبخلنَّ على الحياة ببعض ما ..
أحسنْ وإن لم تجزَ حتى بالثنا        أيَّ الجزاء الغيثُ يبغى إن همى ؟
مَنْ ذا يكافئُ زهرةً فواحةً ؟        أو من يثيبُ البلبل المترنما ؟
عُدّ الكرامَ المحسنين وقِسْهُمُ        بهما تجدْ هذينِ منهم أكرما
ياصاحِ خُذ علم المحبة عنهما        إنى وجدتُ الحبَّ علما قيما
لو لم تَفُحْ هذى ، وهذا ما شدا         عاشتْ مذممةً وعاش مذمما
فاعمل لإسعاد السّوى وهنائهم        إن شئت تسعد فى الحياة وتنعما
أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا        لولا الشعور الناس كانوا كالدمى
أحبب فيغدو الكوخ قصرا نيرا        وابغض فيمسى الكون سجنا مظلما
ما الكأس لولا الخمر غير زجاجةٍ    والمرءُ لولا الحب إلا أعظُما
كرهَ الدجى فاسودّ إلا شهبُهُ        بقيتْ لتضحك منه كيف تجهّما
لو تعشق البيداءُ أصبحَ رملُها        زهراً، وصارَ سرابُها الخدّاع ما
لو لم يكن فى الأرض إلا مبغضٌ        لتبرمتْ بوجودِهِ وتبرّما
لاح الجمالُ لذى نُهى فأحبه        ورآه ذو جهلٍ فظنّ ورجما
لا تطلبنّ محبةً من جاهلٍ        المرءُ ليس يُحَبُّ حتى يُفهما
وارفقْ بأبناء الغباء كأنهم        مرضى، فإنّ الجهل شيءٌ كالعمى
والهُ بوردِ الروضِ عن أشواكه        وانسَ العقاربَ إن رأيت الأنجما
يا من أتانا بالسلام مبشراً        هشّ الحمى لما دخلتَ إلى الحمى
وصفوكَ بالتقوى وقالوا جهبذُ        علامةُ، ولقد وجدتك مثلما
لفظٌ أرقّ من النسيم إذا سرى        سَحَراً، وحلوُ كالكرى إن هوّما
وإذا نطقتَ ففى الجوارحِ نشوةٌ        هى نشوةُ الروحِ ارتوتْ بعدَ الظما
وإذا كتبتَ ففى الطروسِ حدائقٌ        وشّى حواشيها اليراعُ ونمنما
وإذا وقفتَ على المنابر أوشكتْ        أخشابها للزهوِ أن تتكلما
إن كنت قد أخطاكَ سربال الغِنَى     عاش ابنْ مريم لي
 

 
العيون السود
 


ليت الذى خلق العــــيون الســــــودا            خــلق القلـــوب الخــــافقات حديدا
لولا نواعــســهـــــا ولولا ســـحـــــرها          ما ود مـــالك قـــلبه لـــــو صـــــيدا
عَـــــوذْ فــــــؤادك من نبال لحـاظها            أو مـتْ كمـــا شاء الغرام شهيدا
إن أنت أبصرت الجمال ولم تهــــــم            كنت امرءاً خشن الطباع ، بليدا
وإذا طــــلبت مع الصـــــــبابة لـــذةً            فــلقد طــلبت الضـائع المــوجــودا
يــا ويــح قـــلبى إنـه فى جـــــانبي            وأظــنه نـــائى المــــــزار بعـيدا
مــســـتوفـــــزٌ شــــوقاً إلى أحـــبابه            المـــرء يكره أن يعــــيش وحيدا
بـــــــرأ الإله له الضــــــــــلوع وقايةً            وأرتـــــــه شقوته الضلوع قيودا
فإذا هــــــفا بــــــــرق المنى وهفا له            هــــــاجــــت دفائنه عليه رعــــودا
جــــشَّــــمتُهُ صــــبراً فـــــلما لم يطقْ            جـــشــــمته التصويب والتصعيدا
لــو أســتطيع وقـيته بطش الهوى             ولـــو استطاع سلا الهوى محمودا
هى نظرة عَرَضت فصارت فى الحشا       نــاراً وصــــار لها الفـــؤاد وقودا
والحــبٌ صوتٌ ، فهــــو أنــــــــةُ نائحٍ             طـــوراً وآونــــة يكون نشــــيدا
يهــــب البــواغم ألســـــــناً صداحة             فــــإذا تجنى أســــــكت الغريدا
ما لى أكــــلف مهـجــتى كتم الأسى            إن طــــال عهد الجرح صار صديدا
ويــلذُّ نفــــــسى أن تكون شـــقيةً            ويلــذ قلبى أن يكــــــــون عميدا
إن كنت تدرى ما الغـرام فداوني            أو ، لا فخل العــــــــذل والتفنيدا
 
الرأى الصواب


يا نفس هذا منزل الأحباب                فانسى عذابك فى النّوى و عذابي
وتهلّلى كالفجر فى هذا الحمى               وتألّقى كالخمر فى الأكواب
ولتمسح البشرى دموعك مثلما                  يمحو الصباح ندى عن الأعشاب
واسترجعى عهد البشاشة والرّضى             فالدهر عاد تضاحكا و تصابي
أنا بين أصحابى الذين أحبّهم               ما أجمل الدنيا مع الأصحاب
قد كنت مثل الطائر المحبوس فى قفص      ومثل النجم خلف ضباب
يمتدّ فى جنح الظلام تأوّهي               ويطول فى أذن الزمان عتابي
وأهزّ أقلامى فترشح حدّة               وأسى ، ويندى بالدموع كتابي
حتى لقيتكم فبت كأنّني                             لمسرّتى استرجعت عصر شبابي
ليس التعبّد أن تبيت على الطّوى               وتروح فى خرق من الأثواب
لكنه إنقاذ نفس معذّب                             من ربقة الآلام و الأوصاب
ليس التعبد عزلة وتنسكا               فى الدير أو فى الغاب
لكنه ضبط الهوى فى عالم               فيه الغوايه جمّة الأسباب
وحبائل الشيطان فى جنباته              والمال فيه أعظم الأرباب
هذا هو الرأى الصواب وغيره              مهما حلا للناس غير صواب
 
إليك عنـّى


كم تستثير بى الصبابة و الهوى         عنّى إليك ، فإنّ قلبى من حجر
مالى وللحسناء أغرى مهجتي            بوصلها ، و الشيب قد وخط الشعر ؟
كم « بالجزيرة» لو يتاح لى الهوى        من غادة تحكى بطلعتها القمر ؟
و لكم بها من جدول وحديقة          من صنعه الرحمن لا صنع البشر
فيها اللّواتى إن رمت ألحاظها          شلّت يد الرامى وقطّعت الوتر
قد كان لى فى كلّ خوذ مطمع          ولكلّ رائعة المحاسن بى وتر
أيّام شعرى كالدّجى محلولك ،          أيّام عيشى لا يخالطه كدر
ذرنى وأشجانى وجسمى ، والضّنى      ويدى ، وأقلامى ، وطرفى ، والسهر
أأبيت ألهو والهموم تحيط بي          وأنام عن قومى ، وقومى فى خطر
صوت المصفّق موعد ما بيننا          ماذا أقول لهم إذا الديك استحر ؟
 
غرامية
 
عيناك و السّحر الذى فيهما          صيرتانى شاعرا ساحرا
علّمتنى الحبّ وعلّمته     بدر الدّجى       والغصن ، والطاّئرا
إن غبت عم عينى وجنّ الدّجى           سألت عنك القمر الزاهرا
وأطرق الروضة عند الضحى           كما أناجى البلبل الشاعرا
وأنشق الوردة فى كمّها                          لأنّ فيها أرجا عاطرا
يذكّر الصبّ بذاك الشذا           هل تذكرين العاشق الذاكرا ؟
كم نائم فى وكره هانيء                         نبّهته من وكره باكرا ؟
أصبح مثلى تائها حائرا                        لمّا رآنى فى الرّبى حائرا
وراح يشكو لى و أشكو له          بطش الهوى ، والهجر ، والهاجرا
وكوكب أسمعته زفرتي                        فبات مثلى ساهيا ساهرا
زجرت حتى النوم عن مقلتي                ولم أبال اللائم الزاجرا
يا ليت أنّى مثل ثائر                        كيما تقول المثل السائرا
 

 
بين الضحك واللّعب
 


أعطيت من أعشقها وردة
من بعد أن أودعتها قلبى
فجعلت تنثر أوراقها
بأنمل كالعنم الرّطب
لا تسألوا العاشق عن قلبه
قد ضاع بين الضّحك و اللّعب
لم أقطف الوردة من غصنها
لو لم تكن كالخدّ فى الأتّقاد
ولم تمزّق هند أوراقها
لولا اشتباه بينها و الفؤاد
 

 
اسألوها
 


اسألوها ، أو فاسألوا مضناها      أيّ شيء قالت له عيناها ؟
فهو فى نشوة و ما ذاق خمرا      نشوة الحبّ هذه إيّاها
ذاهل الطرف شارد الفكر ،      لا يلمح حسنا فى الأرض إلاّ رآها
ألسواقى لكى تحدّث عنها      والأقاحى لكى تذيع شذاها
وحفيف النسيم فى مسمع      الأوراق نجوى تبثّها شفتاها
يحسب الفجر قبسه من سناها      ونجوم السماء بعض حلاها
وكذلك الهوى إذا حلّ فى الأرواح      سارت فى موكب من رؤاها
كان ينهى عن الهوى نفسه الظمأى       فأمسى يلوم من ينهاها
لمس الحبّ قلبه فهو نار       تتلظّى ويستلذّ لظاها !
كلّ نفس لم يشرق الحبّ فيها       دهى نفس لم تدر ما معناها