الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مرحبا بكم فى الجراج المفتوح.. «شارع المعز سابقا»




تحقيق وتصوير - علاء الدين ظاهر


إذا أردت أن تسافر من دولة إلى أخرى.. فإنك تستقل أى وسيلة مواصلات لتنقلك عبر المكان.. وإذا أردت أن تسافر من زمن إلى آخر.. فما عليك سوى اللجوء إلى أفلام الخيال العلمى.. لتسافر عبر آلة الزمن إلى العصر الذى تريده.. أما إذا اردت أن تسافر عبر الزمان والمكان معا.. فما عليك سوى الذهاب إلى شارع المعز بالقاهرة الفاطمية.. لتجد نفسك قد انتقلت إلى زمن الدولة الفاطمية بل والمملوكية أيضا.. فمعالم هذا الشارع وآثاره، مازالت تحمل فى مبانيه وآثاره عبق التاريخ ورائحته.. وملامح زمنه وعمارته.. حتى صار من أهم المزارات السياحية، التى يقصدها السائحون عند قدومهم إلى القاهرة.
هذا الشارع، رغم ما لحق بآثاره من هلاك وفناء، فإنه مازال يزخر بآثار تشهد على زمنه، التى ذكر منها المقريزى: جامع الحاكم بأمر الله، وكالة قايتباى، بيت السحيمى، جامع سليمان أغا السلحدار، جامع الأقمر، سبيل عبدالرحمن كتخدا، قصر الأمير بشتاك، جامع السلطان قلاوون، مدرسة الظاهر برقوق، تربة الصالح أيوب، المدرسة الصالحية، المدرسة الكاملية، مدرسة الناصر محمد بن قلاوون، جامع الأشرف برسباى، مدرسة وسبيل السلطان الغورى، حمام المؤيد، جامع المؤيد، وغيرها من الآثار مثل: باب زويلة حتى بوابة النصر، ليشهد على ما تمتعت به القاهرة منذ إنشائها حتى الآن من آثار إسلامية حولتها إلى قبلة للسائحين.

ما ذكر فى السطور السابقة كان مقبولا سماعه وقراءته حتى ما قبل ثورة 25 يناير، إذ أُغلق الشارع بعد ترميمه أمام السيارات، ليصبح بالفعل أكبر متحف مفتوح للآثار فى العالم سابقا، فالوضع حاليا اختلف تماما مع الانفلات الأمنى الذى شهدته مصر عقب ثورة يناير، ولا يزال مستمرا حتى الآن رغم تراجع حدته، فبدلا من أن يكون الشارع مكتظا بالسائحين، احتلت السيارات نهر الطريق وجانبيه فى شارع المعز.. لتصدق عليه مقولة «أكبر جراج أثرى مفتوح للسيارات».. «روزاليوسف» فى هذا التحقيق ترصد أبرز الانتهاكات التى تتعرض لها آثار شارع المعز.. كما ترصد رأى الآثاريين والمرممين، ودور وزارة الآثار فى التعامل!

البداية تأتى مع خطواتك الأولى لدخول شارع المعز، بدءًا من «خان الخليلى» تلك المنطقة التى تنتشر بها محال باعة العباءات والهدايا، فمع نسمات الصباح.. تزكم الأنوف رائحة القمامة والمخلفات المنتشرة بالشارع نتيجة سلوك الأهالى والعاملين بالمحال منذ اليوم السابق، ورغم أن عاملى القمامة يجمعونها بالفعل، فإن المشهد يتكرر يوميا، فضلا عما يقوم به أصحاب المحال صباحا من أفعال لا تتناسب مع طبيعة الشارع وآثاره مثل رش المياه، وهو ما يتكرر فى منطقة الصاغة، التى تأتى بعد خان الخليلى وتقع فى مقدمة شارع المعز، وهو ما أدى إضافة إلى عشوائية السكان الشارع إلى تواجد ملحوظ للكلاب والقطط.
أما ثانى الأخطار التى تتهدد الشارع العتيق، فيتمثل فى انتشار الباعة الجائلين وجهل الأهالى بقيمة ومكانة شارعهم الأثرى، ما يمثل خطرا داهما ومعوقا أمام أى تطوير وترميم يُجرى له، يضاف إلى هذه الأخطار الانتشار الكبير للسيارات فى الشارع واستحواذها على مساحات كبيرة منه، حتى إن أصحابها لم يجدوا غضاضة فى ركنها فوق الرصيف أمام الآثار مباشرة، ليصبح الشارع مكدسا بالسيارات والموتوسيكلات، كل ما سبق إضافة إلى الأجواء السياسية المضطربة التى تمر بها مصر، أسهم فى عزوف السائحين عن زيارة الشارع، خاصة أن المارة أصبحوا فى أوقات كثيرة لا يجدون مكانا يسيرون فيه، ولا عزاء لكل الملايين التى أنفقت على الشارع وترميم آثاره.

ما سبق قد يعتبره البعض مبالغا فيه، لكن التقرير الذى نشرته وكالة «أسوشيتد برس» الإخبارية الأمريكية، ينفى عنه اى مبالغة، إذ قالت الوكالة فى تقرير نشرته «إن القاهرة اشتهرت طوال تاريخها بأنها متحف مفتوح للآثار الإسلامية، لكن هذه الآثار تعرضت للإهمال والتخريب طوال العامين الماضيين وعقب ثورة 25 يناير، خاصة شارع المعز الذى عرف دوما بأنه متحف إسلامى مفتوح، إلا أنه أصبح الآن مشوها، مع الضوضاء وأصوات الدراجات البخارية والسيارات والباعة الجائلين».

فما هى مسئولية وزارة الآثار عن ذلك؟ وكيف تواجهه؟ وما أضرار تلك الانتهاكات على الآثار؟ وغيرها الكثير من الأسئلة التى طرحناها على مسئولى وزارة الآثار والآثاريين والمرممين.

د.محمد إبراهيم وزير الآثار قال: إن شارع المعز شهد عملية تطوير كبرى وشاملة لآثاره عام 2008، فى إطار مشروع أكبر لتطوير القاهرة الفاطمية بتكلفة بلغت نحو 85 مليون جنيه، حتى تحول بحق إلى أكبر متحف مفتوح للآثار الإسلامية فى العالم.. تابع إبراهيم: من جانبنا فى الوزارة ومن سبقونى بذلنا جهودا كبيرة للحفاظ على ذلك، إلا أن الشارع وآثاره تعرضا لانتهاكات خطيرة عقب ثورة 25 يناير، وسادته حالة من الفوضى والانفلات الأمني، ومع ذلك فإننا بصدد تنفيذ خطة لإعادة الشارع لحالته الأصلية، من خلال رفع الإشغالات المنتشرة فيه وتفعيل البوابات الإلكترونية، وإعادته كما كان للمشاة فقط، ومنع السيارات من دخوله والتصدى لذلك من خلال تخصيص نقاط أمنية مستمرة فى عدة مواقع بالشارع.

أما محمد عبدالعزيز مدير «مشروع تطوير القاهرة التاريخية» فقال: عقب أحداث ثورة 25يناير تعرضت البوابات الإلكترونية على مداخل ومخارج الشارع للتدمير على يد البلطجية، رغم الأموال الكثيرة جدا التى أنفقت عليه لترميم الآثار الموجودة فيه ولتحويله لمتحف مفتوح للمشاة فقط دون السيارات، خاصة أن شارع المعز يتمتع بميزة أنه يعد أكبر شارع مفتوح به آثار فى العالم كله.

وأوضح عبدالعزيز أن الشارع أنفق عليه نحو 25 مليون جنيه من وزارة الآثار، إضافة إلى 50 مليوناً للمرافق، لكنه تعرض لتخريب عمدى من البلطجية، كما تم تخريب الواجهات والألوان الموحدة للمحال بالشارع، ورغم ذلك فإننا نسعى فى وزارة الآثار بقوة لتنفيذ مشروع متكامل على 3 مراحل، لإعادة الطلاء وإزالة التعديات من الشارع وإنشاء بوابات إلكترونية جديدة بالتعاون مع وزارة الداخلية.

من جانبه، قال د. على طه عمر المشرف على إدارة التدريب والتنمية البشرية بالقاهرة التاريخية: إن شارع المعز يعانى من مشكلة أساسية وهى حركة مرور السيارات وعدم غلق الشارع أمامها كما هو مفروض أن يكون، إذ يسهم ذلك إلى حد كبير فى الحفاظ على الشارع بما فيه من مبان أثرية، مشيرا إلى أن ما شجع الناس على ذلك عدم وجود البوابات الإلكترونية التى حطمها البلطجية بعد ثورة يناير وعدم الانضباط الأمنى، رغم وجود أكثر من سيارة شرطة خاصة أمام مجموعة قلاوون، إلا أننا نجد السيارات تركن على جانبى الطريق.

وتابع: فى المعز تجد جميع أنواع السيارات من ملاكى وأجرة وأتوبيسات كبيرة ونقل تمر فى الشارع، ومع ضيقه نجد دائما الضوضاء والازدحام ولا مجال للمشاة، وبجانب الأضرار الجسيمة التى يسببها ذلك للآثار، فإنه يعيقنا كإدارة تدريب أثناء المحاضرات بسبب الضوضاء الشديدة فى الشارع مع الازدحام وكلاكسات السيارات، ما يجعل صوت المحاضر معدما ولا يصل إلى المتدربين، لتصبح الضوضاء سببا دائما للشكوى، وأحيانا كثيرة يعتذر المحاضرون عن المحاضرات، خاصة السيدات لما يواجهنه من إرهاق شديد لالقاء المحاضرات بصوت عال.

وعن دور وزارة الآثار ومدى مسئوليتها عن مقاومة ما يتعرض له الشارع من انتهاكات، قال: الوزارة ملتزمة بنظافة الشارع من خلال شركة خاصة وإعادة تأهيله بعد ما تعرض له من تخريب عقب أحداث ثورة يناير، فتمت إعادة الاضاءة كاملة وصيانة أرضيات الشارع باستبدال البلاطات المكسورة أو المفقودة، كما يتولى أفراد أمن الوزارة تأمين المبانى الأثرية، والغريب أننا فى الساعات الأولى من أى يوم وحتى الساعة 11 صباحا نجد الهدوء والنظافة التامة فى الشارع، كأننا بالفعل فى دول متحضرة، لكن ومع دخول ساعات الظهيرة، تبدأ حركة السيارات، ليتحول الشارع إلى أسوأ مكان بدول العالم الثالث، بسبب السيارات وضجيجها وعدم احترامها طبيعة المكان الأثرية.

وهنا.. تقع المشكلة على المحافظة، لأنها المسئولة عن حركة السير فى الشارع وليست وزارة الآثار، ورغم وجود رجال الشرطة الملحوظ بأكثر من سيارة أمام مجموعة قلاوون، فإنهم لا يتخذون اى إجراء ضد السيارات التى تمر به، كأن يغلقوه كما كان عليه قبل الثورة، خاصة بعد رجوع رجال الشرطة إلى الشارع كما يزعمون، وأنهم قادرون على صد مرور السيارات حتى بدون وجود بوابات الكترونية، فعدم غلق الشارع يسبب العديد من المشكلات والأضرار ليس لنا كأفراد آثاريين وعاملين فيه، بل للمبانى الأثرية نفسها.

عن وجهة نظر الترميم فى ما يتعرض له شارع المعز والكنوز الأثرية فيه؟.. قال كريم محمد السيد إخصائى ترميم الآثار: إن المحيط العمرانى وما يشمله من دكاكين وحانات وغيرها يؤثر بالسلب على الآثار، وهذا يتجسد بشدة فى شارع المعز، فبعض تلك الحانات (الدكاكين) يحتوى على مداخن تخرج منها أدخنة سامة، تتفاعل مع الأثر فى وجود الهواء الجوى والمياه، ما يؤدى إلى تكوين أحماض مثل الكبريتيك والنيتريك اللذين يؤديان إلى تآكل الأثر، كما أن الدكاكين بجانب ذلك تسهم فى تشويه الآثار وتاريخها، خاصة ورش السمكرية.

أضاف: أما السيارات، فإنها تسبب نوعين من الأضرار الجسيمة للآثار، الأول يأتى من الأدخنة والعوادم التى تسبب نفس الأضرار الناتجة عن مداخن المحال والورش، أما النوع الثانى فيأتى من الاهتزازات وما ينتج عنها من تصدعات فى المبنى الأثري، ينتهى بعد فترة زمنية إلى السقوط وانهيار المبنى، أما مياه الصرف الصحى فهى خطيرة، ولا بد من تلافيها حتى لا تتكرر الواقعة التى حدثت قبل أشهر، حينما انفجرت ماسورة مياه أغرقت شارع المعز، لأن مياه الصرف الصحى تؤدى إلى تآكل المبنى الأثرى لما تحمله من أملاح كلوريدات ونتيرات تؤدى إلى تلف المبنى، كما أنها تؤدى إلى نمو بكتيرى وفطرى يؤدى إلى تلف الأثر.

وأشار السيد إلى أن انعدام الوعى الأثرى بالمكان لدى الناس والسكان، يؤدى أيضا إلى تلف المبانى الأثرية، كذلك السرقات المتتالية لحشوات الأبواب والمنابر فى منطقة شارع المعز، تدل على التهاون والاستهتار فى عملية التأمين وإهمال الوزارة، لذا يجب ان يتم تسليح الخفر وزيادة عددهم وتدريبهم للتصدى لتلك المشكلة، ولا بد من توعية الناس عن طريق حملات أثرية لسكان تلك المنطقة بقيمة الأثر وكيفية الحفاظ عليه، وذلك عن طريق مفتشى الآثار والمرممين.
وعن وجهة نظره كمرمم، سألناه عن مقترحاته لحل تلك المشكلات، فقال: بالنسبة للمياه الجوفية والصرف الصحى يتم تفادى مخاطرها عن طريق عزل أرضية الأثر وجدرانه بالمواد والشرائح العازلة للمياه، حتى لا تمتد إلى داخل الجدران بالخاصية الشعرية إلى أعلى، فيؤدى ذلك إلى هدم المبنى، أما التصدعات فى المبنى فيمكن حلها بواسطة تركيب كبسولات لتلك التصدعات اذا كانت صغيرة وغير متحركة، أما المحال ذات المداخن، فيجب إخراجها من حيز المنطقة، وتغيير مسار السيارات إلى خارج المنطقة الأثرية.ش