الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

رشاد كامل يكتب: الأقباط ودستور 1923 «الحلقة الثانية»




انتفضت مصر غاضبة وناقمة وثائرة عندما أصدرت بريطانيا من جانب واحد تصريح 28 فبراير «سنة 1922» والذى قررت فيه انتهاء الحماية البريطانية على مصر وتكون دولة مستقلة ذات سيادة ولكن مع احتفاظ بريطانيا بصورة مطلقة فى تولى أربعة مسائل هى: تأمين مواصلات الامبراطورية البريطانية والدفاع عن مصر من كل اعتداء أو تدخل أجنبى وحماية المصالح الأجنبية فى مصر وحماية الأقليات وأخيرا السودان.. فى ذلك الوقت كان زعيم الأمة وضميرها الوطنى «سعد زغلول» منفيا فى عدن منذ عشرة يناير سنة 1922 وقد وصف تصريح 28 فبراير بأنه «نكبة وطنية كبرى على الأمة».. كان «سعد زغلول» يعتبر أن نصف استقلال هو حماية كاملة كما أن نصف حرية هو عبودية كاملة أن كفاح الشعوب هو فضيلة من الفضائل وكما أنه لا يمكن أن نرضى بامرأة نصف فاضلة ولا يمكن أن تحترم رجلا نصف شريف كذلك الشعوب فإنها ترفض نصف الحرية وتأبى نصف الاستقلال.
 
بدأت لجنة الدستور عملها غير مبالية بما يثار أو يقال!

وفى يوم 11 إبريل 1922 عقدت لجنة الثلاثين أو لجنة الاشقياء كما أطلق عليها «سعد زغلول» جلستها الأولى وتحدث رئيس الوزراء عبدالخالق ثروت باشا لمدة ساعة كاملة وتناول خطابه كل ما كان يثار حول اللجنة والدستور وهاجم المعارضة قائلا: إن فى تصرفهم ما يقضى بالعجب ولقد أعجب أكثر من ذلك أن أراهم يخطئون النظر حتى من وجهة مصلحتهم الخصوصية فلقد كان اشتراكهم فى عمل اللجنة يسمح لهم بالإطلاع على كل ما يجرى فيها ويمكنهم من الوقوف على حقيقة ما جرت به ألسنة السوء وليتبينوا أنه ليست هناك أمور مقررة من قبل تعرض على اللجنة لمجرد الشكل ولقد فاتهم لرفضهم الدخول فى اللجنة فرصة عرض آرائهم والإدلاء بحججهم واللجنة بين أن تأخذ بها فيتضح لهم إنها لم تكن متحيزة أو صادرة عن غرض أو هوى وأن ترفضها فيكونوا قد أراحوا ضمائرهم والحساب بعد ذلك بيد الأمة.

وأضاف قائلا: إن محاولة عرقلة الحكومة فى أعمالها لم يكن من مصلحة البلاد فى شىء وأن الحكومة ما توخت ولن تتوخى شيئا غير مصلحة الوطن الدائمة التى تتلاشى أمامها الأغراض الزائلة والأوهام الباطلة سيرى الناس يوم يصبح الدستور حقيقة واقعة أن التهمة التى وجهت للحكومة غير صادقة.

وفى نفس الوقت نشرت صحيفة «الفيجارو» الفرنسية حديثا مع الملك «فؤاد» أجراه محررها الشهير مسيو «ريمو ريكولي» ونقل المحرر عن الملك «فؤاد» قوله: إننى سعيد بل فخور بأن أكون أول ملك لمصر المستقلة وكنت على ثقة بأن غالبية شعبى تشاطرنى هذا الارتياح ولقد تسمح من هنا أو هناك بعض التحفظات والانتقادات بل الاحتجاجات!! أليس من أول نتائج الحرية العامة وجود المعارضة.

وأضاف الملك قائلا: تعلم أن الحكومة ألغت لجنة عليا لتضع مشروعا للدستور فهذه اللجنة قد أخذت بالعمل وأنا الذى عشت زمنا طويلا فى أوروبا يسرنى أن يكون الوقت قد حان لإعطاء شعبى نظاما دستوريا مماثلا لدساتير الأمم الأخرى الحرة على أن هذا النظام الدستورى ليس كما يظنون مخالفا لروح التقاليد الإسلامية.

وكان الذين يعرفون الملك عن قرب استغربوا هذه التصريحات فقد قالها عن غير اقتناع أو إيمان!!

ومع بداية الجلسة الثانية 13 إبريل تشكلت لجنة وضع المبادئ العامة التى شكلت لجنة فرعية فوضع تقريرا عن المبادئ العامة التى يجب الأخذ بها فى مشروعى الدستور وقانون الانتخاب وكانت تضم سواء عن عمد أو غير عمد ثلاثة من الأقباط هم: الأنبا يؤانس مطران الإسكندرية وقلينى فهمى وإلياس عوض وتوفيق دوس ومن عرب البدو صالح لملوم ومن الإسرائيليين يوسف أصلان قطاوى ومن السوريين يوسف سابا.

وكان حسين رشدى باشا أول من أثار مسألة الأقليات وطالب من الأعضاء العناية بوضع نصوص فى دستورنا لحماية الأقليات لأن انجلترا حفظت لنفسها حق حمايتهم!! وعندما سأله عبداللطيف المكباتى عن نوع هذه النصوص!

استدرك قائلا: إن معنى الحماية هو ضمان الحرية للجميع.

لقد كانت إجابة دبلوماسية أكثر منها إجابة فقهية أو قانونية حتى لا تتسرب إلى الصحف فتفهم بعكس ما يريد.

ومضت المناقشات داخل اللجان فى سرية إلى أن جاءت الجلسة الثالثة عشر للجنة الفرعية وكانت بتاريخ 7 مايو وعاد حسين رشدى باشا ليثير مسألة الأقليات من جديد بل اقترح أن يتضمن الدستور النصوص ذاتها التى وضعها الإنجليز فى مشروع كيرزن وهى تتعلق بالمساواة فى الحريات وفى الحقوق المدنية والسياسية وفى ممارسة شعائر الدين والتعليم واستعمال اللغات وتمت الموافقة على هذه النصوص بالإجماع!!

وأثناء المناقشة اعترض عبداللطيف المكباتى على أن يرد فى الدستور ما يعترف بوجود أقليات.

وقال عبدالعزيز فهمى أن مركز المندوب السامى فى مصر يتعارض مع سيادتها كما أبدى خشيته من عبارة فى القانون وفى الواقع الخاصة بكفالة الحقوق المتساوية للمصريين بالنسبة للأقليات وأن يتم تفسيرها بما يوجب أن تضمن الدولة للأقليات تمثيلا فعليا إذا لم ينجح فرد منهم فى الانتخابات ولذلك فهو يرفض هذا النص كله.

 وبعد الانتهاء من مناقشة تلك النقاط طرح حسين رشدى باشا وذلك بعد إثارة للأمر من توفيق دوس وضع نظام للأقليات يضمن تمثيلها النيابى.

وهنا بالضبط بدأت معركة قانونية ودستورية وسياسية واجتماعية شغلت كل أوساط المصريين دون استثناء!!

كانت هناك أغلبية طاغية من المسلمين والأقباط ترفض تماما أن يعامل الأقباط كأقلية وكانت هناك أقلية صغيرة من المسلمين والأقباط مع مبدأ حماية الأقليات.
كان كل فريق له حججه ومبرراته وأسانيده القوية التى لا شك فيها أو تشكيك لكن الدلالة المهمة فى هذه المعركة وكما رصدها المؤرخ المستشار طارق البشرى فى كتابه الأشهر والأقيم «المسلمون والأقباط فى إطار الجماعة الوطنية» هو قوله: إن المسألة لم تطرح بمضمون طائفى ولكن بمضمون سياسى.

كان توفيق دوس بك عضو لجنة الثلاثين المكلفة بكتابة الدستور من أشد المدافعين عن فكرة تمثيل الأقليات وتتلخص وجهة نظره وهو المحامى البارع وكما رصدها المستشار طارق البشرى فى أن ذلك يرجع لسبب سياسى وآخر قانونى والأول هو قفل الباب أمام التدخل الأجنبى بهذه الدعوة وتمثيل الأقليات لا يعنى تفرقة بين المصريين بل إن إهماله هو ما يحمل مظنة التفرقة إذا لم ينتخب منهم أحد فظن جمهورهم صوابا أو خطأ أن حقه مهضوم وغالبية الجمهور تتأثر بالظواهر والجمعية التشريعية حفظت للأقليات مراكز محددة.

أما السبب القانونى فهو أن المجلس النيابى يقرر التنظيمات والقوانين وقد يقرر بحسن نية ما تراه الأقلية ماسا بها أو مضرا بحقوقها والخير أن يوجد فيه أى فى المجلس من ينبه إلى ذلك.

وقال توفيق دوس بك أن تمثيل الأقليات نعرفه دساتير بلجيكا وإسبانيا فليس بدعة وإن كان أساس الأقليات مختلفا.

ثم يقترح أحد طريقين لإجراء التمثيل أحدهما أن يجرى الانتخاب العام فإن ظفرت الأقلية بما ينقص عن نسبتها من المقاعد جرى انتخاب عام فى كل مديرية يشترك فى اقتراعه المسلمون والأقباط معا لانتخاب عدد من الأقلية يكمل النسبة وبهذا لا تنفرد الأقلية بنقد ممثليها.

والطريق الثانى أن ينتخب مجلس النواب من يكمل النسبة من الأقلية من بين من كانوا مرشحين فى الانتخابات منهم.

وبالنسبة لمجلس الشيوخ إما أن يؤخذ بأحد الطريقين وإما أن تكمل النسبة من بين نسبة المعينين بالمجلس.

وقال توفيق دوس إنه لا يتقدم باقتراحه بصفته قبطى ولكنه مصرى يخشى الخطر من عدم الأخذ بهذا المبدأ وأن ما يؤمن به الجميع من الديمقراطية وما يتمنونه من زوال الفوارق لا يجب أن يخفى واقع الأمور.

ولبيان واقع الأمور ضرب مثلا بقانون نظام وراثة العرش الذى صدر وقتها والذى اشترط فيمن يختار وصيا على العرش إذا كان الملك غير رشيد أن يكون مصريا مسلما وأن انتخابات المجلس المحلى لبندر أسيوط التى جرت فى يناير السابق لم تسفر إلا عن انتخاب أربعة كلهم من المسلمين، فاستقال «محمود بسيونى» ليترك مقعده لصاحب عدد الأصوات التالى له وكان قبطياً».

وناشد «توفيق دوس بك» أعضاء اللجنة أن تنسى - اللجنة - إنه قبطى ولا تتذكر إلا كونه مصريا».

ويلقى د. محمد حسين هيكل باشا فى مذكراته الضوء على رأى توفيق دوس بك فيصفه بأنه المحامى البارع عن نظرية تمثيل الأقليات وقال إنه لا يقصد بهذا التمثيل والنص عليه فى الدستور خلق امتيازات للاقباط أو لغيرهم من الأقليات الدينية أو العنصرية فى مصر، فهو بطبعه - أى توفيق دوس - يمقت التمييز ويقدس المساواة، لكنه يقصد إلى إسقاط حجة الإنجليز الذين احتفظوا فى تصريح 28 فبراير بموقفهم من الدفاع عن الأقليات كموقفهم من الدفاع عن الأجانب «فإذا نص على تمثيلهم سقطت هذه الحجة! لأنهم سيجدون من ممثليهم فى البرلمان من يدافع عنهم، ثم إنه لا خطر من تمثيل هذه الأقليات وعددها فى مصر ضئيل لا يبلغ عشر عدد السكان، فإذا مثلوا  فى البرلمان بنسبتهم بل بضعف هذه النسبة، لم يغير ذلك من سلطان الكثرة ولم يجن عليه».

هذا وتمثيل الأقليات يكفل عدم تذمرها، كما يكفل حُسن علاقتها بالكثرة على مر الأيام».

وبهذا المنطق الذى تحدث به «توفيق دوس بك» انضم إلى رأيه وفكرته بعض أعضاء لجنة الثلاثين ومنهم: «الأنبا يؤانس»، «يوسف قطاوى» الإسرائيلى، على المنزلاوى بك، وعبد اللطيف المكباتى و«إلياس عوض».

قال الأنبا «يؤانس»: أن أخوة المسلم والقبطى ووحدتهما توجب عليهما حفاظا لها تقرير التمثيل بنسبة العدد، وهذا الرأى كان قد نسبه للأنبا يؤانس» عضو لجنة الثلاثين «إلياس عوض» ثم تبين عدم دقته، وعاد «الأنبا يؤانس» ليقول حسب ما نشرته صحيفة الأخبار (لصاحبها أمين الرافعى» فهو «وجود الحفاظ على الوحدة، فإذا كانت المصلحة فى عدم تمثيل الأقليات، فذلك ما يجب أن يلاحظ فى تكوين البرلمان، وإذا كانت فى التمثيل فذلك ما يجب أن يلاحظ أيضا».

وقال «على المنزلاوى» بك إنه بصفته من الأكثرية يرى فى تمثيل الأقليات نفعاً عظيماً لضمان وجودها بالهيئة النيابية.

ويقول «عبد اللطيف المكباتى» إنه يرى أن الفارق الدينى أمر شخصى محض لا يتعدى العبارات، ولكن مراعاة لشعور الأقليات وحفظاً للرابطة والوحدة يوافق على تمثيلهم».

أما الذين عارضوا مبدأ وفكرة «نظام للأقليات يضمن تمثيلها النيابى» فهم: عبد الحميد بدوى، عبد العزيز فهمى، محمود أبو النصر، إبراهيم الهلباوى، عبد الحميد مصطفى على ماهر، أحمد طلعت، قلينى فهمى».

كان عبد الحميد بدوى ضد الفكرة وكان واضحاً وصريحاً فى معارضته فيقول: إن تقرير تمثيل الأقليات يعنى شطر البلد شطرين يعيشان منقسمين وهو بدعة فى النظم النيابية، وإذا اعترف بتمثيل «القبط» ظهرت بعدهم أقليات كثيرة كالسوريين واليهود والعرب كل يطلب ذات الطلب، ثم يظهر الأروام والأرمن وغيرهم عندما يرون مصلحة لهم فى التخلى عن جنسياتهم واكتساب المصرية!! فيتحقق نظام «كروم» وتصير مصر خليطاً ليس له طابع أهلى ومسرحا للمنازعات الدينية والجنسية، ولذلك فإن الأمر ليس نصاً يوضع فى الدستور ولكنه «حدث اجتماعى خطير جداً».

ويضيف موضحا: إن إقرار هذا المبدأ فيه خروج على تقاليدنا لأن الأقلية عاشت بيننا منذ وجد النظام النيابى ولم تفكر فى تمثيل الأقليات أو كانت مجرد فكرة فردية لم نلحظ آثارها الاجتماعية البعيدة، كما أن فيه خروجاً على تقاليد العالم إذ لا يوجد فى دساتير العالم شىء من هذا مع أن البلاد الأوروبية لا تخلو من الأقليات الدينية وتمثيل الأقليات فى دستور بلجيكا يتعلق بالأقليات السياسية لا بالجماعات الدينية لأن المجلس النيابى مجلس سياسى لا مجلس دينى، والأقلية الدينية من حيث هى مجموع يشترك فى دين غير دين الأكثرية لا يمكن القول بأنها مذهب سياسى قائم بذاته بل هذا هو الذى يجب تجنبه».

ويقول أيضاً: إن الناس تحيا بالتفاهم والتسامح، وكان الخلاف دائما موقفا استثنائيا، ولئن كانت الأقلية تذكر أحداث الماضى البعيدة فقد عانت الأكثرية من حكومات الاستبداد فيه بقدر ما عانت الأقلية».

وقال «عبد العزيز فهمى»: إن تمثيل الأقليات يعنى منحهم امتيازاً ليس لغيرهم مع أن الروح الديمقراطية تعنى إزالة الفوارق».

ثم أوصى «بترك الأمر للمستقبل فإن جد شعور عام يطلب هذا الطلب تم تعديل الدستور!!

ويؤكد «محمود أبو النصر»: إن تمثيل الأقليات فى المجالس التشريعية من أقوى أسس الاستعمار» وضرب مثالا على ذلك بما فعلته «فرنسا» فى الدستور السورى فقد جعلت المسلمين ممثلين فيه بحسب فرقهم، ففيه ممثل للسنين وآخر للشيعة وثالث للدروز وهكذا مع أن الجميع مسلمون!

وكذلك فعلت بالمسيحيين فجعلتهم ممثلين بحسب طوائفهم وذلك بندر بذور التفرقة بين الجميع حتى لا يقع اتحاد بينهم مطلقاً».

وقال «قلينى فهمى»: أن فكرة تمثيل الأقليات هادمة للوحدة القومية وموجبة للتفريق بين العنصرين وهذا ما لا نود وقوعه».

ويقول «على ماهر» (وهو نفسه الذى أصبح رئيسا للجنة الخمسين لكتابة دستور ما بعد ثورة 23 يوليو 1952) أنه أمر يستبقى الانقسام، والماضى القريب يدلنا على أن الجمهور المصرى لا يفرق بين القبطى والمسلم، فضلا عن أن الخاصة لا تعرف هذا الفرق من زمن بعيد، وكم رأينا الثقة تنزع من المسلم لتعطى للقبطى: فكيف يمكن إغفال هذه الأدلة والعمل بعكسها والقبط ممثلون فى جميع المجامع السياسية بنسبة تزيد على نسبة عددهم زيادة كبرى وعند الانتخاب إذا تقدم المرشح للانتخاب بمفرده غير مؤيد من حزب سياسى فحسابه على نفسه تقدم المرشح لانتخاب بمفرده غير مؤيد من حزب سياسى فحسابه على نفس أما إذا كان مرشحا من حزب معين سواء كان قبطياً أم مسلماً فأنصار حزبه يؤيدونه مسلمين وقبط ولا ينازعه فى الانتخابات منازع بينهم».

وأوضح «أحمد طلعت» قائلاً: إن المحامين انتخبوا فى ثلاث سنوات متتالية نقيباً لهم قبطياً وهذا لم يحصل لغيره».

كان من الواضح أن لجنة الثلاثين أمام أزمة حقيقية تهم كل الأمة، ويقول «المستشار طارق البشرى»: كان من المعروف وقتها أن من أساليب لجنة الدستور فى عملها أن تتحسس اتجاهات الرأى العام خارجها حذر أن تنعزل عنه أو أن تشتط إلى حكام يتهاوى فى التطبيق أو تقوى به المعارضة فى الطعن على اللجنة، فكان ثمة حوار غير مباشر بين اللجنة والرأى العام برغم سرية اجتماعاتها، وكانت تجد الوسائل غير الرسمية لطرح موضوع ما على الرأى العام ترى أن تتحسس موازين القوى بشأن ترجيح أحد الحلول له».

ورأى «حسين رشدى» أنه يؤخذ رأى القبط فى هذا الموضوع.

وطالب «عبد اللطيف المكباتى» باستدعاء كبار القبط لسماع وجهات نظرهم!

كما أصدر «محمد على علوبة» ما أسماه «رجاء» طالب فيه بأن تبدى الأقليات رأيها فى الأمر!

وفى نفس الوقت وصلت إلى لجنة الدستور رسائل وبرقيات عديدة، منها ما هو مؤيد لفكرة تمثيل الأقليات مثل المجلس القبطى الإنجيلى العام، المجلس الملى للأقباط الأرثوذكس ومطران كل من إسنا والدير المحرق والجمعية الخيرية بالمنيا.

كما وصل المجلس برقية من أعيان أسيوط وقع عليها بعض القبط وعدد من المسلمين يطالبون بتمثيل الأقليات.

ويشير المستشار «طارق البشرى» إلى حادث مهم جرى أثناء ثانى جلسات اللجنة الفرعية للدستور التى نوقش فيها تمثيل الأقليات حيث يقول:
«وردت اللجنة برقية من «وديع صليب المحامى» بالمنصورة يعلن فيها معارضة القبط - قبل المسلمين - لهذا المبدأ ورفضهم ما يزيد على الضمانات الشعبية العامة «ولن يخرج قبطى على الأمة بتقدمه للانتخابات لتمثيل الأقليات» وأهمية ذلك أن المعارضين لمبدأ لم يكن عزمهم ينحصر فى مجرد إبداء الرأى ولكن وصل إلى حد الدعوة لاتخاذ الموقف العملى الواجب الاتباع، وهو موقف المقاطعة الذى كان من الأسلحة الفعالة لثورة سنة 1919، وقد نشرت هذه البرقية بالصحف، فصارت بمثابة دعوة للرأى العام لاتخاذ هذا الموقف إذا حدث وتقرر تمثيل الأقباط».

وهنا انتقلت الأزمة من لجنة الثلاثين إلى الصحافة وكانت معركة سياسية ووطنية لا نظير لها فى تاريخ مصر.

وللدراسة بقية.