الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

ماذا بعد تطبيق الحد الأدنى للأجور




بداية دعونا نتفق على ان قضيتى الحد الادنى والحد الأقصى للأجور قضيتان منفصلتان تماما وذلك ان بواعث طرح قضية الحد الادنى تستند الى دور الدولة فى توفير سبل الحياة الكريمة لأبنائها فى حين ان موضوع الحد الاقصى للأجور قضية اخرى يعتقد البعض خطأً انها العدالة الاجتماعية بعينها. يجب ان نعى ان منظومة الاجور تتشكل وفقا للتطورات المتلاحقة فى العمل المؤسسى وظهور الحاجة الى ايجاد هياكل تنافسية للأجور تجتذب العناصر ذات الكفاءة العالية نحو المراكز القيادية وفق آليات العرض والطلب. أما شق العدالة الاجتماعية فيجب ان يستهدف تلك الدخول التى تصل الى عدة ملايين شهريا والتى ترجع فى المقام الاول الى الفساد الادارى الذى مكن البعض من الحصول على تلك الرواتب والمكافآت دون اى مردود اقتصادى على الدولة. وهذه القضية لاعلاقة لها بالحد الاقصى ولكنها أس البلاء فى الحديث عن الحد الاقصى.
من المستفيد؟
الحد الادنى المقترح  هو1200 ج شهريا ويستفيد من تطبيق هذه المنظومة نحو 4.8 مليون موظف حكومى وعليه ستزداد تكلفة الرواتب الحكومية بنحو 23.4 مليار جنيه سنويا.
الدرجات الدنيا من السادسة (حملة الاعدادية وشهادة محو الامية) مرورا بالخامسة (اصحاب الحرف) والرابعة (المؤهلات المتوسطة وفوق المتوسطة) هى اعرض القطاعات استفادة من تلك الزيادات.
أما الدرجات الممتازة فراتبها 3740 جنيها بزيادة قدرها 150 جنيهاً !!!
التداعيات الاجتماعية
الفاحص لجداول المرتبات المقترحة سيجد ان الفارق بين مرتب الدرجات الممتازة ومرتب الحاصل على شهادة محو الامية لا يتعدى 2500 جنيه وهو يعكس تقدير الحكومة لسعر سهر الليالى والشهادات العليا والدروس الخصوصية ووجع القلب. هذه المستويات من المرتبات طاردة للكفاءات وعليه سيكتظ السلم الادارى الأعلى بموظفين منعدمى المهارات لا يعيرون عملهم الحكومى اى التفات. من ناحية اخرى فإن اقتراب مرتبات الموظفين الجدد مع اصحاب الخبرات القديمة سيؤدى أيضا الى موجات عاتية من الاحتجاجات.
من المتوقع ايضا ظهور بعض الاضطرابات العمالية فى القطاعات الانتاجية غير المعنية بهذه الزيادة ومطالبتها  بتطبيق تلك الزيادات عليهم مما سيؤدى الى شقاقات كبيرة بينهم وبين اصحاب الاعمال . فأن رضخوا لتلك الضغوط نتوقع ان تزداد نسب البطالة الى حد كبير.
التداعيات الاقتصادية لتفعيل الحد الادنى
بداية فإن ضخ نحو 24 مليار جنيه  اضافية الى قطاع المستهلكين سيكون مصيره نظريا إما الأدخار أو الانفاق الاستهلاكى. وحيث ان الفئات المعنية لن تدخر هذه الزيادة فإن الاتجاه نحو الانفاق سيؤدى الى اختلال التوازن بين العرض والطلب على السلع والخدمات مما سينتج عنه زيادة فى اسعارها  اى ظهور اتجاه تضخمى فى الاقتصاد المصرى.
ننوه ايضا الى ان معظم السلع والخدمات المعنية مدعمة من الحكومة ولذا فأن تكلفة الدعم ستزداد بطريقة ملحوظة لمواجهة الازدياد فى الطلب والاستهلاك مما سيشكل عبئا اضافيا على الموازنة العامة للدولة.
من ناحية اخرى حيث اننا نستورد معظم سلعنا دون ان نصدر بما فيه الكفاية, فأن الزيادة فى الواردات ستؤدى الى زيادة الطلب على العملات الحرة مما قد ينتج عنه تغير ملحوظ فى سعر الصرف ما لم يتدخل البنك المركزى للتحكم فى اسعار العملات.
وهذا التدخل يفترض اصلا وجود احتياط كاف من العملات الحرة لدعم أسعار الصرف.
وبالتالى فان تراجع قيمة الجنيه امام العملات الحرة - كما هو متوقع- سيرفع تكلفة استيراد المواد الخام اللازمة للإنتاج الصناعى والزراعى مما سيؤدى الى تباطؤ معدلات الانتاج وزيادة جديدة فى اسعار السلع - وبالتالى الخدمات - اى زيادة جديدة فى معدلات التضخم. من ناحية اخرى فأن زيادة أسعار المدخلات الانتاجية ستؤدى الى تقليل التنافسية السعرية للمنتجات المحلية وبالتالى تباطؤ معدلات النمو الاقتصادى والنتيجة المباشرة له ستكون زيادة جديدة فى معدلات البطالة.
كيف ستتصرف الحكومة؟
إن مجابهة الحكومة لتلك المتغيرات يعتمد بالدرجة الاولى على طبيعة المدارس الاقتصادية التى ينتمى اليها البنك المركزى والوزارات المعنية.
لو كان الفكر الحكومى فى الاقتصاد ينتمى الى المدرسة الكينيزية التى تؤمن بأن للحكومة دور محورى فى ضبط ايقاع الاقتصاد وان أداء الوحدات الانتاجية يقل عن طاقتها القصوى فأن التدخل الحكومى سيكون بحزمة من السياسات المالية والنقدية التى تسعى نحو تحفيز الطلب على السلع والخدمات وعن طريق زيادة الانفاق الحكومى.
أما اذا كانت المدرسة الكلاسيكسية الحديثة والنظرية النقدية هى المسيطرة على الفكر الاقتصادى فمن المتوقع ان يقوم البنك المركزى والحكومة بحزمة من الاجراءات لتحفيز الاسواق والمعروض من السلع والخدمات وذلك بزيادة الحوافز الانتاجية والتحكم فى كمية الأموال التى تضخها فى الاسواق وكذلك التحكم فى اسعار الفائدة وإستهداف سعر صرف العملات والتحكم فى معدلات التضخم والبطالة.
ماذا بعد؟   
بالنظر الى ما تم عرضه فإن تعديل الحدود الدنيا للدخل ضرورة عادلة لتوفير حياة كريمة للمواطن المصرى وتلبية احتياجاته الاساسية غير ان التوقف عند حد تطبيق الزيادة ستكون له عواقب وخيمة ما لم تصاحبه فورا حزمة من السياسات و الحوافز الاقتصادية تمتص كل تلك الاضطرابات الاقتصادية المتوقعة.
من ناحية اخرى نرى ضرورة عدم الخلط بين المبالغات الفاسدة فى منح المكافآت المليونية لبعض الدخول الطفيلية وبين الحد الاقصى للموظف الحكومى بزعم خدمة العدالة الاجتماعية لأنه سيؤدى فى احسن الاحوال الى عزوف الكفاءات البشرية عن العمل الحكومى وعلى اسوأ الاحوال الى تعميق تفشى الفساد بينهم.