الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

مصطفى سمير: التعامل مع القصة باعتبارها نصا وسيطا بين الشعر والرواية سبب تراجعها




كتبت- رانيا هلال
قدم لنا الكاتب الشاب مصطفى السيد سمير، مجموعته القصصية «حارس ليلى للسماء»، التى تضم حكايات عميقة بلغة بسيطة تقترب من لغة الحواديت، لتجذبنا من واقع قاس حاد إلى عالم أوسع وأكثر رحابة، مصطفى صاحب مدونة «سما زرقا وطيارات ملونة»، الذى صدر له أيضا ديوان شعرى بعنوان «صحيان بطىء من حلم جميل»، أكد أنه يسعى فى منطقة وسطى ما بين الجملتين «الشعرية والقصصية»، وأنه لم يغادر الشعر لعالم القصة، وإنما يسعى للتجريب، الذى يقتضى فى وجهة نظره إلى التجول بين الأنواع الأدبية المختلفة... عن تجربته الجديدة ورؤيته للكتابة وأهمية الخيال لديه فى هذا الحوار:

■ بدأت بديوان شعرى ثم أصدرت مجموعتك القصصية الأولى فكيف كان الانتقال من الجملة الشعرية إلى الجملة القصصية؟
فى الحقيقة أننى لم أغادر الجملة الشعرية بشكل كامل، فأنا أسعى فى منطقة وسطى ما بين الجملتين، منطقة يمكن فيها تحطيم توقعات القارئ القائمة على التصنيف، واستدراجه إلى الانشغال بمعرفة ذاته ووضع تلك المعرفة أعلى سلم الأولويات.


■ ما الذى افتقدته فى الشعر حتى تتجه للتجريب  فى منطقة القصة؟
افتقدت مجرد التجريب فى حد ذاته، فأنا أبحث عن التكسير والتفكيك والتجريب وأجد المتعة فى ذلك، التجريب من نص إلى آخر والتجريب فى داخل النص ذاته, وهذا يقتضى التجول بين الأنواع المختلفة.

■ تقول «داخل النص ذاته» هل يعنى هذا أن النص نفسه يمكن إعادة كتابته بشكل مختلف؟
هذا صحيح، ولقد كان لى بعض التجارب فى هذا الشأن، كأن أنتهى من قصيدة بل وأقوم بنشرها ثم أحولها إلى قصة أو العكس، هذا يمنحنى تدريبا مهما للغاية فيما يخص صياغة الحالة داخل هندسة نص معين، والأهم فيما يخص عدم التقيد بهندسة النص فى محاولة فهمه.

■ تبدو المسألة بالنسبة لك عبارة عن لعبة إذن؟
بالضبط، والأولوية للاستمتاع، فالعمل الأدبى لا بد له من تحقيق المتعة الشخصية لكاتبه، وأى حديث من أى كاتب عن أنه يعانى بسبب الكتابة أو أنه يتمنى من الله أن يشفيه من «داء» الكتابة فهو حديث لا أتوقف عنده ولا أصدقه على الإطلاق، أنت تكتب كى تكون سعيدا، وأنت تعلم ذلك، وتعرف كيف تحقق ذلك، كما أنك مستعد للتوقف عن الكتابة بأسرها فى اللحظة التى تتوقف فيها قدرتها على إثارة البهجة لديك.

■ إذن هل نتوقع أن يكون العمل المقبل رواية؟
لا أعتقد أننى قادر على بناء تكوين معقد كالرواية فى هذه المرحلة، فالرواية تحتاج من كاتبها إلى إخلاص كامل، كى يمكنه أن يعيش بين شخصياتها ويخترع أماكنها ويملأ لحظات صراعها، دون أن يفقد فى أى لحظة جزءا من ذاكرته الفنية التى أنشأها عندما بدأ فى العمل ونظر إلى النص فى مخيلته للمرة الأولى، هذا ما لا أملكه حاليا، كما أعتقد أننى لا يزال أمامى الكثير من العمل فى القصة.

■ على ذكر القصة، كيف ترى واقع القصة القصيرة الآن، فى ظل السجال الدائر حول ما إذا كان الشعر أو الرواية ديوان العرب؟
المشكلة أن حتى هذا السجال لا يؤدى إلى صناعة منتج مهم وفاعل، إنما هى دائرة مفرغة يدور فيها الباحثون عن «اللقطة» الإعلامية فالنقد الذى تحول إلى سبوبة كبيرة تنذر بخطر كبير يهدد كل الأنواع الأدبية، لكننى فى المقابل، يمكننى أن أرى العديد ممن يتزاحمون على بقعة الضوء من أجل أن يفتحوا مساحة أكبر لتأييد وجهات نظرهم، هذا الأمر مخيف ويمكن وصفه بأنه محبط، وبالنسبة للقصة؛ فالقصة مشكلتها الأولى هى قلة عدد الكتاب المخلصين لها، ومعاملتهم لها باعتبارها نصا وسيطا بين الشعر والرواية، مما أدى إلى تصحر مساحات كبيرة منها مثلما يحدث مع الأرض الزراعية مكشوفة الأطراف، فكلما قل الاهتمام بفن تناقصت مساحة التجريب والتطوير من أدواته، وانتهى الأمر به إلى السير فى المحل.

■ عودة إلى المجموعة، لنقرأ العنوان «حارس ليلى للسماء»، هل تحتاج السماء إلى من يحرسها؟
بالطبع، فالسماء التى بداخل كل شخص، والتى يمكن أن تمثل مساحة الخيال والتحرر، يمكن أن تتعرض للحصار من مساحات الواقع التى نواصل الاشتباك معها يوميا، ولكن هذا ليس السؤال الذى تطرحه المجموعة، فهو -كما ذكرت- مجاب عنه سلفا، السؤال الأهم هو إلى أى مدى يدرك كل منا أن سماءه بحاجة إلى حراسة، وإلى أى مدى هو مدرك لما يعنيه ذلك، فالجميع يسيرون محاطين بهذا الخطر طوال الوقت، وقد تقلصت مساحة سمائه إلى الحد الذى لم يعد فيها قادرا على استيعاب اللحظات التى تتسع فيها مساحة الأمل، أو اللحظات التى تتسع فيها ذاته ليحمل العالم، وربما لا يعود فى المستقبل قادرا حتى على التنفس.

■ ما أكثر ما يهدد السماء من وجهة نظرك؟
 هذا سؤال جيد، ولكنه لا يمكن أن تكون له إجابة محددة، فكل منا له إجابته التى تحددها علاقته مع ذاته، فالأشياء والأشخاص والمشاعر التى تزيد من عمق هذه العلاقة وصفائها هى تزيد من مساحة السماء، والعكس بالعكس، فهناك من يجد ذاته فى العمل، وهناك من يبعده العمل عن ذاته، والأمثلة كثيرة، وهناك من يبحث عن ذاته فيجد مكانها «شجرة الابتسامات»، وهو أحد عناوين قصص المجموعة فشجرة الابتسامات هذه هى معادل لنفس الفكرة، إلا أنها تضيف بتوضيح مدى «البهجة» التى نمر بها فى رحلة البحث هذه، والتى نفقدها حتما بالابتعاد، كما توضح أيضا تجذر هذه الذات، مما يجعل معه ذلك الابتعاد زائفا وسطحيا، وأحيانا مؤقتا، فهناك ما لا يمكن الهروب منه فى النهاية.


فى هذه القصة «شجرة الابتسامات» تحديدا يأخذنا الخيال إلى منطقة سرد مختلفة، ربما تتفرد قليلا عن باقى النصوص؟
 هذه القصة كانت بداية لشغف مختلف، أبتعد -أو أحاول الابتعاد- فيه عن سياقات الشكل الأدبى واللغة أكثر فأكثر، فأسعى إلى تفكيك المعانى إلى أشكالها الأولية، وإعادة إنتاج العلاقات مع كل شيء حولنا، وإعادة تسمية العالم بأسماء جديدة.

■ هل يمكن أن نرى هذا فى أعمال مقبلة؟
أنا أعمل بالفعل فى عمل يضم بعض النصوص التى حاولت فيها أن أمضى وراء تلك الفكرة, من بينها تجربة «الحواديت» التى أسعى الآن إلى إتمامها كى ترى النور فى خلال الشهور المقبلة، فى تلك التجربة أحاول مواجهة الواقع الذى يستنزفنا عن طريق تجاهله، ومواجهة الأطر التى تحاصرنا عن طريق الرسم على الخيال، وربما أتبع طريقة جديدة على كتابتى فى السرد تعتمد على الحكى المباشر, الذى يجعل القارئ جزءا من النص، ويجعل من مخيلته شخصية إضافية تؤثر فى مجال الأحداث.

■ تعددت وسائل التعبير عن الرحيل فى المجموعة، وعن المسافات الحاجزة، حتى أننا نرى أنك عنونت إحدى قصصك بـ «977» وهو رقم قطار، فإلى أين يتجه القطار رقم 977؟
إلى مكان لا نضطر فيه لتعليق أمنياتنا على مشجب الانتظار، ولا نخاف فيه من الخيال، ولا توضع فيه سماواتنا تحت الحصار, هذا المكان يمكن له أن يكون بالغ البعد، كما يمكن أن يكون على بعد خطوة
.
■ من أكثر من يلهمك فى الكتابة، وربما نقول فى الحكى تحديدا؟
ربما ماركيز وموراكامى ويحيى الطاهر عبد الله. فأنا أشعر عندما أمسك بنص لأحد هؤلاء أننى لا أمارس القراءة، وأن الكتاب قد تبخر من بين يدى ليتحول إلى مدينة كاملة.

■ هل تتمنى أن يكون هذا هو تأثير نصك على قارئك؟
بالطبع، لذلك فكم أسعد عندما أقابل أحدهم فيقول لى أنا أذكر قصتك اللى كان فيها «محمد أبو تريكة»، أو قصتك التى جعلت فيها الأشياء تتكلم، هنا تكون سعادتى أكبر بكثير من استرجاع القارئ لجملة أو لعنوان من النص دون استرجاع حالة النص التى اشتبك معها نفسيا.

■ المجموعة تسيطر عليها التفاؤل فهل أنت متفائل فى الواقع؟
جدا، ورأيى أن بغير التفاؤل لا يكون شغف، وبغير شغف لا يكون فعل، ولولا التفاؤل لما استمريت فى فعل أشياء كثيرة، من بينها محاولة نشر المجموعة.