الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الخومينى والجماعة... أمريكا وصناعة الإسلام السياسى




كتب- محمد عبدالخالق
لم يعد خافيا على أحد أن نشأة جماعات الإسلام السياسى فى الدول العربية فى أوائل القرن العشرين كانت بيد ودعم وتمويل مخابرات دول غربية، ربما رأت فى ذلك التوقيت أن الفكر الإمبريالى فات زمنه، بعد انتشار حركات التحرر ودعوات الاستقلال فى المستعمرات الغربية القديمة.لم تكن هذه الدول تريد سوى خلق (عدو - صديق) «عدو» للأوطان من أبنائها يختفى وراء ماسك تم اختياره بعناية وهو (ماسك الدين) لما يعرفونه عن تدين هذه الشعوب وارتباطها القوى بالدين وكل ما يمثله أو يتحدث عنه أو به، و«صديق» للتيار الاستعمارى يخدمه ويمرر مصالحه ويلعب دور «الطابور الخامس» بين صفوف الوطن.
 

وليس خافيا على أحد الدور الذى لعبته جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها على يد حسن البنا، وحتى الآن فى المواقف الوطنية الحاسمة، وانفضاح أهدافها وبعدها كل البعد بل ومحاربة أى حركة او توجه من الممكن أن يسهم فى تحرر وتقدم وازدهار هذا الوطن، والأمثلة يحفظها التاريخ منذ أيام مفاوضات عبدالناصر مع الانجليزى للجلاء ورفض الإخوان ووقوفهم ضد الجلاء ومحاولة إثارة الفوضى لإعاقة تحقيقه، وحتى ثورة يناير التى تنفس فيها الشعب الحرية وبحث عن المستقبل الذى تأخر عن ركابه، فما كان منها إلا العمل على إجهاض الفكرة ومحاربتها، والتصدى للحكم تحت ستار الثورة لا لشيء سوى لتنفيذ نفس المخطط وهو إرضاء الغرب وأمريكا وإسرائيل (لاحظ أن الإخوان طوال تاريخهم يهتفون ضد هاتين الدولتين تحديدا)، إلى أن استفاق الشعب المصرى وانتفض مرة أخرى مطيحا بهم بعدما كشف زيف دعواهم وسأم متاجرتهم بالدين وتصديهم للعمل الوطنى وهم أبعد ما يكونون عن الوطنية.

الكتاب الذى بين أيدينا (الخومينى والجماعة... أمريكا وصناعة الإسلام السياسي) للكاتب الصحفى محمد الزمزمى والصادر عن دار سما للنشر والتوزيع فى 215 صفحة من القطع المتوسط يكمل الفكرة ولا يقف عن صناعة أمريكا والدول الغربية للإخوان المسلمين فقط، وهو ما تناولته العديد من الدراسات، وإنما يتوسع لكشف دور أمريكا والدول الغربية فى صناعة كل تيارات الإسلام السياسى بالمنطقة سواء فى مصر أو ليبيا أو إيران تحت مسميات عديدة منها: الإخوان المسلمون فى مصر - السنوسية فى ليبيا – البهائية فى إيران وغيرها.

■ الإخوان والمخابرات البريطانية

بعد استعراض سريع لقصة نشأة الإخوان بالإسماعيلية وعلاقتها بشركة قناة السويس (البريطانية-الفرنسة) التى مولت الإخوان وساعدت حسن البنا فى بناء أول مسجد له، ينتقل الكتاب إلى الحديث عن أول حالة تعاون بين الإخوان وأحد كبار ضابط المخابرات البريطانية، ج هيورث دان، فى سفارة لندن بالقاهرة، وفى غضون ثلاث سنوات، وحسب المؤلف، سيطر الإخوان على عدد من المؤسسات، وكان من المؤسسات التى تم اختراقها الحزب «الشيوعى المصري»، الذى يمثل نموذج التعاون الإخوانى – الشيوعى الذى سرعان ما انتشر فى كل أنحاء الشرق الأوسط، وهو المزيج من «اليسار واليمين» الذى يمثل الطابع التقليدى لمعهد «تافيستوك» وجامعة «ساسكس» فى لندن، ويدرك الأمريكيون اليوم أن الحركة «الإسلامية الماركسية» هى التى أوصلت الخمينى إلى سدة الحكم فى إيران.

ثم تعرض الكتاب لاجتماع المرشد العام للإخوان المسلمين حسن إسماعيل الهضيبى عام 1953 مع تريفور إيفانز فى السفارة البريطانية، وأخبر البريطانيين وقتها أنه قد يتحالف معهم لمنح بريطانيا العظمى حقوقا دائمة فى قاعدة قناة السويس بعد الانسحاب الرسمى للقوات البريطانية المتمركزة هناك، كما قامت لندن بتوجيه الإخوان لإشعال حرب ضد عبدالناصر وحصل الإخوان على مساعدة من إسرائيل عندما دخلت مجموعات من المخابرات الإسرائيلية مصر ووضعت عبوات ناسفة فى عدد من المكاتب والمقار البريطانية الأمريكية آملين فى إثارة حرب أهلية وفوضى تسقط نظام عبدالناصر، لكن تم كشف المخطط وأطلق وقتها على الإخوان «معول المستعمرين والصهاينة».

■ الشاه الإيرانى وإسقاط الدولة فى يد الملالي

وبعد حديث المؤلف عن «ماسونية» سيد قطب، التى كشفها وأكدها كتابته لافتتاحية جريدة «التاج المصري» الماسونية التى كان لا يكتب بها سوى أعضاء التنظيم الماسونى فما بالك بمن يكتب افتتاحيتها، انتقل للحديث عن إيران ونظام الشاه وفساده وأخطائه، والمؤامرة التى دبرها البريطانيون للإطاحة بعرشه بمساعدة رجالهم فى حكومة الشاه، الذين اخذوا قرارات تصعيدية ضد رجال الدين وأوقفوا الأموال التى كانت تدفعها لهم الدولة وهاجمت الشرطة منزل أحد أكبر رجال الدين ونشروا فى الإعلام مواد بها إساءة لرجال الدين ما أشعل الثورة والاضطراب بالدولة، وهو ما حمله الشاه وأخته فيما بعد للجنرال «حسين فردوست»الذى كان صديق طفولة الشاه والمسئول عن مخابراته، وكيف وقع الشاه وقتها بين رحى مظاهرات الشيعة المتزايدة ولاصدام مع الشرطة وبين ضغط أمريكا وبريطانيا لمنعه من فرض الاحكام العرفية، وقادت وقتها الحرب الخارجية ضد نظام الشاه شركة «بريتيش بيروليوم» وهيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى».

■ البهائية وعلاقتها بالمذهب البريطانى الاسكتلندى

تأسست الطائفة البهائية عام 1844 على يد مبشر يدعى مرزا حسين على، وأطلق على نفسه اسم «بهاء الله»، وكان أكثر أتباع هذه الطائفة فى إيران رغم فرار العديد منهم من إيران بعد وصول نظام الخمينى للحكم، وأكبر معبدبهائى موجود فى حيفا بإسرائيل، ويقع المقر العالمى للمنظمة فى ويلميت بولاية إلينوى بالولايات المتحدة الأمريكية.

كان للبهائيين علاقة وثيقة بالمذهب البريطانى الاسكتلندى الذى سمح لهم بالتوسع فى إنشاء معابد ومحافل فى مستعمراته بالهند والدولة العثمانية وروسيا وإفريقيا، وأكد إ.ج.براون وهو متخصص بريطانى فى الطوائف أن البهائية هى الموجة المستقبلية فى الشرق الأوسط، وقال المعتمد البريطانى فى مصر اللورد كارزون أنهم إذا استمروا فى الانتشار بالمعدل ذاته قد يحل البهائيون محل الإسلام.

وفى عام 1918 منحت ملكة بريطانيا عبدالبهاء لقب فارس، وكان له رسالة واحدة ينشرها فى كل مكان: «ضرورة القضاء على الدول الأممية والأديان العالمية الحالية والحدود القومية لإذابة كل شيء فى عالم واحد».

وكان للبهائية دور فى إنشاء «عصبة الأمم» التى كانت طليعة «الأمم المتحدة»، وهناك اعتقاد يرتكز على عدد من الأدلة بأن البهائية كانت ذراع بريطانيا فى إيران والتى رعت الحركة المناهضة للشاه ومولتها، وشجعت بريطانيا أيضا من خلال البهائية نشأة التيارات الإسلامية القائمة على فكر الصوفية الشرقية القادمة من الهند وكان منها «الوهابية» فى شبه الجزيرة العربية و»أخوية السنوسي» فى ليبيا.

■ «أخوية السنوسى» وعلاقتها بـ«وهابية» السعودية

أسس محمد بن على السنوسى الخطابى الإدريسى الحسنى نظام «أخوية السنوسي»، وانتشر تدريجيا فى تونس وطرابلس وبرقة وفى عام 1951 اتحدت طرابلس ببرقة لتكونا دولة ليبيا، ثم سافر السنوسى إلى مكة بشبه الجزيرة العربية واستطاع ورفاقه تأسيس فرع لـ«أخوية السنوسى» بها.
كان كل من الحركة الوهابية والسنوسية يعكس تأثير التيارات الباطنية الصوفية الأصولية المتدفقة فى ذلك الوقت من الهند البريطانية.

وبعد غزو الفرنسيين للجزائر أيقنوا خطر السنوسية عليهم لصالح البريطانيين، فمنعوا دخوله الجزائر واستقر بليبيا، وكان يساعد المتمردين فى الجزائر ضد الاحتلال الفرنسى، فى حين رفض مساعدة المهدى ضد الاحتلال ابريطانى فى السودان، ما يكشف أن السنوسية كانت مجرد مساعد بسيط لعمليات المخابرات البريطانية فى العالم الإسلامى فى هذه الفترة، وفى عام 1916 وعقب وفاة محمد المهدى صار إدريس قائدا لأخوية السنوسى إلى أن أصبح عام 1951 إدريس الأول ملك ليبيا.

وعقب الحرب العالمية الأولى تم اعتبار أخوية السنوسى رسميا أحد أصول المكتب العربى البريطانى فى القاهرة، وأرسلت بريطانيا عميلا من مخابراتها لطرابلس للمساعدة فى تنظيم العمل السياسى للحركة.


■ عود على بدء... الإخوان وإسرائيل (المصلحة فوق العقيدة)

نعود للإخوان وموقفهم من إسرائيل الذى تعدى حدود الموقف السياسى وتحول إلى موقف دينى عقائدى أيديولوجى، ألبس الصراع على الأرض ثوب الصراع على الدين وتحويل قضية القدس إلى قضية كل مسلم، بحيث أصبح بقاء أى من الطرفين يستلزم القضاء على الطرف الآخر، هذا ما صدره لنا الإخوان وتاجروا به قبل وصولهم للسلطة، أما ما حدث بعد وصولهم للسلطة فهو الانقلاب بكل بساطة وسرعة لتغليب مصلحتهم على عقيدتهم، فتراجعت أيديولوجية الجماعة مقابل مصالحهم مع إسرائيل وأمريكا.

فالإخوان الذى عاشوا عقودا يقتاتون شعار «عالقدس رايحين شهداء بالملايين» بمجرد وصولهم لحكم مصر عقب ثورة يناير تحولوا إلى أصدقاء لإسرائيل حامين لحدودها محافظين على اتفاقية السلام معها، «كامب ديفيد» التى كانت أحد أسباب قتل ذراعهم العسكرية للرئيس محمد أنور السادات، وتحولت أمريكا من «الشيطان الأكبر» إلى الراعى الأكبر لنظامهم، وتحول «أبناء القردة والخنازير» إلى صديقى العزيز شيمون بيريز.

وعلى خلفية التقارب الأمريكى مع جماعة الإخوان المسلمين فى مصر، نشر موقع «إفشر لاحشوف» الإسرائيلى مقالا للخبير الاستراتيجى نمرود هورفيتش تحت عنوان «واشنطن والإخوان المسلمين وإسرائيل»، قال فيه: على الرغم من المعارضة المبدئية لجماعة الإخوان المسلمين وما تشكله من خطر على وجود دولة إسرائيل فإن هذا الموقف ليس شائعا بالضرورة بين كل أعضاء الجماعة حيث يوجد بين أوساطها تيارات وأشخاص معتدلون.
وتابع هورفيتش: العناصر البرجماتية فى مصر تتأمل جيدا سياسة إسرائيل وترد عليها، وبالتالى فى حال تولى الإخوان المسلمين سدة الحكم بإمكانهم إقناع المصريين بأنه يجب القبول بكيان دولة إسرائيل، وذلك يتعلق بقدر كبير بتنفيذ الخطوات المطلوبة لإقامة دولة فلسطينية.