الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الصاعد




كتب : د / على الشامى

 
وفى الفترة الأخيرة ابتليت بلادنا ليس فقط بطوفان من النوع الثانى الهدمى والتدميرى، بل وبتمكن هذا الطوفان لفترة من مقدرات البلاد ومفاصلها، هذا الطوفان هو جماعة الإخوان الإرهابية، أما الابتلاء فهو مشروعها المقصود به التمكين لها فى جميع أرجاء الدولة المصرية، فيما عرف إعلاميا بمشروع «الأخونة»، وقام على هذا المشروع الخطير الغريب عن مصر مجموعة من الشخصيات أغرقت البلاد فى فوضى لا مثيل لها، حتى لفظت مصر شعبيا هذا الكيان الإرهابى غريب النبت، ونحن نهدف هنا بالأساس لمحاولة فهم ما يدور فى نفوسهم، وبعض الديناميكيات لهذه الشخصيات التى تقود الجماعة الإرهابية، نتساءل: ما هو التكوين النفسى لهذه الشخصيات؟ هل هى شخصيات سوية أم بها خلل ما؟ سنحاول جاهدين بلا إفراط ولا تفريط أن نوغل برفق فى تحليل نفسى بسيط لهذه الشخصيات، والتى ظلت طوال عام كامل من حكم الإخوان تطل على الساحة تحت الأضواء حتى أفول نجم الجماعة، فضلا عن سيطرتها على مقاليد الأمور بالدولة بعد ثورة 30 يونيو.
حديثنا هذه الحلقة عن شخصية مهمة تتداخل صفاتها مع إطار الحديث العام عن جيل كامل من الإخوان، أعنى جيل الشباب وهو ما سنتطرق له فى حلقة قادمة منفردة ولكن حديثنا عن هذه الشخصية.. أعنى أحمد عبدالعاطى حديث له خصوصيته رغم نقاط الاشتراك الكثيرة مع أفراد الجماعة ككل، وشبابها تحديدا.
خصوصية الحديث عن أحمد عبدالعاطى تكمن فى كونه حلقة وصل مشتركة بين قيادات الجماعة، أو على الأقل الوجه الإعلامى لقيادات الجماعة بحكم منصبه كمتحدث رسمى باسم رئاسة الجمهورية وهو منصب رفيع بالطبع، وهو أيضا أحد الشباب الصاعد الذى كان يعد للعب دور ما على الساحة السياسية المصرية لكن التاريخ لم يمهله كثيرا وأنهته ثورة 30 يونيو بامتياز.
أحمد عبدالعاطى هو أحد المحكوم عليهم فى قضية ميليشيات الأزهر، القضية التى كان بطلها خيرت الشاطر مع مجموعة من الشباب مثل اسعد الشيخة والذى استطاع الهرب إلى تركيا بعد أن صدر فى حقه حكم قضائى بسبع سنوات ليعود بعد 25 يناير ويصدر فى حقه عفو رئاسى خوله لممارسة دوره المرسوم له، أما بخصوص شخصية اليوم فقد اختار الرجل مسلكا آخر أخطر مما سلكه أسعد الشيخة بكثير وأشد عنفا من الناحية النفسية فقد اختار عبدالعاطى الذهاب للجزائر وهنا الدلالات واضحة، المظلة مظلة خيرت الشاطر الرجل القوى فى الجماعة والأفراد يتحركون بدوافع نفسية لم تعد خفية، لكن عبدالعاطى اختار الانحياز إلى النموذج الأشد عنفا بل والأكثر مباشرة فى هذا العنف عكس زميله أعنى اسعد الشيخة الذى اختار نموذجا عنيفا أيضا لكنه على الأقل وضعه خلف قناع زائف يسمى المدنية أو الوسطية أو الليبرالية.
عبدالعاطى هنا أسير فكرة أو لنقل بشكل أكثر صراحة عقدة أوديب مثله مثل رفاقه فى نفس التجربة والظروف، إلا أنه تمايز عنهم بأمر آخر فالرجل يقع رهن القلق العصبى الناتج من خوفه النفسى من عقدة الإخصاء -الأذى النفسى من الأب - أعنى بها هنا الشاطر بحكم أنه الأب الفكرى الأقرب والأطول زمنيا فى الاحتكاك، أو قطب بأفكاره المؤسسة أو حتى الفكرة السلطوية وانتهاء بالأب الكرتونى مرسى فى مقابل الأم -الجماعة- التى حاول الاستحواذ عليها بصعوده الاقتصادى الصاروخى على غرار الأب النفسى آنذاك- خيرت الشاطر- أو تنظيميا وعنفا على أساس الأفكار المؤسسة للعنف -أفكار سيد قطب- والمتمثل فى الانخراط فى قضية ميليشيات الأزهر تنظيميا وما سبقها من إعدادات وحتى المشهد الأخير من تنصيبه متحدثا رسميا باسم الرئاسة التى هى تعنى الرئيس الذى هو بطبيعة الحال الأب النفسى الكرتونى الجديد- محمد مرسى- ولا يمنع ضعف الأب هنا من الرهاب – الخوف – على الإطلاق.
لن أخوض فى الحديث الخاص بطبيعة الشخصية السيكوباتية والتى تتسم بها معظم الجماعة أفرادا وقيادات والتى تميل إلى الهدم والإيذاء ولا تجد فى ذلك أى أزمة أخلاقية بل على العكس تجد فى ذلك رغبة شديدة وانجرافا نحو فعله، فقد تحدثنا باسهاب فى هذه النقطة من قبل لذلك سأتناول فى حديثى السمات الخاصة بالشخصية بشكل مباشر دون الخوض فى المشترك أو العام.
 دعونا نعترف بأن القدر لم يمهل عبدالعاطى ورفاقه الكثير حتى يحققوا ما كانوا يصبون إليه فجاءت 30 يونيو كاسرة لهذا الحلم مما زادهم تمسكا بالفكرة ودخولهم فى الدائرة المغلقة من انكار سقوط الأب والتمسك به حتى وإن كان قد سقط عمليا على أرض الواقع.
 هنا نجد أمرا مهما جدا فعندما يحدث أن يسقط أحد ما مشاعره على شخص آخر فإن ذلك يسمى طرحا، تجد مثلا أن شخصا ما يكره آخرا هكذا بدون أى سبب منطقى ودون أن يفعل معه شيئا يدعو للكراهية، وعندما تبحث وتحلل الأمر تجد أن الشخص الثانى – المكروه من الأول – يشبه والد الأول القاسى الفظ فقام الشخص الأول بطرح مشاعره على الرجل الثانى لمجرد أنه يذكره بالأب، ويحدث أن تتكون المشاعر فى المقابل من الطرف الثانى تجاه الأول فيسمى طرح مضاد، وعندما نواجه ذلك الأمر فى العملية العلاجية فيقوم المريض بطرح مشاعره تجاه الطبيب المعالج أو العكس ينصح بايقاف العملية العلاجية فورا وأن يتوجه المريض إلى طبيب معالج آخر لأنه فى هذه الحالة تتكون مشاعر – سلبية كانت أو ايجابية – تمنع التطور العلاجى وتكون حواجز نفسية أو دفاعات يصبح من العسير اختراقها، ولكن فى الحالات التى نذكرها هنا المرض متغلغل فى الجسد، الجميع فى بوتقة الجماعة مريض ويبثون أمراضهم فى بوتقتهم غير مدركين للأزمة أو لطبيعة هذا المرض المتمكن بشدة من نفوسهم.
اختم هنا بمشهد يوضح ويبين ما ذكرناه آنفا عن ميكانيزمات عمل نفوس الجماعة وبالأخص شخصية اليوم وهو مشهد الزنزانة عندما استنطق قاضى المحاكمة الرئيس السابق محمد مرسى وجدنا أحمد عبدالعاطى بجواره يلقنه قائلا: «قل أنا الرئيس.. أنا الرئيس» ليردد من بعده مرسى نفس الكلمات، وما حدث ببساطة هو أن عبدالعاطى كان يستغيث بمرسى «الأب» وإن كان أبا كرتونيا ألا يهدم الصورة وإلى جانب التمسك بالصورة السلطوية الأبوية المتمثلة فى هذه اللحظة فى مرسى والمتكونة من جراء تعيين عبدالعاطى فى منصب يمس مرسى ولو حتى شكليا تجد أن عقدة الإخصاء / الأذى النفسى مازالت تعمل بكفاءة طالما أن الصورة الأصلية للأب هناك، محاولة دائمة لعدم كسرها حتى بعد أن أدخل قفص الاتهام فى تهم معظمها مثبت سلفا وفى مقابل هذا الطرح من عبدالعاطى تجد مرسى فى طرح مضاد يؤكد كلمات عبدالعاطى التى لقنها اياه أمام القاضى داخل القفص وكأنه يقول «أنا متمسك بهذا الدور» وهو تمسك نابع من إحساس بالدونية لتفوق آخرين عليه وجعله مجرد صورة كرتونية لأب أو لنقل لضعيف يرتدى قناع الأب المصبوغ بكل أشكال الآباء الأقوياء، والمغرى للأبناء أن يتمسكوا بعقدة أوديب ويدوروا فى دائرة مفرغة رهبة من عقدة الاخصاء فى محاولة البحث عن أب جديد والتمسك بذلك حتى آخر لحظة.