الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«روزاليوسف» تنفرد بنشر تفاصيل طرد السفير التركى .. مصادر دبلوماسية: التقرير المعروض على الرئيس يتضمن خطوات تصعيدية أخرى من بينها قطع العلاقات مع تركيا




تحقيق – حمادة الكحلى

مما لا شك فيه أن ثورة 30 يونيو كانت ثورة شعبية بكل ما تعنيه الكلمة ولذا كان أثرها على القرار المصرى مباشرا ومعبرا عن رغبة كل من أيد وشارك فى هذه الثورة من الملايين الذين لم يخرجوا فقط للفظ النظام الإخوانى الفاشى ولكن أيضا لتصحيح مسار ثورة 25 يناير التى قامت من أجل أهداف عدة من أبرزها العدالة والكرامة الإنسانية واستقلالية القرار وإزالة خطايا كل من المخلوع حسنى مبارك والمعزول محمد مرسى.
وفيما لا تزال الإدارة المصرية فيما بعد ثورة 30 يونيو فى طريقها لتحقيق العدالة والكرامة بدستور يعبر عن إرادة المصريين وديمقراطية حقيقية فقد قطعت هذه الإدارة شوطا كبيرا فى طريق استقلال القرار المصرى النابع من الإرادة الشعبية والحكومية دون إملاءات أو تدخلات خارجية.
30 يونيو تؤدب المتطفل أردوغان
سيظل يوم السبت 23 نوفمبر 2013 يوما فاصلا فى تاريخ رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان حيث وجهت له الدبلوماسية المصرية لطمة قوية بطرد سفيره من القاهرة الذى استغرق وقت إبلاغه بالقرار بمقر وزارة الخارجية سبع دقائق فقط التقى خلالها مدير إدارة المراسم وتم إبلاغه بأنه «شخص غير مرغوب فيه فى مصر وعليه مغادرة البلاد وان مصر تعتبره بعد 24 ساعة شخصا عاديا لا يحمل الصفة الدبلوماسية» فى رد قوى من الإدراة المصرية على تجاوزاته فى حق الشعب المصرى وتحديه لإرادته.
وكشفت مصادر دبلوماسية مطلعة عن تفاصيل قرار طرد السفير التركى بالقاهرة وقالت لـ«روزاليوسف» إنه لم يكن قرارا وليد اليوم الذى صدر فيه ولكنه كان قد اتخذ قبل نحو أسبوع من الآن، فخلال عرض وزير الخارجية نبيل فهمى على رئيس الجمهورية عدلى منصور تقريرا يتعلق بإحدى زيارات الوزير الأخيرة للخارج كان أن قدم إليه تقريرا آخر أعدته مجموعة دبلوماسية شديدة المهنية حول الإجراءات التى يجب على مصر اتخاذها حيال التدخل التركى السافر فى الشئون الداخلية لمصر، وأوضحت المصادر ان من أول هذه الإجراءات وليس آخرها هو طرد السفير التركى من القاهرة وتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسى إلى درجة قائم بالأعمال.
وأضافت المصادر أن من بين ما تضمنه التقرير المعروض على الرئيس حاليا بخصوص التعامل مع تركيا هو اتخاذ مصر قرارا بوقف الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية مع تركيا وتنشيط التحالفات مع الدول المجاورة لتركيا والتى من شأنها فرض مزيد من الضغط على الحكومة التركية، فضلا عن إمكانية قطع العلاقات بصورة تامة وإغلاق السفارة المصرية بأنقره إذا ما استمرت تركيا فى دعم الإرهاب فى مصر والتدخل فى الشئون الداخلية للقاهرة.
وحول ما إذا كان القرار له علاقة بالناحية الأمنية واشتراك تركيا فى عمليات إرهابية فى مصر قالت المصادر: «ليس من اختصاص المسئولين بوزارة الخارجية الحديث فى أمور تتعلق بالنواحى الأمنية لكن الجميع تابع المؤتمر الصحفى لوزير الداخلية مؤخرا والذى أعلن فيه أن عددا من الإرهابيين تلقوا تدريبات عسكرية فى تركيا وهو ما لم يكن بعيدا بكل تأكيد عن مرأى ومسمع الحكومة التركية، بالإضافة إلى أن تركيا لا تخفى استضافة اجتماعات للتنظيم الدولى لجماعة الإخوان الذى يسعى لزعزعة الاستقرار المصرى، لافتة إلى أن السفارة المصرية بأنقرة بعثت بأربع برقيات توصف بشديدة الخطورة حول هذه الاجتماعات التى أجراها التنظيم الإخوانى وممثلو جماعات جهادية خلال الشهر الماضى بمدينة اسطنبول التركية».
أردوغان المُضحك 
ورغم أن رد فعل الحكومة التركية تجاه القرار المصرى كان مثيرا للضحك سواء فيما يتعلق بطرد السفير المصرى الموجود فى القاهرة أساسا منذ 16 أغسطس الماضى أو التصريحات التى أدلى بها أردوغان، إلا أن الحكومة المصرية لم تكتف بقرارها بل وأصدرت وزارة الخارجية عدة تصريحات ردا على رد الفعل التركى وتصريحات أردوغان الذى قال أنه لا يحترم الإدارات التى لا تحترم سيادة الشعوب فى إشارة إلى الإدارة الحالية لمصر، ووصف السفير بدر عبدالعاطى المتحدث باسم وزارة الخارجية هذه التصريحات بأنها تتسم بالرعونة وعدم الموضوعية، مضيفا أن الوزارة أعطت الجانب التركى أكثر من فرصة لتغيير سياستهم تجاه مصر، محملا الحكومة التركية مسئولية تدهور العلاقات بين البلدين.
وقال «عبدالعاطى» أن المصريين بعد ثورة 30 يونيو يمتلكون قرارهم، ولا يمكن الضغط على الإرادة الشعبية، موضحا أن قرار لا يعنى قطع العلاقات الدبلوماسية وأن كل ما حدث هو تخفيض التمثيل الدبلوماسى لإجراء طبيعى لتدخلات الجانب التركى فى شئون مصر.
وعلّق السفير فتحى الشاذلى سفير مصر الأسبق بتركيا على تصريحات أردوغان بانها غير مسئولة وسقطة جديدة من سقطاته ولكنها متوقعة وعادية كرد فعل للقرار العاصف الذى اتخذته الحكومة المصرية والذى أحرجه محليا على مستوى تركيا وإقليميا ودوليا، لافتا إلى أنه يسعى إلى لفت نظر المجتمع الدولى عما يجرى فى تركيا من مظاهرات تقمعها الشرطة بأمر منه مباشرة.
وحول التصريحات الجيدة لوزير الخارجية التركى أحمد داود أغلو ورئيس الجمهورية عبدالله جول والذى وصف مصر بالدولة القوية أوضح السفير المصرى الأسبق لدى تركيا أن هناك ارتباكا واضحا فى المشهد التركى وقرارات متفاوتة وبعضها متعارض مع الآخر وهو ما يبرر مدى تأثير القرار المصرى على أنقرة وأنه كان مفاجئا وغير متوقع.
المعارضون «خونة»
من جانبه اتهم السفير معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية الأسبق كل من عارض قرار طرد السفير التركى من القاهرة بخيانة الوطن والثورة ودماء الشهداء، لافتا إلى ضرورة الوقوف خلف الحكومة المصرية التى وجهت صفعة قوية إلى الجانب التركى من شأنها أن تعيد مصر إلى دائر الفعل وليس مجرد رد الفعل.
وكانت جماعة الإخوان المحظورة والجبهة السلفية وأحزاب ما يعرف باسم التحالف الوطنى لدعم الشرعية وكذلك حركة 6 إبريل قد عارضوا القرار ووصفوا من أصدره بالجهل.
وردا على سؤال حول ما إذا استمر الجانب التركى فى تدخلاته فى شئون مصر قال السفير معصوم أن مصر بصدد القيام بجهود دبلوماسية أخرى لفرض ضغوط مؤثرة وقوية على تركيا عن طريق الحلفاء فى المنطقة العربية وكذلك منطقة الجوار مع تركيا ومن ثم يمكن إلحاق ضرر اقتصادى بالغ بالحكومة التركية إذا ما نجحت مصر فى إقناع الدول الخليجية فى اللعب بورقة الاستثمارات الخليجية فى الخليج.
وأضاف أنه لم يكن أمام صانع القرار المصرى سوى اتخاذ قرار طرد السفير التركى بعدما فشلت كل الوسائل فى ردع الجانب التركى حيث سبق واستدعى السفير المصرى للتشاور وكذلك تم استدعاء السفير التركى للاحتجاج أكثر من مرة ولكن الإصرار التركى أدى فى النهاية إلى اتخاذ الحكومة المصرية هذا القرار.
العباءة الأمريكية إلى زوال
لم يكن موقف الدبلوماسية المصرية تجاه تركيا المظهر الوحيد فى طريق استقلال القرار المصرى بعد ثورة 30 يونيو، حيث بدا قبل أيام من ثورة 30 يونيو التحدى الواضح للإدارة الأمريكية التى لم تكن ترغب فى تغيير نظام الإخوان الذى كان بمثابة الكنز الاستراتيجى لها، حيث لم تخف السفيرة الأمريكية قبل ساعات من اندلاع الثورة اجتماعاتها مع الرئيس الفعلى للبلاد آنذاك خيرت الشاطر، وكذلك لم يخف الرئيس باراك أوباما تأييده التام للإخوان رغم خروج الملايين فى 30 يونيو و3 يوليو و 26 يوليو ورغم الضغط الشعبى الأمريكى عليه لدعمه جماعة يعتبرها هذا الشعب بمثابة الأب الشرعى لكل الجماعات الإرهابية فى العالم بما فيها تنظيم القاعدة.
ورغم هذا الضغط الأمريكى إلا أن ثورة 30 يونيو استطاعت أن تخلع العباءة الأمريكية التى لبسها نظامى مبارك ومرسى حيث كانا يعتبران واشنطن المانح الوحيد للسلطة وأيضا من بيدها وحدها نزع السلطة منهما.
ويصف السفير سامح شكرى سفير مصر السابق فى واشنطن تأثير ثورة 30 يونيو على العلاقات المصرية الأمريكية بالتاريخى حيث قال أنه لأول مرة منذ سنوات تتفاجأ الإدارة الأمريكية بما يحدث فى مصر ولأول مرة تجد نفسها فى موضع رد الفعل وأن عليها أن تتعامل مع ما يجرى كأمر واقع وهو ما يفسر حالة الارتباك الذى شهده الموقف الأمريكى بعد الثورة وحتى قبل زيارة جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى مؤخرا لمصر.
وأوضح فى تصريحات لروزاليوسف أن الموقف المصرى تجاه ثورة 30 يونيو كان متدرجا ومر بأكثر من مرحلة حيث بدت التصريحات فى البداية متحفظة نوعا ما حيث لم يتطرق المسئولون الأمريكيون إلى وصف ما حدث فى مصر بأنه ثورة أو انقلاب إلا أن الموقف تطور على أثر رفض مصر أكثر من مرة محاولات أمريكية للتدخل فيما يجرى من أحداث، وتأزمت العلاقة بصورة واضحة فى أعقاب فض اعتصام رابعة والنهضة وتبع ذلك قرار من الرئيس الأمريكى بتعليق مناورات النجم الساطع ثم تعليق المساعدات العسكرية.
وأضاف أن هذه القرارات كانت انفعالية وغير مدروسة، مشيرا إلى أن الإدارة الأمريكية تسعى حاليا إلى تحسين العلاقات وتصحيح الأخطاء التى ارتكبتها مؤخرا، حيث بدا هذا واضحا أثناء زيارة وزير الخارجية الأمريكى مؤخرا للقاهرة، وقال شكرى: «اعتقد أن قرار تعليق المساعدات العسكرى سيتم إلغاؤه قريبا خصوصا فى ظل إدراك واشنطن أنه لم يكن له تأثير فعلى على مصر وأن هناك أطرافا دولية أخرى يمكنها ملء الفراغ الذى يمكن أن تتركه الولايات المتحدة وأنه من مصلحة أمريكا أن تستمر فى ضخ هذه المساعدات العسكرية وليس العكس».
نهاية أسطورة أشتون فى غرفة احتجاز مرسى
خلال السنوات الماضية لعبت كاترين أشتون الممثل السامى للسياسات الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبى دورا سياسيا فى وصول الإخوان إلى حكم مصر سواء عن طريق اتصالاتها مع المجلس العسكرى السابق بصفتها الأوروبية أو كمبعوث سرى للإدارة الأمريكية إلى الحكومة المصرية بعد عزل مرسى.
ورغم هذا الدور إلا أن الحكومة المصرية أجهضت كل المحاولات التى قامت بها أشتون بعد ثورة 30 يونيو من أجل إعادة مرسى إلى الحكم أو عدم التصعيد ضد الإخوان أو ترك اعتصامى رابعة والنهضة دون المساس بهما، وكانت زيارة اشتون الشهيرة للمعزول مرسى فى مقر احتجازه فى الثلاثين من يوليو الماضى بمثابة الحلقة الأخيرة فى مسلسل تدخلها فى الشأن الداخلى المصرى حين واجهت المعزول وعرضت عليه مبادرات وكان من بين بنودها أن يخرج إلى أنصاره فى تسجيل مصور يطالبهم فيه بفض الاعتصامات ومنع الاشتباكات وهو ما رفضه المعزول الذى أطلق عبارات تهديد ووعيد ضد ما وصفها بحكومة الإنقلاب – على حد قوله، لتغادر بعدها أشتون مقر احتجاز المعزول وتلتقى وزير الخارجية نبيل فهمى الذى أبلغها أن هذه هى المرة الأخيرة التى سيسمح فيها بعرض المبادرات أو الحديث إلى المعزول.
الخليج عربى .. لا إخوانى ولافارسى
كذلك كان لثورة 30 يونيو أثر بالغ على العلاقات المصرية الخليجية التى توترت بصورة كبيرة خلال حكم المعزول لأسباب عديدة من أبرزها اكتشاف دول خليجية وجود خلايا إخوانية تسعى إلى تصدير ثورة يناير إلى الخليج لأخونته وكذلك لوجود علاقة غير عادية بين نظام الإخوان وإيران التى تهدد أمن الخليج من حين لآخر، حتى قامت الثورة فكان التأييد الأول من العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذى أعلن وقوف بلاده بجانب مصر وتأييد الشعب السعودى لهذه الثورة التى قال عنها إنها حمت مصر من الاستمرار فى نفق مظلم، كما كان التأييد السريع من الجانب البحرينى ثم الكويتى والإماراتي.
وقال السفير محمد العرابى وزير الخارجية الأسبق أن العلاقات المصرية الخليجية خلال عهد مرسى اتسمت بالفتور لوجود علاقات إخوانية غير مفهومة مع إيران وكانت هناك شكوك فى نوايا الإخوان التى كانت تسعى لإقامة لوبى إخوانى عربى، مشددا على ان الخليج هو الامتداد الطبيعى لمصر، كما كشف عن تسيير وفد شعبى برئاسته الى دول الخليج قريبا لتوجيه الشكر على دعم مصر فى الفترة الماضية، لافتا إلى أن ثورة 30 يونيو حمت العلاقات المصرية – الخليجية من الانهيار.
وردا على سؤال حول ما يتردد عن دور خليجى فى ثورة 30 يونيو قال وزير الخارجية الأسبق أن هذا الأمر لا محل له ولا يقوله إلا مخبول أو أعمى، وإلا فماذا نسمى الملايين التى خرجت فى 30 يونيو و3 يوليو للثورة ضد النظام الإخوانى المستبد.
ووصف العرابى قطر بأنها تغنى خارج السرب وستظل معضلة الشرق لافتا إلى أنها أدخلت نفسها فى عزلة عربية كبيرة بسبب سياساتها فى المنطقة.