الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مقلل الإسلام ونظرة تعاون لغير المسلمين




لقد نظر الإسلام إلى غير المسلم- خاصة أهل الكتاب- نظرة تكامل وتعاون وبالأخص فى المصالح المشتركة على قاعدة من القيم والأخلاق التى دعت إليها كل الأديان؛ بل وتلك التى حظيت بالقبول والرضا من بنى الإنسان.

 والدستور الإسلامى فى التعامل مع غير المسلمين يتلخص فى قوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}[الممتحنة: 8] من هذه الآية وغيرها حدد الإسلام الأصول التى يجب مراعاتها عند التعامل مع الآخر، وقوام تلك الأصول هو التسامح الذى هو وثيق الصلة بالعفو، الذى يعنى التجاوز عن الذنب وإسداء الإحسان وفعل الخيرات.

لا شك أن قاعدة التسامح التى يقوم عليها الإسلام هى التى فتحت أمام الأمة الإسلامية السبيل إلى الاحتكاك بالأمم والشعوب، وشجعت المسلمين على التفاعل مع الحضارات والثقافات الأخرى؛ حيث كان الإسلام بذلك أرقى الأديان فى تحقيق مبدأ التسامح الذى هو القاعدة الأساسية للتفاعل الحضاري.

كما أن الإسلام يرفض فكرة الصراع، وجميع الأديان تحث على التحلى بالقيم الرفيعة، وتؤكد على نشر الحب والسلام والتسامح والوسطية ومحاربة التطرف وكل ما يؤدى إلى الصراع والإرهاب، وهذا ما يجب التركيز عليه أثناء الحوار حتى نستطيع التوصل لنقطة انطلاق تقوم على الاحترام المتبادل، وإلى كلمة سواء بيننا وبينهم.

نحن إذا أمعنا النظر فى الحضارة الإسلامية نجدها قد قامت على أساس التفاعل الحضاري، وهى بذلك تعتمد ثقافة الحوار والتواصل، حيث أخذت عن الحضارات السابقة، واقتبست من ثقافات الأمم والشعوب التى احتكت بها، وصهرت جميع ذلك فى بوتقة الإسلام، فكانت حضارة إنسانية لها أثر كبير فى نقل روح المدنية إلى جميع الشعوب التى تفاعلت معها.

وهو الأمر الذى يعترف به معظم الكُتاب والمفكرين الأوربيين الذين تخلصوا من التعصب وكتبوا بإنصاف عن تاريخها، حيث يرون أن الحضارة الإسلامية احتفظت بمركز الصدارة منذ أوائل العصور الوسطى ليس فى الشرق فحسب بل فى الغرب أيضاً، إذ نمت الحضارة الغربية فى ظل الحضارة الإسلامية التى كانت أكثر رقياً وقتئذ.

وبناء على ذلك يجب التركيز على التسامح باعتباره فكرًا وسلوكًا يتجسد فى إعطاء الآخر حرية التعبير عن آرائه التى قد نختلف معه فيها، وهو بهذا المعنى اعتراف صريح بحق الاختلاف وإبداء التسامح نحو الآخر والتقرّب منه والإصغاء إليه دون أحكام مسبقة.

إن الإسلام دين يؤمن بالتعددية الثقافية داخل المجتمع الواحد ويدعو إلى الحوار والتواصل بين الثقافات والحضارات المختلفة فالتعايش السلمى ونشر ثقافة الأمن والسلم الاجتماعيين كانا ومازالا سمة أساسية من سمات الحضارة الإسلامية على مر العصور.. وأنا أدعو لفتح باب الحوار بيننا وبين الآخر على أسس علمية تتجاوز الحوار والتقريب النظرى إلى مشاريع عملية تخاطب الجماهير والمواطنين خاصة أنه لا تزال هناك مساحات كبيرة يمكن الاطلاع عليها بين هذه الديانات.

وأخيرًا هناك بعض الضوابط التى يجب أن تراعى عن الحوار منها أن يكون الحوار متكافئاً، تتوفر فيه شروط المساواة والإرادة المشتركة، بحيث تتعدد مستوياته ليكون حواراً شاملاً يدور مع مختلف الشرائح والفئات سواء على المستوى الرسمى أو على مستوى المؤسسات الأهلية والاجتماعية التى لها علاقة بالقضايا المركزية.

وأيضًا أن يهدف الحوار إلى تحقيق المصالح المشتركة للطرفين التى لها علاقة بالتقدم العلمى فى جميع مجالات الحياة الفكرية والثقافية والاقتصادية، علاوة على أن يكون الحوار متحضراً ومترفعاً عن الموضوعات التى تتعلق بالخصوصية العقائدية والأخلاقية للأمم والشعوب التى من شأنها إذا أثيرت أن تؤدى إلى إيقاف الحوار أو عدم فاعليته.

كما أنه يجب أن يكون الحوار معدًّا وفق برامج مسبقة يكون الغرض منها التواصل والتفاهم لتحقيق التفاعل الحضاري، بعيداً عن فكرة التصارع والتنازع المقيت.
إن المسلمين
وعلى مدى تاريخهم القديم والمعاصر أثبتوا أنهم دعاة حوار وتفاهم وتعاون بين بنى الإنسان، وهم يصدرون فى ذلك عن مبادئ دينهم وتعاليمه وعن قيم الحضارة الإسلامية التى تعايـش فى ظلالها أكثر الملل والنحل وأصحاب الحضارات والثقافات المختلفة فى أخوة إنسانية بعيدة عن التعصب أو فرض الهيمنة، وهو أمر يشهد به غير المسلمين فى أكثر من مناسبة وعلى أكثر من صعيد.